الأحد، 17 نوفمبر 2019

الاستثمار في البشر

ربما لا يختلف شخصان على أهمية التعليم والصحة على حياة الشعوب والتأثير الإيجابى لتحسن مستوى هاتين الخدمتين على مستوى سعادة أى شعب. فى هذا المقال أود أن أنظر لهذه الفكرة من منظور مختلف وهو المنظور الاستثمارى. دائما ما تنظر الحكومات لتحسين مستوى هذه الخدمات كعبء يثقل كاهل الدولة ولكن ماذا لو نظرنا له كاستثمار وله عائد مجزٍ، حتى لو كان هذا الاستثمار طويل الأجل.

المدن التى تتصدر العالم اليوم فى الانتاجية وفى عالم الاقتصاد والأعمال تذكرنى دائما بتجربة الفأر الذى يدور فى العجله بلا كلل أو ملل. مع الفارق أن الإنسان ليس فأرا، هو مخلوق متطور ومعقد وله مطالب وطموحات. يريد حياة كريمة له ولأسرته. يريد تعليم جيد لأبنائه، مستشفى مجهزة ونظام طبى متطور، شوارع نظيفة ومهيئة للسير بلا مشاكل أو عقبات، نظام حكومى ميسر يمكّن الحكومة من أخذ حقوقها بدون الجور على المواطن أو تعطيله. نيويورك، لندن، زيوريخ، دبى، سنغافورة، مدن تتصدر العالم. دائما ما يبهرنى فى دبى كيف استطاعوا أن يجمعوا كل هذه الجنسيات، وكثير منهم يأتون من دول معروفة بعدم النظام ولكن شعوب هذه الدول فى دبى يصيرون الأكثر حرصا على الحفاظ على نظام الدولة؛ وذلك لأنهم يقدّرون مستوى المعيشة التى ينعمون بها هناك. زيوريخ أكثر من ثلث سكانها يأتون من خارج سويسرا ويعيشون فى مدينة من أكثر مدن العالم غلاء ويتمسكون بها بسبب مميزات غير مادية. هذا المناخ ينتج عنه جذب لأفضل المواهب العالمية مما يزيد من انتاجية المدينة وانتاجية الدولة. وهنا أعود لمثال دبى لأنها الأقرب لنا وأنظر لنجاحها فى جذب أهم الشركات الوليدة Startups فى المنطقة، شركة كريم بدأها سويدى وباكستانى من دبى لخدمة عدة أسواق ليست الإمارات أكبرها ولكنها تبقى مركزا قويا للانطلاق. من دبى استطاعوا جمع فريق عمل على أعلى مستوى من المؤهلات العلمية، ونجحوا فى تكبير الشركة حتى بيعت بعدة مليارات لشركة أوبر الأمريكية، كريم ليست وحدها.
هذا النجاح فى هذه المدن الرائدة يأتى بسبب العمل على مستويين:

على مستوى الشركة: نظام حكومى واضح وسهل للدخول والخروج من السوق ولتسيير الأعمال. ماذا يعنى ذلك؟ يعنى أن فتح الشركة سهل، اشتراطات التراخيص واضحة ومفهومة وهناك من أعود إليه إذا كان عندى تساؤلات، وهو موظف حكومى ولكنه على أعلى مستويات الدراية العملية بمجاله وهو موجود لمساعدتك لبدء العمل وليس لايجاد عراقيل. المتابعة تكون مع جهات رقابية محدودة ومعروفة ومهمتها الأولى هى مساعدتك لنجاح مهمتك مع مراعاة حقوقها. النظام الضريبى واضح وبسيط وليس فيه لبس أو احتمالات تأويل كثيرة ويسعى لإغلاق الملفات سريعا لأن أى تأخير فى مشاكل شركة سينتج عنها «تطفيش» عدد أكبر من المستثمرين وينتج عن ذلك خسارة فرصة زيادة الحصيلة الضريبية على المدى الطويل. أخيرا نظام احتكام وتقاضٍ عادل وناجز. أما اذا قررت الشركة إغلاق أبوابها والخروج من السوق فالنظام يمكّنك من الانتهاء من ذلك فى أسرع وقت ممكن وبدون «ديول»؛ لأن هذه «الديول» تولد خوفا من الدخول فى النظام الرسمى على المستوى المحلى، فتولد لديك قطاع غير رسمى وتتسبب فى تخويف المستثمرين الجدد من الدخول فى السوق.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق