Apr 1, 2021
يتولد المال من فعل التبادل، إلا أن هذا الأخير لا يحدث إلا إذا كان للثروات التي تقع محل التبادل مالكين مختلفين. بالتالي يمثل التبادل انتقالا لأصل الملكية بالإضافة لكونه تبادلا ماديا للثروات.منه، فإن وجود المال يعتبر تهافتا منطقيا في مجتمع شيوعي،
تستلزم الشيوعية مجتمعا من دون مال لأنها تقتضي مجتمعا خاليا من الملكية.
اليوتوبيا المجنونة. رد فعل في حد ذاته يجد منبته في المخيلة الجماعية للإنسان “المغرب” مفاده أن المال قديم قدم الإنسانية و أنه سيتمر استمرارها.
هل تريد إرجاع البشرية إلى عصر المقايضة
الشيوعية لا تؤدي فقط إلى إلغاء المال، بل إلى أكثر من ذلك؛ إلغاء التبادل، و الذي تعتبر المقايضة شكلا بدائيا منه، بحيث يمكن صياغة الفكرة كالتالي: التخلي عن التبادل يؤدي حتما إلى اختفاء المال.
في مجتمع شيوعي، يأخذ النشاط الإنتاجي شكل نشاط اختياري يقوم به المرء بمحض إرادته بغية إنتاج الثروات التي يحتاجها للعيش و التمتع بالحياة.
العمل الإنتاجي اللازم، لا يتم القيام به من طرف فئة معينة أو طبقة من العمال الأجراء أو الموظفين، بل من طرف كل أعضاء المجتمع، كل على حسب مقدوريته و مؤهلاته و ميوله لإنتاج الضروريات و الكماليات التي تشبع حاجات الفرد و المجتمع.
هذا ما يلغي حتما تقسيم العمل! حيث يمكننا التنويه في هذا السياق، أن تقسيم العمل يولد المال !
لا يمكن للعمل في هذه الحالة إلا أن يكون تطوعيا، لغياب أي كيان أو جهاز يكره الناس على ممارسته ضد إرادتهم.
في مجتمع شيوعي، يتم توزيع الثروات في مراكز توزيع أين يتم استلامها دونما مقابل مالي أو وصول: المسكن، التسخين، الكهرباء، الماء، النقل، العلاج، التربية و المطاعم منظمة على شاكلة خدمات عمومية مجانية.
لا يدفع أي مقابل لقاء قاعات السينما و المسرح و المتاحف و النوادي و الحضائر و المكتبات.
كون الفرد هو من يحدد احتياجاته. في هذا النحو، يوجه الإنتاج في ظل الشيوعية لإشباع رغبات الأفراد، كما يتم تحديدها من طرفهم.
نهاية الإقتصادد
لا تندرج الشيوعية ضمن طيات الإقتصاد، لأنها بإعادة التحكم البشري الواعي على عملية الإنتاج، تكون قد أحيت الطابع الأصلي لهذا الأخير : أي تفاعل/تبادل مباشر بين الإنسان و الطبيعة.
الثروات في ظل الشيوعية تنتج مباشرة، بمعنى أشياء مفيدة ضرورية للبقاء و التمتع بالحياة
الموارد و العمل تستعمل في هذا الغرض ارتكازا على قرارات تنبع من الوعي المباشر لا عن طريق القوانين الإقتصادية التي تعمل بنفس قوة الإخضاع التي تتميز بها القوانين الطبيعية.
حتى و إن كانت النتائج متكافئة، فإن القوانين الإقتصادية التي تنظم الإقتصاد السلعي، مثل قوانين نمط الإنتاج الرأس مالي ليست طبيعية، كونها تنجم عن مجموعة خاصة من العلاقات الإجتماعية
في حال تغيرت هذه العلاقات، عن طريق وضع عملية الإنتاج تحت سيطرة الوعي الإنساني، تكون الشيوعية قد ألغت هذه القواعد الرأس مالية، ملغية بذلك الإقتصاد، رامية به و بكل أصنافه النظرية ( العملة، البيع، الشراء، الأسعار، القيمة، …إلخ) في طي النسيان.
إن الوفرة هي وضعية تكون فيها الموارد كافية لإنتاج ما يكفي من الخيرات و الثروات لإشباع حاجات الإنسان، بينما تعتبر الندرة ( وهي المسلمة الأولية و المبرر الأوحد لوجود الإقتصاد) وضعية تكون فيها الموارد غير كافية للوفاء بهذا الغرض.
حيث يعتبر دوغمائيو رأس المال أنه لو وجدت الوفرة، فلا داعي لوجود القيمة و الأسعار و المال. لكن في نظرهم، بما أن الوفرة لم و لن تتواجد، كان لزاما وجود هذه الأصناف النظرية لرأس المال.
هل مصادر الإنتاج المتوفرة حاليا ( مواد أولية، أجهزة، آلات، مصادر الطاقة ) و المعرفة التكنولوجية التي تسمح باستعمالها كافية لتمكن سكان العالم لإنتاج ما يكفي من المأكل و الملبس و المسكن و غيرها من مشبعات الحاجات ؟
من البداهة الإجابة بنعم على هذا السؤال.
لا تختزل الشيوعية في حالة من الوفرة. يجدر الإشارة إليها على كونها حالة اجتماعية لا تقنية و لا مادية. إنما تتمثل في نسيج إجتماعي مجرد عن الطبقية، بحيث تتموضع عناصر المجموعة كافة على نفس المستوى حيال التحكم في وسائل الإنتاج.
في ظل نمط الإنتاج الرأس مالي، تنتج الثروات بغية وضعها في سوق البيع و الشراء.بذلك تكتسي الثروات المنتجة الطابع السلعي ذو القيمة الإستبدالية.
بالتالي،لا تكتسب الثروة معنى عند الرأسمالية إلا كونها قيمة استبدالية.
يتم تقسيم ملايين الثروات المنتجة من طرف الإنسان على أساس قاسم مشترك عام ( أي قيمتها الإقتصادية) ارتكازا على متوسط زمن العمل اللازم لإنتاجها، حيث يعتبر المال وحدة لقياسه
بإلغاء الإستبدال لتحل مكانه الشيوعية، لا تؤخذ الثروة شكل قيمة استبدالية، و بالتالي فإن كل تعابير العلاقات الإجتماعية الخاصة بالإقتصاد السلعي، كالمال و الأسعار يحكم عليها بالأفول.
أي بتعبير آخر، تتخلى الثروات عن قيمتها الأقتصادية لتضحي مجرد ثروات ذات قيمة نفعية ( لا يعني ذلك أن الثروات لن تكسب أية قيمة بالمعنى العام للكلمة، بالعكس من ذلك ستواصل في تخزين ملكة النفع العام).
إن القيمة الإقتصادية للثروات المنتجة لا علاقة لها بقيمتها الحقيقة كوسيلة لإشباع الغايات، لأن معيار الفائدة للإنسان لم يقاس يوما ارتكازا على مقدار وقت العمل اللازم من أجل إنتاجه.
في ظل الشيوعية ستتوقف الثروات عن كونها سلعا لتبقى قيمتها النفعية التي تجعل منها السبب الرئيسي و الأوحد لإنتاجها.
*
نهاية الحساب الإقتصادي يعني غياب وحدة قياس كونية يتم تطبيقها عند اتخاذ قرارات تخص الإنتاج
بصفة الشيوعية مجتمعا من دون مال تنتج فيه القيمة النفعية انطلاقا من قيم نفعية أخرى لا يحتاج إلى وحدة قياس كونية. تقام الحسابات الضرورية بطريقة عينية.
الحساب العيني عامل أساسي في عملية إنتاج الثروات أيا كان النموذج الإنتاجي، حتى في ظل الرأس مالية.
فعملية الإنتاج الرأس مالي تعتبر في نفس الوقت عملية إنتاج القيمة الإستبدالية بالإضافة إلى القيمة النفعية، متضمنا بذلك نوعان من الحسابات.
بالنسبة العملية الأولى، وحدة القياس هي المال، أما بالنسبة للأخرى، فلا توجد وحدة قياس وحيدة، بل طيف من الوحدات المختلفة لقياس الكميات و أنواع الثروات الخاصة المستعملة لإنتاج ثروات أخرى ( طن حديد، كيلواط ساعي من الكهرباء، ساعات عمل اليد العاملة). لهذا فالحساب الإقتصادي( الحساب بالمال و زمن العمل الساعي) لا يعني التخلص من أي حساب عقلاني لأن الحساب العيني المرتبط بإنتاج ثروات معينة بصفتها قيما نفعية سيتمر، كون الهدف من الإنتاج في ظل الشيوعية هو إنتاج قيم نفعية مجسدة ومسخرة لإشباع الحاجات.
كل ما يحتاجه المجتمع الشيوعي في نهاية مرحلة إنتاج معينة هو معرفة كمية الثروات المعينة المنتجة في مرحلة معينة. من أجل ذلك، لا داعي لاختزال القطن و الفحم و الآلات و النسيج و المأكل …إلخ إلى كسر موحد عام ( المال). بالعكس من ذلك، بصفتها أشكالا ملموسة ( القطن، الفحم، …)هذا ما يجعل الشيوعية تهتم بها و تعنى بحسابها. بالتالي، لا حاجة لحسابات كالدخل الوطني، المنتوج الوطني الخام وأرقاما أخرى ناجمة نتيجة عن التجرد من القيم النفعية للثروات.
الشيوعية تعني تحرير الإنتاج من تبعيته لأمور ذات طابع تبادلي أو سلعي.
الهدف من الإنتاج في الشيوعية لن يكون بلوغ دخل وطني أعظمي أو تحقيق دخل وطني خام أقصى( لا معنى لهذه المفاهيم في ظل الشيوعية)، إنما الكميات و أنواع القيم النفعية التي يشير الناس إلى الحاجة إليها.
الحسابات المتطلبة لتنظيم ذلك ستكون مباشرة و عينية و مجسدة بصفة حصرية مستغنية عن المكافئ المجرد العام: لا مال و لا زمن عمل مجرد. وفي نفس الصدد، على مستوى وحدات الإنتاج،فإن الحسابات الضرورية ستكون فقط عينية و مجسدة في ثروة معينة ( payement en nature).فمن جهة يتم تسجيل الموارد (مواد اولية، طاقة، عمل، ألات) المستهلكة أثناء عملية الانتاج، و من جهة اخرى قدر الثروة المنتجة إلى جانب ثروات هامشية اخرى محتملة.
مساحة بين الربح و الخسارة لا مكانة لها (لا معنى لها حتى) في ظل الشيوعية. فالانتاج الشيوعي بكل بساطة هو إنتاج للقيم النفعية انطلاقا من قيم نفعية أخرى. هذا كل ما في الأمر.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق