Feb 19, 2021
«الدعاة الجدد» المتأثرين بظاهرة الواعظ البروتستانتى الأمريكى،
ظهور عمرو خالد في بداية الألفية وكذلك الشيخ خالد الجندى والذي يعد أزهريًا، ثم ظهر صفوت حجازى وحازم صلاح أبو إسماعيل، وكانوا بعيدين عن السياسة.
هم يفتخرون أنهم لم يتلقوا العلم من خلال أي طريقة أكاديمية أو شرعية، أما الدعاة الجدد السابقين يقولون إنهم ثقفوا أنفسهم أو تتلمذوا على يد أي عالم، أما حاليا فشكل الدعاة عصري رغم أنهم سلفيين، فهم هجين من الدعاة الجدد، وأيضا من المتطرفين، و يرثوا الشيخ كشك فى طريقته، في تشويه الفن».
عمرو خالد كان يتلقى قوته من الشارع، وحينما حدثت ثورة 30 يونيه، وكان متورطًا فى إعلانات تجارية لمنتجات غذائية، و حجم ما يقدمه على الصفحة ضعيف، فضلًا عن أنه كان يحسب على الإخوان، ولذلك فهو يتراجع منذ 30 يونيه.
واستطرد: «لن يكون أمامنا مستقبل كبير، إلا حينما نجد أن أعداد المتابعين لوزارة الثقافة بنفس قدر متابعي الدعاة الجدد وصفحات الفتاوي، فالمؤسسات الرسمية مرفوضة من قطاع عريض يرفض الكلاسيكية، وهم أقرب من ناحية العمر لمستخدمي السوشيال ميديا، ويربطوا الفشل الدراسي بالالتزام الديني، ويقدموا أنفسهم كدعاة وكنجوم، ومتأثرين بعمرو خالد»، موضحًا أن مضمون ما يقدمه الدعاة على مواقع التواصل الاجتماعي ربحي يقدر بالملايين والمليارات.
عقد مقارنة مهمة ومثيرة بين أداء الشيخ الشعراوى، وأداء الواعظ الأمريكى الشهير بيلى جراهام، والسياسة الأمريكية آنذاك حول تقديم رجال الدين كنجوم تليفزيون من أجل محاربة الشيوعية.. وهو هنا يشير إلى ظاهرة «صناعة النجم الدينى»، التى تجلّت فى الشيخ الشعراوى من خلال التليفزيون، والشيخ كشك من خلال شرائط الكاسيت.
ومن النقاط المثيرة التى يطرحها الكتاب موقف الشيخ الشعراوى من الإخوان، يوضح الكتاب أن الشعراوى كان فى شبابه عضوًا فى جماعة الإخوان، لكنه خرج منها، ومع ذلك بقيت أفكاره أكثر ميلًا إلى فكر الجماعة، وعندما سأله البعض عن رأيه فى الجماعة وهو فى أواخر عمره، قال: «إن سبب فشل الإخوان عندما دخلت فى أذهانهم حكاية الحكم، ولو سكتوا لكان الحكم جاءهم.. كان الناس سيقولون مافيش أحسن من الإخوان يحكمونا»!
دعاة عصر السادات
تعويض غياب أيديولوجية واضحة للدولة فى زمنه، لذلك يتناول الكتاب أدوار عدد من الدعاة، مثل: الشيخ «كشك»، الذى يصفه بأنه «صوت الغضب الموجه»، وأنه كان ينقد حال المجتمع وأهل الفن وليس السادات- على الأقل حتى معاهدة السلام- والشيخ «عبدالحليم محمود» والذى يُطلق عليه «شيخ الأزهر الغامض»، والدور الذى لعبه فى محاربة الشيوعية وإحياء التيار الإسلامى، والشيخ «السيد سابق» صاحب الكتاب الشهير «فقه السنة»، لكن وائل لطفى يشير أيضًا إلى أنه مفتى الإخوان الذى أصدر فتوى اغتيال رئيس وزراء مصر «النقراشى».
كما يعالج الكتاب عودة الشيخ «الغزالى» إلى الأضواء من جديد مع عصر السادات، ودوره فى تشجيع نشأة الجماعات الإسلامية فى الجامعات المصرية، ويُنهى الكتاب بالشيخ «المحلاوى» وقصته الشهيرة عندما وصفه السادات فى خطابه الشهير فى سبتمبر ٨١ بأنه- أى «المحلاوى»- مرمى زى الكلب فى السجن!!
لقد لعب السادات بالنار عندما حاول ضرب اليسار بالتيار الإسلامى إلا أن النهاية كانت درامية، حيث أدرك السادات متأخرًا- كما يقول وائل لطفى- «أن الإخوان خدعوه فى الوقت الذى كانوا ينسقون فيه الجهود مع الجماعات الإسلامية ليوم معهود».
*
دولة العلم والإيمان!
انفتح المجال العام على مصرعيه للشيوخ المقمين و للعائدين من السعودية ، ممن رحلوا إليها بعد الصدام مع الرئيس عبد الناصر. وبدأ عصر الشيخ الشعراوى ، بجانب من شكلوا معه ملامحه . من محمد الغزالى إلى سيد سابق ، ومن الشيخ كشك إلى الشيخ المحلاوى ، ومن شيخ الأزهر عبد الحليم محمود إلى إبراهيم عزت معلم أجيال من الإرهابيين ، ممن اعتلوا أكتاف دولة السادات وحظوا بدعمها ، بعدما أعلن فور توليه الحكم بأنه رئيس مؤمن لدولة مسلمة ، وأنه بصدد بناء دولة العلم والإيمان ، متبنيا ضمنا ، رؤية التيار الدينى ،الذى لم يكن يكف عن وصم النظام الناصرى ،وكل من يخالفه فى الرأى ،بالكفر
وكان من الطبيعى أن تشكل الهجمة الوهابية المدعومة باموال النفط ، ومساندة السادات ،جماعات ضغط ، على السلطة لتوجيه سياساتها نحو إقامة الدولة الإسلامية ، وعلى المجتمع ، لإعادة تشكيله وتغيير هويته، المحبة للحياة والمتسمة عبر امتداد العصور، بالتدين الوسطى الفطرى، وبروح المسئولية والمواطنة ، دون حاجة لوسطاء .
على الفور تم إغراق المجال العام بسلوكيات التدين الشكلى، فاطلقت اللحى ، وانتشر الحجاب ، وشاهدنا الجلالايب والأسلحة البيضاء تغزو الجامعات بدعم هؤلاء الشيوخ .وانتشرت كاسيتات الدعوة والفتاوى ، بعدما فتح التليفزيون أبوابه للشيخ الشعراوى ، وصارت المساجد ساحة للدعاة ، واقيمت معسكرات لتدريب الكوادر الدينية فى كل مكان دون أية رقابة حكومية .ولعبت رحلات الحج والعمرة المجانية التى كانت توفرها السعودية لأعضاء تلك الجماعات دورا مركزيا فى نشر التوجهات الوهابية المتشددة .فى نفس الوقت الذى تولى قادة الإخوان إدارة وزارة الأوقاف ،من قبل أن يغدو الشيخ الشعراوى وزيرها .وتوسع شيخ الأزهر فى إنشاء المعاهد الأزهرية ، التى أعدت جيوشا من المتطرفين فى مجال الدعوة .وساد مناخ العداء للمرأة ،والدعوات للفصل بينها بين الرجل فى المجال العام ، وانتشرت البنوك الإسلامية ،وظاهرة توظيف الأموال التى خربت الاقتصاد المصرى .وسادت المجتمع روح محافظة فى النظر للثقافة والعلم والفنون والآداب ، وقضايا نقل الأعضاء والأحوال الشخصية وانتشرت الخرافة وتهيأ المجتمع بهمة هؤلاء ، للفتن الطائفية ، وبالعداء للمسيحيين والمختلفين دينيا وفكريا .
تلك هى دولة العلم والإيمان التى شيدها السادات ، ورصدها بدقة ووعى كتاب وائل لطفى ،الذى أزال برصده الشيق والممتع فكرتين مراوغتين ،تم الترويج لهما .
الأولى أن هناك متطرفين ومعتدلين فى الحركة الإسلامية . وقد أثبت المؤلف من واقع كتابات تلك الجماعات وممارستها ،أن العنف مكون رئيسى لها ، والفرق بينها يكمن فقط فى توقيت استخدامه ،.أما الفكرة الثانية المرتبطة بالسابقة ،أن جماعة الإخوان لم تعرف الاعتدال أبدا عبر تاريخها، وأن من ادعى الخروج منها تنظيميا ،كان يروج لافكارها التى تسعى لبناء دولة دينية ، وأن جماعات العنف والإرهاب قد خرجت جميعها من قلب الجماعة .وكان إزالة الالتباس عن هاتين الفكرتين ،كفيلا أن يمهد الطريق نحو ثورة 30 يونيو.
*
شعارات الإخوان تدغدغ عواطف الناس ولا تحل مشاكلهم
الرئيس الراحل أنور السادات هو من أعاد إحياء تنظيم الإخوان المسلمين ومنحه أدوات قوة صناعية لينتصر على التيارات الأخرى، وإحدى خطاياه أنه أضعف الليبراليين واليساريين، وأطلق الوحش الإسلامي فغاب التوازن في المجتمع.
الرئيس المؤمن لدولة العلم والإيمان، واعتقاده أن توظيفه للإسلاميين يمكّنه من القضاء على فصائل اليسار، وفي مقدمتهم الناصريون المنتسبون للرئيس الراحل جمال عبدالناصر، إلى جانب توفّر ظرف إقليمي متمثل في تحالفه مع السعودية، وكانت آنذاك قريبة من الإخوان.
اعترف مؤخرا وليّ العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان باستخدام الوهابية في مقاومة الشيوعية، ووقوف الولايات المتحدة وراء ذلك.
وثمة عامل آخر مهم لصعود التيار الديني وهو أن مصر الرسمية بعد هزيمة يونيو 1967 تولد لديها ميل لمصالحة الإسلاميين واستيعابهم ضمن خطة بناء جبهة داخلية قوية لمواجهة العدوان، حيث يقول لطفي “أؤكد أن الرئيس جمال عبدالناصر لو استمر على قيد الحياة كان سيجري هذه المصالحة بطريقة مختلفة تماما عمّا فعله السادات”.
عبارة الكاتب الراحل أحمد بهاءالدين “سداح مداح”، التي أطلقها على الانفتاح الاقتصادي كدلالة على عدم وجود ضوابط، حيث أطلق السادات غولا لم يستطع كبح جماحه، ووصفه بأنه “بطل تراجيدي” ارتكب خطأ أدى إلى نهايته، وأدرك ارتكابه للخطأ أثناء حياته، لكن كان من المستحيل إيقاف آثاره.
فكل تيارات العنف خارجة من عباءة هذه الجماعة، وتبنت أفكار سيد قطب، وأنا أرفض تصنيفات جماعات الإسلام السياسي وتسمياتها المختلفة، وهي أخطاء يقع فيها الإعلام، وربما من أرادوا تنقية صفحة الإخوان”.
الدولة لم تصنع الإسلام السياسي، لكنه ظهر كاستثمار لاتجاهات موجودة فعليا لدى المصريين، وحتى مؤسس جماعة الإخوان المسلمين حسن البنا لم يخلق هذه النزعة بل استثمر مخاوف المجتمع من التغريب والتبشير وفقدان هويته وحوّلها إلى تنظيم ودعوة سياسية.
كل دعاة حقبة السبعينات أبناء جماعة الإخوان، مرّوا عليها وحملوا أفكارها وبعضهم انفصلوا عنها تنظيميا وليس فكريا، وبينهم شيخ الأزهر عبدالحليم محمود والشيخ محمد الغزالي والشيخ عبدالحميد كشك والشيخ محمد متولي الشعراوي.
الشعراوي أحد الدعاة المشهورين خلال حقبة السبعينات وما بعدها، وتمتع بشعبية جارفة ومازال يُنظر إليه من قبل البعض من المصريين بشيء من القداسة، مع ذلك انتقده لطفي بضراوة واعتبره استنساخا لتجربة واعظ أميركي يدعى بيللي جراهام، حيث الإتيان بواعظ مجهول وتحويله إلى نجم.
الشعراوي كان يردد أنه ضد السعي للسلطة لكنه في المقابل كان مؤيدا لكل مفاهيم الإسلام السياسي، مع فرض الشريعة ومصادرة الحريات وتحريم الفن وعمل المرأة، وضد نقل الأعضاء ودخول غرفة الإنعاش، وأفتى بقتل تارك الصلاة وهو أمر في منتهى الداعشية، وأنا لا أتحدث عن الحكم الفقهي لكن عن تصدير الفتوى للملايين على أنها حقيقة.
سلّط الضوء على دور الشعراوي الذي ُقدم باعتباره إمام الوسطية والاعتدال في تديين المجتمع المصري، والترويج لشركات توظيف الأموال على حساب البنوك والاقتصاد الوطني، وانتقد ما قام به من دون خشية من ردود فعل الأوساط الشعبية المصرية التي ارتبطت به بشكل طاغ.
تعامل البعض مع الدعاة كقديسين، بأنه يعود إلى “الإلحاح في العرض، وعدم وجود من يهتم بمخاطبة الناس، وانعزال المثقفين أو انتهازيّتهم وهزيمتهم وقبولهم للحصار مقابل مكاسب معينة، كل تلك الأسباب حولت داعية مثل الشعراوي إلى أسطورة في الشارع فالجمهور لم يجد من يخاطبه سواه”.
تميزت موهبة كشك في الملكات الخطابية، ونادرا ما استخدم آيات وأحاديث، لأن سلاح السخرية كان بتارا في تشويه الفنانين، والمغرمين بفترة الستينات والحقبة الناصرية، وقام بتشويه المطربة أم كلثوم في سياق كونها أيقونة للمرأة المصرية وكبريائها وهي التي وقفت بعد هزيمة يونيو وجمعت التبرعات للمجهود الحربي.
فتحدث عن أجور الفنانين الباهظة، والتي تكفي لإطعام الجوعى وحل مشكلات الفقراء.
يعد كشك واحدا من الدعاة الذين لعبوا دورا تخريبيا وأشعلوا الفتنة الطائفية في مصر، وكان المسجد الذي يلقي فيه خطبة الجمعة متواجدا في منطقة تعج بالأقباط، ونسج قصصا كاذبة ومختلقة وأتى بأشخاص يشهرون إسلامهم في المسجد، في وقت كان السادات نفسه في مواجهة محتدمة مع البابا شنودة بابا الأقباط في مصر.
كشك كان يهاجم خصوم السادات كي تتركه الدولة وأجهزتها يعمل، لكنّ ولاءه الأساسي كان لجماعة الاخوان، واستخدم خطابه في تحويل سيد قطب وحسن البنا والإخوان عموما إلى أساطير عبر اختلاق قصص غير حقيقية عنهم صدّقها الناس.
فانتشرت شرائط الدعاة السلفيين، وكانت هناك إمبراطورية ضخمة لها، وتم تشغيلها في وسائل النقل الجماعي، كوسيلة نشر لخطب الدعاة قبل ظهور الفضائيات والإنترنت، وفي مقدمتهم الشيخ كشك الذي ارتبط بظهور الكاسيت، فيما ارتبطت شهرة الشعراوي بالتلفاز وظهوره عليه بشكل متواصل، ما ساهم في التسلل إلى شرائح عديدة داخل المجتمع المصري.
وفقا لمصطلحات العلوم السياسية البحتة وليس الأحكام الأخلاقية ينقسم الإسلاميون إلى ثوريين راديكاليين وإصلاحيين، ولا يعني ذلك بالضرورة أنهم ثوريون أو إصلاحيون حقيقيون، فقد أطلق لفظ ‘الثوريون’ على جماعات العنف التي خرجت من رحم الإخوان المسلمين، مثل ‘تنظيم 65′ و’تنظيم الفنية العسكرية’ و’التكفير والهجرة’ و’الجهاد’ و’الجماعة الإسلامية’، وصولا إلى ‘داعش’ وولاية سيناء”.
أما الإصلاحيون “فهم من يحاولون التغيير من أسفل مستخدمين التغيير الناعم، وهم من ربحوا الرهان وقاموا بأسلمة المجتمع، وجعلوا وجود الإخوان حقيقة واضحة حتى وصلوا إلى الحكم بعد ثورة يناير 2011 دون استخدام العنف، لكن عبر هؤلاء الدعاة والعمل الأهلي والجمعيات الخيرية، وشركات التوظيف، والمدارس الإخوانية، والجمعيات الأهلية التي تدفع مساعدات وتلعب دور الدولة”
*
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق