الخميس، 21 نوفمبر 2019

سوق العمل المرأة

حظوظ الجميلة المحافظة
أو متواضعة الجمال في سوق العمل

د. جاسر عبدالله
الحربش

ليس من الطبيعي فحسب، بل من
الضروري تشارك المرأة والرجل في
سوق العمل المفتوح على الفضاء العام
والرقابة الاجتماعية والقانونية، رغم
الأخذ المؤكد في الاعتبار احتمال وجود
تحرش كظاهرة بشرية معروفة منذ
بدء الخليقة في أي مكان عمل يتشارك
فيه الجنسان فيه العالم. التحرش أنواع،
ً والأكثر انتشارا منه هو الذي يكتفى
فيه بالتغازل العابر أو الابتسامات
الواسعة أو حتى غمزات العيون. هذا
النوع لا فكاك منه ولكن أيضاً لا ضرر
لأنه يتكرر في كل مكان تتواجد فيه
المرأة بالصدفة، سواء في البقالة أو
الصيدلية أو المستشفى وربما حتى في
الأماكن المقدسة، بدون علاقة وظيفة
أو عمل تربط المرأة بالمكان. النوع
الثاني من التحرش هو تكثيف محاولات
الإغراء الهادفة للاصطياد، بالهدايا
الثمينة والدعوات الباذخة والمبالغة
في العذوبة والتقرب. هذا النوع هو
الذي يكون خراب البيوت
وبوار المرأة
وسقوطها (دون الرجل) ولكن فقط إن
هي لم تبادر بالتبليغ وتقديم الشكوى
ضد المتحرش لأن السكوت يعتبر عندئذ
علامة الرضى

الأخطر من التحرش في أماكن العمل
المشتركة هو الابتزاز بنقاط ضعف
المرأة المادية أو سذاجتها، وهذا مجال
واسع ورمادي لا تسقط فيه سوى المرأة
الغبية أو ذات الاستعداد المبدئي لأنها
من الأساس خفيفة وسهلة
 

أما التنمر الذكوري ضد المرأة في أماكن
العمل فلا داعي للخوض فيه لكونه
ممارسة مرضية عدوانية ضد الإناث
لجس النبض وفرض الذات، ولكن
سرعان ما تنكشف الممارسة ويحسم
الموضوع

بعد هذه المقدمة أدخل في موضوع
المقال، ظاهرة إعطاء الأفضلية في
سوق العمل للجميلات والمتبرجات على
حساب العفيفات المحافظات وصاحبات
الحظوظ الأقل من الجمال الأنثوي.
ظاهرة تسليع المرأة بمعنى استعمالها
أو استغلالها في الجذب التسويقي
لبضاعة مادية أو ترفيهية حقيقة لا
يجادل فيها سوى من ينوي المشاكسة
والعناد. «قل للمليحة في الخمار الأسود
ماذا فعلت بزاهد متعبد»، هذا مقطع
من بضعة أبيات نظمها شاعر عباسي

صبح من المألوف في كل مكتب
سكرتارية واستقبال فندق ومتجر ودار
أزياء وسياحة أن تكون في الواجهات
فتيات فاتنات وربما مع بعض الشباب
ظاهري الوسامة. الأغلبية الكاسحة
في الدعايات الورقية والتلفزيونية
والسينمائية تستخدم النساء الجميلات
لترويج كل شيء، من الأجبان والمعجنات
ً والحلويات مرورا بالأدوية والمراهم
والكريمات والمنشطات الجنسية وانتهاء
بترويج الأزياء والسياحة. لن يغامر تاجر
ذكي لترويج بضاعته باستخدام امرأة
كل مواهبها فصاحة اللغة وطلاقة
اللسان فذلك أمر غير وارد ويعتبر أول
مؤشر على غباء المنتج وأسرع طريق لكساد
بضاعته. 
الناس في العصر الحديث تبرمجوا
على ربط جمال المروج بجودة ما يروج له من
بضاعة. تسليع المرأة الجميلة بدأ في الحضارة
الغربية قبل أكثر من قرن ثم انتشر في كل
بقاع الأرض فوصلت المنافسات التجارية
في تسليع الأنثى إلى التقاط فتيات هنديات
أو افريقيات جميلات من بيئات فقيرة نائية
وتلميعهن بالأصباغ لترويج المنتجات المادية
والترفيهية في المجتمعات المترفة مع تبهير
الدعايات والإعلانات بالإيحاءات الجنسية. فكرة
اصطياد الزبائن والمتبضعين بالنساء الجميلات
لا يقتصر بالطبع على إغراء المتسوقين فقط
بل وفي أحيان كثيرة يمتد حتماً إلى اصطياد
النساء الجميلات المروجات أنفسهن لأغراض
أخرى غير البيع، وقديماً قيل أن الغواني يغرهن
الثناء والمال والجمال، ولا جدال في ذلك

 الآن شملت ظاهرة تسليع المرأة الفاتنة في
مجالات الدعاية التجارية والإغرائية كل العالم
واستطاعت اختراق أشد المجتمعات محافظة
فيما يخص وضع المرأة فيها بالذات. من
المسكوت عنه أنه حتى في الحضارة الغربية
التي خرجت منها هذه الظاهرة يوجد الكثير
من النقد والاحتجاج الحقوقي والاجتماعي
والأخلاقي على تسليع المرأة الجميلة والخفيفة
أخلاقياً وتفضيلها في سوق العمل على الجميلة
العفيفة أو تلك الأقل جمالاً وإثارة في بنيتها
الجسدية ومظهرها الخارجي، بمعنى أن الفتنة
الجسدية تقدم على الاستقامة والكفاءة

لابد هنا من نقاط توضيحية عن ضرورة خروج
المرأة إلى العمل كالتالي : الاستقلال المالي
عن تسلط الزوج المقتر والمشاركة في العملية
الاقتصادية الوطنية كقدرة وكفاءة مستقلة،
وممارسة حقها الشرعي والوطني في العلم
والعمل والكسب والحركة في الفضاء العام
المشمول بمسؤوليات الدولة الأمنية والأخلاقية.
يزيد في التأكيد على هذه الضرورات الحقائق
التالية: تضاءل قدرات الذكور على تغطية
حاجات الأسرة المتصاعدة إضافة إلى أن ما
كان يعتبر قديماً من الكماليات أصبح من
الضروريات التي لا غنى عنها حتى في الأسر
المحدودة الدخل. البراهين الواضحة على أن
المرأة في سوق العمل المناسب لا تقل إنتاجية
وانضباطاً عن الرجل وتتفوق عليه في الأعمال
التي تتطلب لياقة نفسية أكثر ولياقة بدنية
أقل.
حقيقة أن المجتمعات الذكورية التي
تسمي نفسها محافظة لم تكن محافظة في
السر والعلن والداخل والخارج عن قناعات
أخلاقية. من المعروف في علم الاجتماع
البشري أن من كان يفتح الباب على مر الأزمنة
للصلاح أو الفساد الاجتماعي هو الرجل، ثم ما
تلبث المرأة أن تجري لاهثة خلفه لتقلده.
صلاح
المجتمعات المحافظة كانطباع اجتماعي هو
فعلا مجرد انطباع تفرضه التقية الاجتماعية،
ولكن وبالرغم من كون هذه المحافظة
ظاهرية فقط إلا أنها ضرورية للتزاوج والانجاب
ً وتماسك الأسرة. وأخيرا كون مسألة التعفف
الأخلاقي عند المرأة والرجل لا علاقة له بأي
شيء آخر غير التربية العائلية واقتناع البنات
والأولاد بتميز والديهم العائلي والأخلاقي
واتخاذهم في ذلك كقدوة
. القدوة الأخلاقية
للأبناء والبنات هو أولاً ً وأخيرا الأب والأم في
المقام الأول
و صاحبة النصيب الأقل من الجمال (ومهما
كانت كفاءتها وقدراتها الإنتاجية) ستكون
ً ندا في سوق العمل لصاحبة التبرج والدلال
وستحصل على نفس الفرص العادلة في
ًالتوظيف والمكافآت والترقيات يكون كاذبا
عن عمد وإصرار.
الخلاصة: لابد أن تعمل المرأة للأسباب التي
جاءت في سياق المقال، ولكن يجب الحذر من
اختيار وتسليع المرأة الجميلة في الواجهات
الدعائية والترفيهية والفضائية وابعاد ذوات
العقول والعفاف إلى الصفوف الخلفية، لأن
العنوسة والطلاق تنتظر أي مجتمع يفرط في
هذه الأمور. يبقى أن أقول لمن قد تحتج بأن
هذا جمالها وهي حرة التصرف فيه أن الخوف
ليس عليها وإنما من تأثيرها على الأخريات
وعلى الانحراف في سوق العمل
 
 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق