Feb 6, 2019
وحقيقة الأمر أن فكرة الزعيم تنتشر مع انتشار الخرافة والجهل، ولا تنتشر مع وجود العلم والتفكير النقدي، فحين يسود التفكير العلمي يصبح رئيس الدولة أو رئيس الوزراء أو رجل الدين مثله مثل كافة الناس ولا يجد الناس مشقة في تحليل ما يقوم به من أمور ونقدها إن ارادوا.
هاج وماج الكثير حين تحدث عمرو موسي عن أخطاء جمال عبدالناصر الكارثية ومن أبرزها هزيمة 1967. وتكمُن الإشكالية في مناقشة «وطنية ومصداقية ونُبل وزُهد عبدالناصر كرد على كارثة 1967. حين نناقش هزيمة 1967 من كافة المناحي العسكرية والسياسية والاقتصادية سوف نعرف مدى مسؤولية ناصر كسياسي في منصب رئيس الجمهورية وقد تكون الصفات التي يطلقها عليه مناصريه أو دراويشه صحيحة إلى حد ما ولكنها لا تتعلق من قريب أو بعيد بهزيمة عسكرية كاسحة سبقها وتخللها كذب واضح وجلي من القيادة السياسية والعسكرية على جموع شعب صدق الكثير منهم ناصر وقدروا ما اعتقدوا أنها "وطنية".
البعض لا يفصل بين فكرة الوطنية وفكرة الدور الوظيفي لرئيس الجمهورية. فحب الرئيس لوطنه لا يجعل منه رئيساً جيداً أو سيئاً. الأداء الوظيفي يتأثر فقط بالقدرة، والقدرة تعتمد على المستوى المعرفي والمهاري وليس العاطفي.
نُكسر أصنام مثل تقديس فرد ما مثل عبدالناصر أو السادات أو غيرهما.
حين كتب الزعيم الراحل سعد زغلول قصة حياته وذكر فيها إدمانه للعب «القمار» وحاول جاهداً حتى أقلع عن تلك العادة قبل ثورة 1919 فهو بذلك فتح الباب للمواطن أن يفهم أن الزعيم السياسي بشر وله أخطائه، وتكمُن قوة مذكرات «سعد زغلول» هنا في قدرته على طرح ضعفاته دون لف ودوران ودون ادعاء لصفات لا يمتلكها فقد كان صادقاً مع ذاته ولهذا بقي وسوف يبقي ما دام كان الصدق هو ما يحمله للآخرين.
*
مجتمعاتنا تبدع في تثمير وزراعة "ثقافة عبادة الزعيم" التي تبدأ من الطاعة لتصل إلى الانتحار الرمزي أو الواقعي.
لا يختلف الثاني عن الأول سوى بالاسم وببعض المفردات الجديدة التي لا تفتأ أن تختفي، وتتلاشى. حين يسقط زعيم قديم يبدأ نظيره الجديد خطابه أو خطبته بتوظيف قاموس "جديد" خارجياً، خطاب يدّعي التنكر والابتعاد والاختلاف عن سابقه، بل عن سابقيه، لكن بمجرد أن "يُسخّن" كرسيه حتى تعود "حليمة لعادتها القديمة"، ويصيح العامة: مات الزعيم عاش الزعيم!
تحوّل الدين إلى استثمار سياسي رابح، يأخذ الزعيم الديني مكان "الله" تبارك وتعالى، فكل من وصل إلى سدة الزعامة الدينية السياسية إلا وجعل من نفسه ظلاً لله عز وجل، وحوّل من حوله جموع المؤمنين البسطاء إلى رعايا ومطايا للوصول إلى هرم السلطة.
يمارس سلوك الزعيم أو يطاح به لصالح آخر يعيد إنتاج ثقافة العبودية المعاصرة، وتلك حلقة مفرغة، لا يمكن التحرر منها إلا بإشاعة ثقافة الحرية الفردية وثقافة العقل لا النقل والاجترار.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق