2017 . Jan 26, 2021
توزيع الدخل والثروة، منذ أزمة المال العالمية في عام 2008. إذ تواصل الثروة العالمية التراكم في أيدي حفنة من أباطرة المال وتختفي تدريجياً الطبقة الوسطى وتزداد الشعوب فقراً.
أثرياء العالم، أي الذين يملكون مليون دولار فأكثر، بلغت ثروتهم في العام الماضي 2016 نحو 62 تريليون دولار.
التداعيات التي سيتركها هذا الاختلال المريع في توزيع الثروة، على صعد التغيير الاجتماعي والاقتصادي والسياسي الذي سيحدث في العالم خلال العقد المقبل، مقارنة بما حدث من تغيير بين منتصف العقد الماضي وحتى الآن بسبب التغيير الجذري في الدخول والثروة.
اختلالاً كبيراً في الاستقرار الاجتماعي والسياسي سيحدث تبعاً لتدني نصيب الشعوب من ثروات بلدانهم مقارنة بنصيب الأثرياء.
نمو ثروة الأغنياء أضعاف معدل النمو الاقتصادي في العديد من الدول الغنية في العالم، وحتى في اقتصادات ناشئة تقود العالم مثل الصين.
فإن المتاجرة في أسواق المال هي السبب الرئيسي في تضاعف هذه الثروة بهذا الحجم المخيف. فالأثرياء حصلوا على أموال مجانية خلال السنوات الماضية من البنوك المركزية وضخوها بشكل مباشر في شراء الأسهم الرخيصة وشراء العقارات في المدن الكبرى، ليس بغرض السكن وإنما بغرض التربّح.
الأثرياء وضعوا نحو 31.1% من ثرواتهم في الأسهم العالمية في نهاية النصف الثاني من العام الحالي 2017، مقارنة بحصة 24.8% في نهاية العام الماضي 2016.
كما يستثمرون نحو 14% من ثرواتهم في العقارات، ويضعون بقية ثرواتهم في حسابات مصرفية سائلة أو شبه سائلة.
"أدى تركيز الثروة في أيدي قلة من الأغنياء وإفقار سواد الشعوب، بحسب التقرير، إلى نشوء التيارات الشعبوية وصعود اليمين المتطرف في كل من أميركا وأوروبا"
62%
من أثرياء العالم يتركزون في كل من الولايات المتحدة واليابان وألمانيا والصين.
ويرى اقتصاديون في سوق "وول ستريت"، أن تركيز هذا الكم الهائل من الثروة في أسواق المال والحسابات المصرفية والعقارات، حرم قطاعات إنتاجية كبرى في العالم النامي من الاستثمارات، خاصة قطاعات مثل الزراعة والتصنيع الزراعي وتربية المواشي وقطاعات اللحوم في الدول النامية. وبالتالي لم تجد دول العالم النامي التمويل اللازم لتنمية الموارد الطبيعية. وهو ما أدى تلقائياً إلى زيادة نسبة الفقر في القارة الأفريقية وبعض أجزاء من آسيا وأميركا الجنوبية
كما أدى إلى هجرة "قوارب الموت" من أفريقيا إلى أوروبا، ومن بعض أجزاء آسيا الفقيرة إلى أستراليا. وكانت النتيجة حدوث تحول سياسي واجتماعي ضخم في العالم.
على الصعيد السياسي، تم انتخاب دونالد ترامب في أميركا، وفوز التيار المناوئ لعضوية الاتحاد الأوروبي في بريطانيا، في استفتاء (بريكست) الذي جرى العام الماضي.
أدى الغبن الشعبي إلى انخفاض شعبية الأحزاب التقليدية في أوروبا عموماً، وصعود الأحزاب الشعبوية في كل من إيطاليا وفرنسا وهولندا وألمانيا. وفي أوروبا، يواصل الغبن الشعبي، الذي أورت ناره الفوارق الضخمة في الدخول، دفْع عامة الشعب في العالم الرأسمالي بعيداً عن الأحزاب التقليدية والارتماء في أحضان التيارات المتطرفة. إذ بات العامة ينظرون بعين الشك والريبة إلى الأحزاب التقليدية ويرون أنها لا تخدم مصالحهم وإنما تخدم مصالح الطبقة الثرية في المجتمع".
في أميركا، أقر مصرف الاحتياط الفيدرالي (البنك المركزي الأميركي)، مساء الخميس، في مسحه السنوي عن التمويل الاستهلاكي، بأن "السياسات النقدية قادت إلى اختلالات في توزيع الثروة، حيث ازداد الأثرياء ثراءً والفقراء فقراً. كما أدت إلى إفقار الطبقة الوسطى".
منذ أزمة المال ضخت البنوك المركزية العالمية، وعلى رأسها مصرف الاحتياط الفيدرالي الأميركي، ترليونات الدولارات، مجاناً وبشكل مباشر، في جيوب البنوك التجارية والأثرياء، بحجة إنقاذ العالم من الإفلاس. زي كرونا 2019
تم ضخ هذه التريليونات عبر السياسات النقدية التي سمحت للبنوك التجارية والشركات المالية التي يملكها الأثرياء بالحصول على أموال من الاحتياط الفيدرالي بفائدة صفرية وتحت مسميات مختلفة، كان أهمها سياسة "التيسير الكمي"، التي نفذها بنك الاحتياط الفيدرالي الأميركي منذ العام 2008 وحتى العام الماضي، وتبعته المصارف المركزية العالمية، وسياسات "الفائدة الصفرية"، التي طبقها بنك اليابان المركزي، و"الفائدة السالبة"، التي طبقها البنك المركزي الأوروبي.
ويرى مصرفيون وسياسيون في تعليقاتهم على سياسات الاحتياط الفيدرالي الأميركي منذ أزمة المال، أنها خلقت اقتصاداً وهمياً في أميركا، يقوم على اعتماد مبدأ النمو في أسواق المال وليس النمو الحقيقي للقطاعات الإنتاجية في الاقتصاد. إذ ضخت سياسة الفائدة الصفرية والمنخفضة جداً ترليونات الدولارات في جيوب الأثرياء وشركاتهم على حساب المواطنين أصحاب الادخارات البسيطة والمعاشات.
يذكر أن العديد من المواطنين في العالم الغربي، خصوصاً من كبار السن وأفراد الطبقة الوسطى، يعتمدون في معيشتهم على الدخل الذي يحصلون عليه من الوظيفة والفائدة على المدخرات. فكلما ارتفعت نسبة الفائدة ارتفعت قيمة الأرباح التي يحققونها من الادخارات، وكلما انخفضت متجهة نحو الصفر قلت أرباحهم من هذه الادخارات. ويشير تقرير سوق "وول ستريت"، الصادر بشان السندات الأميركية، وهي من أهم أوعية الادخار، إلى أن المستثمرين في السندات خسروا نحو 2.9% منذ انتخاب دونالد ترامب وحتى نهاية العام الماضي.
يرى اقتصاديون في تعليقات نشرتها وكالة بلومبيرغ أخيراً، أن القليل من الساسة من ينتبه إلى الدمار الذي تحدثه السياسات النقدية وأسواق المال للاقتصاد العالمي، وحتى إذا انتبهوا فإنهم لن يفعلوا شيئاً. وفي الواقع، فإن أسواق المال التي أنشئت أساساً لتوسيع إنتاج السلع والخدمات في العالم، عبر جمع أموال رخيصة من الشعب وإشراكه في رأس مال الشركات، تحولت تدريجياً إلى "كازينوهات للمقامرة" والمضاربة بالمال على المال، وهو ما حرم الاقتصاد الحقيقي من التمويل.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق