الأحد، 24 نوفمبر 2019

التواصل الافتراضي يفتح أفواه الشباب عن المسكوت عنه في مجتمعاتهم

جيل يتخذ من الجرأة وسيلة حيوية للمعرفة ووقودا للتغيير
يســـــعى قطاع كبير من الشـــــباب في المجتمعات العربية إلى كســـــر حلقة
السكوت في مواضيع مثلت محرمات متوارثة وظلت ً خطوطا حمراء يصعب
الاقتـــــراب منها والحديث عنها في العالمين الحقيقي والافتراضي، مع نظرة
جديدة تعتبر بنود قائمة الممانعات التقليدية ً ســـــببا ً مباشرا في مشكلاتهم.
ويؤمن هؤلاء بأن كسر جدار المحظورات شرط للتطور، فلم يعودوا مجبرين
على الاســـــتمرار في حماية أفكار صنعتها أجيال سابقة لا تحقق التعايش
الحر بسبب الاختلاف، وتفتح تأويلاتها أزمات متعددة
تـــداول الكثير منهم مؤخـــرا خبر افتتاحمتحـــف المهبـــلبلندن الشـــهر الحالي
وتمـــت مقارنته مع متحـــف آخر لأعضاء
الذكور بأيســـلندا رغم حساسية الحديث
عن الجنس ً عربيـــا،

ودخلوا في حوارات
تضـــع الأمر ضمـــن ســـياق معرفي بحت
لتغيير التصـــورات الخاطئة عن أعضاء
المرأة التناســـلية ورفع وصمة العار التي
تحـــوم حولها، تحت شـــعار
لا خجل في
العلم
صفحـــات ومواقـــع معينة،
لتســـتضيف مقـــاه فـــي وســـط القاهرة
جلســـات شباب من الجنســـين يتناولون
العديـــد من المواضيـــع ولا يجدون حرجا
في الحديث عنها، وتظل المسائل المرتبطة
بالجنس من أكبـــر المحرمات في مختلف
المجتمعـــات العربيـــة لكن شـــباب اليوم
يتجرأون على طرح مسائل مثل تصورات
الجنـــس الخاطئـــة وأمـــراض الذكـــورة
والأنوثة علانية
ويؤكد هؤلاء أن الجرأة والخوض في
القضايا الشـــائكة سلاحهم الوحيد الذي
يملكونه لمواجهـــة تحجر الأفكار وللمزيد
مـــن المعرفـــة والاطـــلاع واكتشـــاف آراء
وتصـــورات أطـــراف أخرى في المشـــاغل
التي تؤرق تفكيرهم وكذلك السعي لتغيير
نظـــرة المدافعـــين عن موروثـــات خاطئة،
فبعـــض الأســـر مثـــلا لا تقبـــل تحميلها
مســـؤولية شذوذ ســـلوك الأبناء، رغم أن
تطـــرف الأبويـــن الدينـــي أو أخطائهما
التربويـــة بأســـاليب عنيفـــة وغيرها قد
تدفعهم نحو أكثر الســـلوكيات شـــذوذا
وقـــد يتجهون نحـــو الإلحاد.
هذه
المواضيع وغيرها لا يمكن نكران وجودها
فـــي مجتمعاتنا العربية لكـــن غالبا ما لا
يتـــم الحديـــث حولها وطرحهـــا كقضايا
رأي عام.


المدافعون عن المحرمات
ِ يعانون من ازدواجية بين
ما يظهرونه وبين رغباتهم
الحقيقية، وحاجتهم إلى
إثارة بعض المسائل
يقـــول عطية، لـالعرب، إن الشـــباب
باتـــوا أكثر ً تفتحا وتفهمـــا في ما يتعلق
بمناقشـــة القضايا الشـــائكة من منظور
جـــاد أو تناولهـــا بمنطـــق موضوعـــي،
وممانعة الأجيـــال القديمـــة مفهومة في
ظـــل اعتبارها لبعـــض التقاليد والحدود
المفروضة من خلالها عناصر من هويتها
الثقافية
 


ولا يبالـــي الكثيـــر من الشـــباب الآن
باتهامهـــم بخـــدش الحيـــاء، ويعتبرون
أنفســـهم متصالحـــين مـــع ذواتهـــم فما
يناقشـــونه فـــي العلـــن تم تداولـــه فـــي
الجلسات المغلقة لأجيال الآباء والأجداد،
ولا يوجـــد منهم من لـــم يتحدث فيها ولو
خلسة وفي دوائر ضيقة أو طرح تساؤلات
حولها أو أراد مناقشتها مع أقرانه



ويلفـــت البعض من الشـــباب إلى أن
المدافعـــين عـــن المحرمـــات والتابوهـــات
يعانون مـــن ازدواجية بين مـــا يظهرونه
أمـــام الناس وبـــين رغباتهـــم الحقيقية،
وحاجتهم إلى إثارة بعض المســـائل التي
تمســـهم مباشـــرة وتؤثـــر علـــى حياتهم
اليومية وربما على حاضرهم ومستقبلهم.
ويتحاشـــى الكثيـــر مـــن المعلمـــين
والمعلمات شـــرح مقـــررات دراســـية عن
الجماع بســـبب الخجل من الخوض فيها
بوجه عـــام أو لتفادي التعرض لأســـئلة
محرجـــة لا يســـتطيعون الإجابـــة عنها،
ويطالبون الطـــلاب بحفظها كما هي من
المقرر المدرسي، أو بالبحث على الإنترنت
عن المعلومات التي لا يفهمونها



وأبـــدت شـــيماء علي ) 27ســـنة(، في
حديثهـــا مـــع العـــرب، ســـعادة كبيرة
بنقل النقاشـــات الافتراضيـــة من مواقع
التواصـــل الاجتماعي إلـــى الواقع، مثل
أعضاء مجموعـــة باد ماميـــزالتي تم
تأسيسها كمتنفس للسيدات للخروج من
التزامات المنزل، وبدأن بعدها في تكوين
صداقات حقيقية والتجمع في النوادي أو
مقاه خاصة بالسيدات للنقاش في قضايا
شديدة الخصوصية



وباتـــت أحاديـــث الفتيـــات لا تركـــز
فقط علـــى المواضيع البســـيطة المتداولة
مثـــل كيفيـــة طهي أصنـــاف الطعـــام أو
أماكن شراء مســـتلزماتهن الرخيصة من
المكيـــاج والملابـــس، وإنمـــا انتقلت إلى
الحديث عن العنـــف في العلاقة الحميمة
وكيفية مواجهتـــه والاغتصاب الزوجي،
والتصـــدي لـــه والدفاع عـــن النفس إزاء
المتحرشـــين وكيفيـــة تعليـــم الصغيرات
الثقافة الجنســـية، ثم إلـــى حقوق المرأة
وكيفيـــة الوصول إليها ســـواء في البيت
أو في العمل أو في المجتمع



وقبل أعـــوام، تم تدشـــين موقع على
شـــبكة الإنترنت بعنوان الحـــب ثقافة
ليصبـــح منصـــة نقـــاش لأمـــور الحـــب
والجنس والزواج، ويقدم معلومات طبية
حـــول الصحـــة الإنجابية واستشـــارات
زوجيـــة ونفســـية برســـوم توضيحيـــة
وفيديوهـــات قصيـــرة، واســـتطاع جذب
مليون و 250ألف متابع على فيسبوك.
ولا تتوقف التابوهـــات التي يطرقها
الشـــباب عند حدود الجنس، فهم يولون
أهميـــة كبيـــرة لمواضيع التـــراث الديني
ويرفضون القدســـية المطلقة التي يتمتع
بها بعـــض الدعـــاة المشـــاهير، ويبدون
تأييدا لشـــخصيات مثيـــرة للجدل، مثل
إســـلام بحيري وإبراهيم عيســـى وخالد
منتصـــر، لمجرد أنهم يدعـــون إلى إعمال
العقل والابتعاد عن النقل



وأشـــار محمـــد ســـالم، ً 37عامـــا،
لـالعـــربإلى أن تنقيـــة التراث الديني
وأفكار الرموز الدينية ضرورية لمواجهة
المرتكـــزات الفكريـــة للحركات المتشـــددة
التي تكملها تصورات قائمة، مثل اعتبار
المتطرفين النســـاء جواري يجوز بيعهن
وشـــراؤهن، وتتماشـــى مع رؤية خاطئة
منتشـــرة في المجتمعـــات المغلقة وتعتبر
المـــرأة مخلوقـــا لإمتـــاع الرجـــل ووعاء
لإنجـــاب الأطفـــال وغيرهـــا مـــن الأفكار
المتطرفة والبدائية.
ويعترف مختصون نفسيون بأن جرأة
الشـــباب على طرح القضايا أوجدت ثقافة
عامة لمسوها في الحالات التي ترد إليهم،
ً فكثيرا مـــا يزورهم مقبلـــون على الزواج
مصابون بهزات نفســـية، أو يسألون عن
المشروعية الدينية للعلاج بالهرمونات لمن
يعانـــون تأخرا في البلـــوغ وغير ذلك من
المشاكل النفســـية التي تعترضهم
في حياتهم والتي كانت الأجيال
الســـابقة تســـتحي من الذهاب
إلى طبيب نفسي لمعالجتها



أوضح الاستشاري
النفسي، جمال فرويز،
لـ
العربأن تداول
المعلومات المتعلقة
بالثقافة الجنسية
والدينية لا يخلو
من ذاتية مقدميها،
خاصة إذا كانوا
غير متخصصين.
وتطالب شريحة
من الشباب
بضرورة تغيير
منظومة
القيم في ظل
التطورات
المتلاحقة، فلم يعد
مقبولا أن يتم اتهام
روائي بإثارة الفاحشة
لأنه سمى الأعضاء
التناسلية بمسمياتها
الشعبية التي تمتلئ بها
شبكات الإنترنت، ولم
يعد مقبولا أن ّ ينصب
البعض نفسه ً حارسا
على الأخلاق في مجتمع
يعاني من هزات عنيفة
تقتضي توصيف الأزمات
بأسمائها ً بدلا من
مداراتها

+++++++++++++
الجيل الجديد يوظف
الوسائل التكنولوجية
لإبلاغ مطالبه الحقوقية

أضحـــت مواقع وتطبيقـــات التواصل
الاجتماعـــي جـــزءا أصليـــا فـــي تحديـــد
العلاقـــات بـــين النـــاس وبشـــكل أخـــص
الشـــباب، إذ أدخلت الكثير مـــن المفردات
والتعابيـــر لثقافتنا كجزء مـــن التحولات
التـــي تعيشـــها كل فئات المجتمع بنســـب
متفاوتـــة تتحكـــم فيهـــا عوامـــل الديـــن
والثقافة والتاريـــخ والعادات وغيرها من
مكونات الهوية
 


 ويـــرى الشـــباب منصـــات التواصل
الاجتماعي فرصة تاريخية ووسيلة ثورية
لإحـــداث نـــوع مـــن القطيعة مـــع التفكير
القديم والممارســـات الثقافية والاجتماعية
التي لا تناســـبهم،
وذلك نظـــرا لحاجتهم
الماســـة إلى إحداث تغييرات تتماشى مع
تطلعاتهم وفهمهم الخاص للواقع


وحسب باحثين فإن وسائل السوشيال
ميديا ســـاهمت بقوة في انفتاح الشـــباب
على تجارب مختلفـــة والاطلاع على أفكار
تتجـــاوز المعيش اليومي وممارســـات قد
تكون ممنوعة داخل مجتمعاتهم، فاتجهوا
من خلال تعبيـــرات معينة إلى إخراج تلك
الأفـــكار والمواضيـــع المســـكوت عنها من
الفضـــاء الرقمـــي وتنزيلهـــا في الشـــارع
والمقهى والمدرسة والمنزل، وهي مواضيع
تتشـــابك فيهـــا المحظـــورات الجنســـية
والعنـــف والاغتصاب والتحـــرش وحتى
الاغتصاب الزوجي والعذرية وحرية المرأة
وحقوق الشباب وغيرها


ويعتقد نائـــب رئيس المركـــز المغربي
للشـــباب والتحولات الديمقراطية، حسام
هـــاب، أن القيـــود التي يضعهـــا المجتمع
علـــى النقاش العام بخصـــوص مجموعة
من القضايا والإشـــكاليات التي تندرج في
إطار التابوهات )الجنس، الدين، الحريات
الفردية( تدفع الشباب إلى سحب النقاش
فيهـــا من العالم الافتراضـــي نحو الواقع،
مســـتفيدين مما يتيحه العالم الافتراضي
من هامش نسبي من حرية الرأي والتعبير
دون قيـــود يفرضها الدين أو تفرضها قيم
المجتمع المحافظ

ويذهـــب عزيـــز أدمايـــن، الخبيـــر
الحقوقي، إلى أن ارتفاع منســـوب الجدال
عند عدد من الشباب في وسائل التواصل
الاجتماعـــي يعود إلى عـــدة عوامل، أولها
غيـــاب وســـائل الوســـاطة المؤسســـاتية
والسياســـية بين هؤلاء الشـــباب والدولة،
هذه الوســـائط التي تقوم بترجمة مطالب
واحتياجات الشباب إلى برامج اجتماعية
واقتصادية،
وأضاف لـ
العربأن العامل
الثاني يكمن في الثورة التكنولوجية التي
مكنت الأفراد من فضاءات جديدة للتعبير
وإبداء آرائهم

ولا شك أن شـــباب المغرب كغيرهم من
شباب المنطقة العربية والإسلامية تواقون
إلى الحرية وإلى آفـــاق رحبة في التعبير
عما يعانونه وما يطمحون إليه، وقد شكل
فيســـبوك ويوتيوب مســـاحة تعبير هامة
لهؤلاء ميزت هـــذه الفترة من الزمن
التي تمر فيها المنطقة بإشكاليات
علـــى مســـتوى الديمقراطيـــة
والفساد.
 


وللإحاطـــة بظاهرة اهتمام الشـــباب
بمواقـــع السوشـــيال ميديـــا، والتأثيـــر
المتبـــادل بينهم في ما يتعلـــق بالمحتوى
وبكل المواضيع التي تضعها مجتمعاتهم
في خانة المســـكوت عنه، لا بد من التركيز
على الوقت الذي تشـــغله تلك المنصات من
حياة الشـــباب وطاقاتهم، إذ بلغ متوسط
الوقت الذي يقضيه المستخدمون على تلك
المنصات ساعتين و 16دقيقة كل يوم

ويؤكدأدماين،لـالعرب،أنأهمسبب
يغري الشـــباب باتخاذ وســـائل التواصل
الاجتماعي منصـــة للتعبير بحرية، يعود
إلى تدفق عـــدد كبير جدا مـــن المعلومات
بشـــكل يومي والتي تتعلق بفضح الفساد
أو تورط مسؤولين عموميين في نهب المال
العـــام، وأيضـــا النموذج التنمـــوي الذي
يعيش ضمنه شباب الضفة الأخرى حيث
توجد المساءلة والشفافية والحكامة

ومع هذا العدد المتزايد من مستخدمي
الإنترنـــت والتواصـــل اليومي بوســـائط
التواصـــل الاجتماعي،
  

، يشـــير أدماين إلى
ارتفـــاع منســـوب الوعـــي لدى الشـــباب
وخاصة الوعـــي الحقوقي بكون مطالبهم
ليســـت هبات مـــن الدولة وإنمـــا هي حق
يمكنهـــم التمتع بـــه ومن واجـــب الدولة
توفيـــره،
ومـــن بـــين ذلك مناقشـــة بعض
المواضيع الممنوعة على صفحات التواصل
الاجتماعي التي يريد من خلالها الشباب
أن تطـــرح تلك القضايا علنا وفي المجتمع
ويريدونها ألا تظل مسكوتا عنها

وإذا أخذنـــا بعـــين الاعتبـــار المقولة
الشـــهيرة
إن كل ممنـــوع مرغـــوبفإن
جنـــوح الشـــباب نحـــو نقـــاش القضايا
المصنفة تابوهـــات، على مواقع التواصل
الاجتماعـــي أمر طبيعي، حســـب حســـام
هـــاب، فـــي حديثـــه لـ
العـــرب، مـــا دام
الواقع يفرض على شـــباب في سن التمرد
والجرأة الســـكوت عن قضاياهـــم، وهذا
الأمـــر يعكس قـــدرة العوالـــم الإفتراضية
على خلق متنفس للتعبير وتشـــكيل رأي
عام افتراضي
 


ويقول الحقوقي عزيز أدماين لم يعد
شباب اليوم يخشـــون عقوبات الدولة من
ســـجن أو غيره بل قد يجدونـــه أرحم من
الواقـــع الذي يعيشـــونه
. نحن أمام جيل
جديد لديه مطالب حقوقية، ويستعمل كل
الوســـائل المتاحة أمامه، من أجل إيصال
صوتـــه، وقـــد يكـــون مضمون الرســـائل
أحيانـــا فيـــه جـــرأة أو شـــجاعة لقول ما
يصمـــت عنـــه الجميـــع، كالحديـــث عن
الدين أو المؤسســـات السياسية، ولكن
ذلك يبقى تعبيرا عما هو كامن ومكبوت
في المجتمع طيلة سنوات.
ويشـــير أدماين إلـــى أن التابوهات
اليـــوم أصبحـــت تخـــرج للعلـــن
لأسباب اجتماعية، أهمها الفقر
والهشاشـــة في المقابـــل يتابع
الناس عبر وســـائل التواصل
الاجتماعـــي مصيـــر ثروات
بلدانهم التـــي تنهب من قبل
أقليـــة لها امتيازات في غياب
أي مساءلة أو محاسبة

 
الجيل الجديد لديه مطالب
حقوقية، ويستعمل كل
الوسائل المتاحة أمامه،
من أجل إيصال صوته، وقد
يكون مضمون الرسائل أحيانا
فيه جرأة أو شجاعة لقول ما
يصمت عنه الجميع، كالحديث
عن الدين أو المؤسسات
السياسية والاجتماعية



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق