أجواء ينايرية تفرض نفسها على المشهد السياسي رغم حملات التضييق والتشويه الممنهج التي تشنها السلطات المصرية لإجهاض أي حراك متوقع قبل ولادته، وفي الوقت الذي ذهب فيه البعض إلى أن ثورة يناير ماتت إكلينيكيًا، فإن الأحداث التي شهدها الشارع المصري مؤخرًا ضربت بهذا الرأي عرض الحائط.
تتميز الذكرى التاسعة لثورة 25 يناير 2011 عن غيرها من الذكريات السابقة بالعديد من الخصائص، كونها تأتي بعد 100 يوم أو تزيد قليلًا، من تظاهرات سبتمبر/أيلول الماضي، المطالبة برحيل الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، التي تعد الأولى من نوعها خلال السنوات الخمسة الأخيرة.
لم ينتظم منحنى الحراك على وتيرة واحدة منذ 2013، فرغم تجييش معاول الإجهاض بكامل قوتها (الجيش والشرطة والقضاء والإعلام والرأي العام) فإن المنحنى لم ينحدر بالشكل المتوقع، فبين الحين والآخر كان يتصاعد ويفوق في بعض الأحيان السقف المتوقع حتى من بين أطياف المعارضة ذاتها.
ساعده في ذلك نظام استقر في يقينه أن "كل شيء تمام" وأن الأمر انتهى، ومن ثم عزز من سلطاته وديكتاتوريته غير آبه لرأي هنا أو موقف هناك، وبات المواطن آخر مرتبة في قائمة الأولويات، وهي السياسة التي لم يدفع ثمنها الإخوان المسلمون وحدهم بصفتهم الخصم التقليدي الأبرز للنظام الحاليّ، بل تجاوزت هذه الشريحة لتضم مع مرور الوقت شرائح أخرى، بعضها كان كتفًا إلى كتفٍ إلى نظام ما بعد الثالث من يوليو.
يجد نفسه بعد 7 سنوات من إسقاط نظام الرئيس الراحل محمد مرسي أمام أطياف متعددة من المعارضة التي نجح في استعدائها على مدار الفترة الماضية.
خاصة بعد اكتشاف العديد من التيارات حقيقة تلك "الفزاعة" وأنها لا تعدو كونها بالونة فارغة يجيد النظام ملئها كلما وقع في مأزق.
الإخوان.. الخصم التقليدي
كان الإخوان مع انطلاق الشرارة الأولى للثورة الخصم الأبرز حضورًا للمؤسسة العسكرية وبقايا نظام مبارك، حتى إن جلسوا جميعًا على مائدة مفاوضات واحدة، لكن تبقى العقلية العسكرية متخمة بالعداء التاريخي لكل ما هو إسلامي، تساوى في ذلك المعتدلون منهم والمتطرفون.
التيارات الإسلامية
كما فعل الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر، مع الإسلاميين والشيوعين على حد سواء، بداية حكمه، حين استعان بهم للقضاء على الملكية وتمكين تنظيم "الضباط الأحرار" من الجمهورية المصرية آنذاك ثم انقلب عليهم وزج بهم في السجون وأعدم قياداتهم، تكرر الأمر نفسه مع السيسي.
فرغم استعانة السيسي بالتيارات الإسلامية الأخرى غير الإخوانية، وعلى رأسهم السلفيين وقيادات حزب مصر القوية، الذي كان يمثل الإسلام المعتدل من وجهة نظر السلطات حينها، كونه على خلاف مع الجماعة، فإن شهر العسل بينهما لم يستمر طويلًا، حيث انقلب عليهم سريعًا.
وخلال السنوات الماضية اعتقل المئات من التيارات الإسلامية المختلفة، على رأسهم رئيس حزب مصر القوية عبد المنعم أبو الفتوح، المرشح الرئاسي السابق، وذلك في فبراير 2018، وهي الخطوة التي أحدثت ضجة كبيرة بين أوساط ما يصفون بـ"تيارات الإسلام الوسطي".
وبعيدًا عما يمارسه أنصار حزب "النور" السلفي، من حمل للمباخر وقرع لطبول المداهنة للنظام، إلا أنه أجبر على التنحي عن المشهد بصورة كاملة، حتى بات لا يملك إلا موقعًا إلكترونيًا "الفتح" وعدد 9 مقاعد تحت قبة البرلمان لم يحركوا بداخله ساكنًا، فيما انحسرت جهوده في بعض الأنشطة الدعوية تحت المراقبة، في الوقت الذي غاب قاداته عن الإعلام.
التيار المدني
كانت أحلام الحكم تساور بعض قيادات هذا التيار في هذا الوقت على رأسها حمدين صباحي، متوهمين أن التخلص من الإخوان أول الطريق نحو الوصول إلى القصر الجمهوري.
لكن الأمر لم يكن كما خطط له أنصار هذا التيار، إذ بات يقينًا أن الجيش لن يترك الحكم بسهولة، خاصة بعد إجراء تعديلات دستورية تسمح للرئيس الحاليّ بالمكوث في القصر الجمهوري حتى 2030، وبدلاً من مخطط توظيف القوات المسلحة للإطاحة بحكم مرسي وتعبيد الطريق أمام التيار المدني، إذ بالعكس الذي يحدث، فكان المدنيون القنطرة التي استخدمها الجيش للسيطرة على الحكم مرة أخرى بعد الإطاحة بالرئيس الأسبق حسني مبارك في 2011.
نظام السيسي لم يكن ليطمئن للتيار المدني بشتى أطيافه (الليبراليون أو اليساريون أو القوميون)، خاصة أنه على يقين أن القفز على كرسي الرئاسة حلم يداعب بعض قادته، ومن ثم، كان لا بد من التخلص منه في أقرب وقت، لا سيما بعد استتباب الأمر وعدم الحاجة لهم في الوقت الحاليّ.
وخلال السنوات الماضية نلاحظ حالة من التحول المفاجئ في مواقف المدنيين دفعتهم إلى التخلي عن دعم الرئيس الحاليّ، البداية كانت عند محمد البرادعي نائب الرئيس المؤقت عدلي منصور، الذي استقال اعتراضًا على الفض الدموي لاعتصامي رابعة العدوية والنهضة.
بعدها مباشرة توالت سلسلة المتخلين عن دعم هذا النظام، بعضهم نذر نفسه للدفاع عن السيسي وسياساته وقرارته، على رأسهم إعلاميين مثل علاء الأسواني ويسري فودة، مرورًا بسياسيين، منهم حازم عبد العظيم الذي كان عضوًا في حملته الانتخابية، والسفير معصوم مرزوق ويحيى القزاز ورائد سلامة، انتهاءً بالحركات الشبابية الثورية والأحزاب السياسية، تحولت معظم التيارات المدنية إلى معارضة النظام المصري.
هذا بجانب أن معظم رموز هذا التيار باتوا خلف السجون وداخل المعتقلات، على رأسهم أحمد دومة وأحمد ماهر وعلاء عبد الفتاح وغيرهم، ومن خرج منهم قابع تحت الإقامة الجبرية أو الاحترازات الأمنية، على رأسهم أحمد دومة وأحمد ماهر وعلاء عبد الفتاح وغيرهم، أما من لم تطله يد الاعتقال فتم استئناسه، قهرًا كان أو اختيارًا.
حتى جبهة الإنقاذ التي قادت مظاهرات 30 يونيو، ورغم تفككها بعد الانقلاب فإن أبرز قيادتها كونوا تحالف "الحركة المدنية الديمقراطية" كنواة لجبهة معارضة في الداخل، بينها حزبا الدستور والكرامة، وعلى رأسهم المرشح الرئاسي السابق حمدين صباحي، لكن مع مرور الوقت كان التنكيل بها وقادتها الجزاء المتوقع، فلم تسمح لهم السلطات بتنظيم أي فعاليات، كما اعتقل عدد من أعضائها، الأمر ذاته مع الحركات الشبابية التي لم تسلم هي الأخرى من الملاحقة على رأسها حركتا 6 أبريل والاشتراكيين الثوريين.
وقد استفحل العداء الواضح بين هذا التيار والسلطة في يوليو الماضي، حين ألقت الداخلية المصرية القبض على أبرز رموز هذا التيار بزعم تكوينهم خلية تسمى "خطة الأمل" تستهدف أمن واستقرار الدولة، وعلى رأس المعتقلين النائب السابق زياد العليمي وحسام مؤنس مدير حملة المرشح السابق للرئاسة حمدين صباحي، بجانب رموز أخرى معروف عدائها الكامل للإسلاميين بشتى أطيافهم.
وبحسب شهادات من أعضاء التيار المدني لـ"نون بوست" في تقرير سابق، فإن النظام الحاليّ يعمل وبكل قوة للقضاء على أي أثر لثورة 25 يناير، لافتين إلى أنه وبعد الإجهاز على الإخوان لم يعد أمامهم إلا هذا التيار الذي بدأت إرهاصات عودته للحياة السياسية مرة أخرى عبر تشكيل جبهات جديدة لدخول المعترك الانتخابي القادم.
الجماعة الصحفية
لكن سرعان ما تبدل الوضع مع تولي السيسي السلطة في مايو 2014، حيث عرف المشهد الإعلامي تحولات كبيرة، كان أبرزها ظهور "أذرع إعلامية" وانتشار ما يسمى "المال المخابراتي"، وصولًا إلى ترسانة قضائية حكمت قبضتها على الصحافة والصحافيين، حتى تحولت مصر بحسب وصف الجهات الحقوقية الدولية إلى "سجن كبير للصحفيين".
رموز مبارك
كما يحرم القانون علاء وجمال مبارك من ممارسة حقوقهما السياسية حتى عام 2021، بسبب إدانتهما مع والدهما في قضية فساد القصور الرئاسية، إلا أن الثنائي انخرطا في الحياة العامة بشكل لافت من خلال الظهور في المناسبات العامة كحفلات الزفاف وتقديم واجب العزاء، والتجمعات الكروية من خلال حضور علاء مبارك لمباريات فريق الإسماعيلي الذي يشجعه منذ أن كان شابًا يافعًا.
وبسبب نشاط علاء بصفة خاصة على تويتر وتعليقه على الأحداث السياسية التي تمر بها البلاد، بدأت السلطات في شن حملات ممنهجة ضدهم، وكذلك حجب الأخبار عن نشاطهما الجماهيري اللافت.
الشباب.. الخاسر الأول والأخير
يدفع الشباب الثمن الأكبر من تداعيات سياسات نظام السيسي، فالشاب الذي عايش الثورة وكانت تراوده أحلام الديمقراطية والطفرة الاقتصادية والاجتماعية، يحيا اليوم وبعد مرور 8 أعوام عليها، حالة من اليأس والإحباط، دفعته إلى ردود فعل بعضها متطرف تمثلت في زيادة نسب الانتحار، هذا بجانب الكفر بالسياسة والعاملين بها.
ما يقرب من 30 مليون مصري، معظمهم من فئة الشباب، باتوا اليوم تحت مستوى خط الفقر، في ظل الإستراتيجية الاقتصادية التي يتبعها النظام الحاليّ، التي تعتمد على الاقتراض من الخارج، دون النظر لمعاناة الشباب في الداخل، وهو الأمر الذي انعكس بطبيعة الحال على اتساع رقعة الغضب لدى هذه الفئات.
++++++++++++++++++
"سجون السيسي"
التايمز نشرت تقريرا لمراسل شؤون الشرق الأوسط ريتشارد سبنسر بعنوان "السيسي عرضة للانتقادات بعد موت مواطن أمريكي في أحد سجون القاهرة".
يقول سبنسر إن "الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي سيكون في مواجهة انتقادات حادة في العاصمة البريطانية لندن بسبب انتهاكات حقوق الإنسان في مصر بعد موت مواطن أمريكي في أحد سجون القاهرة، حيث وجه رئيس الوزراء بوريس جونسون دعوة شخصية للسيسي لحضور القمة الاقتصادية البريطانية الأفريقية رغم الحملة القمعية المستمرة في مصر منذ سبتمبر/ أيلول الماضي، علاوة على الأوضاع الإنسانية المتدهورة في السجون التي أصبحت مكتظة".
ويضيف أن أعضاء في الكونغرس الأمريكي عبروا عن غضبهم من النظام المصري بعد وفاة مصطفى قاسم تاجر قطع غيار السيارات مصري الأصل وأمريكي الجنسية بعد تعرضه لفشل قلبي في السجن إثر إضراب عن الطعام، حتى أن إدارة ترامب الحليفة للسيسي أبدت قلقها مما جرى.
ويوضح سبنسر أن "السيسي الذي يرأس الاتحاد الأفريقي في الوقت نفسه سيكون عرضة للانتقادات في لندن كما تتزايد الاتهامات من منظمات حقوق الإنسان للاتحاد الافريقي بالتقليل من انتهاكات حقوق الإنسان في مصر حتى بعد مقتل وتشويه الباحث الإيطالي جوليو ريجيني".
ويشير سبنسر إلى أن مصطفى قاسم تعرض للاعتقال عام 2013 وقُدم لمحاكمة جماعية تضم 700 متهم دون ان يتم الاستماع لأي منهم بشكل فردي وقضت المحكمة بسجنه 15 عاما مضيفا أن "المئات من السجناء يخوضون إضرابا عن الطعام في السجون المصرية احتجاجا على الأوضاع المرعبة التي يعانون منها، والتي أدت إلى وفاة الرئيس المصري السابق وعضو جماعة الإخوان المسلمين محمد مرسي العام الماضي بعد سنوات قضاها في محبسه الانفرادي".
++++++++++++++++
وتحتفل الشرطة المصرية يوم 25 يناير من كل عام بعيدها السنوي، الذي يُعد تخليدا لذكرى موقعة الإسماعيلية عام 1952، التي راح ضحيتها خمسون شهيدا وثمانين جريحا من رجال الشرطة المصرية أثناء تصديهم لقوات من جيش الاحتلال البريطاني، التي طالبتهم بتسليم سلاحهم وإخلاء مبنى المحافظة.

وتحتفل الشرطة المصرية يوم 25 يناير من كل عام بعيدها السنوي، الذي يُعد تخليدا لذكرى موقعة الإسماعيلية عام 1952، التي راح ضحيتها خمسون شهيدا وثمانين جريحا من رجال الشرطة المصرية أثناء تصديهم لقوات من جيش الاحتلال البريطاني، التي طالبتهم بتسليم سلاحهم وإخلاء مبنى المحافظة.

مصر: هل حققت ثورة 25 يناير أهدافها في ذكراها التاسعة؟
يحيي المصريون، السبت 25 من يناير/ كانون الثاني 2020، الذكرى التاسعة لاندلاع ثورة 25 يناير، التي عول عليها كثير من المصريين في نقل بلدهم إلى قائمة الدول التي يسودها مناخ الحرية والديمقراطية والعدالة.
وبالنظر إلى شعارات الثورة المصرية التي طالبت بـ "العيش والحرية والعدالة الاجتماعية"، يرى جانب من المصريين أن الثورة لم تحقق أيا من أهدافها، في ظل أوضاع اقتصادية صعبة وتضييق على الحريات، وما يرونه غيابا للعدالة الاجتماعية وزيادة الفوارق بين الطبقات.
في المقابل، يرى جانب آخر من المصريين أن ثورة 25 يناير تمكنت من تحقيق الكثير من الأهداف، في ضوء زيادة ملحوظة في عدد المشاريع التي تنفذها الدولة وما يرونه تقوية لدور ونفوذ مصر خارجيا.
ويرى عيد أن "المشهد في مصر حاليا يتمحور في سلطة وثورة مضادة مذعورة مقابل شعب غاضب". ويضيف عيد أن "أسباب التغيير في مصر مازالت قائمة، فالثورة المضادة التي يمثلها النظام الحالي تعد أكثر قمعا وإهدارا للمال العام، فهناك زيادة في الفقر والقمع السياسي".
وبخصوص رموز ثورة 25 يناير، يرى عيد أن "كثيرا من نشطاء ثورة 25 يناير إما في القبور أو السجون أو المنفى". لكن يستدرك عيد قائلا: "إذا كانت الثورة المضادة قد نجحت في النكاية ببعض نشطاء ثورة 25 يناير، لكن لم تنجح مع كل المصريين".
ويرى عيد أن "الثورة مستمرة في قلوب ملايين المصريين، خاصة الشباب". ويضيف: "لا يُقمع خانع، وما تمارسه السلطة قد يوفر لها الاستمرار لبعض الوقت، لكن لن يضمن لها الاستقرار كامل الوقت".
وأخيرا، يؤكد مدير الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان أن "التغيير حتمي وقادم لكن شكله غير معلوم، فثورة 25 يناير نفسها لم يكن مخطط لها بالكيفية التي حدثت".
ويرى أبو حامد أن "الدولة بدأت إصلاحا اقتصاديا حقيقيا" وأن "مكاسب هذا الاصلاح الاقتصادي وُجهت لمساعدة الفئات الأكثر احتياجا عبر دعم صحي لعلاج المرضى ودعم إسكاني لمحدودي الدخل، فضلا عن دعم عيني في صورة مضاعفة أعداد المستفيدين من بطاقات التموين".
ويُدلل أبو حامد على حديثه بـ "زيادة ميزانية صندوق تكافل وكرامة، المخصص لمساعدة محدودي الدخل، من 4 مليار جنيه مصري في ميزانية عام 2016 إلى 20 مليار جنيه في ميزانية 2019".
وفيما يتعلق بالأوضاع السياسية والحقوقية، يرى أبو حامد أن "مصر دولة قانون ودستور، ولا يتم إلقاء القبض على أي شخص إلا بقرار من النيابة العامة". ويضيف أبو حامد: "الإشكالية لا تتعلق بالمعارضة، لكن بالطريقة التي يتم بها المعارضة، فيجب على المعارض الالتزام بالقانون والدستور".
وأخيرا بالنسبة للمستقبل، يرى عضو مجلس النواب المصري أن "كل المؤشرات تدل على أن مصر تسير بخطوات ثابتة في إصلاح اقتصادي واجتماعي ضمن رؤية 2030 التي تتبناها الدولة".
وكانت السلطات المصرية قد شنت حملة توقيفات، أواخر سبتمبر/ أيلول 2019، عقب احتجاجات غير مسبوقة ضد الرئيس المصري، دعا لها الممثل والمقاول المصري محمد علي.
واتهم المقاول المصري، محمد علي، الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، وقيادات في المؤسسة العسكرية بـ "الفساد وإهدار المال العام". في المقابل، نفى الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، صحة الاتهامات التي صاغها محمد علي قائلا إنها "كذب وافتراء".
وطالت حملة التوقيفات محامين وأكاديميين وحقوقيين، منهم أستاذ الاقتصاد والعلوم السياسية حازم حسني، وأستاذ العلوم السياسية حسن نافعة، ورئيس حزب الدستور السابق خالد داوود، بتهم منها استخدام وسائل التواصل الاجتماعي لنشر أخبار كاذبة والانضمام إلى جماعة إرهابية محظورة والاحتجاج دون تصريح.
وأشارت منظمة هيومن رايتس ووتش في تقرير سابق لها، عام 2017، إلى أن "عدد المسجونين السياسيين في مصر يقدر بنحو 60 ألف معتقل". كما تشير المنظمة الحقوقية إلى مئات حالات الاختفاء القسري. في المقابل، تؤكد السلطات المصرية عدم صدقية مثل هذه التقارير وأن مصر "لا يوجد بها سجناء سياسيون أو إخفاء قسري".
+++++++++++++++++
الثورة التي لم تكن.. الحكومة المصرية تعيد كتابة تاريخ 25 يناير
مرّت الذكرى التاسعة لاندلاع ثورة 25 يناير في مصر، السبت، بهدوء وسط انتشار أمني مكثف في ميادين القاهرة الرئيسية وعدد من المحافظات الأخرى، ولم تلق دعوات التظاهر الخجولة التي وجهتها جماعة الإخوان، والمقاول الهارب محمد علي، استجابة من المواطنين، في وقت باتت شريحة كبيرة من المصريين غير واثقة في جدوى التغيير عن طريق الحراك الثوري، رغم أن هذا الحراك قادهم إلى ثورة 30 يونيو وعبّد الطريق أمام وصول الرئيس عبدالفتاح السيسي إلى الحكم.
وطغى الاحتفاء بعيد الشرطة، الذي تزامن مع اندلاع مظاهرات ضد نظام الرئيس الأسبق حسني مبارك عام 2011، على غالبية وسائل الإعلام المحلية، وبرزت شعارات “الشرطة المصرية تحتفل بعيديها” من دون حديث ولو بسيط عن ثورة 25 يناير من قريب أو بعيد، وأعدت الصحف والمجلات والفضائيات ملفات خاصة عن بطولات الأمن المصري والحديث عن دوره في الحد من وتيرة العمليات الإرهابية خلال العام الماضي.
وبدا واضحاً، أن هناك محاولات لإعادة كتابة تاريخ 25 يناير، وتغير التعامل مع التاريخ باعتباره حكراً على تضحيات المتظاهرين الذين خرجوا ضد ممارسات الأجهزة الأمنية في هذا التوقيت، مع تنمية الإدراك الشعبي بأن الإطاحة بحكم مبارك لم تنعكس بالإيجاب على حياة الناس، بغض النظر عن دوافع التظاهر في ذلك التوقيت.
ويرى مراقبون، أن محاولة دوائر محسوبة على الحكومة الإعلاء من قيمة تضحيات ضباط الشرطة والتعامل مع الغضب الشعبي السابق على أنه كان جزءاً من مؤامرة مدبرة لإسقاط مؤسسات الدولة يلقى قبولاً لدى المواطنين الذين شاهدوا نتائج خروج الجماهير إلى الشارع في دول، مثل سوريا وليبيا واليمن.
وقال الكاتب السياسي، جمال أسعد، إن التاريخ تجري إعادة قراءته حالياً، لكن من زوايا مختلفة ومتناقضة تتأسس على المصلحة الشخصية والنظرة الذاتية لما حدث قبل 9 سنوات.
وذهب البعض من المراقبين، إلى التأكيد على أن الربط بين ذكرى ثورة يناير وعيد الشرطة، محاولة للتأكيد على أن المظاهرات جاءت لإهدار عيد الشرطة، ولا تصبّ في صالح استقرار الدولة، ويقتنع هؤلاء بأن تنظيم الإخوان الذي اختطف الثورة في مهدها يحاول تغذية هذا الربط لاستمرار العلاقة المتوترة بين الشعب والشرطة.
ويرى العديد من السياسيين أن موقف الحكومة من ثورة يناير ما زال مشوشا، فهي تتعامل معها كمؤامرة، ولن تسمح بعودة الظروف التي أحاطت بها مرة أخرى، لكنها تقتنع أيضاَ بأنه لولا خروج المصريين على نظام مبارك ما كان الرئيس عبدالفتاح السيسي نفسه موجودا في السلطة الآن.
++++++++++++++++
السيسي رئيسافي يناير/كانون الثاني 2014 أُقر الدستور الجديد الذي أعدّته ما عرفت بـ"لجنة الخمسين"، وكما كان متوقعا أعلن السيسي يوم 26 مارس/آذار 2014 عزمه خوض الانتخابات الرئاسية دون برنامج، لتجري انتخابات بلا منافسة حقيقية في مايو/أيار 2014 وسط مقاطعة واسعة، ويعلن فوزه بـ96% من الأصوات.
براءة مبارك
كان واضحا اتجاه نظام الانقلاب لوأد الثورة وإدانتها وتبرئة نظام مبارك، وفي 29 نوفمبر/تشرين الثاني 2014 أصدرت محكمة جنايات القاهرة حكما نهائيا بتبرئة مبارك من تهم قتل المتظاهرين أثناء ثورة يناير وبيع الغاز لإسرائيل.
كان واضحا اتجاه نظام الانقلاب لوأد الثورة وإدانتها وتبرئة نظام مبارك، وفي 29 نوفمبر/تشرين الثاني 2014 أصدرت محكمة جنايات القاهرة حكما نهائيا بتبرئة مبارك من تهم قتل المتظاهرين أثناء ثورة يناير وبيع الغاز لإسرائيل.
وفي 2015 أصدر السيسي "قانون التصالح" الذي أتاح تبرئة رموز نظام مبارك المتهمين في قضايا فساد مالي وإداري بعد دفع مبالغ مالية، وبالمقابل أصدر قانون "الكيانات الإرهابية"، الذي وضع الكثير من الشخصيات العامة ونشطاء ثورة 25 يناير ضمن قوائم الإرهاب.
برلمان أمنيوفي 17 أكتوبر/تشرين الأول 2015 أجريت انتخابات مجلس النواب، وتصدرتها قائمة "في حب مصر" التي كان يديرها لواء متقاعد قريب من المؤسسة العسكرية، وأشارت تقارير عديدة إلى أن أغلب أعضائها اختارتهم أجهزة سيادية، وشهدت الانتخابات عزوفا واضحا من الناخبين.
فترة ثانية للسيسيرغم فشله الواضح في فترته الأولى وتردي الأوضاع الاقتصادية والأمنية والاجتماعية، لم يجد السيسي حرجا في إعلان ترشحه لولاية ثانية بعدما أقصى كل منافسيه المحتملين بالتهديد والاعتقال قبل الانتخابات الرئاسية عام 2018، ليعاد انتخابه في مسرحية انتخابية جديدة.
حكم أبديفي أبريل/نيسان 2019 جرى تمرير تعديلات دستورية تسمح ببقاء السيسي في السلطة حتى عام 2030، مع توسيع نفوذه وصلاحياته التنفيذية والتشريعية وتعزيز سيطرته على القضاء، بجانب منح الجيش سلطات واسعة في الحياة السياسية.
20 سبتمبربينما اعتقد البعض أن الثورة انتهت، وأن الخروج إلى الميادين أصبح من الماضي، جاء يوم 20 سبتمبر/أيلول 2019 ليظهر عكس ذلك، حيث استجاب آلاف المصريين لدعوة المقاول والفنان المصري محمد علي للتظاهر، ونزلوا إلى الشوارع في محافظات عديدة في أهم تحدٍ لحكم السيسي منذ سنوات.
واعتبر مراقبون أن هذه المظاهرات كسرت حاجز الخوف وجدار الصمت الذي بناه نظام السيسي خلال السنوات الماضية ومنع المصريين من الخروج إلى الشارع.
++++++++++++++++++
25 يناير 2020.. إهدار رأسمال الثورة باختلاق عدوّ
تسع سنوات على ثورة 25 يناير 2011 تؤكد استمرار العناد. المؤمنون بها يراهنون على الأمل في إنجاز وعدها الإنساني وعنوانه الحرية، والسلطة لا تيأس من قتْل فكرة الثورة، وتواصل تجريم وقائعها، وتفرّط في كل فرصة تتاح لاستيعاب رأسمالها الرمزي، وتختلق عدوّا وهميا لتسويغ حالة بائسة من الاستنفار توحي لضيوف معرض القاهرة الدولي للكتاب (22 يناير ـ 4 فبراير 2020) بأن حربا توشكُ أن تشتعل، بعد أسبوع من تحميل ضيوف ملتقى القاهرة الخمسة للشعر العربي رسالة بأن مصر غير آمنة لا تحتمل فتح مقاهي وسط القاهرة.
اختلاق العدوّ سلوك بائس لا يقنع أحدا، ويثير السخرية من جنود وضباط مساكين، مغلوبين على أمرهم في برد يناير، إذ يصطفّون أمام سيارات وآليات مصفحة يزيد عددها على أعداد مشاة تجنبوا النزول في ذكرى ثورة 25 يناير 2011؛ لتفادي مصادرة حياتهم وحرياتهم وتفتيش هواتفهم، بحثا عن عدوّ إلكتروني هارب من الإسفلت.
وما تلاه من أعداء وهميين آخرهم المقاول محمد علي، وهو حليف وشريك سابق فرضوا فيلمه “البرّ التاني” على مهرجان القاهرة السينمائي عام 2016. ورغم فشله في التمثيل فقد أتيح له أن يقوم ببطولة أطول فيلم في التاريخ على مدى خمسة أشهر، وانتهى بإعلانه اعتزال السياسة والتفرغ للبزنس. أسدل محمد علي الستار على المشهد الأخير في ذكرى اندلاع الثورة، السبت 25 يناير 2020.
بعد نجاح ثورة 25 يناير 2011 في نزع القداسة عن أي شخص أو مؤسسة، دينية كانت أم قضائية أم عسكرية، لم يعد بوسع أي رجل دين الادعاء بأنه يمثل الدين، ولا يستطيع أي رئيس أن يلخّص الوطن في شخصه. وفي 30 يونيو 2013 انتهى الخطر الإخواني، وقام الشعب بحماية الجيش من الانتقام الأعمى. تلك هي الحقيقة، ففي المواجهات داخل المدن لا تنجح الجيوش غير المؤهلة لأعمال الشرطة في التصدي للعدوان لأنها آلات قتل وتدمير في مواجهات ساحاتها الصحارى لا الميادين والشوارع. ويستطيع غاضب مدرّب على أعمال العصابات تفجير سيارة، أو إعطاب دبابة سيعجز طاقمها عن تعقبه بمدفع لم يصمم لاصطياد شخص. بهذا المنطق يكون الجيش مدينا للشعب بحمايته من كارهي البشر، وإن لم يُحظَ الشعب بصورة فوتوغرافية لهذا الجميل. لا ينسى المشاركون في ثورة 25 يناير أن مطار القاهرة، قبل صعود قوى الثورة المضادة، ظل يتزين بجداريات توثق مأثورات تغنى فيها زعماء العالم بالثورة السلمية. ولم يكن الرئيس الأميركي باراك أوباما ورئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون ورئيس الوزراء الإيطالي سيلفيو برلسكوني، وقتها، مضطرين لنفاق شعب فاز بالحرية، وجعل رئيس النمسا هاينز فيشر يدعو إلى منح المصريين جائزة نوبل للسلام لأنهم “أعظم شعوب الأرض”.
ولكن سلطة ما بعد 3 يوليو 2013 تهدر رأسمال رمزيا، وبدلا من أن يصير ميدان التحرير مزارا سياحيا عالميا، تحاكى فيه سنويا مشاهد لأهم 18 يوما في تاريخه، يُنظم مزاد إعلامي لشيطنته، وعلى الأرض يجري تطويقه، فتصبح الذكرى مقبضة. وفي هذا السياق يكون من العبث أن يثير مخلوق قضية القصاص لشهداء الثورة من الشباب الأعزل. ولا يستطيع أحد محو الاعتراف العسكري الرسمي، المسجل صوتا وصورة بعد خلع مبارك، على لسان اللواء محسن الفنجري عضو المجلس الأعلى للقوات المسلحة “إن المجلس الأعلى للقوات المسلحة يتوجه بكل التحية والإعزاز لأرواح الشهداء الذين ضحوا بأرواحهم فداء لحرية وأمن بلدهم ولكل أفراد شعبنا العظيم”.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق