الضمير
دستور الضمير قبل الاديان كثر تساؤلاتهم لذويهم ومدرسيهم، وهم ونحن نتهرب من الإجابة عنها أحيانا، لعدم معرفه الرد، أو لتجنب الكلام فيما نظنه لا يتوافق مع عمرهم، أو لخجل أو لجهل أو لأننا مازلنا نحاول إيجاد إجابة لأنفسنا.
دستور الضمير قبل الاديان كثر تساؤلاتهم لذويهم ومدرسيهم، وهم ونحن نتهرب من الإجابة عنها أحيانا، لعدم معرفه الرد، أو لتجنب الكلام فيما نظنه لا يتوافق مع عمرهم، أو لخجل أو لجهل أو لأننا مازلنا نحاول إيجاد إجابة لأنفسنا.
ويعنى إيه واحد عنده ضمير يا جدو.
أجبتها قائلا:
إنه إحساس بتقييم الإنسان لنفسه بنفسه حسب مجموعه من القيم الأخلاقية التى ترسبت فى وجدانه عبر التجربة والحياه عما هو صح وما هو خطأ، وهو فى هذه الحالة نسبى لكل واحد من البشر. والضمير يقوم بمعاتبة الشخص لنفسه إذا تبين هذا الخطأ نتيجة تقييمه لنفسه أو أحيانا نتيجة تقييم الآخرين له إذا كان بالغ الحساسية لتقييم الآخرين له بغض النظر عن قيمه الشخصية.
والضمير قد يبالغ فى القسوة على النفس أحيانا بالمبالغة فى تقدير الأخطاء.
جوهر فلسفه الأديان تاريخيا كانت بهدف خلق ضمير جمعى للصواب والخطأ المطلق، حسب معايير إلهية حتى لا يكون نسبيا من شخص إلى آخر. يعنى بناء قاعدة أخلاقية للمجتمعات. لكننا حولنا الدين إلى تقديس وسائله وليس قلب وفحواه.
الضمير يحثنا على تفضيل الصواب والصلاح والخير على الخطأ والطلاح والشر. الضمير يوجِّهنا عبر إعطاء حُكْمه، فيما قد فكَّرنا به، وتصرَّفنا بموجبه، وفيما ننوى أنْ نفكر به، ونتصرف بموجبه.
قال المفكر الفرنسى، فيكتور هوجو: «الضمير هو صوت الله فى الإنسان».
ويقول أيضا فى كتابه العبقرى «البؤساء»:
- «الضمير هو حلبة تتبارى فيها الشهوات والتجارب وكهف الأفكار التى تثير فينا كوامن الخجل أو القبح».
هناك نسبية عبر الزمن بتغير المفاهيم والثقافات، ولكن يبقى هناك بعض القيم الإنسانية التى تعبر الأزمنة وتحرك الضمير الإنسانى السوى للرضاء عن النفس أو لومها.
قالت: وهل لكل الكائنات ضمير أم هو شىء خاص بالإنسان فقط؟
قلت لها سؤال لا أستطيع الإجابة عنه. فحتى الآن فإن كل ما قرأته حول الوعى والضمير يختلف الفلاسفة أساسا حوله، بل هناك اختلاف حول هل للحيوانات روح ونفس واعية أم لا.. وإذا كان، وهو ما أعتقده، فهل لهم آخرة وحساب، أم هم مسيرون حسب تركيباتهم الچينية التى تجعلهم يفعلون ما يفعلون.
سؤال حفيدتى، وسؤال ابنتى وتساؤلات نفسى ورؤيتى لمن حولى، الذين يؤنبون أنفسهم طول الوقت حتى على أخطاء غيرهم، أو آلامهم، وهؤلاء الذين لا يملكون ضميرا يحاسبهم على الإطلاق.. تفاوتات جعلنتى أفكر فى إجابات أيسر، وأبسط وأطرح على القراء التفكير.
وأبدأ مجموعة من المقالات حول أكثر أسئلة الصغار التى يتهرب من الإجابة عنها أهلهم أو لا يستطيعون تبسيطها لهم وتلك التى نعتقد أن عمرهم لا يسمح لهم بسؤالها فى زمن أصبحت المعرفة متاحة للجميع ولا مهرب من الإجابة.
++++++++++++++++
د. حسام بدراوى يكتب: اللغة والمواطنة والهوية
نتكلم كثيرا عن المواطنين والمواطنة، وأشك أن كل أفراد المجتمع عندهم نفس التعريف للكلمة أو نفس الفهم للمعنى.
وقال آخر: وماذا عن الهوية أيضا. وهل يعنى أن كل مواطنى كل دولة يكون لديهم هويات مختلفة. ألسنا كلنا ننتمى إلى هوية واحدة هى الإنسانية.
وقالت شابة فيلسوفة: يحيرنى أننا نسعى إلى خلق مواطن عالمى من ناحية، وحصره فى حدود بلده من ناحية أخرى. أليس هذا تناقضا؟.
وقال رابع: أساسا ما هو تعريف الوطن قبل أن نتكلم عن المواطنة؟.
قلت: إن تعريف الوطن أوسع من مجرد مكان، وهذا ما فسره د. جمال حمدان فى كتابه «شخصية مصر» حيث قال: إن الوطن علاقة بين الجغرافيا والتاريخ، وإنه توافق للزمان والمكان فى نفس الإنسان. إنّ الوطنية عبارة عن مشاعر، ومن يعرف المعنى الحقيقى للوطن يتولد عنده الانتماء إليه، وتتولد عنده طاقة إيجابية تحُثّه على العمل والإنتاج والتفاؤل رغم كل الأزمات والمشاكل.
الوطن يا شباب ليس مجرد مكان، ليس فندقًا نعيش فيه عندما تكون خدماته جيدة ونتركه عندما تقابلنا التحديات. إننا نملكه كما تَملَّكه آباؤنا وأجدادنا، ونحن مسؤولون عنه وعن رفعته.
وفى اعتقادى أن مفهوم الانتماء للوطن هو الارتباط الفكرى والوجدانى الذى يمتد ليشمل الارتباط بالأرض والتاريخ والحاضر والمستقبل. والإنسان من طبيعته يحب الانتماء، فهو ينتمى إلى أسرة وإلى قرية ومدينة وإلى مدرسة وجامعة وإلى شعب وأرض. وإلا ما معنى أن يحب الفرد ناديًا بعينه حتى لو يخسر، أو أن يشجع فريق مدينته وبلده، بل يتطرف أحيانا فى هذا الحب. أعتقد أن الانتماء لشىء طبيعة إنسانية هو بمثابة شحنة تدفع المرء إلى الانفعال والفخر لنجاح من ينتمى إليه وكأنه امتداد لشخصه، ويدافع عنه وقد يموت من أجله.. ولا شك أن الثقافة والتعليم والإعلام لها دور كبير فى تراكم هذا الحب بمرور الزمن ليصبح جزءا مكونا لكل واحد منا.
وتختلف درجات الانتماء لكل إنسان من الجزء إلى الكل، والكل الوحيد للجميع هو الوطن.
كذلك فإننا يجب ألا نفصل بين الهوية والمواطنة التى هى بمعناها الأساسى علاقة الفرد بالوطن الذى ينتسب إليه، والتى تفرض حقوقًا وواجبات، والمواطنة الإيجابية لا تقتصر على مجرد الدراية بالحقوق والواجبات فقط، ولكن الحرص على ممارستها من خلال شخصية مستقلة قادرة على حسم الأمور لصالح نفسه وأسرته ومجموع الشعب الذى ينتمى إليه.
والانتماء للوطن لا يعتمد على مفاهيم مجردة، وإنما على خبرة معاشة بين المواطن والوطن. فعندما يستشعر المواطن من خلال معايشته أن وطنه يحميه، ويمده باحتياجاته الأساسية، ويحقق له فرص النمو والمشاركة مع التقدير والعدل، تترسخ لديه قيم الانتماء له ويعبر عنها بالعمل البناء لرفعته.
أما الهوية فهى مصطلح يستخدم لوصف مفهوم الشخص وتعبيره عن فرديته وعلاقته مع الجماعات (كالهوية الوطنية أو الهوية الثقافية). يستخدم المصطلح خصوصا فى علم النفس الاجتماعى.
الهوية هى مجمل السمات التى تميز شيئًا عن غيره، أو شخصًا عن غيره، أو مجموعة عن غيرها. كل منها يحمل عدة عناصر فى هويته. عناصر الهوية هى شىء متحرك ديناميكى يمكن أن يبرز أحدها أو بعضها فى مرحلة معينة، وبعضها الآخر فى مرحلة أخرى.
الهوية الشخصية تعرف شخصًا بشكله واسمه وصفاته وجنسيته وعمره وتاريخ ميلاده ومكان ميلاده. أما الهوية الجمعية فتدل على ميزات مشتركة أساسية لمجموعة من البشر، تميزهم عن مجموعات أخرى. أفراد المجموعة يتشابهون بالميزات الأساسية التى كونتهم كمجموعة، وربما يختلفون فى عناصر أخرى لكنها لا تؤثر على كونهم مجموعة متناسقة.
العناصر التى يمكنها بلورة هوية جمعية كثيرة، أهمها اشتراك الشعب أو المجموعة فى الأرض، اللغة، التاريخ، الحضارة، الثقافة، وغيرها.
عدد من الهويات القومية أو الوطنية تطور بشكل طبيعى عبر التاريخ، وعدد منها نشأ بسبب أحداث أو صراعات أو تغيرات تاريخية سرّعت فى تبلور المجموعة.
قال الشاب الأول: أعتقد يا دكتور أن للغة دورًا فى تأكيد الهوية، وأخشى على مصر ضياع هويتها من مدخل الأمية وتدنى تعليم اللغة العربية.
قلت: معك حق فى تخوفك، وحيث إن الهوية كما ذكرت تتحرك وتتغير عبر الزمن، لكن تظل اللغة مكوناً أساسياً لها.
إن الهدف من تعليم اللغة العربية ليس فقط محو الأمية شكلا، ولكن المضمون هو الإيمان بأن تعلم اللغة عظيم الأثر على كل مناحى الحياة فى أى أمة، إنها الوسيلة التى تنقل إلينا تاريخنا، وتوثق حاضرنا، وتنقل إلى الأجيال القادمة حضارتنا، وليس الهدف كما قلت هو القراءة والكتابة فقط، فهو هدف ضيق قصير المدى، لكن علينا أن نفهم أن هذه اللغة هى وسيلة فهمنا لبعضنا البعض، إننا لا نستطيع أن نفهم أنفسنا ولا بعضنا البعض بدون التفكير، ونحن لا نفكر فى فراغ، بل يفكر العقل بلغة ما، ويصور أفكاره لديه وللآخرين، مستخدمًا الألفاظ والجمل والصور التى ترسمها اللغة وتنقلها من فرد إلى آخر، أو الاحتفاظ بها فى الذاكرة.. ومن كل هذا تتكون الهوية.
وحتى تترسخ فى وجدان الطفل لغته الأم، فمن الواجب أن يتم تعليمها على أعلى مستوى وقياس قدرات الأطفال على الكتابة والقراءة والفهم من سن ثمانية إلى تسعة أعوام باختبارات قياس علمية.
إن اللغة لحياة الفرد ليست فقط أداة للتعامل فى المجتمع، بل هى وسيلته للتفكير والحس، وهى وسيلته لنقل أفكاره والاستفادة من أفكار الآخرين.. وهى وسيلته فى الفهم والتقدير والتقييم ثم الاختيار من البدائل.
قال الشاب: وهل معنى ذلك أن تعلم لغة ثانية وثالثة يصبح تهديدا للهوية؟
قلت: تعلم لغة ثانية أو استخدام المراجع الأجنبية لا يهدد الهوية، ولا يهدد معرفة اللغة الأم أساسا إلا لو كان تعليم اللغة الأم ناقصا وضعيفا. إن الطفل يستطيع استيعاب لغات متعددة أكثر من البالغين، ويجب ألا نتمسح فى أن تعليم لغة ثانية سيتغلب على لغته العربية ويجعل تفكيره وهويته مرتبطة بأمة أخرى. إننا كمن لا يريد دخول ميدان العلم مع الآخرين خوفا من الهزيمة ونستحسن فوزنا بدون منافسة.
إن الهوية كما قلت مرتبطة باللغة، ولكنها أيضا مرتبطة بالمعايشة فى الفصل، وبما يدرسه التلميذ من تاريخ وجغرافيه، وبوجدان يتكون داخل الفصل والمدرسة وفِى البيت مع الأسرة.
إن أطفالنا الذين يتعلمون اللغة الثانية فى مدارس الحكومة البالغة أكثر من ٥٠ ألف مدرسة لا يتكلم أغلبهم اللغة العربية الصحيحة ولا اللغة الأجنبية الصحيحة، والحقيقة أن تشتيت الهوية له أسباب أخرى تأتى من المعايشة داخل المدارس بتأثير أفكار وهوية سلفية اجتاحت الثقافة المصرية وليس هذا الحوار مكان مناقشتها.. الهوية المصرية تأثرت سلبا بانخفاض سقف الحرية وتدنى تأثير قوة مصر الناعمة على الشعب.. إن العقل الجمعى لأمتنا يحتاج إلى الإفاقة نحو أهمية التعددية، واحترام المواطنة بغض النظر عن الدين أو الجنس، وإلى أننا ننتمى تاريخيًّا إلى أول دولة نشأت فى تاريخ البشرية، وأننا نحمل چينات الحضارة المصرية العظيمة والحضارة القبطية والإسلامية.
+++++++++++++++++++++++++++
اكتشفت ان اطباء حسام بدراوي وخالد منتصر ومصطفي محمود ولماذا انا ملحد وطبيب القرآن فقط والاجانب اديب الروسي
مهندسون باسكال لحود ومحمد شحرور والاردني في مجلة العربي وكتاب التعددية الدينية
+++++++++++++++++++++++
حوار حول الإيمان مع د. وهبة والحالمين
معنى الإيمان الذى طرحه د وهبة فى مقاله فى إطار حديثه عن فلسفة الإجماع عند شيوخنا عبر التاريخ، مما يمنع التفكير والتأويل الذى يعتمد فى جوهره على تعددية فى المعانى واحترام الاختلاف الذى يمتنع عنه الإجماع، قبل الدخول فى تفاصيل المقال الذى يقودنا فى النهاية لابن رشد.
ريقول د. وهبة إن الإيمان يعنى أن القلب ملتزم باعتقاد فى رسالة هو يقبلها، ومع التطور تحول لفظ اعتقاد إلى لفظ دوجما أى عقيدة. ومن ثم أصبحت العقيدة بديلا عن الاعتقاد. ويشير إلى أن، تاريخيًا، هذه الأفكار هى من صياغة سلطة خارجية قالت عنها إنها جوهر الدين والإيمان، وعلى المؤمن أن يسلم بها ثم بعد ذلك يبررها عقليا إن شاء أو يكتفى بالخنوع إليها بدون تساؤل، وفى الحالتين تكون العقيدة إلزامية. ويقال عمن صاغوها إنهم علماء عقيدة وهم يمزجون بين الإيمان والعقل ولكن بشرط أن يكون العقل هو عقل إيمان معين ومحدد وليس عقل إيمان بالمطلق... أى أن العقل والتفكير يتوقف عند سقف حددوه بإلزامية لا تسمح بالتفكير إلا فى إطاره.
وأنا يا صديقتى عندى تفسير لغوى إضافى وهو أن الإيمان يعنى تصديق ما ليس له برهان ثم العمل على أساسه. لذلك فإيمان البشر من ألف سنة سيختلف عن إيمانى الآن حيث اتضح بالعلم أن كثيرا مما كان يصدقه الناس بلا برهان ظهر له بالعلم براهين وأصبحت مساحة الإيمان مختلفة لأنه انتقل من القلب إلى العقل. وأنه كلما ازداد العقل معرفة قلت مساحة الإيمان التقليدى.
أى أن العقل والعقل وحده هو الطريق إلى الله وليس تصديق ما ليس له برهان كما كان فى الماضى.
قالت: إن الإيمان بالقلب والإيمان بالعقل والبرهان هما عندى متكاملان فى سبيكة واحدة، تعكس على سطحها المصقول وحدة الكون الأنيق المتناغم ووحدة خالقه.
++++++++++++++++++++++++++++++
Aug 29, 2019د. حسام بدراوى يكتب: الدولة المدنیة الحديثة
اثنى عشر أساسًا لبناء مستقبل البلاد، وبدأنا بالتعليم والتنمية الإنسانية، وبناء شخصية المواطن المصرى الإيجابية، القادرة على صنع مستقبل مشرق لبلادنا. وتحدثنا عن الشباب ووضع سياسات تستوعب طاقاتهم وتوجههم حسب المراحل العمرية المختلفة. كذلك ناقشنا المدخل الاقتصادى الذى يزيد الثروة ويقضى على الفقر، كما امتد حوارنا إلى تخوفنا من المد السلفى الدينى، الذى قد يتطور فى مصر ويزداد نتيجة بداية سقوطه فى السعودية وعدم اتخاذ البلاد منهجًا واضحًا تجاه مواجهته، ونعتقد يا دكتور أن ذلك يقودنا إلى الحوار حول ماهية الدولة المدنية الحديثة التى تتكلم عنها، وأُسسها، وترسيخ مفهومها لدى الأجيال الجديدة.
قلت: لست أنا الذى أدعو إلى الدولة المدنية الحديثة، ولكن الشعب كله وافق على دستور يبدأ بهذه العبارة: «نحن الآن نكتب دستورًا يستكمل بناء دولة ديمقراطية حديثة، حكومتها مدنية»، «يقوم النظام السياسى على أساس التعددية السياسية والحزبية، والتداول السلمى للسلطة، والفصل بين السلطات، والتوازن بينها، وتَلازُم المسؤولية مع السلطة، واحترام حقوق الإٍنسان وحرياته، على الوجه المُبيَّن فى الدستور». هذه هى مقدمة الدستور، والمادة الخامسة منه، والذى وافق عليه الشعب المصرى بأغلبية ساحقة عام ٢٠١٤، ولم تلحق بهذه المقدمة ولا المادة الخامسة تعديلات فى ٢٠١٩ كما حدث لغيرها. الدستور هو مرجعيتنا فى إدارة مصر والحفاظ عليها.
وما الدولة المدنية التى تقصدها ويقصدها الدستور؟، وقال زميلها: ولماذا نريد دولة مدنية أساسًا، ولماذا نسميها هذا الاسم، الذى يجعلها فى مقابل الدولة الدينية أو الدولة العسكرية، وهو ما يثير الحساسيات بلا معنى؟.
الدولة المدنية الحديثة لها حكومة تحافظ وتحمى كل أعضاء المجتمع بغض النظر عن انتماءاتهم القومية أو الدينية أو الفكرية، وهناك عدة مبادئ ينبغى توافرها فى الدولة المدنية، والتى إن نقص أحدها فلا تتحقق شروط تلك الدولة، أهمها أن تقوم تلك الدولة على السلام والتسامح وقبول الآخر والمساواة فى الحقوق والواجبات، بحيث إنها تضمن حقوق جميع المواطنين، ليس كهبة من الحاكم ولكن كحق من واجبه الحفاظ عليه، ومن أهم مبادئ الدولة المدنية ألّا يخضع أى فرد فيها لانتهاك حقوقه من قِبَل فرد آخر أو طرف آخر، فهناك دومًا سلطة عليا، هى سلطة الدولة من خلال آليات ناجزة للقانون، يلجأ إليها الأفراد عندما يتم انتهاك حقوقهم أو تُهدَّد بالانتهاك، فالدولة هى التى تطبق القانون وتمنع الأطراف من أن يطبقوا أشكال العقاب بأنفسهم.
من مبادئ الدولة المدنية الثقة فى عمليات التعاقد والتبادل المختلفة، فالدولة المدنية لا يوجد بها تعسف ولا نقض للتعاقدات لصالح فئة على فئة. وتتميز الدولة المدنية بتكافؤ الفرص بين المواطنين والمؤسسات بأسس معلنة، كذلك الإيمان وتطبيق مبدأ المواطنة، الذى يعنى أن الفرد لا يُعرف بمهنته أو دينه أو إقليمه أو ماله أو سلطته، وإنما يُعرف تعريفًا قانونيًا اجتماعيًا بأنه مواطن، أى أنه عضو فى المجتمع له حقوق وعليه واجبات. وهو يتساوى فيها مع جميع المواطنين.
ومن أهم مبادئ الدولة المدنية أنها لا تتأسس بخلط الدين بالسياسة، كما أنها لا تعادى الدين أو ترفضه، بل إن الدين يظل فى الدولة المدنية عاملًا فى بناء الأخلاق وخلق الطاقة للعمل والإنجاز والتقدم. إن ما ترفضه الدولة المدنية هو استخدام الدين لتحقيق أهداف سياسية، فذلك يتنافى مع مبدأ التعدد الذى تقوم عليه الدولة المدنية، كما أن هذا الأمر قد يُعتبر من أهم العوامل التى تحول الدين إلى موضوع خلافى وجدلى وتفسيرات قد تُبعده عن عالم القداسة وتدخل به إلى عالم المصالح الدنيوية الضيقة
فالمعيار الكقائة والمادية في العمل والاستفادة منه
كذلك تتميز الدولة المدنية بمبدأ احترام القانون والديمقراطية، والذى فى جوهره يمنع أن تؤخذ الدولة غصبًا من خلال فرد أو نخبة أو عائلة أو نزعة أيديولوجية، ويتم تداول السلطة فيها فى إطار من حرية الفرد فى التعبير والترشح والانتخاب، وتوضع كل مؤسساتها فى نطاق المحاسبية، وتتوازن السلطات التنفيذية والرقابية والقضائية فيها، فلا تتوغل سلطة على أخرى. أما لماذا نريد حكمًا مدنيًا بالتعريف الذى ذكرته، فذلك لأن تداول السلطة، والرقابة على مؤسسات الدولة، والتوازن بين السلطات، هو الحامى للأفراد وحقوقهم المذكورة فى الدستور. إن إمكانية تداول السلطة تضع كل حاكم أمام لحظة تركه الحكم وحساب الجماهير، فيتَّعظ ولا يتغوَّل على الحقوق ولا يتسلَّط فى الحكم. نعم، هناك نظم ديكتاتورية حققت طفرات تنموية، ولكنها الاستثناء، ويوتوبيا الديكتاتور العادل، الذى برغم دوام حكمه لا تأخذه سكرة السلطة ولا يظن أنه فوق القانون، غير ثابتة.
فأى نظام حكم يحقق هذا هو نظام حكم جيد؟
المعاكس للحكم المدنى هو الحكم الدينى، الذى يستخدم الدين والعقيدة لتحقيق سلطات سياسية، ولا يعترف بالمواطنة إلا لمَن يدين بدينه. هو حكم ديكتاتورى متسلح بالدين.
والمعاكس الآخر هو الحكم الديكتاتورى الذى يتسلح بأيديولوچية إنسانية مفروضة على الشعب، كما كان الحكم الشيوعى الذى فشل فانهار وسقط.
والمعاكس الثالث هو أى نظام حكم ديكتاتورى يتسلح بتخويف الشعب لفرض إرادة فئة منه بالحكم.
ويشترك الثلاثة فى شىء واحد، هو عدم تداول السلطة سلميًا فى هذه البلاد إلا بثورات وانقلابات وهدم واغتيالات.
قالت الشابة المثقفة: هل تتجنب الكلام عن الدولة العسكرية يا دكتور؟
قلت: لا يا ابنتى، إن تعريف الحكم العسكرى ليس من تأليفى، فهو الحكم الذى يتسلم فيه العسكريون السلطات كلها، ويوقفون فيه العمل بالقوانين المدنية أو يُخضعونها لسيطرتهم. وهو نظام استثنائى تلجأ إليه الدول فى حالة الأزمات الطارئة واختلال الأمن، وتُقرر فيه حالة الطوارئ بصفة دائمة حتى يزول الخطر عن البلاد، وتُمنح فيه السلطة التنفيذية سلطات واسعة حتى يعود الأمن والاستقرار إلى البلد.
ولكن يوجد تعريف آخر للحكم العسكرى، الذى يلتحف بالرداء المدنى، وهو الحكم الذى يمنع المدنيين بشكل مباشر أو غير مباشر من الوصول إلى الحكم، ويُجهض العمل الحزبى والسياسى حتى لا تكون للقوى المدنية قيمة فى الانتخابات، ويتداخل فى الحكم المدنى من خلال التحكم فى المؤسسات المدنية، فلا تسير أمور البلاد أو يُتخذ قرار إلا بموافقته، ويختل التوازن بين السلطات، وتُهمَّش كافة مؤسسات الدولة.
والخطير أنه بمرور الوقت تصبح حجة البقاء فى الحكم وإيقاف تداول السلطة مرتبطة بغياب البديل أو عدم كفاءته، وهو النتيجة الطبيعية لتهميش مؤسسات الدولة المدنية.
وكثيرًا ما يفقد المجتمع ثقته فى المؤسسات المدنية، ويتولد إحساس ويقين بأن المجتمع المدنى رخو بلا نظام، ولا يصلح لإدارة البلاد.
قد يحدث فى دولة ما كل ذلك أو بعضه، وقد تؤدى الأحداث إليه، ولكن التاريخ يقول إن جميع النظم الديكتاتورية، مهما أنجزت فى لحظات- كمَن يبنى قصرًا من رمل على الشاطئ- تنتهى فى الأغلب إلى انتهاكات للحريات أو انقلابات أو حروب أو ثورات أو اغتيالات تهدم ما تم إنجازه، وتعود بالبلاد إلى نقطة الصفر مرة أخرى.
وماذا عن مصر؟
قلت: إن الوسيلة الوحيدة لاستدامة نجاح أى نظام حكم هى وضوح الرؤية، والسماح بتراكم الخبرات، وتداول السلطة، أما ومصر الآن تدخل مرحلة ما بعد السنوات الانتقالية، ونحن فى فترة رئاسية دستورية جديدة، سيتجدد أثناءها انتخاب البرلمان، وتُطبق فيها إجراءات الانتقال إلى اللامركزية، ويتم أثناءها انتخاب المحليات لأول مرة بعد أكثر من عشر سنوات، فإننى بتفاؤل أرى توجهًا سياسيًا واقتصاديًا واجتماعيًا محمودًا للانفتاح ورفع سقف الحريات. وهو ما نؤيده، ونعرضه للاختبار فى إطار الشرعية والقانون، وأنا شبه متأكد من أننا سنلحظ ذلك فى عام ٢٠٢٠ أكثر وضوحًا. أنا يا أولادى رجل جيناتى متفائلة، وأرى فى الناس أفضل ما فيهم، وشبابنا وشعبنا فيه الكثير الذى يستطيع بناء المستقبل، ولديه تراكم خبرات تستطيع أن تجعل البناء مستدامًا.
*
نبني ولا نهدم
اعتبار أن كل من يحقق ربحاً لابد أنه لص ومتهم، علماً بأن هذا القطاع يضم أكثر من ٤ ملايين شركة فى مصر.
لا يجب أن يتهم الكل بأخطاء الأقلية إذا وجدت. التعميم خطر.
لا أمل تنموى اقتصادى بدون قطاع خاص.
لا خلق وظائف جديدة بدون استثمارات مصرية وأجنبية مباشرة.
الفساد فله تعريف دولى لا يرتبط بالقطاع الخاص، بل يرتبط بموظفى الدولة وفى غياب تطبيق القانون.
عندما يخطئ القطاع الخاص يحاسبه أصحاب الأسهم، وعندما يخالف القانون، فهذه جريمة، أما الفساد فهو أمر آخر.
تعريف الفساد على غير ما يعتقد الناس هو أعمال غير نزيهة يقوم بها الأشخاص الذين يشغلون مناصب فى السلطة، مثل المديرين، والمسؤولين الحكوميين وغيرهم، وذلك لتحقيق مكاسب خاصة، سواء سلطوية أو مالية. وهو انطباع يتكون بتكرار الفعل للحصول على الحق.. مثل الرشاوى والوساطة وتزوير الانتخابات أو ترسية المشاريع الكبرى بالتحايل على القانون. كذلك فإن الفساد له أسبابه التى يمكن تجنبها، ليس فقط بكشفها بل باتخاذ إجراءات الحوكمة الرشيدة فى إدارة الدولة ودفع مرتبات لائقة للموظفين، وتطبيق قواعد الرقمية فى إيصال خدمات وحقوق المواطنين إليهم دون وساطة أو رشوة كبيرة كانت أو صغيرة.
الفساد معناه يا صديقى إدارة غير كفء من الدولة وتطبيق انتقائى للقانون
مصر تحتاج إلى خلق مليون فرصة عمل جديدة سنويا وبالحساب فإن هذا يحتاج إلى أكثر من ٣٠ مليار دولار استثمارات من خارج موازنة الدولة (أى من القطاع الخاص). من الذى يستثمر، ومن الذى سيأتى إلى سوق يُتهم فيه المستثمر من قبل أن يبدأ عمله.
القطاع الخاص يهاجم مشروعات وشركات الدولة ويدعى أنها تقتل المنافسة، رغم أنها توفر للمجتمع احتياجاته بأثمان معقولة.
استثمارات الحكومة أو ما كنا نقول عليه قطاع عام، كان هدفها توفير السلع بأسعار بسيطة فعلا، بغض النظر عن التكلفة. وكما حدث فى الاتحاد السوفيتى، فقد أفلس هذا النظام الذى مازلنا ندافع عنه حتى الآن.
الإنتاج الرخيص بغض النظر عن التكلفة وبدون احترام لآليات السوق وقواعد المنافسة والشفافية ينتهى بمنتج قليل الكفاءة وخسارة اقتصادية. وفى العادة تزداد التكلفة بمرتبات من لا يحتاجهم هذا الإنتاج فى مصنع أو شركة لأنه لا حساب لقيمة الربح والخسارة.
تعالوا نرى الأمثلة حولنا، بدون حرج، مؤسسات صحفية كبرى وهيئات حكومية ومصانع مكدسة بالموظفين وخاسرة اقتصادياً ونتمسك بوجودها رغم خسائرها الباهظة، بل ونوزع مكافآت على العاملين بها.
إننا يا سيدى نتمسك بنظم ثبت فشلها عند مخترعيها، وكما قال المرحوم الكاتب الساخر محمود السعدنى لى يوما، المصنع أغلق أبوابه فى روسيا والوكيل شغال فى مصر
فلسفة القطاع العام ولكن هذا لا ينطبق على استثمارات القوات المسلحة المنضبطة والتى تتم فى أقصر وقت ولا يصح انتقادها.
مجرد قولك إنها لا تتعرض للمحاسبة يسىء إليها ولا يضيف. قد يكون لتدخل الدولة فى لحظة تاريخية فى الاقتصاد بالاستثمار المباشر له مبرر زمنى كمُحفز، ولكن طالما أن المنافسة غير متوازنة وخارج نطاق المحاسبة الاقتصادية للربح والخسارة فهذا توجه ليس له استدامة للأسف.
هناك ثلاث دعامات رئيسية للتنمية، أولاها تخفيف سيطرة الدولة وتدخلها المباشر فى شؤون الأفراد والمؤسسات وثانيتها إجراء تغيير هيكلى فى الاقتصاد المصرى بهدف تحفيز النمو، واستدامته وتوازنه مع خلق فرص التشغيل، وثالثتهما العدالة الناجزة التى تعطى لكل ذى حق، حقة فى الوقت المناسب.
التوجه الأول أمر ندعو ونسعى إليه، ولكنه يحتاج تغييرا فى ثقافة المجتمع، الذى مازال رغم نقده اللاذع للحكومة، وشكواه المستمرة من بيروقراطية الدولة، وانتهاكها لحقوقه يسعى إلى تدخل نفس الدولة فى حياته وكأنه يناقض نفسه، وهو ما يعنى مزيدا من الحرية، فى إطار احترام الشرعية والدستور.
ويتبقى تخفيف سيطرة الدولة على الاقتصاد، وعدم تدخلها المباشر كمنافس فى الأسواق، بل كمنظم وراع للعدالة وتكافؤ الفرص. فعلى الرغم من أن القطاع الخاص يستوعب فعلا 70% من العمالة، ومسؤول فعلا عن أكثر من ذلك من الدخل القومى، فمازلت أرى رغبة البعض فى العودة إلى تدخل الدولة المباشر فى ملكية قطاعات الإنتاج.
لقد أثبتت التجربة فشل الحكومات حتى وإن ظهر غير ذلك فى المدى القصير، فى إدارة الاستثمار باسم الشعب.
دور الدولة فى إطار التغيرات التى تحدث سياسيا واقتصاديا، يجب أن يحدد، وبوضوح، فلا انسحابها الكامل أمر صحيح، ولا احتكارها لكل أدوات التنمية أيضا صحيح. إن دور الدولة المنظم والمراجع، والضامن للعدالة وتكافؤ الفرص، والمطبق للقانون.. يحتاج إلى حكومات قوية لها رؤية وعليها التزامات.
الأيسر على الحكومات فى الدول النامية هو السيطرة والتحكم، والأصعب هو تحفيز المجتمع على المشاركة بدون انتقائية نرصدها، تؤثر سلبا على حركة المجتمع ككل.
وقد تكون الست قاطرات القادرة على خلق فرص العمل، هى:
أولا: تكنولوجيا المعلومات والاتصالات والصادرات الخدمية المرتبطة بها.
ثانيا: الصادرات الصناعية كثيفة العمالة والمهارة.
ثالثا: التصنيع الزراعى غير التقليدى والحاصلات البستانية.
رابعا: السياحة بكل ما يحيط بها من أعمال لوجستية وفندقية وثقافية.
خامسا: قطاع الأعمال الصغيرة والمتوسطة عمومًا.
وأخيرا: الإسكان والتشييد الذى يستوعب حوالى مائة مهنة ترتبط بتشغيل واسع للعمالة وعائد اقتصادى واجتماعى كبير. وتركيزى الأساسى فى هذا السياق هو زيادة الثروة والقضاء على الفقر نهائيا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق