القرض الجديد الذي وافق صندوق النقد الدولي على منحه للنظام المصري، والبالغة قيمته 2.7 مليار دولار، يلفت نظرك فيه سرعة استجابة الصندوق لمنحه للنظام، وهو الذي من المفترض أن تسبقه دراسات وزيارات وشروط وتحقق من تنفيذ شروط مسبقة يفرضها الصندوق، من تحرير سعر الصرف وتعويم للعملة وتقليص الإنفاق الحكومي وتهيئة البيئة القانونية المناسبة للاستثمار. وهنا يجدر بنا السؤال: هل قام النظام بكل هذه الشروط؟
والإجابة بكل شفافية: بعضها، والأغلب لا.
فالجنية تم تعويمه ما جعل قيمته تتراجع بما يقارب الـ45 في المئة، ما أثر على أسعار السلع التي أغلبها يتم استيرادها بالدولار. وما يُنتج في مصر يتم استيراد السلع الرأسمالية المشغلة أو المصنعة أو المكونة له من الخارج بالدولار، ما يعني أن أعباء خفض سعر الجنيه يتحملها المواطن.
فالجنية تم تعويمه ما جعل قيمته تتراجع بما يقارب الـ45 في المئة، ما أثر على أسعار السلع التي أغلبها يتم استيرادها بالدولار. وما يُنتج في مصر يتم استيراد السلع الرأسمالية المشغلة أو المصنعة أو المكونة له من الخارج بالدولار، ما يعني أن أعباء خفض سعر الجنيه يتحملها المواطن.
ثم نأتي على الشرط الثاني وهو تقليص الإنفاق الحكومي، فلا يحتاج الأمر لتفصيل في ظل إصرار النظام على استكمال بناء العاصمة الإدارية الجديدة. ولعل قائل يقول: لكن قطاع البناء يستوعب عمالة كثيرة ويدير عجلة الأعمال، ومن ثم فإن السوق ينتعش.. هذا كلام حقيقي إذا كانت الأعمال تسند لمقاولين من القطاع المدني، أما أن تسند الأعمال للقطاع العسكري ويستخدم فيه المجند بالسخرة، فإن قطاع الإنشاءات لا يحقق الهدف منه. وعندما تعرف أن حتى هؤلاء استبعدوا في الفترة الأخيرة واستبدلوا بمقاولين وعمال من الصين، ستكتشف أن الدولار الذي يتغنى النظام بارتفاع الاحتياطي النقدي منه؛ يتسرب من بين أيدي الشعب من أجل تحقيق أحلام الديكتاتور.
وعلى هامش الحديث عن الاحتياطي النقدي، فإن الحديث عن أن الاحتياطي النقدي من الدولار قد زاد هو حديث زائف؛ لأن الأرقام المعلنة هي عبارة عن قروض وهبات أو ناتج بيع سندات، بما يعني أنها ديون أخرى.
أما عن تهيئة البيئة القانونية للاستثمار، فإن ما يفعله برلمان عبد العال (رئيس البرلمان المعين من قبل المخابرات) أقرب ما يكون لمشهد عبثي في فيلم الزوجة الثانية، فالورق ورقهم والدفاتر دفاترهم، والقوانين تشرع من أجل أن تسند المشاريع الكبرى بالأمر المباشر من الجهات السيادية. كل هذا يحمل الميزانية ما يزيد على الــ109 مليار جنيه، بعد أن وصل الدين الداخلي إلى 4.4 ترليون دولار، نُهب جلها من أموال التأمينات، والدين الخارجي إلى 112 مليار دولار تتوزع ما بين قروض من دول وقروض من صندوق النقد الدولي.
والآن عزيزي القارئ من سيدفع هذه الفاتورة؟ قولا واحدا أنت وأبناؤك وأحفادك من بعدك، فالدعم الذي سيُرفع عن بطاقة التموين لتقليص نفقات الدعم هو خصم من رصيدك، والوظيفة التي سيفقدها موظفو القطاع الحكومي والعام من أجل تقليص الإنفاق الحكومي إرضاء لصندوق النقد الدولي؛ هي وظيفتك أنت وأخيك، وأجرة المواصلات التي سترتفع بعد رفع سعر البنزين، لرفع الدعم كما يطلب الصندوق، ستدفعها أنت، وإذا ما رفع سعر البنزين سيرتفع بالنتيجة سعر البضائع الأساسية، وهو ما ستتحمل عبأه أنت.
لماذا لا يتحمل النظام شيئا؟ بمعنى لماذا لا يوقف العمل في العاصمة الإدارية، أو يوقف بناء مقار الحكومة المؤقت في العلمين والذي يتكلف مليارات الدولارات؟ ولماذا لا يوقف النظام إرسال جنودنا إلى ليبيا، ولا نعرف لماذا ذهبوا ومن يدفع تكاليف حربهم، ناهيك عن الخسارة التي نتكبدها من أرواح أبنائنا؟ وتساؤلات أخرى كثيرة يجب أن يجيب عنها النظام.. أما أنا فعساني أجبتك عن سؤالك إن كان عنوان المقال فيه خطأ إملائي.
النظام المصري يعلن الحرب على الفقراء
رغم دراستي للاقتصاد، ورغم أنني من الذين أشرفوا على مناقشة ميزانية مصر في عام حكم الرئيس المنتخب محمد مرسي، إلا أنني لا أدعي وصلا بليلى
كاتب هذه السطور على دراية معقولة ومقبولة تؤهله للحديث في أمر خطير سيذهب بفقراء مصر إلى هوة سحيقة لا يعلم قاعها إلا الله، ثم الراسخون في العلم الذين ناقشناهم في التدابير التي يعمل عليها الجهاز المالي والاقتصادي في النظام المصري القابع على صدور المصريين منذ انقلاب الثالث من تموز/ يوليو.
هذه القرارات لن تفرق بين معارض ومؤيد، ولن يستطيع رأس النظام القول إن أهل الشر أو قائد الأسطول السادس الأمريكي هم من افتعلوها ليعرقلوا مسيرة النهضة التي تعيشها مصر، والمتمثلة في بناء العاصمة الإدارية الجديدة والمشاركة في سد النهضة وإعادة الحق لأصحابه على مدخل البحر الأحمر الاستراتيجي، ولا في ضريبة القيمة المضافة التي تُنهب بطريق غير مباشر من جيوب الفقراء.
فالنظام الحالي في مصر الذي لا يطبق بأي شكل من الأشكال العلة الضريبية، ولا التوزيع العادل للثروة، ولا حتى التدابير اللازمة لحماية الطبقات الفقيرة من آثار هذا الظلم الاقتصادي الممنهج والمقر بقوانين مالية واقتصادية منحازة للطبقات الغنية على حساب الطبقات المتوسطة (المتلاشية بعامل الزمن) والطبقات الفقيرة والمعدومة، يسعى إلى جباية الأموال لصالح جماعته العسكرية ومن دار في فلكهم، دون النظر إلى حال المصريين أو ما ستؤول له حالهم بعد القرارات التي يتداولها أهل المال والاقتصاد في المصارف والبورصات وفي وزارتي المالية والاقتصاد.
بحسب مصادر من داخل البنك المركزي ووزارة المالية، فإن النظام يسعى لطباعه أوراق نقدية جديدة من ماده البوليمر الشفافة، مع وضع حد أقصى للسحب من ماكينات الصرف الآلي ومن داخل البنوك، الحديث على أن العملات المخطط تغييرها ستكون من فئات الـــ(10، 20، 50، 100) جنيه، مع صدور العملة الجديدة ستعطي الحكومة مهلة محددة لاستبدال العملات القديمة بالعملات الجديدة، وهو ما سيجعل الناس يتهافتون من أجل تبديل عملتهم، ومن يتكاسل فإن ما يدخره سيضيع عليه ولن تقبل عملته بعد المهلة المحددة.
هذا القرار تتخذه الدول في العادة لكشف الأموال غير المرصودة من قبلها والأموال المغسولة، لو صح التعبير، والداخلة إلى البلاد جراء عمليات غير مشروعة كتجارة المخدرات والسلاح وبيع الأعضاء (ملحوظة: مصر مصنفة عالميا ضمن العشرة الكبار في هذه التجارة القذرة)، ومن ثم تستطيع الدولة ضبط التهرب الضريبي ما يجعلها قادرة بشكل أكبر في زيادة مواردها وتنفيذ مشاريعها التي تصب في مصلحة الدولة، ولنا في ذلك مثاليين، فعلتها تركيا وغيرت العملة وتعيش الآن نهضة خدمية كبيرة، وفعلتها السودان في عهد البشير وأطاحت به الثورة لسوء الأوضاع الاقتصادية والخدمية.
بحسب دراسة أعدها اتحاد الصناعات المصري في عام 2018، فإن الاقتصاد الموازي في مصر يقدر بـسبعة تريليونات جنيه مصري، وعندما نعلم أن الإيرادات الضريبية تقدر بــ770.3 مليار جنيه، لكل أنواع الضرائب سواء الدخل أو القيمة المضافة أو الجمارك أو العقارية، فإننا نؤيد بكل شجاعة ما سيتخذه النظام في مصر من قرار شجاع. لكن أين يذهب هذا الفارق الكبير بين ما تجبيه وزارة المالية من ضرائب وبين ما أظهرته دراسة اتحاد الصناعات؟ الإجابة: يفتح بها بيوت الفقراء في مصر.
الاقتصاد الموازي هو الاقتصاد الناتج عن كل نشاط غير مسجل في حسابات الناتج المحلي وغير مدرجة في الدخل القومي.. هذا التعريف بالنتيجة يجعل عم أحمد بائع الفول على عربته التي يجرها بنفسه يدخل تحت مظلة القرارات المالية المنتظرة، لكنه أيضا يخضع اقتصاد الجيش (الذي لا يعرف عنه أحد شيئا لأنه من الأسرار القومية) تحت نفس المظلة، ويخرج رجال الأعمال الكبار الذين يقدمون إقرارات ضريبية تعرف الحكومة أنها غير منضبطة ويدفعون على إثرها الفتات، من تحت تلك المظلة.
الناس لا يثقون في الدولة منذ وثب العسكر على السلطة في 1952. فقد بشروا (العسكر) بالعدالة الاجتماعية ومحاربة الرأسمالية المتوحشة التي تأكل قوت الشعب، فأكلوها هم واستبدلوا الرأسمالية العسكرية بالرأسمالية المدنية، حتى صار الضباط هم المتحكمون في مصائر العباد، ولم ير الشعب لا نهضة ولا تحسنا في الأحوال المالية ولا الاقتصادية.
الخلاصة لم تزد خطابات العسكر الشعب إلا فقرا، حتى أصبحت الحرب على الفقراء هي المعركة الوحيدة التي انتصر فيها العسكر في بلادنا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق