الخميس، 13 مايو 2021

السلفية المصرية ****

 النسخة السلفية الحديثة مطلع القرن العشرين، وفي سياق تلا سقوط الخلافة العثمانية ونشوء عدد من حركات الإحياء الإسلامي المختلفة؛ بات التيار السلفيّ بشكل عام مُنشغلا بصورة أساسية بالعمل الدعوي والتربوي الديني، ولم يكن للسياسة موضع مرموق في سُلَّم أولوياته، لا فكرا ولا فعلا.

التأثر بالدعوة الوهابية وامتداداتها في العالم العربي ضمن المشروع التوسعي السعودي من خلال التنافس على مرجعية الإسلام السني

يخبرنا التاريخ دوما بتأثير حركات الإصلاح والتحديث في مصر وحدود تأثيرها على العالم العربي والإسلامي، خاصة في القرون الثلاثة الأخيرة.

٢٥ يناير ٢٠١١ وما تلاها؛ وجد السلفيون أنفسهم أمام فرصة سانحة لملء جزء من الفراغ السياسي والاجتماعي الذي تُرك بعد تنحي مبارك، ولأسباب مختلفة اندفعوا لاستغلال هذا الفراغ فيما يخدم رؤيتهم الإصلاحية، خاصة أن فضاء التنافس السياسي وقتئذٍ كان ملتهبا ودخله الكثير من الاتجاهات الإسلامية والعلمانية.

نموذج الممارسة السياسية الحديثة (الانتخابات – البرلمانات – الدستور – الأحزاب السياسية) وفق المقولة الشهيرة للشيخ السلفي محمد ناصر الدين الألباني "من السياسة ترك السياسة"، وبقيت القطاعات الأوسع من السلفيين بشكل عام تتعاطى مع السياسة على مستويين:

1

"تحكيم الشريعة الإسلامية" والحفاظ على "الهوية الإسلامية" كونها أهدافا كبرى تسعى لها الحركات الإسلامية عامة، في ظل القوانين الوضعية، وفق ما يراه قطاع كبير من الاتجاهات الإسلامية.

2

وافدا غربيا مستوردا وغريبا على البيئة الإسلامية ودخيلا عليها،. قلق من منطلق ديني كونها "آخر غربي".

 النموذج الإسلامي السلفي، وضرورة تقديم تنازلات "شرعية" عن ثوابت الشريعة الإسلامية، بالإضافة إلى اهتمامهم التاريخي بوظيفتهم الدعوية والتربوية بوصفها وظيفة أساسية لتحقيق التصور السياسي والاجتماعي للدولة المسلمة.

 الدوافع التي تمنع السلفيين من المشاركة في مرحلة ما؛ فالفكر السلفي بشكل عام يولي اهتماما كبيرا لما يسميه "المنهج"، ويعني الطريقة المثلى التي يرونها لممارسة وتدبير شؤون الحياة والمجتمع، التي يجب أن تكون وفق الرؤية التي يرون أن "منهج النبي وأصحابه" وضعوها من خلال تفاعلهم مع النص القرآني والنبوي، وهو المنهج الذي يقتضي، وفق الرؤية السلفية، تجنُّب أي عمل أو فكرة خارج الإطار المفاهيمي المسموح به، خاصة فيما يتعلق بالمفاهيم والممارسات الغربية الحديثة.

هذا "المنهج" تَشكَّل بناء على نموذج تفسيري يتعامل مع تأويل النصوص الدينية باعتبارها تقتضي تحديد الطريقة الخاصة والتمايز الضروري بينهم وبين غيرهم ممن لم يلتزم هذا التأويل(1). ومع تطور هذا السياق التفسيري تاريخيا، نشأت حالة من التمييز المتزايد بناء على هذا "المنهج" مع الإحياء الوهابي لأدبيات "ابن القيم" و"ابن تيمية"، وتبنّي السياسة السعودية حتى عقد مضى نمطا توسُّعيا من خلال نشر الفكر السلفي إقليميا.

يظهر تأثير تصدير نمط التدين السعودي على بنية التصور السلفي تجاه الدولة والعمل السياسي عبر تسويق فكرة النموذج السعودي في الحكم كونه يجمع بين فصيل يدبر الأمر السياسي من دون ديمقراطية، وفصيل يدبر الشأن الديني بسلطات كبيرة تتضمن الحياة الاجتماعية للناس، حيث ساعد ذلك في تنميط مفهوم ما هو سياسي في الخيال السلفي، وجعل التناول التقليدي للسياسة في المفهوم السلفي محدودا بالتجربة السعودية دون غيرها من النماذج الأكثر تحديثا على مستوى نموذج الحكم.

متحفظ تجاه الديمقراطية، فأبدت "الدعوة السلفية" بالإسكندرية موقفا مانعا من المشاركة، مع عدم الإنكار على المشاركين، لأن المشاركة تتطلب تنازلات عن ثوابت دينية لا يمكن لهم التنازل عنها. ويذكر "ياسر برهامي"، أحد أهم المنظرين للسلفية في مصر، تصريحين واضحين للموقف السلفي تجاه الديمقراطية حيث يقول: "والحقيقة فإن كلمات مثل العمل السياسي، والديمقراطية، والتعددية، كلمات براقة لا حقيقة لها، ولا نصيب لها من التطبيق حتى عند مَن يزعم اعتناقها والدفاع عنها"(2)، ويضيف برهامي أنهم "يرون أن تمارس السياسة بنوع مما أسماه "التحفظ" أو "الممانعة"، وذلك لتعرية الفساد وكشفه بدلا من تزيينه وإضفاء المشروعية عليه"(3).

الديمقراطية، على سبيل المثال، يعني: حكم الشعب أو السيادة للشعب، وهي تقريرات مذكورة كثيرا في دروس ومقالات رموز السلفية المصرية.

 سيادة الشعب فوق سيادة الشريعة، وأن توسيع صلاحيات البرلمانات لسن تشريعات قد تخالف الشريعة الإسلامية، وهو أمر لا يمكن قبوله من المنظور العقائدي الإسلامي.

 بعض التيارات السلفية تقرر وجود خلاف معتبر في الموقف من الممارسة الديمقراطية، لكنها تقيدها بقيود معينة وليست على إطلاقها، وتعتمد في ذلك على فتاوى لرمزين سلفيين كبيرين هما الشيخ "عبد العزيز بن باز" و"محمد صالح العثيمين"، وهو الأمر الذي يُشير إلى مدى تأثير رمزية المرجعيات السلفية السعودية على السلفية المصرية. من فيلم الضيف 

 موقف يتخذه السلفيون الحركيون في مصر من الدولة بشكل عام، ونظام الحكم في مصر بشكل خاص؛ وهو أن نظام الحكم يعتمد على القوانين الوضعية، وأن التحاكم لغير الشريعة الإسلامية يُعَدُّ حكمه العام كفرا

ويفصل بعضهم بشروط خاصة مدى إمكان تكفير الشخص ذاته أو إطلاق الحكم على فعل "الحكم بغير ما أنزل الله" بشكل عام دون تعيين. وهذه المسألة بالتحديد هي المركز الذي يبني عليه هؤلاء موقفهم من الاستبداد كونه صفة ثانوية لما يوصف لديهم بـ "الطاغوت"، وهو مصطلح ديني يُشير إلى المستبد الذي يحكم بغير الشريعة، وليس بالمعنى السياسي المعهود في العلوم الاجتماعية، وبالتالي فموقف أبرز رموز السلفية في مصر تجاه "الاستبداد" مرتكز إلى المعنى الشرعي لديهم لمفهوم "الطاغوت"(4).

 التيار السلفي من أبرز التيارات الصاعدة آنذاك، ووفق الأوزان النسبية في أول اختبار انتخابي؛ فقد تلا حزب النور جماعة الإخوان في عدد المقاعد في أول برلمان بعد الثورة.


سبب هجرة السلفيين نحو السياسة بعد الثورة؟

 الأدبيات السلفية المعاصرة، لكنها أيضا تبقى مستمدة بناها المرجعية والفكرية من التراث السني والمرجعيات السنية الكبرى كالإمام أحمد بن حنبل وابن تيمية وابن كثير، بالإضافة إلى عدد من المرجعيات المعاصرة كابن باز والألباني وابن عثيمين.

 حافظت التيارات السلفية على حالة الانكفاء السياسي حتى عام ٢٠١١، ووفق أدبيات تعالج السياسة، نظريا وعمليا، بوصفها محرما أو مكروها شرعيا دينيا، وتعتمد فيها على مبدأ اعتبار المصالح والمفاسد الشرعية والمحافظة على ثوابت العقيدة الإسلامية، التي كانت ترى في أسس السياسة الحديثة الكثير من الأفكار والممارسات التي تتعارض مع الشريعة الإسلامية، ولو على سبيل الضرورة، وبالتالي فالموقف من مشروعية الدولة الحديثة هو موقف رافض لبنية الدولة الحديثة بشكل كبير، وراغب في استعادة النموذج التاريخي المُتمثِّل في "الخلافة" وقيمها الإجرائية كالشورى وأهل الحل والعقد(5). لكن يمكن استثناء تيار ما يسمى "السلفية المدخلية" كونه يتعامل مع الواقع السياسي الراهن بمنطق مختلف، إذ إن ولادة هذا التيار فكريا كانت في السعودية، وارتكزت نشأته على التنظيرات المتراكمة منذ نشأة الدولة السعودية الثالثة المزاوجة بين حكم آل سعود وشرعية آل الشيخ محمد عبد الوهاب، التي أسّست لشرعية دينية لشكل هذا النظام، وانتقلت فيما بعد في التصدير السلفي السعودي إلى باقي السلفيات في المنطقة العربية.

تفاعل سريعا قطاع من السلفيين الحركيين والثوريين مع الثورة، كسلفية القاهرة(6) وبذور تيار حازم أبو إسماعيل الثوري والقطبيين، وكانوا موجودين في بواكير الانتفاضة المصرية، ونظّروا لها ولشرعيتها، ودفعوا حجج القائلين بغلبة مفاسدها أو إنها خروج على الحاكم، وبذلك يصبح باقي قطاعات السلفيين داخل ميدان التحرير ومن المشاركين في الثورة.

بإطار التفكير والتفاعل السياسي السلفي تجاه الحداثة السياسية:

قلة التفاعل مع الأدبيات النظرية الحديثة المتعلقة بالسياسة والاجتماع، وهو ما جعل سؤال السياسة العامة بمنزلة "لا مفكر فيه" بالنسبة لهم، ومن ثم جعل السلفيين ذاتيا وفي نظر المجتمع "شيوخا ودعاة"، ويرتكزون ذاتيا على "رأس مال رمزي" تَشكَّل بناء على هذه الظاهرة المشيخية.

على المستوى النظري؛ بقيت النقاشات السلفية حول الثورة منحصرة في الجدل حول "شرعية الخروج على الحاكم"، وهذا البُعد التراثي في النقاش يعكس الطبيعة الإشكالية التي تلقّى بها كل السلفيين لفكرة وحدث الثورة، التي هي في واقع الأمر حدث وممارسة حداثية بالدرجة الأولى.

عقب ثورة يناير ٢٠١١ في مصر تردَّد قطاع من السلفيين في الولوج لمعترك السياسة على الرغم من موقفهم السابق، وتعامل كل جزء من تيار السلفية الحركية والعلمية بهذا السلوك المتردد، بينما شارك حركيون آخرون في الثورة من بداياتها بعيدا عن أي أفق للعمل السياسي.

انعدام الخيال السياسي لم يستمرا طويلا، حيث وجد السلفيون الفرصة متاحة لتحقيق تمدُّد أكبر في الواقع المصري الجديد، إذ ثمة مفهومان رئيسيان كانا مُفسِّرين لهذا الانطلاق السلفي نحو الممارسة السياسية الحداثية:

الأول:

 مفهوم "الحركة – الحركة المضادة" (Movement – Countermovement)(8)، وهو مُفسِّر لدوافع تحرك السلفية الحركية بالتحديد نحو تأسيس الأحزاب والائتلافات الكثيرة التي ولدت بعد ثورة يناير، وعن رغبة عقلانية تجعل من أهمية الحضور السلفي في الفضاءات السياسية الفارغة الموجودة آنذاك ضرورة لمنافسة الصعود الإخواني بدرجة ما، والتخوفات من الصعود العلماني والمسيحي.

الثاني: مفهوم "صراع الدين – الدولة"، وهو مفهوم يعكس اعتقادا حاضرا في الوجدان السلفي من أن الدولة الحديثة، وفي مصر بالتحديد، دائما ما تسعى لتأميم الدين بشكل عام في المجتمع، وتعتقد أن الدولة نجحت في تأميم مؤسسة الأزهر والأوقاف، وكانت تسعى عبر سنوات لتحديد المشروع التوسعي السلفي كونه مشروعا هادفا ونقيا ويدعو لعودة المجتمعات المسلمة للإسلام الخالص، وسيكون مهددا للدولة العلمانية كما يراها السلفيون.

السلفية السائلة 

انتقلت السلفية المصرية إذن من زمن "الشيوخ" إلى زمن "الشيوخ السياسيين" تحت إكراهات الثورة في مصر، وفقدت أكثر التيارات السلفية، وباقي السلفيات بالتبعية، رصيدا كبيرا من رأس مالهم الرمزي المشيخي في نظر المجتمع الجديد بعد الثورة، كونهم انهمكوا في الفضاء السياسي. محمد حسان / محمد حسين يعقوب

تؤكد دوما الحركات الإسلامية على مبدأ وحدة الأمة الإسلامية كونه هدفا نهائيا وتاريخيا، وعلى الرغم من ترسخ هذا المبدأ في التفكير الإسلامي بكل عام، وفي السلفي منه بالطبع(9)، فإن السلفية كانت أكثر تعارضا معه في الواقع. انعكست هذه الطبيعة المائلة للتشظي على واقع السلفيين بعد الثورة، وولدت خلال هذه الفترة كيانات وأحزاب عدة، عبّر بعضها عن حالة الرغبة في اهتبال الفضاء السياسي أمام منافسين، الإخوان والعلمانيين، وعبّر البعض الآخر عن انشغالهم بالعمل التوعوي والبحثي والدعوي من خلال مؤسسات رسمية تبني وجاهة وحضورا مجتمعيا وسياسيا أيضا وسط سيولة في الكيانات والمؤسسات والجمعيات التي راجت في مصر بعد الثورة.

  •  أربعة أمور كانت هي الشاغل الرئيسي للتيارات السلفية بعد الثورة:

الأول: الحفاظ على الهوية الإسلامية لمصر كونها محددا مركزيا لصناعة القرار السياسي.

الثاني: الحفاظ على صيغة المادة الثانية في الدستور كونها هدفا رئيسيا لقبول الدستور، وكذلك رفض أي بنود أو وثائق فوق دستورية تهدد فاعلية هذه المادة فيما بعد.

الثالث: الوقوف أمام الأطماع العلمانية والقبطية وتحجيم دورهم في المرحلة الجديدة التي تمر بها مصر بعد الثورة.

الرابع: الوقوف أمام التمدد الإخواني سياسيا واجتماعيا، على اعتبار الإخوان مهددا وجوديا لمكتسبات السلفيين الدعوية والسياسية.

انطلق الموقف السلفي من الديمقراطية بعد الربيع العربي من محدد شرعي وهو "تقدير المصالح والمفاسد"، وهو معيار يعتمد على تقديرات الشيوخ لهذه المصالح والمفاسد وإمكان دفع التعارض بينهما، أو ترجيح غلبة أحدهما على الآخر(10).

غاية التقدمية التي أحدثتها السلفية هي القبول بآليات العملية الديمقراطية لا بفلسفتها، وإضافة البُعد الهوياتي لممارستهم كي لا يُتهموا بالتنازل عن ثابت "سيادة الشريعة الإسلامية".

وتنص على: "مبادئ الشريعة الإسلامية تشمل أدلتها الكلية، وقواعدها الأصولية والفقهية، ومصادرها المعتبرة، في مذاهب أهل السنة والجماعة"(11). كما طرأ تحوُّل للموقف السلفي من الأزهر، وأقر السلفيون المشاركون في صياغة الدستور بضرورة جعل الأزهر مرجعية إسلامية كبرى للمسلمين في مصر، ورغم الموقف العقائدي المتحفظ تجاه الأزهر، فإن السلفيين اعتبروا أن معركتهم مع العلمانيين في الفضاء السياسي المصري الجديد أكثر خطورة من خلافاتهم العقائدية مع الأزهر، وأُضيفت مادة تنص على: "يؤخذ رأي هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف في الشؤون المتعلقة بالشريعة الإسلامية"(12).

ومع أولى جلسات مجلس الشعب الجديد بعد الثورة، وحصول السلفيين على ما يقارب ٢٥٪ من إجمالي المقاعد، أضاف الأعضاء المحسوبون على التيارات السلفية المختلفة، وغالبهم من أعضاء حزب النور، خلال حلفهم اليمين عبارة "بما لا يخالف شرع الله" بوصفه تقليدا جديدا وضعوه لتجنُّب الحرج العقائدي الذي قد يقعون فيه في حال أقرت قوانين يرونها مخالفة للشريعة الإسلامية.

لأن مصر كانت على أعتاب الانتقال لمرحلة التحول الديمقراطي في ذلك الوقت، فإن الممارسة السياسية بشكل عام كانت تتسم بالعشوائية والتنافسية غير السياسية، وانخرط السلفيون بمختلف تنوعاتهم في هذه العشوائية، وبقدر أكبر هو القصور المعرفي الواضح في العلوم الاجتماعية، وانعدام الخبرة السياسية تماما في مقابل جماعة الإخوان التي مارست نضالا سياسيا طويلا قبل الثورة.

نظرا لطبيعة الحركات السلفية غير التنظيمية؛ فقد استغرق السلفيون وقتا طويلا لاستيعاب التغيرات والتحولات التي اتخذوها أو اضطروا لها بعد الثورة، ولأن قوى الثورة المضادة لم تُمهل أي أحد وقتا أكبر لالتقاط الأنفاس، فقد وجد السلفيون أنفسهم أمام مأزق أخلاقي وسياسي مع عزل الرئيس مرسي، ثم وقف العمل بالدستور، وتعيين رئيس المحكمة الدستورية العليا رئيسا مؤقتا في يونيو/حزيران ٢٠١٣، وبات السلفيون هنا أمام اختبار لمفاهيمهم العقائدية، إذ لم يُسعفهم مفهومهم لـ "الطاغوت" لمواجهة الموقف الجديد، كونه المفهوم المقابل لديهم للاستبداد، واضطروا لإيجاد معالجة جديدة لهذا المشهد، فهم مخيرون بين ضرورة إيجاد تبرير شرعي ديني لنظام يؤسس وجوده على مسار غير ديمقراطي وفق القواعد الديمقراطية الراسخة، وبين الوقوف مع فصيل إسلامي آخر بينهما اختلافات وتوترات.

الدولة السلفية 

الاخوان والجيش والدولة 

2013

مفهوم الدولة الوطنية بصورة أكثر تماهيا مع الحداثة، حيث انقسمت السلفية إلى ثلاثة معسكرات:

الأول: اتخذ موقفا تكتيكيا من تصعيد الإخوان والجيش أثناء وبعد أحداث رابعة العدوية وعزل الرئيس محمد مرسي، وهو تيار الدعوة السلفية وذراعه السياسي حزب النور. نظر هذا التيار إلى مكتسباته السياسية، ولو بشكل بسيط داخل المعادلة السياسية الجديدة في مصر، واختار عدم الانجرار مع معركة الإخوان مع العسكر، واصطف بحذر مع القوى العلمانية والليبرالية التي عارضت حكم الإخوان، وتعامل مع منطق الدولة كونها كيانا ينبغي الحفاظ على استقراره وسيادته.

الثاني: اختار الاستمرار في المعركة مع جماعة الإخوان كونهم يُمثِّلون سيادة الدولة الجديدة في حكم مرسي، واندمجوا شعوريا في حالة "الدولة وسيادتها وشرعيتها" في الحالة الإخوانية، وحشدوا قواعدهم ورموزهم في اعتصامات رابعة العدوية والنهضة، كما اضطروا فيما بعد للخروج من مصر إلى المنفى التركي واستكمال جهود المعارضة للنظام المصري من هناك. ويُمثِّل هذا التيار سلفية القاهرة والسلفية الثورية وبعض القطبيين

الثالث: عاد للثكنات الدعوية التي سُمحت له، أو اختار الانكفاء التام لمَن لم يسمح له بذلك مع النظام الجديد، وأبرزهم رموز السلفية الجامية والعلمية الدعوية.

المفارقة الحقيقية هنا تكمن في تحوُّل السلفيين من مبيح أو مُقبل على الثورة والدولة الحديثة بمنطق المصلحة والمفسدة وضرورة الحفاظ على الهوية والشريعة إلى منطق الصراع الحاد على الدولة والدستور والثورة في وضعها الإخواني، أو في وضعها الجديد بعد ٣٠ يونيو/حزيران ٢٠١٣، ودخل للمعجم السلفي الكثير من المفردات الحداثية التي زاحمت المعجم الشرعي التقليدي، كالحفاظ على الدولة واستقرارها، والحفاظ على سيادة مصر، أو الشرعية بمعناها السياسي الحداثي في سياق الحديث عن شرعية مرسي، أو الانقلاب العسكري، وغيرها من المفردات والمفاهيم الأصيلة في المعجم الحداثي.

جدل جديد حول تصور "الدولة" في المخيال السلفي، وكيف يمكن أن يخلق السلفيون مبررات شرعيتها أو عدم شرعيتها في ظل هذا التعارض بين أبرز تياراتها، وكيف يمكن للبعض اعتبار أن ما حدث في ٣٠ يونيو/حزيران ٢٠١٣ كان ثورة على حكم الإخوان، أو بالحد الأدنى حراكا شعبيا ضده (سلفية الإسكندرية)، بينما اعتبرها آخرون ترتيبات من قوى الثورة المضادة للانقلاب العسكري فيما بعد (سلفية القاهرة وآخرون).

ذكر الدكتور م.ي. أنه في أحد لقاءاته بالسيسي بعد الثورة نصحه السيسي بضرورة تأسيس مركز أبحاث إستراتيجية للتيار السلفي، وأن السيسي راجعه واستعجله في الأمر أكثر من مرة.

السيسي نفسه في أحد خطاباته فيما بعد انقلاب الثالث من يوليو/تموز ذكر أنه في اجتماع له مع الشيخ أبو إسحاق الحويني وعدد من القيادات السلفية التي لم يسمها؛ سأله الشيخ عن نصيحته فيما إن كان يمكنهم تقديم مرشح للرئاسة أم لا، فأجابه السيسي بلا(14). وصرّح السيسي وقتها أنه جمعته لقاءات متكررة بحكم منصبه مديرا للمخابرات الحربية بأكثر قيادات التيارات الإسلامية.

مع حلول أحداث يونيو/حزيران ٢٠١٣ وعزل الدكتور محمد مرسي -رحمه الله-، ثم أحداث فض اعتصامي رابعة العدوية والنهضة؛ انقسمت السلفية المصرية انقساما أشد حِدَّة أمام الموقف من الأحداث، ومن ثم الموقف من دولة يوليو الجديدة التي تَشكَّلت بعد ذلك بقيادة عبد الفتاح السيسي، إذ وجد سلفيو الإسكندرية أنفسهم أمام اختبار أخلاقي وسياسي صعب، ونظرا لطبيعة المحددات التي يتحركون من خلالها سياسيا؛ اختاروا الوقوف في منطقة أكثر أمانا لدعوتهم وحركتهم، وانحازوا، اختيارا تارة واضطراريا تارة أخرى، للتهدئة مع الجيش والقوى الموالية له، بينما انسحبوا مبكرا من معسكر الإخوان وحلفائهم وحاولوا تجنيب أنفسهم أضرار المعركة الدموية التي استشرفوها، بغض النظر عن تقييم هذا الموقف.

اصطف بعضهم كمحمد عبد المقصود وعمر عبد العزيز وغيرهما مع الإخوان في معاركهم الكلامية والإعلامية، واضطروا بعد الضغط الأمني الشديد عقب انقلاب ٢٠١٣ للسفر لتركيا والمشاركة الفعالة في العمل الإعلامي الإخواني من هناك، بينما بقي قطاع من السلفيين الحركيين والتقليديين في منطقة محايدة على أمل الإبقاء على الحد الأدنى من عمله الدعوي والتربوي، كمصطفى العدوي وأحمد النقيب ومحمد حسان، إلا أن سياسات دولة يونيو الجديدة كانت قد سارت وفق إستراتيجيات تأميم شامل للفضاء الديني مهما كان نوع خطابه.

* Jan 1, 2021

«البيزنس السرى» للسـلـفيـيـــن فى مصر


 الشيوخ الزهاد او الفقراء ولكن هم جماعات سرعان ما أصبحت امبراطورية مالية ضخمة بعد ثورة 25 يناير

 تمتلك الجماعات السلفية عددا من الكيانات والجمعيات تعمل من خلف ستارها، وأشهرها الدعوة السلفية وحزبها السياسى «النور»، وجمعيتها المشهرة باسم «الدعوة» بالإضافة الى جمعية أنصار السنة المحمدية والجمعية الشرعية فضلا عن عدد كبير من رجال الأعمال خاصة فى مجال التجارة والأعمال، والاستيراد والبيع والخدمات.

مع بداية انشاء الدعوة السلفية فى عام 1978 كان قادتها لا يملكون مالا أو شهرة وكانت اجتماعاتهم فى زوايا صغيرة بمناطق نائية، ومع انتشارهم فى مساجد مثل «محرم بك» بدأت الأموال والنشاطات الاقتصادية تظهر، حيث كانت البداية بسوبر ماركت للإنفاق عليهم ويتفرغون للعلم. 

وتعمل الجمعية فى مجال خدمة المجتمع من خلال التبرعات التى تصل لها، وتقدم خدمات كفالة اليتامى ودعم الأسر الفقيرة، وخدمات تحفيظ القرآن ومحو الأمية وإعداد الدعاة وتزويج اليتيمات بالإضافة إلى الخدمات الصحية فيما تمثل جماعة أنصار السنة المحمدية وجمعيتها أحد كيانات التيار السلفى القوية فى مصر. 

تشير الجماعة إلى أن مصادر تمويلها تتنوع بين الأوقاف الموقوفة لأنصار السنة، والمشروعات المقامة فوق المساجد من مستشفيات ومدارس وحضانات، ونشر وطباعة الكتب والمجلات والإعلانات، ومشروعات تشغيل الشباب الخاصة بالفروع وتعتمد على التبرعات والإعانات من داخل مصر وخارجها.

إمبراطورية رجال الأعمال

تمتلك الجماعة السلفية قائمة كبيرة من رجال الأعمال تقدر ثروتهم بالملايين إذ تضم الدعوة السلفية إمبراطورية مالية ضخمة من رجالها من أصحاب المال والأعمال والشيوخ القادرين على تقديم إمدادات مالية ضخمة تساهم فى تواجد الدعوة السلفية وذراعها السياسى حزب النور وابرزهم:

كما يضم عددا من المشاهير السلفيين من بينهم الشيخ محمد حسان والشيخ محمد حسين يعقوب والشيخ أبو اسحق الحوينى والشيخ ياسر برهامى، وتصل أرباح قناة يوتيوب الخاصة بالشيخ السلفى محمد حسان ما يقرب من 53 ألف دولار خلال العام أى ما يبلغ نحو 850 ألف جنيه مصرى فى السنة الواحدة، بواقع 71 ألف جنيه فى الشهر الواحد.

ولم يكن حسان هو الأول من شيوخ السلفية الذى اتجه إلى أرباح اليوتيوب، حيث سبقه العديد من المشايخ الرابحين من موقع التواصل الاجتماعي، وعلى رأسهم الشيخ عبدالله رشدي، والشيخ أبو إسحاق الحويني، وغيرهما.

ومن أشهر رجال الاعمال السلفيين رجب السويركى ولديه مجموعة استثمارات كبيرة، ومن أبرزها سلسلة محلات التوحيد والنور، المنتشرة فى جميع أنحاء الجمهورية، وعمر المتوكل، عضو الدعوة السلفية لديه استثمارات أخرى ضخمة بجانب محمد محرم، صاحب مجموعة شركات محمد محرم للاستيراد والتصدير، وعلاء عامر، صاحب مجموعات شركات عامر لتجارة المشغولات الذهبية وهو أكبر تاجر للمشغولات الذهبية فى محافظة البحيرة، وحامد الطحان، صاحب مجموعة شركات الطحان للخدمات البترولية ومحمد حافظ، عضو الدعوة السلفية، صاحب مجموعة شركات متخصصة فى تكرير البترول، وحسن إبراهيم، عضو الدعوة السلفية، صاحب محلات بريونى لبيع ملابس المحجبات.

خبراء: شراء العقارات الطريق لغسيل الأموال.. والسلفيون أنشط من «الإرهابية» فى التجارة

 يعتمدون على الاقتصاد البدائى الريعى.
 شيوخ الدعوة السلفية أنشأوا قنوات فضائية تدر مبالغ طائلة من إعلانات تجار الطبقة الوسطى. 
لا يتعاملون مع البنوك 

 السلفيين يسعون للسيطرة على المجتمع من قاعه، ولا مانع لديهم الوصول للسلطة، ويعتبر الإخوان والسلفيين وجهان لعملة واحدة أصابهم سعار شراء العقارات فى الفترة الأخيرة للتخلص من أموال الإرهاب السائلة، وابعاد حساباتهم فى البنوك عن أى مساءلة، وغسيلها فى العقارات بشرائها ثم بيعها بعقود رسمية مسجلة، حتى تبدو تلك الأموال وكأنها أموال نظيفة، أو بتأجيرها والإنفاق من عوائد التأجير على أعمال الإرهاب.

 السلفية هى مقدمات لصناعة التنظيمات الارهابية مع ظهور جماعة أنصار السنة المحمدية وشقيقتها فى المرجعية السلفية الجمعية الشرعية لتعاون العاملين بالكتاب والسنة المحمدية فى أوائل القرن العشرين الميلادى وكان من تجلياتها السلفية الجهادية والسلفية التراثية والسلفية المدخلية كلها وجوه لمنهج واحد الفرق بينهما فى درجة الافصاح عن نوايا الإرهاب المؤجل، وهذه الجمعيات والتنظيمات ليس لديها ادراك لمفهوم الدولة ومؤسساتها وإدراكهم لتنظيم الحياة يتسم بالبداوة والتخلف ومفهوم الخيمة الصحراوية وأتاحت لذلك التنظيم اللعين التوغل والتمكن من المجتمعات العربية وتلاعب بكل القيم ودمرها مستمتعا بالحضانة الاجتماعية التى صنعها هؤلاء الدجالون.

الوهابية والسلفية 


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق