إعداد الندوة العالمية للشباب الإسلامي
|
قنصوة هو من جعلني لها لانها بلا معني
التعريف : = البنيوية: منهج(*) فكري وأداة للتحليل، تقوم على فكرة الكلية أو المجموع المنتظم. اهتمت بجميع نواحي المعرفة الإنسانية، وإن كانت قد اشتهرت في مجال علم اللغة والنقد الأدبي، ويمكن تصنيفها ضمن مناهج النقد المادي الملحدة. - اشتق لفظ البنيوية من البنية إذ تقول: كل ظاهرة، إنسانية كانت أم أدبية، تشكل بنية، ولدراسة هذه البنية يجب علينا أن نحللها (أو نفككها) إلى عناصرها المؤلفة منها، بدون أن ننظر إلى أية عوامل خارجية عنها. |
التأسيس وأبرز الشخصيات:
= كانت البنيوية في أول ظهورها تهتم بجميع نواحي المعرفة الإنسانية ثم تبلورت في ميدان البحث اللغوي والنقد الأدبي وتعتبر الأسماء الآتية هم مؤسسو البنيوية في الحقول المذكورة:
- ففي مجال اللغة برز فريدنان دي سوسير الذي يعد الرائد الأول للبنيوية اللغوية الذي قال ببنيوية النظام اللغوي المتزامن، حيث أن سياق اللغة لا يقتصر على التطورية Diachronie، أن تاريخ الكلمة مثلاً لا يعرض معناها الحالي، ويمكن في وجود أصل النظام أو البنية، بالإضافة إلي وجود التاريخ، ومجموعة المعاني التي تؤلف نظاماً يرتكز على قاعدة من التمييزات والمقابلات، إذ إن هذه المعاني تتعلق ببعضها، كما تؤلف نظاماً متزامناً حيث أن هذه العلاقات مترابطة.
- وفي مجال علم الاجتماع برز كلا من: كلود ليفي شتراوس ولوي التوسير الذين قالا: إن جميع الأبحاث المتعلقة بالمجتمع، مهما اختلفت، تؤدي إلى بنيويات؛ وذلك أن المجموعات الاجتماعية تفرض نفسها من حيث أنها مجموع وهي منضبطة ذاتياً، وذلك للضوابط المفروضة من قبل الجماعة.
- وفي مجال علم النفس برز كل من ميشال فوكو وجاك لا كان اللذين وقفا ضد الاتجاه الفردي Test is Contest في مجال الإحساس والإدراك وإن كانت نظرية الصيغة (أو الجشتلت) التي ولدت سنة 1912م تعد الشكل المعبر للبنيوية النفسية.
الأفكار والمعتقدات :
إن دراسة أي ظاهرة أو تحليلها من الوجهة البنيوية. يعني أن يباشر الدارس أو المحلل وضعها بحيثياتها وتفاصيلها وعناصرها بشكل موضوعي، من غير تدخل فكره أو عقيدته الخاصة في هذا، أو تدخل عوامل خارجية (مثل حياة الكاتب، أو التاريخ) في بنيان النص. وكما يقول البنيويون: "نقطة الارتكاز هي الوثيقة لا الجوانب ولا الإطار Test is Contest وأيضاً: "البنية تكتفي بذاتها. ولا يتطلب إدراكها اللجوء إلى أي من العناصر الغريبة عن طبيعتها".
وكل ظاهرة – تبعاً للنظرية البنيوية – يمكن أن تشكل بنية بحد ذاتها؛ فالأحرف الصوتية بنية، والضمائر بنية، واستعمال الأفعال بنية.. وهكذا.
= تتلاقى المواقف البنيوية عند مبادىء عامة مشتركة لدى المفكرين الغربيين، وفي شتى التطبيقات العملية التي قاموا بها، وهي تكاد تندرج في المحصلات التالية:
- السعي لحل معضلة التنوع والتشتت بالتوصل إلى ثوابت في كل مؤسسة بشرية.
- القول بأن فكرة الكلية أو المجموع المنتظم هي أساس البنيوية، والمردُّ التي تؤول إليه في نتيجتها الأخيرة.
- لئن سارت البنيوية في خط متصاعد منذ نشوئها، وبذل العلماء جهداً كبيراً لاعتمادها أسلوباً في قضايا اللغة، والعلوم الإنسانية والفنون، فإنهم ما اطمأنوا إلى أنهم توصلوا، من خلالها، إلى المنهج الصحيح المؤدي إلى حقائق ثابتة.
= في مجال النقد الأدبي، فإن النقد البنيوي له اتجاه خاص في دراسة الأثر الأدبي يتخلص: في أن الانفعال والأحكام الوجدانية عاجزة تماماً عن تحقيق ما تنجزه دراسة العناصر الأساسية المكونة لهذا الأثر، لذا يجب أن تفحصه في ذاته، من أجل مضمونه، وسياقه، وترابطه العضوي، فهذا أمرٌ ضروري لا بد منه لاكتشاف ما فيه من ملامح فنية مستقلة في وجودها عن كل ما يحيط بها من عوامل خارجية.
= إن البنيوية لم تلتزم حدودها، وآنست في نفسها القدرة على حل جميع المعضلات وتحليل كل الظواهر، حسب منهجها، وكان يخيل إلى البنيويين أن النص لا يحتاج إلا إلى تحليل بنيوي كي تنفتح للناقد كل أبنية معانيه المبهمة أو المتوارية خلف نقاب السطح. في حين أن التحليل البنيوي ليس إلا تحليلاً لمستوى واحد من مستويات تحليل أي بنية رمزية، نصيّة كانت أم غير نصيّة. والأسس الفكرية والعقائدية التي قامت عليها، كلها تعد علوماً مساعدة في تحليل البنية أو الظاهرة، إنسانية كانت أم مأدبية.
= لم تهتم البنيوية بالأسس العَقَديَّة والفكرية لأي ظاهرة إنسانية أو أخلاقية أو اجتماعية، ومن هنا يمكن تصنيفها مع المناهج(*) المادية (*) الإلحادية(*)، مثل مناهج الوضعية في البحث، وإن كانت هي بذاتها ليست عقيدة وإنما منهج وطريقة في البحث.
الجذور الفكرية والعقائدية:
تعد الفلسفة(*) الوضعية لدى كونت، التي لا تؤمن إلا بالظواهر الحسية – التي تقوم على الوقائع التجريبية – الأساس الفكري والعقدي عند البنيوية.
فهي تؤمن بالظاهرة – كبنية – منعزلة عن أسبابها وعللها، وعما يحيط بها.. وتسعى لتحليلها وتفكيكها إلى عناصرها الأولية، وذلك لفهمها وإدراكها.. ومن هنا كانت أحكامها شكلية كما يقول منتقدوها، ولذا فإن البنيوية تقوم على فلسفة غير مقبولة من وجهة نظر تصورنا الفكري والعقدي.
أماكن الانتشار:
البنيوية منهج مستورد من الغرب، وتعد أوروبا وأمريكا أماكن انتشارها، وأرضها الأصلية. وهي تنتشر ببطء في باقي بلاد العالم، ومنها البلاد العربية.
يتضح مما سبق:
أن البنيوية منهج فكري نقدي مادي ملحد غامض، يذهب إلى أن كل ظاهرة إنسانية كانت أم أدبية تشكل بنية، لا يمكن دراستها إلا بعد تحليلها إلى عناصرها المؤلفة منها، ويتم ذلك دون تدخل فكر المحلل أو عقيدته الخاصة ونقطة الارتكاز في هذا المنهج(*) هي الوثيقة، فالبنية، لا الإطار، هي محل الدراسة، والبنية تكفي بذاتها ولا يتطلب إدراكها اللجوء إلى أي عنصر من العناصر الغريبة عنها، وفي مجال النقد الأدبي، فإن الانفعال أو الأحكام الوجدانية عاجزة عن تحقيق ما تنجزه دراسة العناصر الأساسية المكونة لهذا الأثر، ولذا يجب فحصه في ذاته من أجل مضمونه وسياقه وترابطه العضوي، والبنيوية، بهذه المثابة، تجد أساسها في الفلسفة الوضعية لدى كونت، وهي فلسفة لا تؤمن إلا بالظواهر الحسية، ومن هنا كانت خطورتها.
++++++++++++++++++++++
موتُ الكاتب... وازدراءُ الأديان
يموتُ الكاتبُ فورًا بعد كتابة النصّ. «هكذا تذهبُ المدرسةُ البُنْيَويّة فى النقد. فالنَّصُّ يصيرُ كائنًا مستقلاًّ. يدافعُ عن نفسه فيحيا، أو يُخفقُ فى الدفاع عن نفسه، فيموت. وليس على الكاتب حقُّ حماية نصّه بعد خروجه إلى النور. فالنصُّ لم يعد له؛ بل صار مُلْكًا للتاريخ وميراثًا للإنسانية. النصُّ الجيد يُكتَب له الخلود، والفقيرُ يموتُ غير مأسوف عليه، تمامًا مثل نظرية (الاصطفاء الطبيعىّ) للأحياء. وعمليًّا، مستحيل أن يرافقَ الكاتبُ النَّصَّ طوالَ الوقتِ ليدافعَ عنه. فالنصُّ يعبرُ الجغرافيا بعيدًا عن موطن كاتبه بالترجمة، ثم يعبر الزمنَ فيعيش بعد موت كاتبه بمئات السنين. فكيف يمكن أن يعملَ الكاتبُ محاميًا لكلماته؟!
«موت المؤلف»، نظريةٌ ابتكرها الفيلسوف الفرنسى «رولان بارت» عام ١٩٦٧، طالب فيها بالفصل بين النصّ وبين كاتب النص، الذى يُعدُّ ميتًا بعد كتابة ما كتب، ليتحرر النصُّ منه ويغدو كائنًا مستقلا، علينا التعامل معه بعيدًا عن شخص المؤلف. فربطُ النصّ بكاتبه إفقارٌ للنص. النصُّ نسيجٌ غزيرُ الخيوط. والكاتبُ خيطٌ واحدٌ فيه. النصُّ القوى يصمد أمام النقد، ويعيش وتتواتره الألسنُ مدى التاريخ. والضعيف يتهافت ويموت فى ذاكرة الناس.
هنا نتوقّف لنضحك من أى قانون يسجن كاتبًا بسبب رأى قاله أو كتاب ألّفه!، الكاتبُ ينفصل عن رأيه بمجرد قوله، و«يموت» أدبيًّا. فكيف يُسجن ميّتٌ؟! الأجدى محاكمة النصوص «الحيّة» وليس كاتبيها «الموتى». والنصوصُ القوية لا تحتاج عكازًا تتوكأ عليها، ولا تحتاج من يدافع عنها لأنها تصمد بقوتها الخاصة. والنصوص الضعيفة لا تستوجب عقاب كاتبيها، لأنها تسقط من تلقاء ذاتها لخوائها وتهافتها. فحين أنتقدُ رأيًا للشيخ الشعراوى، فهذا ليس مساسًا بالشيخ، بل برأيه الذى صار كائنًا مستقلا منفصلا عنه.
كذلك الأديان؛ مفترضٌ فيها القوة فى ذاتها، دون دفاع أحد عنها. فالله تعالى قادرٌ على حمايتها وحفظها لتعبر الأزمان والأمكنة؛ فتصل إلى آخر بشرىّ يأتى فى آخر الزمان، يعيش فى آخر بقاع الأرض. هنا أتذكّر الكلمة العبقرية التى قالها عبد المطلب بن هاشم، جدُّ الرسول: «للكعبة ربٌّ يحميها». الكتبُ السماوية هى ميراثُ البشرية بكاملها. ملكيةٌ إنسانية عامة. ليس لها وكلاء على الأرض يزعمون ملكيتها والوصاية عليها. ولا هى كتبٌ هشّة تحتاج من يدافع عنها، شأن القطع الإبداعية الركيكة التى يغضبُ مؤلفُها إن انتقدها ناقدٌ أدبى فى مقال نقدى (وليس فى ساحة محاكمة). النصوصُ الدينية تستمدُّ قوتها ليس بسيوف من يزعمون ملكيتها، بل من ديمومتها وقدرتها على عبور الزمن والمكان، ومن فاعليتها فى الارتقاء بأخلاق الإنسان وتربية روحه وعقله. هنا يظهر تهافت ما يُسمى «قانون ازدراء الأديان»، الذى أراه أولَ المتهمين بازدراء الأديان!، لأنه يتّهم الأديان بالضعف والهشاشة، والاحتياج إلى «عكاز بشرىّ» تتوكأ عليه لتصمد أمام منتقديها! الضعيفُ يحتاج السند فيستأجر «بودى جارد»، على عكس القوىّ الذى تنبعُ قوته من ذاته. هذا على المستوى النظرى. كذلك على المستوى العملى؛ مَن بوسعه أن يحدد إن كان بهذه العبارة أو تلك ازدراءٌ لهذا الدين أو ذاك؟ بوسع قاض أن يزعم أن بعبارة ما ازدراءً لدين ما، بينما يقضى قاض آخر بأنها لا تحمل شبهة ازدراء. الأمرُ خاضع لنسبية وجهات النظر. وهذا يُدخلنا فى ساحة «النقد الفكرى» وليس ساحة القضاء؛ التى تجلُّ وتسمو عن الهوى والنسبية. فهل يُترك الأمر على عواهنه ليكتب كلُّ مَن شاء، ما شاء دون ضوابط؟ بالطبع لا. لهذا حدّد الدستورُ المصرى ثلاثةَ محاذير تُخضعُ كاتبَها للعقوبة الجنائية: ١- التحريض على العنف، ٢- إشاعة العنصرية، ٣- الخوض فى الأعراض. لأن تلك المحاذير تضرُّ الإنسانَ وتهدد السِّلم العام. فيما عدا هذا يظلُّ الرأىُّ رأيًا يموتُ إن تهافت، ويحيا إن صحّ. احترموا الأديانَ بإلغاء القانون المهين للأديان. قانونُ ازدراء الأديان، هو ازدراءٌ للأديان. و«الدينُ لله، والوطنُ لمن يحبُّ الوطن».
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق