الأربعاء، 16 يونيو 2021

الانهيار المديد.. حازم صاغية يؤرخ لانهيار المشرق العربي

 كتاب «رومنطيقيو المشرق العربي» لحازم صاغية

 التغيرات التي طرأت في المنطقة بعد انهيار السلطنة العثمانيّة وولادة الدول العربيّة الجديدة، وكيف تحوَّل كثيرون من الضبّاط والموظّفين العثمانيّين السابقين حكّاماً لتلك الدول، و/أو قادةً للعمل المسلّح، أو السياسيّ أو الثقافيّ، المناهض للانتدابين البريطانيّ والفرنسيّ عليها.

 الطريق إلى الزعامة الراديكاليّة... «صناعة الموت» ودورها التأسيسي


ثنائيتا «العروبة والإسلام» و«القومية والاشتراكية»


 أتاتورك دمج مسألة الإسلام في القوميّة التركيّة، بينما اتّجه عبد الناصر إلى مزاوجة الاثنين عبر ثنائيّة «العروبة والإسلام». لكنه يضيف أن الزمن السوفياتي وفّر للزعيم المصري ثنائيّة أخرى بات مطلوباً التعامل معها، وهي القوميّة والاشتراكيّة التي تستطيع أن توفّر للنظام قاعدة لا تقلّ عرضاً عمّا توفّره الثنائيّة الأولى.

تابعت خارج النص وداع العروبة 

*
2019

 الشعارات التي رُفعت في شوارع المدن العربية، مثل الحرية والعدالة والكرامة الإنسانية، وهي شعارات بدت -في مجملها- وقت قيام الثورات محل توافق كونيّ، تعبر في جوهرها عن مُتفَقٍ يجمع شعارات العالم الحديث ذاته بكل ما فيه من أيديولوجيات متنوعة ومتصارعة فيما بينها، وكان لسان حال النخب العربية المؤيدة بكل ثقة: مَنْ في العالم الحديث اليوم يستطيع أن يتنكّر لمطالب مثل الحريات الفردية والديمقراطية واحترام حقوق الإنسان والمواطنة ودولة القانون والدستور؟!

 كابوس "الثورات المضادة" والمجازر الدموية التي عصفت بـ "الربيع الديمقراطي الليبرالي" الذي بشّر به كثيرٌ من المثقفين المؤيدين للربيع العربي.

 ثورات الربيع العربي على سردية أساسية، وهي سردية استئناف دخول المجتمعات العربية في الحداثة، أي استكمال تشكّلها كاجتماع سياسي حديث ومعاصر، أو في صيغة أخرى أن الثورات هي رد الفعل الجماهيري على أزمة الحداثة العربية كونها سلطوية وعسكرية، أو في اكتسابها لملامح غير حداثية كالطائفية والقبلية،
 هاشم صالح في كتابه "الانتفاضات العربية على ضوء فلسفة التاريخ" إلى أن تلك الثورات هي في عمقها أشبه بالثورات العلمانية الحديثة التي شهدتها أوروبا وأميركا في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، واضعا شباب الثورات كقوى علمانية حداثية في مواجهة قوى الرجعية التي تشمل الحركات الإسلامية الإخوانية والسلفية، بالتوازي مع مواجهة أنظمة الحكم العسكرية مثل النظام المصري والسوري الطائفي-العسكري والليبي القبلي المتدثر بخطاب عن الاشتراكية والقومية العربية، وأخيرا ممالك الخليج الدينية القبلية، وعليه يكون مشروع الثورات العربية عند هاشم صالح هو العمل على خلق مجتمع علماني عقلاني ودول وأنظمة علمانية تُنحي الشريعة الإسلامية والمرجعية الدينية عن المجال العام بشكل كامل، كطريق رئيس تجاه الحداثة والعالم الحديث، في المقابل لم يتحدث هاشم صالح كثيرا عن آليات التمثيل السياسي والتداول السلمي للسلطة والتعددية السياسية والفصل بين السلطات ومبادئ الديمقراطية الأساسية.

أطروحات متشابهة لكلٍّ من المثقّفَيْن البارزَيْن الدكتور برهان غليون وعزمي بشارة، حيث نظر كلٌّ منهما إلى الثورات العربية على أنها خير دليل على أن المجتمعات العربية بكل موروثها الثقافي والديني والتاريخي لا يقل تطلعها إلى التحرر والانعتاق عن تطلع غيرها من الشعوب، وقابلية الثقافية العربية والإسلامية على الاندماج الصحي والخلّاق في العالم الحديث دون الحاجة إلى إحداث قطيعة مع التراث، ملخّصين المشكلة العربية من وجهة نظرهم في الأنظمة السياسية وبنية الدول العربية نفسها.

كان كلٌّ من برهان غليون وعزمي بشارة يضعون أطروحاتهم كرد علمي على الأطروحات الاستشراقية والتنويرية الكلاسيكية التي سادت خاصة منذ هزيمة القومية العربية في حرب يوليو/تموز 67 حتى وصلت بعد الموجة الديمقراطية الثالثة في شرق أوروبا بنهاية الحرب الباردة أوائل التسعينيات إلى ما يشبه حتمية ثقافية تخص العالم العربي الإسلامي فقط، حيث ترى تلك الأطروحات أن المجتمعات العربية تحمل بداخلها ما يعوق اندماجها في بيئة تعددية وديمقراطية وقانونية عادلة، بالتالي يصير الاستبداد الذي تعاني منه تلك المجتمعات -حسب تلك الرؤية- نتاجا طبيعيا لمكونات ثقافتها وتاريخها: متمثّلة في الدين الإسلامي وعلاقات القرابة والطائفة والقبيلة فضلا عن عدائها لقيم التنوير والحداثة، بينما حاجج برهان غليون في كتابه "المحنة العربية: الدولة ضد الأمة" أن سبب المحنة العربية هو الدولة نفسها، وليس المجتمع، وأن الدولة وأجهزتها هي التي أجهضت الانتقال التاريخي نحو الحداثة، حين وقفت كقاطع طريق في المنعطفات التاريخية المهمة، فلا هي تركت للمجتمع العربي تشكيلاته الاجتماعية الأهلية التقليدية، ولا هي تسمح له في المقابل بالتحول لمجتمع حديث وطني متفاهم يحكمه القانون والدستور.

، كأطروحة الماركسي جلبير الأشقر في كتابه "الشعب يريد: بحث جذري في الانتفاضة العربية" -وإن كان جلبير أكثر حذرا وأقل تفاؤلا- بنبرة واثقة عن المستقبل، حتى إن كلًّا منهم تقريبا اعتبر الثورات انتصارا لأطروحته ولأفكاره على تنوعها،

كتابه "الانهيار المديد.. الخلفية التاريخية لانتفاضات المشرق العربي"، وقد مثل الكتاب حين صدوره صدمة أثارت الجدل حوله، ومنبع الصدمة هنا لم يكن في مضمون ما طرحه حازم صاغية فحسب، بل في توقيت صدور الكتاب أيضا، فحازم صاغية شرع في تأليف الكتاب في العام الأول للثورات العربية في 2011 إلى حين صدوره بدايات عام 2013، فبينما كان السائد هو التفاؤل والإحساس بالانتصار، كان صاغية في كتابه لا يحذر من هزيمة الثورات فحسب، بل يبشر بانهيار مديد للمشرق العربي.

بدأ حازم صاغية حياته ماركسيا راديكاليا كالكثير من أبناء جيله الغاضبين من العالم، وهو اليوم ليبرالي ذو "عقلانية باردة" يرى العالم ممتلئ بالأشياء الواعدة، التي ينبغي لعالمه العربي العمل على الاستفادة منها والاندماج في العالم الحديث والتفاعل الإيجابي مع قواه وقيمه وأفكاره، ومن موقعه الأخير هذا كتب صاغية كتابه الأخير "الانهيار المديد للمشرق العربي" المتشائم بصورة مفاجئة وقت صدوره، فما الذي حمل حازم صاغية منفردا على هذا التشاؤم القاسي تجاه المستقبل غير البعيد الذي ينتظر المشرق العربي؟

المقولة الرئيسية للكتاب.. سياسة العداء للسياسة

 يرى الكاتب أن مجتمعات المشرق العربي دخلت إلى السياسية الحديثة من باب ضيق وحيد وهو الصراع مع الآخر الغربي الاستعماري الحداثي، "فأبناء المنطقة هم "ضد" الاستعمار ولاحقا الإمبريالية، ثم أميركا بالتخصيص، إلا أنهم ليسوا على بيّنة مما هم عليه بالضبط كأوطان وجماعات وعلى ماذا تتركّز هويتهم الوطنية، أي ماهية شروط اجتماعهم السياسي.

ا قلة اهتمام ملحوظ بالسياسة الحديثة في الثقافة السياسية العربية الحديثة، السياسة بوصفها تشتمل على عمليات كالإصلاح الدستوري القانوني والفقهي والحقوقي وبما هي أيضا تطوير لبرامج الاقتصاد والتعليم والصحة، وقبل كل ذلك السياسة كمساحة الفعل النضالي الأساسي من أجل الحرية.

فالمهم هو مقاومة الاستعمار وممانعة التطبيع ومحاربة الإمبريالية، مما كان له إسهام أساسي في خلق حالة التخلص من السياسة بوصفها تسييرا لأحوال الناس ومعاشهم وقبل كل ذلك حقوقهم وحريتهم، وبناء أسس صحية وسليمة للمواطنة.

الديمقراطية تكمن في قابلية المجتمع لإنتاج عقد اجتماعي بين مكوناته المختلفة من طوائف وقوى اجتماعية وسياسية وأبنية مؤسسية مختلفة


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق