الجمعة، 22 نوفمبر 2019

الخطوبة.. منطقة وسطى بين الحلال والحرام

في كل المجتمعات العربية قصص انحراف وتجاوزات أخلاقية بين المخطوبين تؤكد غياب الأخلاق، وسيطرة الشهوات والنزوات، وقد يستر الله مخطوبين استسلما للشيطان، ولا يفضحهما بين الناس، وقد يكشف سبحانه بعض هذه الجرائم، ليعتبر كل من له عقل من مصائب ومآسي الآخرين.. وفي كل الأحوال لا بد من أن نعترف بأن الكثيرين تخلوا عن الأدب الإسلامي في اللقاء بين راغبي الزواج من الجنسين.
بداية يؤكد د. علي جمعة، عضو هيئة كبار العلماء ومفتي مصر السابق، أن الإسلام ضبط سلوك كل شاب وفتاة مقبلين على الزواج بآداب راقية تمكنهما من التعارف من دون تجاوزات، وتعمق من مشاعر الحب والشوق والاحترام المتبادل بينهما، فالإسفاف بين الطرفين مرفوض ومدان، فلا مجال لسيطرة شهوة على لقاء الخطيبين.
لقد أباحت شرعية الإسلام للخاطب أن يلتقى بخطيبته وأن ينظر إليها، وأن يتم التعارف بينهما بما يوفر للزواج عوامل الاستقرار والاستمرار، إلا أن الفقهاء وضعوا لهذا اللقاء شروطاً وقواعد وآداباً يجب الالتزام بها.

منعاً لوساوس الشيطان
ويضيف: إن الخلوة بين الشاب وخطيبته محرمة شرعاً قبل الزواج منعاً لوساوس الشيطان، فالخطبة ما هي إلا مقدمة من مقدمات الزواج، وما هي إلا مجرد وعد بالزواج.. والخاطب والمخطوبة كلاهما أجنبي عن الآخر ما لم يتم عقد الزواج بينهما، وينطبق عليهما قوله صلى الله عليه وسلم: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فلا يخلون بامرأة ليس معها ذو محرم منها فإن ثالثهما الشيطان».
ويوضح د. جمعة أن نطاق رؤية الشاب لخطيبته حدده الفقهاء، فقال بعضهم بجواز النظر إلى الوجه والكفين والقدمين، وقال البعض الآخر بجواز النظر إلى الوجه واليدين والرقبة والقدمين.
أما ما يحدث الآن من خلوة الشاب بخطيبته، وخروج الفتاة مع خطيبها، وانفراده بها بعيداً عن عيون الأسرة، فهو أمر غير مقبول من الناحية الشرعية، لأنه يوفر فرصاً عديدة للانحراف، تدفع ثمنها الفتاة وأسرتها، وقصص الانحراف في ذلك أكثر من أن تحصى، وهي نتيجة طبيعية للخروج على الآداب والأخلاق الإسلامية.

كما يطالب برقابة الأسر على بناتها خلال فترة الخطبة، وعدم السماح بخروج الفتاة مع خطيبها إلا مع بعض محارمها في حالة الضرورة، وأن يكون اللقاء والتعارف داخل الأسرة.
مسؤولية الأسرة

الداعية د. مبروك عطية يتفق مع د. جمعة في أن تداعيات التفريط في آداب الإسلام

ويضيف: كثير من الأسر تقدم تنازلات لخطيب البنت، من أبرزها الانفراد بها في غرفة مغلقة، وعدم الدخول عليهما إلا بعد استئذان، كما سمحت أسر كثيرة للسيد الخطيب المبجل باصطحاب البنت معه في كل مكان يذهب إليه، وهذا تفريط في المسؤوليات، فكل أسرة مسؤولة مسؤولية دينية وأخلاقية عن البنت حتى تنتقل إلى بيت زوجها.
كما أن كثيراً من الأسر تسمح للفتاة بارتداء ما تشاء من الملابس المثيرة خلال لقائها بخطيبها، وفي هذا خروج فاضح على الآداب والأخلاق الإسلامية، حيث لم يبح الشرع للخاطب غير النظر إلى الوجه والكفين، فبقي ما عداً ذلك محرماً، والخلوة بالمخطوبة محرمة إلا إذا وجد معها محرم، لامتناع وقوع المعصية مع وجود المحرم.

لا تهاون ولا تضييق
وهنا يسجل د. النجار رفضه لسلوك الأسر التي تضيق على بناتها، وتضع حاجزاً بين المخطوبين، ولا تسمح لهما بما أباحه العلماء. ويقول: التهاون مرفوض ومدان، وكذلك التضييق، فالإسلام جعل الخطبة فترة تعارف واختبار، ولا سبيل لتحقيق التواصل الأخلاقي بين الراغبين في الزواج إلا من خلال اللقاء المنضبط بضوابط الإسلام وأخلاقياته.
ويضيف: الإسلام حث على السماح للشباب من الجنسين بالالتقاء وتدقيق النظر والتعارف قبل الإقدام على عقد الزواج، كما حث الرجل والمرأة على أن يستكشفا عواطفهما ومشاعرهما وطبيعتيهما، لأن توفر عنصري المحبة والمودة بين الزوجين عند بدء حياتهما الزوجية يغلق المجال تماماً أمام وساوس الشيطان التي قد تدفع أحدهما أو كليهما للانحراف الأخلاقي والخيانة الجسدية، أو حتى المعنوية، فالرسول صلى الله عليه وسلم طالبنا بأن نتزوج عن حب حين قال: «تزوجوا الودود الولود» ومعنى الودود التي تشعركم بالود والمحبة، والله تعالى يصف العلاقة بين الزوجين قائلاً: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً).. وهذه التعبيرات الإسلامية: المودة والرحمة والسكن كناية عما نسميه في عصرنا بالحب العاطفي والانسجام الروحي.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق