Mar 9, 2021 . Jun 7, 2021
تلعب البنوك المركزية وأسواق المال دوراً محورياً في تكدس الثروات في أيدي فئة قليلة من المجتمعات، وفي تزايد الفجوة في الدخول عبر سياسات الفائدة، إذ إن هذه المؤسسات المالية وعبر سياسة سعر الفائدة تقوم بتحديد قيمة النقود والثروات والمدخرات في الأسواق، وبالتالي تزيد من فجوة الدخل وتهدد التماسك الاجتماعي كمقدمة للاضطرابات السياسية.
من بين السياسات التي ترفع من فجوة الدخول، سياسة "التيسير الكمي" أو الفائدة الصفرية التي نفذها مصرف الاحتياط الفيدرالي (البنك المركزي الأميركي) في أميركا في أعقاب الأزمة المالية أو الفائدة تحت الصفرية التي تنفذها في الوقت الراهن العديد من البنوك في أوروبا واليابان.
ووفقاً لمحللين، فإن هذه السياسات النقدية تفيد الأثرياء والمستثمرين في أسواق المال والسندات، وتضرب دخول الطبقات الوسطى والعمال في المجتمعات، إذ إن هذه السياسات تمنح من يملكون الثروة ويستثمرون في أسواق المال فرصة الاقتراض بدون فائدة أو فائدة ضئيلة جدا للمضاربة في أسواق المال، بينما تضرب أصحاب الادخارات من كبار السن وترفع من نسبة التضخم بالنسبة للعائلات والمستهلكين.
بينما تتضخم ثروات من يملكون الأموال بسبب هذه السياسة النقدية، تزيد أعباء الفقراء وأفراد الطبقة الوسطى.
ووفقاً لبيانات معهد السياسات الاقتصادية الأميركي التي نشرها في شهر أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، ارتفع التفاوت في الدخول في الولايات المتحدة بنسبة كبيرة خلال العقود الأربعة الأخيرة.
في عام 1980، كان متوسط دخل الرئيس التنفيذي في الشركات الأميركية يعادل 50 ضعفاً من متوسط دخل العامل في الولايات المتحدة، بينما ارتفعت فجوة الدخل بين العامل والرئيس التنفيذي خلال العام الجاري إلى 144 ضعفاً.
تعود هذه الزيادة إلى الحوافز وخيارات الأسهم التي يحصل عليها رؤساء الشركات التنفيذية بسبب أرباح الشركات في سوق "وول ستريت"
ويرى العديد من خبراء المال والاقتصاد في الولايات المتحدة، أن تزايد هذه الفجوة يعود إلى التحالف القائم بين البنوك المركزية وسوق وول ستريت، الذي يدعمه حالياً منظور النجاح الذي يتبناه الرئيس الأميركي دونالد ترامب والقائم على مبدأ أن النجاح الاقتصادي يعني الصعود المتواصل لمؤشرات الأسهم، من دون النظر لتداعيات ذلك على تماسك المجتمعات عبر خلق فجوة دخول تنهي الطبقة الوسطى وتهدد تلقائياً الاستقرار السياسي في الولايات المتحدة وربما بقاء النظام الرأسمالي.
وتشهد الولايات المتحدة، وإلى درجة ما أوروبا، ضمورا في الطبقة الوسطى والطبقة فوق الوسطى وإفقار طبقة العمال الذين باتوا رهينة في يد الشركات.
يدعو سياسيون وقيادات مؤسسات مالية إلى معالجة هذا الاختلال في الدخول حرصاً على بقاء النظام الرأسمالي وحدوث فوضى داخل المجتمع يقودها الفقراء والجماعات المهمشة.
راي داليو مدير أكبر صندوق استثماري في العالم، يرى أن تزايد الفجوة بين الدخول في أميركا وتراكم الثروة لدى فئة قليلة يعد فشلاً للنظام الرأسمالي الذي بني على أساس التوزيع العادل لثمار النجاحات الاقتصادية.
من جانبه يرى رئيس مصرف "جي بي مورغان تشيس" الأميركي، جيمي ديمون، ضرورة معالجة عدم العدالة في توزيع الثروات، إذ يرى أن هذه الفجوة المتزايدة في الولايات المتحدة مشكلة كبيرة يجب حلها لصالح بقاء النظام الرأسمالي.
ووصف ديمون عدم العدالة في توزيع الثروات بأنه يسبب مشكلة ضخمة للمجتمع الأميركي، وذلك في تعليقات أدلى بها لقناة "سي بي إس" الأميركية يوم الاثنين.
أضاف أن الأغنياء ازدادوا ثراء بطرق عديدة، في حين أن مستويات الدخل للطبقات المتوسطة لم يطرأ عليها أي تغيير طوال خمسة عشر عاماً.
قال ديمون: "إهمالنا للأشخاص الذين في قاع الهرم الاجتماعي، يعني أننا لم ننفذ عملاً جيداً يُنمي اقتصادنا، وتنفيذ ذلك يؤدي إلى إصلاح الكثير من جوانب تلك المشكلة".
وديمون من كبار رجالات المصارف في العالم الذين يتلقون رواتب ومكافآت تقدر بنحو 31 مليون دولار عام 2018.
منذ أزمة المال العالمية في عام 2008، تبنى مجلس الاحتياط الفيدرالي " البنك المركزي الأميركي"، سياسة قائمة على سعر فائدة قريب من الصفر في سبيل تحفيز الاقتراض والاستثمار بهدف إنقاذ الاقتصاد الأميركي.
وتؤثر سياسة الفائدة المصرفية التي تتبعها البنوك المركزية بشكل مباشر على توزيع الثروة في المجتمعات عبر ثلاثة موجهات، وهي أن خفض الفائدة مثلاً يقود إلى تآكل مدخرات أصحاب المعاشات وأفراد الطبقة الوسطى، كما أنه يتيح للأثرياء الاستدانة بفائدة شبه صفرية أو الحصول على أموال مجانية للمضاربة في سوق المال، والحصول على أرباح أعلى ترفع من تراكم ثرواتهم، كما أنه يرفع معدل التضخم والغلاء بالنسبة للأسر الفقيرة والعمال.
وهذه العوامل زادت من الغبن الاجتماعي وقادت إلى نشوء الحركات الشعبوية في أوروبا والاحتجاجات في فرنسا وإسبانيا وتهدد بانقسام طبقي في الولايات المتحدة.
كشفت دراسة صدرت عن منظمة التنمية والتعاون الاقتصادي في العام الماضي حول توزيع الثروة في 28 دولة، أن فجوة الدخول في الولايات المتحدة هي الأعلى بين الدول المتقدمة.
بيّنت أن نسبة 10% من السكان الأثرياء في أميركا يملكون نسبة 79% من الثروات في البلاد. وحذرت الدراسة من تأثير ذلك على الاستقرار السياسي في الدول الرأسمالية.
ولا يستبعد خبراء اقتصاد في حال تواصل فجوة الدخول أن تتحول الديمقراطيات الغربية إلى "ديكتاتوريات يديرها الأثرياء" تحت لعبة وهمية تسمى الانتخابات، إذ بات تمويل الشركات وطبقة الأغنياء للأحزاب والمرشحين يحدد الاختيارات السياسية.
*
هل فقدت البنوك المركزية دورها في السيطرة على التضخم؟
حيث ينذر ارتفاع تكلفة السلع وحفاظ الفيدرالي الأميركي على أسعار فائدة قريبة من الصفر بمخاطر تفجر التضخم مما سيربك الأسواق المالية.
واشنطن - تجمع تحاليل خبراء أن الأسواق العالمية مقبلة على صدمة التضخم في ظل تغير السياسة النقدية التي فرضتها جائحة كورونا والسخاء في تحفيز الاقتصادات الأمر الذي يدعو حسب مصرفيين ومديري أصول إلى ضرورة تقييم السياسات النقدية.
لم يكن لدى معظم الناس مهنة تزيد عن أربعين عاماً، وشهدوا فقط تراجعاً في التضخم على مدار الثلاثين عاماً الماضية. لذلك ستكون هذه صدمة كبيرة جداً”.
تسرَّب القلق هذا العام إلى الأسواق الأميركية بشأن ارتفاع التضخم بعد ارتفاع تكلفة السلع التي شملت الخشب والصلب.
أضاف فينك الذي يدير حالياً أكبر مدير للأصول في العالم أنَّ البنوك المركزية قد تضطر إلى إعادة تقييم سياساتها إذا أصبحت الأسعار المرتفعة مصدر قلق.
“رفع أسعار الفائدة في الوقت نفسه الذي نقوم فيه بهذا التحفيز المالي العملاق يعدُّ أمراً غريباً”.
تعرف آليات لجوء الحكومات إلى الاقتراض من بنوكها المركزية لتمويل الإنفاق العام باسم “التمويل النقدي”، وهي علاقة خطرة أكدتها وقائع التاريخ من جمهورية فايمار الألمانية في ما بين 1918 و1933 وصولا إلى ما حدث في الكثير من دول أميركا اللاتينية والكثير من بلدان العالم الثالث.
يؤدي اقتراض الحكومات من البنوك المركزية عادة إلى انحدار سريع، حين تسمح تلك العلاقة بتمادي السياسيين في الاعتداء على استقلال البنك المركزي.
يؤدي توفر التمويل السهل عادة إلى ارتفاع هائل في معدل التضخم نتيجة قيام الحكومة بضخ السيولة النقدية بحرية كبيرة في مختلف قطاعات الاقتصاد.
“إذا كان حلنا هو فقط الحصول على عالم أخضر، فسنواجه تضخماً أعلى بكثير لأنَّنا لا نملك التكنولوجيا للقيام بكل هذا حتى الآن. هل سنكون مستعدين لقبول المزيد من التضخم إذا كان سيقوم بتسريع بصمتنا الخضراء؟ هذا السؤال سيكون قضية سياسية كبيرة في المستقبل أيضاً”.
كانت الأسواق قد شهدت نوبات قلق متكررة خلال شهر مايو الماضي تقلبت معها المؤشرات الرئيسية بشكل ملحوظ، خاصة عندما كشفت البيانات الحكومية عن وصول التضخم إلى مستويات غير متوقعة، وهو ما سارع الاحتياطي الفيدرالي للتأكيد على أنه ارتفاع غير مستدام.
في المقابل يشير النقاد إلى مخاطر ضغوط الأسعار التي قد تقود إلى سلسلة من ردود الفعل، حيث يتوقع حينها الجميع ارتفاع الأسعار في المستقبل، مما يتسبب في حلقة تضخمية حقيقية ترتفع معها الأسعار بالفعل وبشكل متواصل في جميع المجالات.
وقديما كان جليا أن محافظي البنوك المركزية يعلمون ما يتعين عليهم فعله للتعامل مع التضخم، لكن الآن حيث يصارعون العواقب الاقتصادية لوباء كورونا، انهار الإجماع على أفضل السبل لتعزيز نمو الأسعار المنخفض والمستقر.
بعد سنوات من تحديد أسعار الفائدة على أساس توقعات التضخم والسعي لتحقيق هدف يبلغ نحو 2 في المئة، تتبع السلطات النقدية الرائدة في جميع أنحاء العالم إستراتيجيات مختلفة. وكان التحول في إستراتيجية الولايات المتحدة هو الأكثر جذرية.
حذرت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية الأسبوع الماضي من أن “اليقظة مطلوبة”، ولكن أي محاولة لرفع أسعار الفائدة يجب أن تكون “معتمدة على الدولة وموجهة بالتحسينات المستمرة في أسواق العمل، وعلامات ضغوط التضخم الدائمة والتغيرات في موقف السياسة المالية”.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق