العدو الذي تمت صناعته فكان "الإخوان المسلمين"، وأما العدو الذي تم تفكيكه وتحويله إلى صديق، فهو الكيان الصهيوني، العدو الأزلي للأمة العربية والإسلامية ما دام محتلًا لدولة فلسطين. فكيف حدث هذا؟ ولماذا؟
بدأت عملية صناعة العدو بالتزامن مع مرحلة تهيئة الظروف للانقلاب العسكري في مصر، لتحويل جماعة الإخوان المسلمين، من جماعة وطنية تمارس حقها السياسي الدستوري، إلى منظمة إرهابية مطاردة محليًا وإقليميًا ودوليًا، والأكثر تهديدًا لأمن المنطقة العربية وزعزعة لاستقرارها.
لأسباب كثيرة تحرص الإمبراطوريات والدول والكيانات المختلفة على اتخاذ عدو لها، وإذا لم يكن هذا العدو موجودًا فإنها تعمل على إيجاده، وقد يكون العدو خارجيًا أو داخليًا، وقد يكون دولة مجاورة أو غير مجاورة، وقد يكون العدو دينًا أو مذهبًا أو فكرة أو قيمة أو سلوكًا، وقد يكون مخدِّرًا أو مرضًا، كما قد يكون حقيقيًا أو مصنوعًا أو وهميًا.
صناعة العدو
بعد انهيار الحركتين القومية العربية والشيوعية، تصدّرت جماعة الإخوان المسلمين المشهد السياسي على غيرها من القوى السياسية، في كثير من الدول العربية التي كانت تسمح لها بالنشاط الدعوي والسياسي، كالأردن ومصر والكويت والمغرب والجزائر والسودان واليمن، وبعد نجاح الانقلاب العسكري بقيادة الفريق عبد الفتاح السيسي في مصر، كان أمام رئيس الانقلاب تحديات داخلية وخارجية عدة، فعلى الصعيد الداخلي، كانت الديمقراطية لا تزال في سنتها الأولى، وكان الشعب ما زال يعيش أجواء شعارات ثورة يناير 2011م، ومن بينها "الشعب والجيش إيد (يد) واحدة"، وكانت الدولة تعاني كثيرا من الأزمات الاقتصادية والتنموية، بسبب التركة المنهارة التي تسلمتها من نظام الرئيس الأسبق حسني مبارك، فضلا عن أن جماعة الإخوان المسلمين كان لها في مصر كثير من الإنجازات العلمية والاجتماعية، وقد أظهرت ثورة يناير 2011م حجم الحضور الذي يتمتع به الإخوان المسلمون والحشد البشري الذي قاموا به، الأمر الذي قد يؤدي إلى مواجهة دموية يذهب ضحيتها المئات أو الآلاف.
الشيطنة: مثل تصيد الأخطاء، والترويج للإخفاق والتقصير في خدمة الشعب، ونشر معلومات وبيانات وتقارير كاذبة خلافًا لما هي عليه.
التشكيك: في الانتماء الوطني والولاء لمصر، والدخول في علاقات مشبوهة، وفي صدق الالتزام الديني، وترويج الإشاعات المسيئة إلى الجماعة ومنتسبيها.
التجريم: بصورة تدريجية، كاتهامهم بترويع المواطنين، ثم ارتكاب أعمال عنف وجرائم يعاقب عليها القانون، ثم حيازة أسلحة غير مرخصة، ثم ارتكاب جرائم قتل.
التخوين: باتهامهم بالخيانة العليا والعمالة لجهات خارجية، والتآمر على الدولة وتهديد الاستقرار والأمن.
دعم الإرهاب: باتهامهم بالتواصل مع تنظيمات إرهابية محظورة، وقيامهم بأنشطة إرهابية.
التضخيم: تضخيم صورة الإخوان المسلمين بعدّهم الخطر الأكبر الذي يهدد استقرار الدولة وأمنها، ويتسبب في جميع أزماتها ومشكلاتها، وبالقضاء عليه يتم القضاء على هذه المهددات والأزمات والمشكلات.
التدويل: بتوسيع دائرة الاستعداء عليهم، عن طريق قيام دول عربية أخرى باتخاذ الموقف نفسه منهم، وإصدار بيانات متشابهة بعدّهم جماعة إرهابية ومصادرة مؤسساتهم وممتلكاتهم كافة، وسنّ تشريعات تجرّم كل من ينتمي إليهم أو يتعاون معهم بأي شكل من الأشكال، ثم مطالبة المجتمع الدولي بتأييد الخطوة، وتصنيف الإخوان المسلمين منظمة إرهابية.
*
تمت صناعة العدو "الإخواني" بصورة شديدة الإتقان، وخلال وقت وجيز، أصبحت جماعة الإخوان المسلمين -ومن بعدها جماعات الإسلام السياسي- العدو الأكبر الذي يهدد المنطقة العربية ويزعزع استقرارها، وتم اتخاذ الإجراءات التنفيذية والتشريعية اللازمة لتفكيك مؤسساتهم، والسيطرة على ممتلكاتهم، واعتقال كوادرهم، وتهديد من تسوّل لهم أنفسهم بالتعاون معهم أو الدفاع عنهم، والتشهير بهم في المنابر الإعلامية والأكاديمية والثقافية. ليس هذا فحسب، بل وتقديم البديل الإسلامي الوسطي المتصالح مع الحضارة الغربية، والمتسامح مع جذور العداء التاريخية معها، والمدافع عن كل ما تقوم به السلطة من قمع واضطهاد وظلم واستبداد، بحجة أن السلطة مفوضة باتخاذ ما تراه مناسباً من إجراءات للمحافظة على استقرار الدولة، وحماية الشعب من الفتن.
*Apr 28, 2021
ماذا لو أن الأنظمة العربية، تعاملت مع جماعات "الإسلام السياسي" وعلى رأسها جماعة الإخوان المسلمين، بالروح ذاتها التي تعاملت بها لإبرام اتفاقيات السلام مع "الكيان الصهيوني" بدلاً من تحويلها إلى عدو وهمي، تخدع به شعوبها وتقنعهم بأنه العدو الأكبر الذي يهدد استقرار المنطقة؟
عملية صناعة "العدو الإخواني" ليحل محل "العدو الصهيوني". هذه العملية التي كانت تتم بالتزامن مع عملية صناعة "الكيان الصهيوني" دون أن ينتبه إليها كثير من الناس، فحينما كانت تصدر التصريحات الغريبة لمسؤولين في بعض الدول العربية تشدد على أن دولة "الكيان الصهيوني" لا تشكل خطراً على الدول العربية.
مراحل صناعة "الصديق الصهيوني"
تفكيك العداوة:
التأييد الشرعي:
. التبني الإعلامي والثقافي والتعليمي:
لغة المصالح:
تبادل الزيارات والتفاهمات:
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق