العولمة الثقافية تخترق الأخلاق العربية
Apr 1, 2020
القيم والأخلاق من عناصر الثقافة اللامادية ، والقيم جزء هام من الثقافة ، وهي ثابتة وفقا للفلسفة المثالية . ولكل مجتمع قيمه الخاصة به، والتي تختلف من مجتمع إلى آخر وفقا للثقافة السائدة في المجتمع . فقيم المجتمع العربي تختلف مثلا عن قيم المجتمع الأمريكي أو المجتمع الأوربي وهكذا ، والمحافظة على القيم أمر مطلوب، بل ضروري، وهو أمر لا يتنافى مع التطور ، وإنما هو تذكير بالثوابت التى تدين بها وتنطلق على أساسها ، وهي لا تمنع الانطلاق والتطور ولكنها تحرص من الانفلات الذي يقضي على ماضينا وقيمنا ويفتح الباب للظلام والضياع ، فتطورنا ينبغي أن يكون مع المحافظة على هذه الثوابت .
والعولمة الثقافية الحادثة اليوم ، لها أثر كبير في قيم المجتمع العربى وأخلاقه وعاداته ، إذ إنها تحمل فى طياتها قيما غربية ومبادئ غربية عن المجتمع العربى ، ولا تمت إليه بأية صلة . وهذه القيم الدخيلة على مجتمعنا تأتي إلينا مغلفة ومعلبة فنحن لا نستطيع صدها مباشرة ، لأننا محتاجون إلى هذه الثقافة لنأخذ منها ما يفيدنا وينفع مجتمعنا . فنحن لا نستطيع أن نستغني عن الكمبيوتر ، ولا عن الإنترنت ولا عن الأجهزة الحديثة كلها .
وهذه القيم الغريبة عن المجتمع العربي تدخل إلينا بطريق غير مباشر عن طريق الأجهزة الحديثة كالإنترنت والكمبيوتر والدش وما إلى ذلك . وفي هذا أثر سلبى على قيم وأخلاق المجتمع العربي والتي يجب الحفاظ عليها وحمايتها من أى خطر وهجوم يريد بها سوءا .
إن لكل مجتمع قيمه الخاصة به ، ومبادئه وعاداته التى تختلف عن باقى المجتمعات، ولابد من إعطاء اهتمام زائد للقيم الإنسانية إذا أردنا بناء مجتمع جديد يتواءم ويتمشى مع هذا العصر . عصر الانفجار المعرفي وعصر الإنترنت والكمبيوتر .
والدول المعولِمة – بكسر اللام – تحاول الآن فرض قيمها وأخلاقها على جميع دول العالم ، ومنها الدول العربية ، وهذا فيه الخطر الداهم على قيمنا ومبادئنا وأخلاقنا ، حيث إن قيم هذه الدول لا تتفق لا مع الثقافة العربية ولا مع الدين الإسلامي الذي يفرض علينا قيما أصيلة فيها خوف من الله وحماية للناس أجمعين . واختصار ذلك هو أن العولمة الثقافية لها أثر كبير على قيم ومبادئ المجتمع العربي ، ويجب علينا في التصدى لهذه العولمة بكافة السبل ونقصد بالتصدي هنا مواجهة سلبياتها فقط ، فالعولمة ليست كلها خطرا، لكن فيها بعض الإيجابيات ، ولها أيضا بعض السلبيات التي يجب التصدى لها ومواجهتها ، حتى نحافظ على ثقافتنا ولغتنا وقيمنا . ونحن ننادي بالعودة إلى تراث الأمة وثوابتها الثقافية القائمة على القيم والأخلاق والمبادئ الأصيلة المشتقة من كتاب الله – عز وجل – ومن السنة الصحيحة .
أثر العولمة في الثقافة المادية :
من الأمور الواضحة والجلية فى العصر الحالى أثر العولمة الثقافية في الشق المادى من الثقافة فى مجتمعنا العربى والذي يتعلق بالملبس والمأكل والمشرب والمسكن وغير ذلك من عناصر الثقافة المادية التي تأثرت فى مجتمعنا بالغرب وبالنظام الغربي .
فبالنسبة للملبس هناك مظاهر اللباس التي تحيط بنا والتي تدفع بشبابنا وشاباتنا للباس الغربى من ملابس فاضحة وقبعات وأحذية وما إليها .
فالشباب يقلد النظام الغربى في أزيائه ، وكذلك الفتيات يقلدن النظام الغربي تقليدا أعمى دون مراعاة لقيمنا وتقاليدنا ، فلا فرق بين الذكر والأنثى وهذا ما هو سائد فى الغرب.
وبالنسبة للمأكل نجد أن نظام المأكل أيضا متأثر تأثيرا كبيرا بالنظام الغربى فنجد أنواعا من المأكولات دخيلة على مجتمعنا مثل الهامبرجر والكنتاكي وغير ذلك من الأطعمة السائدة في الدول الأوربية والتي نستوردها ونشجعها تاركين الأطعمة المحلية .
وما يقال عن المأكل يقال أيضا عن أنواع المشروبات الدخيلة علينا والتي تعتبر من مظاهر العولمة الثقافية على الشق المادى من الثقافة .
بذلك نكون قد وضحنا أثر العولمة الثقافية على الثقافة العربية ، بشقيها المادي واللامادي وتم توضيح ذلك فى أثر العولمة الثقافية على التنشئة الاجتماعية – واللغة العربية – وقيم وعادات المجتمع العربي وكذلك المأكل والملبس والمشرب وفيما يلي عرض لوقف العرب من العولمة الثقافية .
موقف العرب من ظاهرة العولمة الثقافية :
إن العولمة الثقافية أصبحت جلية وواضحة تماما في مجتمعنا العربي ، وأصبحت تحاصر الناس في كل مكان عن يمينهم وعن شمالهم ومن أمامهم ومن خلفهم ، ويتمثل ذلك – كما قلنا سابقا – في انتشار القيم الغربية والدخيلة علينا ، وانتشار المأكولات والمشروبات الغربية وكذلك المسكن والملبس الغربي – المصدر الأول والأساسى للعولمة-وهذا النمط الغربى الذى أوشك أن يهيمن على العالم عامة والمجتمع العربي خاصة له آثار سيئة سلبية على الثقافة فى أى مجتمع ، وقد أوضحنا أثر العولمة الثقافية – كبعد من أبعاد العولمة – على الثقافة العربية ، وعرفنا أن العولمة لها أثر سلبي على اللغة العربية ، ولها أثر سلبي أيضا على التنشئة الاجتماعية والسلوك الاجتماعي ، كذلك على قيم وعادات المجتمع العربى ونظام المأكل والمشرب والملبس السائد فيه .
ولذلك ، وللأخطار التي قد تسببها العولمة الثقافية بالنسبة للثقافة العربية كان لزاما علينا نحن العرب أن يكون لنا موقف تجاه ظاهرة العولمة الثقافية حتى نستطيع التصدي لها ومواجهتها ونستطيع حماية ثقافتنا العربية ولغتنا القومية ، ونحافظ أيضا على عاداتنا الخالدة وقيمنا وتقاليدنا ونظام المعيشة الذى نشأنا عليه .
العولمة لا فكاك منها حثى ثورة المعلومات والتقدم العلمى والتكنولوجى والكمبيوتر وشبكة الاتصالات الدولية أو ما يسمى بالإنترنت . ونحن فى حاجة ماسة إلى كل ذلك ، لأن العصر الراهن الذي نعيش فيه يتطلب منا التعامل مع هذه الأجهزة الحديثة ، وذلك لاختصار الوقت وتقريب المكان والزمان .
فالعولمة لا يجدي معها أسلوب الرفض التام ، كذلك القبول التام والأعمى فيه خطر – كما أوضحنا ذلك سابقا – على هويتنا وعلى ثقافتنا ، فظاهرة العولمة ظاهرة يجب علينا أن نواجهها بكل ما نملك من أسلحة ثقافية وفكرية مع مراعاة الاستفادة من أدواتها وآلياتها مثل الكمبيوتر والإنترنت ووسائل التقدم العلمى والتكنولوجى .
*
تحديات الثقافة والمعرفة في الدول النامية
Jun 9, 2019
طه حسين «مستقبل الثقافة فى مصر»، وهو كتاب لو كان قد تم تنفيذ ما جاء به فى نهاية الأربعينيات لتغير حال مصر تماما، إذ كان طه حسين ينظر للتعليم على أنه «كالماء والهواء» والمحرك الأساسى للثقافة، أو أنه جوهر التغيير الثقافى
ولكى تتغير ثقافة المجتمع فلا بد أن تتغلغل تلك المعرفة فى عروقه، وإلا سيحدث ما نراه الآن من تطرف وإرهاب، وتوفير بيئة خصبة للأفكار اليمينية، والأفكار الهدامة
دكتور زين عبدالهادى فى كتابه «المستقبل الشائك.. تحديات الثقافة والمعرفة فى الدول النامية» والصادر حديثا عن الهيئة المصرية العامة للكتاب. ويتابع فيه بقوله: إن ما نراه فى العالم من تصلب الثقافة وتوافر الأموال يؤدى لتلك الحالة من استيراد المعرفة
تاريخ الإنسانية فى كم كبير منه هو البحث عن نظام محكم لإنتاج المعرفة، طالما لاحظ أن هذه المعرفة يمكن أن تقدم له الكثير، وإلا فما معنى وجود المدارس والجامعات ومراكز البحث والتطوير، إن الاستثمار الحقيقى للدول المتقدمة يتركز فى هذا الجانب، أن يكون رأسمالك الحقيقى والمستمر هو المعرفة ولا شيء غير المعرفة
ما زال إنتاج المعرفة يعانى فى الدول النامية من أمرين فى غاية الخطورة، أن الإنتاج عشوائى بشكل (متعمد)، وأن الإنفاق عليها ضعيف للغاية ومتروك للشخصية الفردية الإنسانية وليس مجتمعًا بأكمله يستثمر فيها، هذا هو الفارق الحقيقى بين مجتمع منتج للمعرفة وبين ذلك الذى ينتج معرفة لا معنى لها، كحال الدراسات الأكاديمية فى الجامعات فى دول العالم الثالث، وإلا فما معنى نجاح أفراد فى مصر مثلًا فى إنتاج المعرفة على المستوى الشخصى كنجيب محفوظ، وطه حسين، وأحمد زويل الذى فر بعقله إلى الولايات المتحدة لينتج معرفة تستحق جائزة نوبل فى جامعة متقدمة، وغيرهم كثيرون، المشكلة لم تكن فى الإنسان وإنما فى النظام المسئول عن إنتاج المعرفة فى البيئة التى يمكنها أن تحتضن هذه العقول.
إن كل العقائد والديانات تدعو للعلم، وتدعو للمعرفة، أيًا كان نوع المعرفة الذى تدعو إليه، فالطرق التى اختارها البشر متعددة لإنتاج المعرفة، لكنها مع الوقت شكلت نظما منها: النظم المؤسسية، والجمعية، والفردية، ومنها مناهج إنتاج المعرفة، واعتمدت كلها على الملاحظة والقياس الأرسطى، والاستنتاج والتجربة.
لا يمكن فصل الثقافة عن السلطة فى مواقفها من المجتمع والبيئة اللتين نشأتا بها، وهو ما يعنى
أن المجتمع المتخلف تكون ثقافته متخلفة، وأن تعديل هذه الثقافة يلزم أولا تغيير مفاهيم هذه الثقافة السائدة، وهو يجرنا للسؤال التالى هل يمكن لثقافة متخلفة أن تغير مجتمعًا متخلفًا. يمكن القول بنعم نحن نمتلك ثقافة متخلفة عبر عشرات السنين من الممارسة، لأنها ثقافة بنيت على أفكار جد خاطئة تمامًا، هذا النموذج الذى نسوقه هنا ربما يكون أقرب للتدليل على تلك المقولة،
إن حرية المثقف تعنى قدرته على المواجهة لكل ما هو متخلف ويتحكم بالمجتمع بدء من الأفكار وانتهاء بكل ما هو ملموس، هذا المجتمع المتخلف أيضًا، وهى تعنى أيضًا قدرته على تغيير المجتمع. إن الثقافة الناشئة فى مجتمعات متخلفة تعنى أنها ثقافة مريضة لم تستوعب بعد النقلة الهائلة فى التاريخ الإنسانى التى حدثت فى نهاية القرن العشرين، إذ لم يستوعب المثقف بعد ثقافة العصر الصناعى، مع تقاطعات كثيرة مع التراث الدينى والقيمى والتقليدى المحمل به، هذا الاستيعاب يعنى هضم الحضارة والتقدم العالمى،وفى نفس الوقت المطلوب منه أن يقوم بمواجهته، والمثقف وما يواجهه تربويًا فى حضن بيئة واحدة هى بيئة التخلف، لذلك لم تستطع الثقافة فى دول العالم الثالث أن تغير شيئًا، إنها لا تقدم سوى أفراد ينجحون فى محاكاة الثقافة المقبلة من دول العالم المتقدم، وهى مختلطة فى ذات الوقت بثقافة البيئة التى يعيش فيها.
ماذا نعنى بالمثقف، هل نعنى النخبة التى تحتل مواقعها فى الصحف ومؤسسات الإعلام، هل نعنى المستقلين، هل نعنى الموظفين من أدباء وشعراء الذين يعملون فى مؤسسات الدولة،؟ هل نعنى الذين اختاروا البعد طواعية عن كل المؤسسات، هل نعنى مثقفى اليسار القديم الذين تآكلوا مع الوقت سواء لانهيار النظرية الاشتراكية أو فضلوا الصمت فى النهاية، هل هناك فى الحركة الدينية مثقفون بالمعنى المعروف، هل المناوئون للفكر الدينى هم المثقفون الذين نقصدهم، هل الحركة النسائية تمتلئ بالمثقفات اللائى يمكنهن المناورة؟ إذا دققنا النظر سنكشف تلك الأرضية العجيبة التى نقف عليها جميعًا.
*
السيطرة على عولمة الثقافة
نشأ نظامٌ بيئي ثقافي جديد مفرط في العولمة، سيكون البقاء فيه للأقوى والأقدر على إنتاج الرموز والقيَم الجاذبة.
يشكل الفضاء الإعلامي المعولَم الجديد حقلاً استراتيجياً لا يقل أهمية، من الآن فصاعداً، عن الفضاء العسكري. فإذا كان الصراع العسكري تدور معاركه على مسارحَ جغرافية وميادينَ حقيقية بين مقاتلين ومِن خلال أسلحة تدميرية حقيقية وصولاً لفرض السُلطة على العدو، فإن الفضاء الإعلامي تحول أيضاً لمسرح تدور عليه معاركُ ثقافية بين الأفكار والقيَم والرموز. في هذا الصراع الجديد لا يمكن لأي طرفٍ دولي أن يظل غير مبالٍ أو غير نشِط تحت وطأة الشعور بهذه الحروب الثقافية، والكل سيُساهم فيها بطريقته الخاصة فيؤثر ويتأثر. فمِن خلال النواقل الإعلامية تسافر الثقافات، من دون اعتبار للحدود الجغرافية للدول، لتتشكل مساحات افتراضية جديدة توفر أنماطاً لحياة مُختلفة ورموز وأبطال وأحلام وقيَم استهلاكية تعمل في شكل نظامٍ رمزي وتنتشر بشكلٍ ديناميكي كقوة تظهرُ جاذبيتها في كل مكان، وغالباً ما تكون أكثر إغراء وتأثيراً من المحيط المباشر الجغرافي للأفراد.
ولذلك أصبحت الأسر في حيرة من أنها لم تعُد هي الأداة الأساسية للتنشئة الاجتماعية للطفل اليوم: فالشاشة برسومها الكرتونية وألعابها الإلكترونية تحمل قيَماً جديدة ورؤى للعالم غير التي نشأ عليها الوالدان، مما يترتب عليه اختلاف وجهات النظر وتبايُن المواقف بين الآباء والأبناء تجاه الآخر المختلف والثقافة المختلفة بما يسبب هزة في الحالة الثقافية والاجتماعية للأسرة الواحدة. الهجرات البشرية ساهمت كذلك في تحول أغلب الدول لتوليفة متنوعة من الجنسيات التي تحملُ ثقافات مختلفة وأدياناً متباينة ما شكل ربكة للهُوية والثقافة المحلية جعلت السياسيين في حيرة أمام خِيارات التعامل مع هذه التشكيلة الثقافية المستجدة.
2007،
أنه في حين أن الفرنسيين قلقون بشأن العواقب الاجتماعية للعولمة، فإن الإيطاليين والإسبان والبريطانيين تؤرقهُم قضايا الهجرة، ويشعر السويديون والإستونيون بالقلق من تأثير العولمة على البيئة، بينما يعتقد الألمان أنهم أجروا الإصلاحات الكفيلة بالحصول على مكاسبَ من التطور الحالي للعولمة. بالتالي، حسب الاستطلاع، ينظر الأوروبيون بوجهٍ عام إلى العولمة على أنها عملية إيجابية شاملة، باستثناء فرنسا التي تنظر إلى أن الإسلام مصدر تحد وقلق أمام الثقافة والهُوية الفرنسية. لهذا يدور حالياً سجالٌ كبيرٌ في فرنسا حول التعامل مع ظاهرة انتشار الإسلام والمسلمين في فرنسا، في مساعٍ للتوصل إلى سياسات إدماج اجتماعي وإلى «إسلام فرنسي» للحفاظ على ما يسمونه «قيم الجمهورية الفرنسية»!
في مواجهة تحديَات العولمة الثقافية على مستوى العالم يمكن ملاحظة ثلاثة مواقفَ سياسية للدول؛ أولاً، موقفٌ سلبيٌّ من جانب أولئك الذين يعتبرون أنهم غير قادرين على مواجهة العولمة الثقافية بفاعلية، ولا يملكون الوسائل للعب دورٍ مُهم في التصدي لها مما يجعلهم مستقبِلين لا مُرسلين، متأثرين لا مؤثرين. ثانياً، هناك نهجٌ أقرب للدفاعي ويتمحور حول تعزيز الدولة كحصنٍ منيع ضد أي مؤثرات سلبية ثقافية خارجية، من خلال فرض سياساتٍ ثقافية محلية ومنتجات ورموز معرفية وطنية وبناء هُوية وطنية جامعة تميزُ المجتمع المحلي وتبعدهُ عن أي اختراقات لهُويات عابرة، كما تفعله إيران على سبيل المثال. وهذه الدول المدافعة قد تنجح في بعض السياسات على المدى القريب والمتوسط، لكنها على المدى البعيد لا يمكنها الصمود ما لم تكُن منتجاتها الثقافية والمعرفية والهُوياتية الوطنية أكثر جذباً وواقعية من الثقافات «الغازية». وأخيراً يوجد نهجٌ استراتيجي هجومي تتزعمهُ الولايات المتحدة الأميركية منذ الدعوة إلى «أمركة العالم» التي أطلقها عام 1898. الرئيس ثيودور روزفلت لترويج قيَم أميركا وأفكارها ورؤاها للعالم كركيزة أساسية في القوة الاستراتيجية الأميركية، تضافُ إلى الركائز الأخرى العسكرية والاقتصادية والتقنية. ولذلك تعتقد النُخب السياسية والثقافية الأميركية أمثال فرانسيس فوكاياما وصمويل هنتنغتون أن الاختلافات الثقافية ستكون هي المحرك الرئيس للنزاعات بين البشر في السنين المقبلة، وأنه يستوجب على الولايات المتحدة فرض الثقافة الليبرالية الأميركية ولو بالقوة. وربما هذا ما يفسرُ بعض الأجندات الثقافية التي أرادت أميركا تمريرها بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) عام 2001، والتي لخص غايتها جورج بوش الابن في مقولته الشهيرة: «إن لم تكُن معي فأنت ضدي»!
يمكنُ تصنيف إيران بأنها تتبنى مزيجاً من النهج الدفاعي الذي يتبنى الحمائية المفرطة ضد الثقافات العابرة، والنهج الهجومي الذي يقوم على تصدير الثقافة الإيرانية الثورية برموزها العرقية والمذهبية والطائفية إلى العالم العربي والإسلامي. إما ميدانياً من خلال بناء المؤسسات الثقافية والإعلامية التابعة لإيران في هذه الدول كلبنان والعراق وسوريا واليمن، أو من خلال منافذها ومنصاتها الإعلامية التي تبثُ البروباغندا والدعايات المُظللَة. وفي مأسسة واضحة لخطاب الكراهية الذي تبثهُ إيران ضد من يخالفها التوجه السياسي والعقدي نجد أن مسؤولية الإشراف العام على جهاز الإعلام في إيران مرتبطة مباشرة بالمرشد الأعلى من خلال الدستور، كتعيين رئيس مؤسسة الإذاعة والتلفزيون وإقالته، وهذا يدل على محورية دور الإعلام في السياسة الإيرانية الداخلية والخارجية، وأنه أحد عناصر القوى الوطنية لتسويق المشروع الإيراني الاستعماري.
واقع العولمة يفرض نفسه حتى على أولئك الذين يتحدونها ويخافونها، ومِن الصعب السيطرة على آفاق وتجليات العولمة في وقتٍ أصبحت منصات الإعلام والتواصل منتشرة في كل زوايا العالم لتُشكل نظاماً بيئياً رمزياً جديداً. إن التعدُدية الثقافية للعالم يمكن أن تشكل خطراً إذا تم تحويلها إلى الخوف من الآخر وإلى الدخول في منطق المواجهة والإقصاء والوصاية بحُجة الأمن الثقافي، ويمكن أن تكون فرصة إذا هيأت دول العالم الظروف للتفاعل والتعايش مع تعدد الثقافات وقبول أي قيَم إيجابية جديدة يمكن أن تضيف شيئاً لحياة الشعوب وسعادتها ورفاهيتها. والسؤال الأخير المطروح هو؛ ماذا يجب على الكيانات الإعلامية الوطنية والخاصة القيام به كي تبقى العولمة الثقافية بيئة للتواصل وتبادل القيَم وتعزيز المشتركات الإنسانية، وتجنب أن يتم توظيفها كأداة للنزاعات الثقافية والعنصرية ولخطاب الكراهية؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق