الثلاثاء، 19 مايو 2020

تخاصم أهل النار.. وبئس القرار*********محمد أبوكريشة

العالم لم يعد به يقين ولا حقائق مؤكدة، تشعر بأن الحقيقة خرجت من هذا العالم ولن تعود إليه أبداً، أنت أمام بشر لم يعد بينهم اختلاف على الحق، ولكنهم مختلفون على الباطل وتأخذهم العزة بالإثم والجهل.

وإذا تصورنا جميعاً أن كلاً منا معه الحق وحده فإننا سنكون جميعاً على باطل، فالصراعات الدائرة ليست صراعات بين الحق والباطل ولكنها صراعات بين أهل الباطل، كل فريق يريد أن ينصر باطله، ولو أنها صراعات بين حق وحق ما قتل أحدٌ أحداً، لأن الحق يتصارع مع الحق وينتصر الحق على حق آخر بالفكر، أما الباطل فلا حجة له لذلك يلجأ إلى قتل الباطل الآخر، وعندما تتدبر آيات القرآن الكريم ترى وتسمع مشاهد تخاصم أهل النار، أي أهل الباطل.. كل فريق يتمنى للآخر ضعفاً من العذاب، وكلما دخلت أمة لعنت أختها، وكل فريق يقول للآخر: « أنتم قدمتموه لنا».. وكل فريق يقول للآخر: «لا مرحباً بكم».

هذا بالضبط ما يجري في الدنيا، تخاصم أهل الباطل وكأن هذا العالم تحول إلى «جهنم الدنيا»، فالمتابع لما يجري في هذا العالم لا يعرف أين الحقيقة، فأمريكا والصين تتبادلان الاتهامات بتخليق فيروس كورونا، وكل منهما تقدم الأدلة على أن الأخرى وراء انتشاره، وهناك طرف ثالث يتهم البلدين بالتعاون في تخليق ونشر كورونا، وهناك قوى تتصارع على إنتاج اللقاح والعلاج والفوز بهذه الكعكة التي ستدر المليارات.

عندما تغيب الحقائق يشيع الدجل السياسي والديني والعلمي والطبي والاقتصادي، وتمتلئ الدنيا بالأكاذيب والتعاويذ والقصص الوهمية.. إنه تخاصم أهل النار، حيث لا تعرف من الجاني ومن الضحية المجني عليه، وهذا يتضح بجلاء في الصراعات الدائرة بكثير من الدول العربية، تخاصم أهل الباطل والنفاق أيضاً، لم يعد هناك معسكران واضحان للكفر والإيمان، المنافقون يقاتلون المنافقين، والمفترض أن المنافق لا يجوز شرعاً قتله، والرسول، صلى الله عليه وسلم، كان يعرف المنافقين بالأسماء لكنه رفض قتلهم، إنه تخاصم أهل الباطل، وكما أن تخاصم أهل النار حق في الآخرة، فإن تخاصم أهل الباطل حق في الدنيا، الكل على باطل لذلك لا تضع الحروب في العالم أوزارها، ولا تنتهي الصراعات ولا الإرهاب ولن ينتهي وباء كورونا، لأن البشر يتعاونون على الإثم والعدوان، وإنه لحق تخاصم أهل النار.. ولهُو بئس القرار!

ضلالات الدلالات!!


من إبداع الخداع إسقاط الدلالات الحديثة للكلمات على ألفاظ القرآن والسنة، فاللفظ قد يكتسب مع الزمن دلالة تخرجه تماما عن معناه، فمعنى الصلاة الدعاء، ومع الوقت اكتسبت الكلمة دلالة جديدة صارت هي المعني، فالصلاة الآن تعني فرض الصلاة، وهذه الإشكالية الخاصة باختلاف الدلالة عن المعنى هي المسؤولة عن الكوارث العربية والتفسيرات المختلفة والمتضادة للقرآن والسنة، حتي صار لدينا ألف قرآن وألف سنة.

وإذا سلمنا بأن التوراة والإنجيل قد تعرضا للتحريف، فإن القرآن الكريم بقي كما هو بنصوصه لكن حرفت معانيه، وهو الأخطر، فالنص كما هو لكنه الهوى، وهكذا نشأت الفرق والطوائف والمذاهب ووجدنا أنفسنا أمام ألف إسلام، وألف قرآن، وألف سُنة، بهوى الدلالات الحديثة.

خذ مثلا كلمة التغيير التي نستخدمها كثيرا الآن كتبرير للفوضى والعبث والتخريب والتدمير مثل قولهم تغيير نظام الحكم أو تغيير القانون، فالدلالة الحديثة لكلمة التغيير عندنا هي التبديل، فيما اندثر المعنى الحقيقي وهو الإفساد أو الإزالة، والمأساة أننا طبقنا الدلالة الحديثة على القرآن والحديث فاكتسبت الآيات والأحاديث معاني مضادة لمقصدها ووقع في الفخ علماء ودعاة كبار.

فعندما تراد الثورة أو الإصلاح يقولون: " إن الله لا يغير ما بقوم حتي يغيروا ما بأنفسهم"، فيقال أن الآية دعوة إلى الثورة والإصلاح، بينما الآية تعني التحذير من الإفساد والإزالة، والمعنى أن الله تعالى لا يفسد ولا يزيل ما بقوم حتي يفسدوا أو يزيلوا هم ما بأنفسهم، وهناك آية أخرى تؤكد ذلك بوضوح "وما كان الله مغيرا نعمة أنعمها على قوم حتي يغيروا ما بأنفسهم "، أي أن الله تعالى لا يزيل النعم عنا إلا إذا أزلناها نحن.

عندما تحوّل الاجتهاد إلى إجهاض


إن اسقاط الدلالات الحديثة للألفاظ على نصوص القرآن والسنة الشريفة أدى إلى ما أسميه ابداع الخداع، وقاد إلى كوارث دمرت هذه الأمة تدميرا شبه تام، ووجدنا أنفسنا في حالة لغط ولبس وغموض وأنفاق مظلمة، لا يكاد المرء يرى فيها بصيص نور، وتحول الاجتهاد المحمود إلى إجهاد للأذهان، واجهاض لمقاصد النصوص الدينية الرفيعة والسامية.

ومن ذلك اللبس الذي وقعنا فيه لفظ بني إسرائيل، إذ ينصرف الذهن بمجرد سماعه أو قراءته إلى اليهود ودولة إسرائيل التي قامت على أنقاض فلسطين، ووقعنا في فخ نصبته إسرائيل عندما جعلت اسم سيدنا يعقوب عليه السلام على دولتها سارقة بذلك نبوة يعقوب، واستقر لدينا أن اليهود هم بنو إسرائيل وأن بنوة يعقوب قاصرة عليهم، وبهذا الخداع والزيف اخترع اليهود القاطنون في فلسطين حكايات مفبركة عن تاريخهم وأصالتهم في المنطقة العربية.

وعندما نقرأ قوله تعالى:«يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي التي انعمت عليكم وأني فضلتكم على العالمين»، نجد علماء ودعاة كبارا يفصلون الآية الكريمة على مقاس اليهود ويقولون: المقصود بالآية العالمين في زمانهم وليس الآن.. ونجد أن الآية الكريمة بمفهومنا لها تؤكد مقولة اليهود بأنهم شعب الله المختار.

والخلاصة، التي أريد أن تصل إلى ذوي الوعي، أنه ليس كل بني اسرائيل يهود وليس كل اليهود بني إسرائيل، ولو تدبرنا القرآن فسنجد أن الله تعالى ذكر بني إسرائيل في مواضع وذكر اليهود في مواضع أخرى، فقال تعالى:«لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا»، ولم يقل «بني إسرائيل والذين اشركوا».. وقال تعالى:«وقضينا إلى بني إسرائيل في الكتاب..» ولم يقل وقضينا إلى اليهود في الكتاب"... فبنو إسرائيل مصطلح عرقي واليهود مصطلح ديني... بمعنى أن بني إسرائيل منهم مسلمون ويهود ونصارى... وأن بني اسرائيل ليسوا جميعا اليهود.

المؤكد أن بني إسرائيل هم أهل الشرق، وأن اليهود القادمين من الغرب ليسوا بني يعقوب الذي هو إسرائيل، وعندما أدعى اليهود في فلسطين أنهم بناة الأهرام المصرية حاججناهم بأسلوب خاطئ، وكان الأولى أن نقول: ربما يكون بناة الأهرام هم بني إسرائيل ولكنهم ليسوا اليهود أبدأ، إذ لم تكن التوراة أو أي من الكتب المقدسة نزلت إبان بناء الأهرام... وعندما قال أحدهم: أن اليهود سرقوا ذهب المصريين أثناء خروجهم من مصر، قلت له: أن الذين فعلوا ذلك هم بنو إسرائيل وليس اليهود.. والفهم الصحيح لهذه المسألة سيصوب أكاذيب كثيرة.. وسنتخلص من الإجهاض والإجهاد الذي نسميه اجتهادا!.



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق