الجمعة، 17 يناير 2020

الانفجار المعرفي

 أصبحت المجتمعات اليوم في مواجهة تدفق غزير في المعلومات المعرفية، وتضخم في الكم والنوع، وذلك نتيجة للتطورات التكنولوجية العالمية التي يبدو انها لن تهدأ عن الجديد والحديث، ولا عن التغيير والتبديل. فمن المعارف العلمية المتنوعة من بحوث ودوريات علمية، وبراءات اختراع، وظهور تخصصات علمية جديدة خاصة في الطب والهندسة، والعلوم الحيوية وغيرها، الى المعارف الفكرية ونتاجها الهائل من الكتب والمجلات، والبحوث، وكل ما يستجد.

وهكذا أصبح العالم يئن من حجم هذه الكتل الهائلة من المعارف المختلفة والمتنوعة، والتي تستحيل ملاحقتها اليومية، ومن ثم استيعابها وهضمها، حقا كما أطلق عليها البعض تعبير «صدمة معلومات ومعارف».

ومع هذا، أجبرتنا على تحديها بمواجهتها والتعامل معها، ومتابعة كل ما هو جديد وحديث لحظة بلحظة بلا توقف، وإلا أصبحنا نشعر بالاغتراب المعرفي.

والسؤال هنا، أين نحن من كل هذا؟
والجواب، أننا كمجتمعات عربية نتلقى، ونستهلك فقط ،لا إنتاج ولا فاعلية، ولا دور لنا يذكر بالنتاج العالمي من الانفجار المعرفي، إلا فيما ندر. وبالتالي يجب علينا أن نسعى بجد الى تغيير هذه الصورة والقضاء على الأمية العلمية والفكرية والمهنية، ونجاري تطورات هذا العصر التكنولوجي المتسارع، وذلك بتغيير برامج التربية والتعليم عامة، ولنبتعد عن تلقي المعلومات والمعارف من غيرنا، ونتجاوزه الى الاهتمام بالموهبة الذاتية، والعبقرية الشخصية وخاصة عند شبابنا الواعد المهتم، الذي يتمتع بمواهب عديدة، وننمي عنده ملكة الاختراع والابتكار بكل اشكاله وتنوعه العلمي والفني والأدبي والفكري، ونشجع مهاراته، ونعتني بأفكاره، حتى نصل معه الى مرحلة الخلق والابداع والعطاء، ومن ثم نهتم بتأهيله حتى يستطيع أن يلحق بركب الحضارة المعرفية ويساهم بها، كونها لغة العصر التي لا غنى عنها أبدا، وإلا تخلفنا أكثر عن «صاروخ» الحياة المتسارعة معرفيا وفكريا، والتي بالضرورة ستتخطانا، وتدعنا نلهث وراءها من دون جدوى!

الأميّة العلمية والفكرية والمهنية!


المجتمعات العربية، ونحن جزء منها، هي مجتمعات تلقي واستهلاك؛ بمعنى لا دور يذكر لها بالنتاج العالمي من الانفجار المعرفي إلا فيما ندر. فهل فكرنا يوماً في تغيير نمط حياتنا الاستهلاكي؛ بحيث نسعى إلى تعديل صورتنا المقلوبة هذه، والقضاء على الأمية الثلاثية؛ العلمية والفكرية والمهنية، التي نعاني منها من عقود متراكمة؟!

وحتى نجاري تطورات هذا العصر التكنولوجي المتسارع؛ علينا تغيير برامج التربية والتعليم التلقينية، التي شاخت وهرمت، وتقوقعت في مكانها منذ عشرات السنين، ولنبتعد عن تلقي المعلومات والمعارف والمخترعات الحديثة من غيرنا، ونتجاوزه إلى الاهتمام والرعاية والاحتضان، بالموهبة الذاتية، والعبقرية الشخصية التي نكتشفها عند أطفالنا وشبابنا الواعد المهتم بتطوير نفسه وموهبته، وتسليحها بكل ما هو جديد من العلوم والمعارف والتكنولوجيا الحديثة المتسارعة، غير متناسين أن الشباب هو الاستثمار الحقيقي للدخل الوطني في المستقبل.

ولنسارع في تنمية حب الاختراع والابتكار بكل أشكاله عند الشباب، بتنوعه العلمي والفكري والأدبي والفني، ونشجع مهاراته، ونعتني بأفكاره، والأهم توجيهه إلى التخصصات العلمية الحديثة والنادرة، خصوصا في فروع الطب والهندسة، والعلوم الحيوية وغيرها؛ -وهنا يأتي السؤال: الكويت دولة نفطية، ولا يوجد عندنا صناعة نفطية؟! - حتى نصل معه إلى مرحلة الخلق والإبداع، ومن ثم العطاء الذي نحن في أمسّ الحاجة له.
وهنا يأتي دورنا، بالاهتمام بتأهيله حتى يستطيع أن يلحق بركب الحضارة المعرفية، والأهم أن يساهم بها، كونها لغة العصر التي لا غنى عنها أبداً، التي أجبرتنا على تحديها بمواجهتها والتعامل معها، ومتابعة كل ما هو جديد وحديث لحظة بلحظة بلا توقف، وإلا أصبحنا نشعر بالاغتراب المعرفي، والتخلف عن العالم المتطور، والتدفق الغزير من معلوماته المعرفية، والتضخم في الكم والنوع نتيجة تطورات التكنولوجيا العالمية، التي يبدو أنها لن تهدأ عن الجديد والحديث يومياً، خاصة منذ بداية القرن الحالي، والتي تستحيل ملاحقتها اليومية، ثم استيعابها وهضمها، فهي حقا كما أطلق عليها البعض تعبير «صدمة معلومات ومعارف».
وبالتالي بالضرورة سيتخطانا العالم، ويدعنا نلهث وراءه من دون جدوى. فهل سنتغير؟! ومتى نبدأ بخطوتنا الأولى؟!

إنسان الغد!


كثر الحديث ولن يهدأ بين المواطنين عن ثروتنا الوطنية بعد النفط. ومهما تحدثنا عن موارد جديدة بديلة، إلا أنه تبقى الثروة الحقيقية هي رأس المال الإنساني.
نعرف جيداً أن تحقيق هذا الاستثمار، تمر مراحله بصعوبة، وتواجهه تحديات كثيرة، ولكن الابتعاد عنه وإهماله سوف يربكنا، ويعيق نمو الديرة الاقتصادي المتطور
فحين بدأت الدول المهزومة في الحرب العالمية الثانية بالنظر إلى تحسين وضعها، والتغلب على خسائرها بعد انتهاء هذه الحرب ــ كاليابان مثلاً ــ ركزت على تنمية الفرد، ليزداد تطوراً يوماً بعد آخر، فالتفتت إلى شمولية التنمية، فشملت جميع مناحي الحياة كالتنمية السياسية، الإدارية، التعليمية، الصحية، الثقافية، وكان الإنسان هو العنصر الأساسي والمحرك الديناميكي لنجاح هذه المجالات الحيوية وتطويرها، يزامله النمو الاقتصادي للدولة. وبالتالي انصب الاهتمام الكلي على تطوير مهارات ذلك الإنسان وقدراته، ومن ثم الاعتماد على أبحاثه العلمية وخبراته.
إذا، تكمن أهمية التنمية البشرية في خلق مجتمع طموح قادر على تحقيق ذاته، واثق بمهاراته وقدراته وإمكاناته، لبناء نمط حياة حضاري راق لنفسه ولبلده. ولأن رخاء الأمم والشعوب لا يأتي إلا من التنمية البشرية والنمو الاقتصادي، إذاً نحن في الكويت بحاجة ملحة إلى التنمية البشرية اليوم أكثر من أي وقت مضى.
لو تحدثنا عن التنمية عامة، كخصوصية كويتية آنية، فسنجد أننا كمواطنين نطمح في مستوى عال من كل أشكال هذه التنمية وعناصرها المختلفة. فتحقيق الديموقراطية والإيمان بها وتفعيلها بالشكل الصحيح، هي اليوم تشكو من فراغ سياسي، تشريعي، تنظيمي، بمعنى شبه غائبة، تاركة كل شيء في الديرة على البركة. الاهتمام بالأوضاع السكنية للمواطن، وذلك بتوفير سكن مريح له ولأسرته، وبناء المدن الجديدة، التي أصبحت كعين عذاري «تروي البعيد وتخلي القريب»، نسمع بها كثيراً، ونقرأ عنها أكثر، لكنها معطّلة، فيبدو أن الخطة الإسكانية تحاكي السلحفاة بمشيتها. التعليم ..«هناك غصة» فلا تزال المناهج تفتقد التطوير والتحديث، وعناصر التكنولوجيا المتطورة. ولو نظرنا بدقة إلى التنمية الصحية، فهي اليوم تكاد تكون بطيئة، إن لم تكن منسية. أما تطوير الأساليب الإدارية، وتطوير أداء الموظفين لرفع مهاراتهم الفنية والإدارية، فكيف تحدث التنمية في غياب وسائل التكنولوجيا الحديثة، والمعلومات المطلوبة؟ لو نظرنا عن قرب إلى التنمية الثقافية في الديرة، فهي آخر «هم» حكومتنا الرشيدة ومجلس أمتنا الموقر، والمؤسسات الثقافية العامة والخاصة، فهي عنصر دخيل لا يهم الجميع. أما هجر الحياة الاستهلاكية، وإيجاد فرص عمل مهنية وحرفية للشباب بتفعيل المشاريع الصغيرة مثلاً.. فكيف يحدث هذا ولا يزال أغلبنا كمواطنين يقترض من البنوك لينفق على المواد الاستهلاكية على أمل أن تسارع الدولة لإسقاط القروض؟!
***
التنمية عامة، يراد لها مواطن طموح، منتج لا مستهلك فقط، متحرك، إيجابي، وحكومة مسؤولة ذات خطط مستقبلية تنموية منهجية، متطورة سريعة التنفيذ، ومجلس أمة يعمل ليشرّع بالحق والعدل، ويراقب بعين قادرة، فاحصة، حكيمة.
هذه حالنا، فكيف نساهم في خلق وتشكيل إنسان الغد، الطموح الواعي، القوي المتماسك، الذي يستطيع أن يقاوم التحديات العالمية التي تحيط به/ بنا اليوم من كل حدب وصوب، والقادر على تحقيق التعايش مع الوضع العالمي المقبل، الذي نجهل أبعاده، ومتغيراته الجغرافية والاقتصادية والسياسية وغيرها؟!


الثقافة العلمية!

وحتى لا يطلق علينا مجتمع غير معرفي/ استهلاكي، ينبغي أن نبادر بالتركيز على هذه الثقافة العلمية التي حتماً نحتاجها اليوم في ظل التطور العالمي. ولتكن أولى المبادرات من الجهات المسؤولة والمختصة في الديرة، وذلك بتوعية المواطن العادي في المجتمع على تقبل وتعاطي هذه الثقافة، وتقدير أهميتها، للاستفادة الذاتية والعملية، ولمتعته أيضاً، لما لها من تأثير مفيد، وفاعل فيه وفي المجتمع من حوله.
ولتحقيق نشرها بين الناس نحتاج تبسيط هذه العلوم الجديدة/ الحديثة، وجعلها في متناول الناس على اختلاف مستوياتهم العلمية، والعملية، والثقافية، وتوصيلها عبر قنوات مناسبة ومتوافرة، حتى يُستفاد منها، وبالتالي توظيفها في حياتهم اليومية، والأهم التركيز على إقناعهم، لجعلها جزءاً مهمّاً من سلوكهم وعملهم اليومي، وذلك من خلال المجالات المتوافرة؛ مثل الصحف اليومية الورقية والإلكترونية، والمجلات المختلفة، والمحطات الإذاعية، والمحطات الفضائية، والمنتديات الثقافية المتعددة، وجمعيات النفع العام، والمتاحف المتنوعة، ووسائل التواصل الاجتماعية المختلفة، وما أكثرها! وغيرها من الوسائل والقنوات الحكومية التوعوية في الديرة.
ولا نغفل هنا أن الركيزة الأساسية لهذه الثقافة هي تربية الأجيال الصاعدة، وتعويدها على التفكير العلمي، الذي حتماً سيقودها إلى الخلق والابتكار، ومن ثم التنفيذ.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق