الخميس، 10 يونيو 2021

الإمبراطورية المالية الأميركية . الإمبريالية الأميركية التي لا تريد أن تسقط *********

Jan 18, 2021

 مشاكل -على غرار تعمق التفاوت الاجتماعي، تراجع التصنيع، فقدان الوظائف ذات الأجور الجيدة والآمنة للموظفين ذوي الياقات الزرقاء، سببها قوة الدولار. ولا عجب أن المستثمرين أصحاب الأفكار المبتكرة ينصحون أي شخص بالاستعداد لمستقبل ما بعد الدولار.

إن الصعود المفاجئ للولايات المتحدة خلال الحرب العالمية الأولى، باعتبارها القوة المالية المهيمنة في العالم، شكل صدمة، خاصة أنها كانت أقل أهمية من صربيا في أزمة يوليو/تموز 1914.

بحلول عام 1916، ومع زيادة الاستهلاك على نطاق لا يمكن تصوره، كان من الواضح أن كل شخص في العالم يحتاج إلى الدولارات، وهي العملة التي تتيح الوصول إلى أكبر مجموعة من المواد الخام، وتعزز القدرة الصناعية، حسب التقرير.

بالتزامن مع حكم الجمهوريين، لم ترفض الولايات المتحدة تقديم تنازلات سخية بشأن ديون الحرب فحسب، بل عادت إلى اعتماد السياسة الحمائية، وفرضت القيود على الهجرة، مما أدى إلى انكماش اقتصادها بوحشية، واستنزاف مخزونها من الذهب من خزائن البنوك المركزية في جميع أنحاء العالم.

كان يستحيل على شركاء الولايات المتحدة السابقين في الحرب سداد ديونهم الحربية حتى وإن رغبوا في ذلك، وأدت إضافة قروض خاصة جديدة من وول ستريت على رأس ديون زمن الحرب إلى تفاقم المشكلة، وكانت الولايات المتحدة تجري تجربة معاكسة لكونها دائنا عالميا وتدير فائضا تجاريا في الوقت نفسه، كما يذكر التقرير.

العصر الحديث

لأول مرة في التاريخ، لم يتم ربط أي عملة في العالم بالذهب أو بأي عملة أخرى، حيث تعتمد قيمة العملة فقط على سلطة الدولة كما تحددها الأسواق، وهو ما أدى إلى انخفاض قيمة الدولار. في المقابل، واجهت كل من اليابان وألمانيا طفرة في عملاتهما التي صمدت لفترة طويلة.

وتم تداول هذا النظام على نطاق أوسع مع تراجع الدولار مقابل المارك الألماني والين الياباني. لذلك، تم إنشاء النظام الحديث لعقد القمم بين مجموعة الدول الصناعية السبع للمساعدة في التعامل مع الضغوط. وإثر ذلك، أصبحت منظمة أوبك (opec) تفكر في تسعير نفطها بعملة أكثر موثوقية.

وانتهت أزمة هيمنة الدولار الأولى، التي تعتبر الأكثر خطورة حتى الآن، وفي أكتوبر/تشرين الأول 1979 سمح بول فولكر، بصفته رئيس مجلس الاحتياطي الفدرالي، برفع أسعار الفائدة، الأمر الذي أحدث صدمة بالاقتصاد العالمي وساهم في ارتفاع قيمة الدولار.

وبعد تجاوز حدود اتفاقية بريتون وودز، ازدهرت أسواق العملات والأسواق المالية المحررة، وسواء في نيويورك أو لندن، كانت بنوك وول ستريت بمثابة المحركات المهيمنة لهذا العصر الجديد من النمو المالي، ووضعت الدولار والبنوك الأميركية الرئيسية في محور كل تجارة.

وعد هذا النظام الجديد بالمرونة، وإعادة تخصيص الموارد بكفاءة، لكن الطفرة المالية كانت هائلة، مما دفع إلى ظهور موجة جديدة من الإقراض الدولي المقوم بالدولار، وأدى هذا الأمر إلى تواتر الأزمات.

في الثمانينيات، ازدادت حدة أزمات الديون في أميركا اللاتينية لدرجة أنها عرضت النظام المصرفي للولايات المتحدة للخطر.

توالي الأزمات

شهد العالم فترة اجتمعت فيها أزمة الديون في الثمانينيات مع أزمات فترة ما بعد الحرب الباردة، وظهرت الآثار في المكسيك أولا عام 1994 وحتى 1995 تلتها أزمة الاقتصادات الآسيوية عام 1997. ثم حلت أزمة روسيا عام 1998 وأخيرًا الأزمة العصيبة بالأرجنتين عام 2001.

وبحسب التقرير حاولت وزارة الخزانة الأميركية وبنك الاحتياطي الفدرالي إدارة تلك الصدمات من خلال تقديم قروض جديدة، وإعادة هيكلة الديون، إلا أنهما واجها مقاومة مستمرة من كل البلدان الواقعة ضحية للأزمات، ومن الكونغرس الأميركي الذي امتعض من تقديم العون للدول الأجنبية، في حين أدركت الأصوات الأوروبية بمجلس صندوق النقد الدولي أن النظام بأكمله لا يشجع إلا على توسع مالي مستهتر.

وتضررت أميركا وأوروبا من "الصدمة الصينية" حيث ارتفعت صادرات الصين بسبب رخص ثمنها، وفرضت وول ستريت رسوما باهظة على تدفق رأس المال، وواجه العمال منافسة شرسة في مجال التصنيع.

انهيار 2008

لم يكن الانهيار عام 2008 على هيئة أزمة الدين العام المتوقعة بالولايات المتحدة، بل كان في شكل أزمة ضربت النظام المصرفي شمال الأطلسي بأكمله.

كانت نسبة كبيرة من ميزانيات مصارف لندن وباريس وفرانكفورت وهولندا مقومة بالدولار، بسبب محاولاتها استغلال ازدهار الرهن العقاري الأميركي. وبدلاً من قلب النظام المالي العالمي القائم على الدولار، كشفت أزمة عام 2008 عن اعتماد عالمي شديد على الولايات المتحدة.

وبذل الاحتياطي الفدرالي قصارى جهده لدعم النظام المصرفي عبر الأطلسي عن طريق ضخ السيولة بالدولار لكل من البنوك الأوروبية والآسيوية في نيويورك وبنوكها المركزية، عن طريق خطوط مبادلة السيولة. لكن ذلك لم يحل دون وقوع منطقة اليورو في أزمة ديون سيادية شاملة.

تشير التوقعات طويلة المدى حتى عام 2050 إلى أن حصة الصين من الناتج المحلي الإجمالي العالمي غالبا ما ستستقر عند حوالي 20%، مقارنة بنسبة تتراوح بين 12% و15% للولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والهند. وفي هذا العالم متعدد الأقطاب، ليس غريبا أن يتخيل المرء استمرار الدولار في لعب دور مهيمن في التجارة والتمويل الدوليين.

*Apr 27, 2020

الولايات المتحدة تتحكم بالعالم ليس بتفوقها العسكري كما يروج البعض، بل بسبب تفوقها التكنولوجي والاقتصادي، ونظامها السياسي رغم شوائبه. وأيضا لأن الرأسمالية تجدّد نفسها في الولايات المتحدة.

تعوّدنا عند كل أزمة أو مشكلة، تمرّ بالولايات المتحدة أو بالنظام السياسي الأميركي، أن يذهب بعض المنظرين أو السياسيين أو المحللين، ومن شايعهم في وسائط التواصل الاجتماعي، إلى التسرّع بالقول بقرب انهيار الإمبريالية الأميركية، في إحلال للرغبات والأوهام محل الوقائع والحقائق، وهو ما حدث مؤخّرا على خلفية الانهيار في عقود أسعار النفط، وفي صناعة النفط الحجري فيها

جدير بالذكر أن ذلك حصل سابقا، في مرّات عديدة، لكن تلك الإمبريالية لم تسقط بعد، والعالم الجديد “متعدد الأقطاب”، الذي تم التنظير له كثيرا لم يظهر، ودول مجموعة “بريكس” الخمس (روسيا والصين والبرازيل والهند وجنوب أفريقيا)، التي عقد البعض الرجاء عليها، بالكاد تتدبر أمورها، مع سكان يناهز عددهم على 3.2 مليار نسمة، أي أكثر من ثلث سكان العالم. وحتى روسيا، القطب الآخر المفترض، فما زالت تخضع لعقوبات أميركية من طبيعة تكنولوجية وعلمية واقتصادية، تثقل عليها وتؤخر تطورها.

في المحصلة، فقد شهدنا، عوض سقوط الإمبريالية الأميركية، انهيار الاتحاد السوفييتي (السابق)، ومعه منظومة الدول الشيوعية عام 1990، كما شهدنا تحول الصين من الشيوعية إلى الرأسمالية، بإدارة الحزب الشيوعي ذاته، مع الحفاظ على نظام استبدادي – شمولي، بل وبارتباط وثيق مع قطاعات الاقتصاد في الولايات المتحدة، التي باتت تعتبر الصين بمثابة مصنع كبير لها، بحيث نقلت صناعاتها الملوثة للبيئة والتي تحتاج إلى عمالة كبيرة، إليها، للاستفادة من رخص اليد العاملة فيها، ومن عدم وجود تقديمات اجتماعية للعمال، وهو ما سهل عليها تحديث قطاعاتها الصناعية، والانتقال إلى صناعات التكنولوجيا العالية

وربما يجدر هنا سرد بعض حقائق الاقتصاد العالمي، إذ أن الناتج الإجمالي السنوي للولايات المتحدة عام 2018، وقدره 20 تريليون دولار، شكل ربع الناتج الإجمالي العالمي، وهو ما يساوي الناتج الإجمالي لكل دول مجموعة “بريكس”، أي الصين والهند والبرازيل وروسيا وجنوب أفريقيا، التي يبلغ الناتج الإجمالي لكل منها، على التوالي: 12 تريليون دولار، 2.6 تريليون دولار، 2 تريليون دولار، 1.5 تريليون دولار، 288 مليون دولار. علما أن الدول السبع الكبرى وفي مقدمتها الولايات المتحدة، تبلغ حصّتها حوالي ثلثي الناتج الإجمالي العالمي.

أما فيما يخصّ التدهور الحاصل في أسعار النفط، فهو نتاج عوامل متعددة، أهمها:

أولا، إغراق السوق العالمية بالنفط، وذلك بحكم الخلاف الذي حصل سابقا بين المملكة العربية السعودية والاتحاد الروسي بشأن حصة كل منهما من إنتاج النفط، الأمر الذي أدى إلى وجود عرض كبير في ظرف فيه، من الأصل، طلب قليل على الوقود، بحكم تداعيات جائحة كورونا؛ وهو الأمر الذي تم تداركه مؤخرا، بتوافق الدولتين على حصة معينة للإنتاج، إلا أن ذلك التوافق لم يؤثر كثيرا.

ثانيا، ثمة مخزون نفطي كبير لدى الولايات المتحدة مع مستوعبات ممتلئة، أي أن قدرة الولايات المتحدة على إنتاج أو استيراد، المزيد من النفط الخام وتخزينه، وصلت إلى ذروتها، وهذا ينطبق على مصانع التكرير في العالم، بل ثمة حديث عن وجود 160 مليون برميل نفط خام مخزنة في ناقلات حول العالم بانتظار مشترين لتفريغ حمولاتها.

ثالثا، أدت التداعيات الناجمة عن جائحة كورونا إلى تدني الاستهلاك العالمي للطاقة النفطية، وإلى انخفاض كبير في الطلب العالمي على النفط، نتيجة وقف وسائل المواصلات، بأساطيلها الجوية والبحرية والبرية، وتوقف عديد من القطاعات الاقتصادية المرتبطة بالنفط، وحال الحجر التي يخضع لها السكان في أكثر دول العالم.

في مقابل ذلك، تبدو الدول غير المنتجة للنفط، سواء كانت غنية أو فقيرة، مستفيدة من تدهور أسعار النفط، وهذا بديهي، إلا أن انخفاض معدل التنمية وتراجع الأنشطة الاقتصادية، في الدولة الأكبر والأكثر استهلاكا، في العالم، أي الولايات المتحدة، التي تسيطر على ربع الناتج الإجمالي العالمي السنوي، يؤثر على الدول الأخرى، وضمنها الصين وأوروبا، في عالم شديد الاعتمادية على حيوية الاقتصاد الأميركي.

المسألة تختصر إذن في أن العالم يمر في أزمة، سواء كنتاج للتداعيات الناجمة عن جائحة كورونا، أو كنتاج لتدهور أسعار النفط، والمشكلات الاقتصادية الأخرى، وهي ليست المرة الأولى، على أيّ حال.

أما في ما يخص الولايات المتحدة، فرغم الاختلاف مع سياساتها الاستعلائية والهيمنة، ونهج إدارتها الحالية، وموقفها من القضايا العربية، ومحاباتها لإسرائيل، إلا أن ذلك لا يفيد في القول بانهيارها أو سقوطها، إذ إن تلك الدولة ما زالت تتحكم بالعالم، وذلك ليس بتفوقها العسكري، كما يروج البعض، وإنما بسبب تفوقها التكنولوجي والعلمي والاقتصادي، ونظامها السياسي، رغم كل الشوائب المتضمنة فيه. وأيضا يحدث ذلك لأن “الرأسمالية تجدّد نفسها” في الولايات المتحدة أكثر بكثير من غيرها من الدول.



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق