Mar 10, 2021 May 24, 2021
افتتاح العاصمة وانتقال الحكومة إليها لا يعني ترك القاهرة والإسكندرية وغيرها من المدن،
الجمهوريات الجديدة لا يتم التعبير عنها بمباني جديدة بل تبنى بالتنمية والعدل والمساواة والحريات، وأن أبرز معالم الجمهوريات الجديدة في الدول الحديثة ترتبط بإعلان دساتير جديدة، وبناء نظم اقتصادية واجتماعية تصب في مصلحة الشعوب.
السيسي تعهد بأن تصبح مصر "قد الدنيا" إلا أن الواقع جاء عكس ذلك بعد أن ارتفع الدين المصري إلى مستويات قياسية بسبب الاعتماد المبالغ فيه على الاقتراض، وتنازل السيسي عن جزيرتي تيران وصنافير في البحر الأحمر لصالح السعودية، إضافة إلى تفريط مصر في بعض حقوقها الاقتصادية بمياه البحر المتوسط حيث توجد حقول واعدة من الغاز الطبيعي.
*
الهروب من الشعب.. العاصمة الإدارية خوف السيسي من ثورة جديدة
تزامن الوقت الذي كُتبت فيه رواية "يوتوبيا" مع صعود الجناح اليميني النيوليبرالي في الحزب الوطني الحاكم بقيادة جمال مبارك
نجل الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك، وكان مشروع هذا التحالف السياسي-الاقتصادي يتلخص في العمل على رفع يد أجهزة الدولة عن المجتمع والتخلص من همومه والمسؤولية عنه، في مقابل تركيز الدولة لجهودها على توفير بنية تحتية جاذبة للاستثمار والشركات العالمية الكبرى، والاكتفاء بخمسة ملايين مصري "نافع" تختارهم "نخبة الدولة الحاكمة" للاعتماد عليهم في مشاريعها، ولتصبح تلك الشريحة القاعدة السياسية والاجتماعية لتدعيم سُلطتها، وعلى هذا الأساس قامت الدولة المصرية بإنشاء القرية الذكية على أطراف مدينة القاهرة، كجُزء من خطة سياسية طموحة لنقل الأجهزة الإدارية للدولة خارج القاهرة، ونقل قاعدتها الاجتماعية المُنتقاة بعناية خارج العاصمة التاريخية المُزدحمة بالمصريين.
عاصمة لمصر ولكن.. خارج مصر!
مع استمرار الصدام بين الجماهير والدولة، كان كل اعتصام وتظاهرة ومسيرة واشتباك في مُحيط وسط القاهرة يُحدث شللا جزئيا أو كُليا لمؤسسات الدولة الرئيسية، والتي انعكست عبر تطور المظاهرات لحصار وزارة الداخلية ومقرات جهاز أمن الدولة من قِبل المتظاهرين الذين حاولوا الانتقام من المؤسستَيْن أكثر من مرة، ومن هنا، "صار كبار رجال الدولة والمُتحكمون في مصائرها يتساءلون كيف لهؤلاء الشباب -واصفين إياهم بـ "العيال" للاستهانة بهم- أن يعطلوا مصالح الدولة ووظائفها الحيوية بمجرد غلق مداخل ومخارج الشوارع الرئيسية" (3)، وهو السؤال الذي يبدو أن الدولة المصرية لم تنسه أبدا.
كتابه "السياسة والسُرعة: من ثورة الشارع إلى الحق في الدولة"، يشرح الفيلسوف بول فيريللو العديد من المفاهيم المُتعلقة
السُلطة السياسية الحديثة والعقد الاجتماعي والسيادة والهيمنة، حيث يوضح فيريللو أن حدود هيمنة وسيادة الدولة وحدود العقد الاجتماعي تبدأ من مركز سُلطة الدولة ممثلة في مؤسساتها الأيديولوجية والأمنية وتنتهي بشبكة خطوط مواصلاتها، فالدولة، جهاز يسعى لدمج حياة السُكان وفرض السيادة والهيمنة عليهم، وهو الأمر الذي يتجلى بوضوح في التخطيط العُمراني وشبكات المواصلات التي تربط كل أطراف الحيّز الجغرافي بمركز السلطة، ويُتيح للسلطة الوصول والهيمنة على كافة مناطق سيادتها، ووفق هذا التحليل للدور السياسي الذي يقوم به العمران وشبكات المواصلات، يؤكد فيريللو أن مفاهيم المُواطنة والعقد الاجتماعي والديمقراطية لا يمكن أن تنتج إلا عبر تفاعل وثورات من السكان بغرض عقلنة جهاز الدولة الذي وحّدهم داخل الفضاء المكاني الجديد وفرض هيمنته عليه.
فشلها في عزل المباني السيادية من خطر الجماهير دافعا للاتجاه نحو حل أكثر جذرية، متمثلا في تأسيس عاصمة إدارية جديدة، وهو ما يوضحه الباحث إسماعيل الإسكندراني
باعتبار أن العاصمة الإدارية الجديدة تأتي وفق خطة النظام المصري باعتباره متضمنة لعدد من العناصر الأساسية، حيث "هي عاصمة صحراوية مرتفعة عن سطح البحر، ذات هواء أنقى وأصحّ من العاصمة الحالية، واسعة الشوارع، يقتصر الانتقال فيها على الإطارات الهوائية حصرا، فلا سكك حديدية ولا مجال فيها للمشي على الأقدام. يريد السيسي مركز حكم يسهّل إغلاق الطرق المؤدية إليه وقت الحاجة، إما بقطع الطريق الأسفلتي أو بتعطيل أول سيارتين لتتراكم وراءهما حشود الزاحفين المحتملين. أما حراك الجماهير المرتجلين فهو مستبعد وغير عملي بعيدا بهذه المسافة عن الكثافة السكانية. فأيّ مسيرة تلك التي ستترك طرف المدينة الشرقي لتقطع عشرين كيلومترا في الصحراء حتى تصل إلى مركز الحكم الجديد".
يظهر هذا النمط العمراني الذي تقوم عليه العاصمة الإدارية نموذجا شاذا وفريدا في الآن ذاته، فالعواصم السياسية والاقتصادية وحتى المراكز الحضرية الصناعية والتجارية يتم الترويج لها بموقعها الجغرافي المُتميز وبسهولة الوصول إليها، أما العاصمة الإدارية الجديدة، مسكونة بهواجس أمنية لا يمكن لناظر إغفالها،
فالموقع الذي تم اختياره يقبع في عزلة تامة عن شبكة الطرق التاريخية التي تربط المحافظات المصرية ببعضها البعض، مما يجعلها في مأمن تام من أي احتكاك أو اتصال غير مرغوب فيه مع الجماهير، فالأسوار العالية المُزمَع بناؤها ستكون مرتكزات للتحصين ضد العدوان المسلح. والشوارع الفسيحة هي الساحة المثالية لآلة البطش وأجهزة منع الشغب وفض التجمهر، "فلن نسمع عن اعتصام أمام مقر رئاسة الوزراء، ولا احتجاج أمام بوابات الوزارات. فحين تنشأ عاصمة جديدة في أرض خلاء بدءا من 2015، فإن الخيال لا يحتاج كثيرا من الإبداع لاستشراف وسائل المراقبة التي ستغطي كل شبر فيها"
عاصمة الاستعمار النيوليبرالي
القاهرة
أسوأ خمس مُدن في العالم للحياة من حيث حجم الكثافة السكانية والبنية التحتية وشبكة المواصلات والخدمات والصحة العامة ومعدلات العُنف والأمن، فهي تتحول مع الوقت إلى مدينة خارج السيطرة الأمنية والسياسية وحتى العمرانية.
بصورة عامة، تتمثل المُدن الحديثة في مساحة تتجلى فيها سيادة الدولة وما يتصل بمفاهيم العقد الاجتماعي والمواطنة، وعليه فإن تشظي المدن يعكس بالأساس وبصفة جوهرية تآكلا في صِيغ المواطنة والتعايش، فدرجة العُنف الرمزي والمادي الذي تشهدة القاهرة يوميا يجعل الحياة داخلها حالة من الصراع المستمر بين السكان وبعضهم، وبين السكان الدولة من ناحية أخرى، بينما كانت الثورة والاعتصامات والمسيرات التي شهدتها العاصمة المصرية، وضمت ملايين المواطنين المصريين والهتافات والأناشيد التي تم إنشادها، محاولة جادة في تشكيل صيغة عقد اجتماعي مصري جديد، يؤسس حالة من المواطنة والتشاركية الديمقراطية في المساحات والفضاء العام وأجهزة الدولة المُختلفة باعتبارها امتدادا للمواطنين
إلا أن هذه المحاولة سُحقت من أطراف أجهزة الدولة العسكرية والأمنية وآلتها الإعلامية التي أنتجت في المقابل حالة من الفاشية والعُنف لم تشهدها مصر طوال تاريخها الحديث تقريبا.
في هذا السياق تأتي العاصمة الإدارية كمحاولة من السيسي ونخبته الحاكمة في مصر للهروب إلى الأمام، والتخلص من عبء المجتمع والدولة معا، والهروب من استحقاقات الشرعية والمواطنة والعقد الاجتماعي والتنمية، ومع العجز البنيوي للنظام عن إنتاج أي خطاب يؤسس لشرعيته السياسية مما يجعل الفجوة بين الدولة والمجتمع تزداد يوما بعد يوم خاصة مع الإجراءات النيوليبرالية التي تتخذها السلطة، تأتي العاصمة الإدارية كحل قادم من قلب العصور الوسطى، حيث يتم إنشاء عاصمة جديدة بمجرد إنجاز الغزو العسكري لتكون العاصمة الجديدة مقر الحكم الجديد وقاعدة الغزاة الجُدد، وإليها تُحصّل أموال الجزية والخراج.
حيث يؤكد العديد من الباحثين أنه لا يُمكن بالفعل فهم وتحليل نظام السيسي بمنطق العلوم السياسية الحديثة من حيث فهم آليات توزيع الصلاحيات الدستورية بين السلطات، وتنظيم العلاقات بين أجنحة النفوذ، والأمر ذاته ينعكس بين السلطة والمعارضة، وآليات تداول السلطة، وغير ذلك من ديناميات سياسية حداثية. يبدو حكم السيسي بذلك منتميا في كثير من جوانبه لثقافة القرون الوسطى بامتياز، حيث الاستيلاء على السلطة بالقوة وترسيخ الوجود فيها بمذبحة سياسية ضد الغريم الرئيسي(8)، وبالكيفية نفسها تأتي عاصمة السيسي، ليست كعاصمة مركزية مفتوحة على محيطها الجغرافي والسياسي، بل كقلعة منيعة يسكنها الغزاة الجدد، كتعبير عمراني بليغ عن الانهيار التام للعلاقة والعقد الاجتماعي بين المواطنين من ناحية، وبين سُلطة وطبقة حاكمة تسعى للتحكم في المجتمع من بعيد دون حتى أن تشاركهم المكان والعالم الذي يَحيَوْن فيه.
العاصمة الجديدة لن تخرج عن كونها مُحاكاة للمدن الخليجية الصحراوية النيوليبرالية، حيث ناطحات السحاب والشركات الكبرى والفنادق الفخمة و"الكومباوندات" المُترفة، مدينة تتجه بالأساس للنُّخب المالية والتجارية عبر العالم، معزولة عن محيطها، إلا أنه كعادة مصر في صُنع المُفارقة؛ فالعاصمة الجديدة سوف تُهيمن وتتحكم في حياة عشرات الملايين من المصريين حولها، حيث تسكنها نُخبة رجال الدولة والجيش، كطبقة نيوليبرالية غازية سيطرت على البلاد بالحرب، ثم أسست قلعتها على ربوة عالية.
*
جمهورية ثانية
تفسير المعارضة
Jan 5, 2021
الموقف البغيض والرافض لـ "الأخر" الاجتماعي لا يخص الدكتورة وحدها، ولكنه متفشٍ وشائع في أوساط النخبة المصرية. قبل أيام حكى لي أحد الأصدقاء من الصحافيين المصريين كلاماً مشابهاً سمعه أثناء حديثه مع إحدى السفيرات المصريات تحدثت بلغة لا تخلو من الاستنكار والاستهزاء بمظهر السيدة زوجة الرئيس مرسي أثناء وجوده في السلطة.
كلام الدكتورة والسفيرة ليس استثناء، وإنما يكاد يكون القاعدة التي يستند إليها أمثالهما في تقييم الناس حسب مظهرهم ولباسهم، ويحاكمون خلفياتهم الاجتماعية، بحيث يفرضون عليهم نوعاً من المحرمات السياسية، يبيحونها لأنفسهم، بينما يحرّمونهم على غيرهم، ومنها مثلاً الالتحاق بالعمل السياسي والدبلوماسي.
عرف صديقاً وزميلاً من أيام الجامعة كان قد انتحر قبل عقدين من الزمن، وذلك بعد أيام قليلة فقط من إقصاءه ظلماً من مسابقة الالتحاق بوزارة الخارجية المصرية رغم أنه تجاوز الامتحانين التحريري والشفهي، وذلك بذريعة أنه "غير لائق اجتماعياً"، وذلك حسبما جاء نصاً في قرار رفضه. لم يتحمل الشاب القرار، فألقى بجسده النحيل في نهر النيل كي يلقى مصرعه بعدها بساعات، وتظل حكايته دليلاً علي الظلم والقهر الذي تمارسه مصر الدكتورة والسفيرة تجاه شباب مصر من البسطاء والفقراء.
الدكتورة والسفيرة، وأشباههما، يعيشون في مصر تم تصميمها على مقاسهم، ولخدمة مصالحهم، وتلبي احتياجات أبناءهم وذويهم. وهي مصر التي لم تتغبر فيها أقدامهم بتراب الأرض وطينها، ولم يطحنهم فقرها، ولم تأكل أجسادهم أمراضها وأوبئتها المتوطنة. مصر التي وضعت مليارات الدولارات في عاصمة جديدة تحيطها أسوار عالية لا يمكن لأحد دخولها ما لم يكن من أصحاب الحظوة والمكانة الاجتماعية، ويشبه في مظهره ولهجته الدكتورة والسفيرة.
وهي مصر ذاتها التي استهزأت بالبسطاء والفقراء حين انتفضوا قبل شهور بالجلاليب والشباشب من أجل تحسين ظروفهم الاجتماعية والاقتصادية. وهي مصر ذاتها التي حين يُعتقل ثلاثة ممن يشبهون الدكتورة والسفيرة، ينتفض العالم دفاعاً عنهم حتى يتم إخراجهم، أما حين يُعتقل الآلاف من أشباه "مرسي" وحرمه، فلا تسمع لأحد همساً ولا ركزا!! وهي أيضا مصر التي يُعالج أغنياءها وأكابر قومها في أرقى المستشفيات بالعاصمة من فيروس كورونا المستجد، بينما تُنزع أنابيب التنفس الاصطناعي (الأوكسجين) عن أبناءها من الفقراء بالمحافظات كي يلقوا مصرعهم وذلك كما حدث في محافظتي الشرقية والغربية خلال الأيام الماضية.
المدهش في الأمر فليس فقط الخطاب الطبقي العنصري للدكتورة والسفيرة تجاه الآخر الاجتماعي، وإنما أيضا في ازدواجيتهم السياسية وانحطاطهم الأخلاقي. فالدكتورة المذكورة أعلاه كانت تكتب مقالات شبه أسبوعية ناقدة ولاذعة بإحدى الصحف المصرية ضد الرئيس مرسي وجماعته حين كانوا في السلطة، وهو أمر مشروع ومفهوم ومنطقي، ولكنها، مثل الكثير غيرها، قد بلعت لسانها وصمتْت صمت الجبناء، بعد أن وصل الجنرال السيسي إلى السلطة
هي الآن مشغولة بالكتابة عن الروايات والمدن والأفراح!! أستاذة أخرى من نفس الفصيلة، كانت تدّرس العلوم السياسية بالجامعة الأمريكية بالقاهرة، وتنتمي لعائلة سياسية معروفة في مصر من مدّعي الليبرالية، لعبت دوراً محورياً في التحريض لانقلاب السيسي، والترويج له لاحقاً بأميركا، وقد أقرّت بذلك علناً بعد شهور قليلة من الانقلاب في لقاء لها بالعاصمة الأمريكية واشنطن. وقد ضَبطُتها شخصياً متلبسة بسرقة إحدى مقالاتي، ونشرها باسمها بجريدة "الحياة" اللندنية عام ٢٠٠٧. والأنكى أنه حين تمت مواجهتها بجريمتها لم تنفها، بل اعترفت بها بوقاحة، وألقت باللائمة على شاب من أوساط فقيرة كان يكتب لها مقالاتها الأسبوعية مقابل أجر زهيد، وهو عذر أقبح من ذنب! فهي لم تسرق فقط المقالات والأفكار، وإنما أيضا العقول والمجهود. فهل بعد هذا انحطاط؟!
إنها مصر التي تبغض أغلبية شعبها، وتحتقره، وتدافع عمن يعتقله، ويُعذّبه، ويسرق قوته، ويُفقره، ويهُّجره. وهي مصر التي إذا سرق فيها الرئيس تركوه، وإذا اشتكى فيها الفقير والضعيف احتقروه، وخوّنوه، وأقاموا عليه الدنيا ولم يقعدوها!! باختصار، هي مصر التي يريد العسكر بقاءها، ليس حباً بها، وإنما كي تُدافع عن حكمهم وبقاءهم في السلطة، وذلك في مواجهة أبناء مصر الأخرى التي يبغضونها ويحتقرونها وهذا هو أصل الصراع ومربه!!
*
المقال الفائز والمعنون بـ"عن مصر الأخرى التي يبغضونها" الضوء على الانقسام الطبقي والعنصرية الاجتماعية، اللذين يلقيان بظلالهما على السياسة في مصر. ويستند المقال إلى تصريحات علنية وكاشفة كانت قد صدرت في مناسبات مختلفة، عن 3 شخصيات نسائية نخبوية هن أستاذتان جامعيتان وسفيرة.
ينتمي الفائزون في فروع الجائزة الأخرى إلى طائفة من مؤسسات الإعلام الدولي بينها "رويترز" (Reuters) و"بلومبيرغ" (Bloomberg) و"سي إن إن" (CNN) و"بي بي سي" (BBC) العربية والعالمية وموقع "ميدل إيست آي" (Middle East Eye) والقناة البريطانية الرابعة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق