Aug 19, 2021 Dec 20, 2021 Apr 7, 2022 May 21, 2022
2012
فهناك التنمية الإدارية، وهناك التنمية الاقتصادية، وهناك التنمية المستدامة، ولا نريد أن ندخل في الأدبيات المتباينة والتعاريف المختلفة لمصطلح التنمية وكيف يختلف مصطلح التنمية عن المصطلحات المتقاربة كالنمو مثلا، فهذه موضوعات علمية صلبة قد لا تفيدنا كثيرا. لكننا نريد أن نبسط الأمر ونسلط الضوء على المعنى الحقيقي للتنمية،
الذي نراه غائبا أو مغيبا بعض الشيء عن مخططي التنمية ومنظري الاقتصاد في بعض الدول. عندما أردت أن أبحث عن تعريف بسيط ومفهوم ومفيد وسهل القياس للتنمية لفت نظري تعريف الدكتور جاسم سلطان في كتابه ''خطواتك الأولى نحو فهم الاقتصاد''، فقد قام بإعادة صياغة تعريف التنمية من وجهة نظر اقتصادية بشكل بسيط يمكن أنه يفهمه الدخيل على العلم.
وأنصح من يرغب في معرفة المصطلحات الاقتصادية المعقدة أن يقتنيه. وسنستعين في هذا المقال بكثير من مفاهيم هذا الكتيب لتوضيح الجانب النظري من عرضنا لموضوع التنمية.
عندما يقال عن مجتمع إنه يشهد حالة من التنمية فإن أفراده يسألون عن العائد عليهم كأفراد، فلا تعني لهم الأرقام المبهرة للتنمية شيئا مذكورا إن تفشت في مجتمعهم البطالة، أو زاد بينهم الفقر، أو كان دخل بعض الأفراد لا يمكنه من شراء أساسياته من طعام وشراب وملبس ومسكن ورعاية صحية جيدة تليق بآدميته وتعليم راق يستفيد منه، إضافة إلى توافر الكماليات التي بها يحس المواطن للحياة طعما آخر.
عندما يترقب الناس في أي دولة صدور ميزانية بلدهم يحدوهم الأمل في أن تحمل في ثناياها زيادة لدخولهم حتى تعينهم على التخلص من ديونهم والاستمتاع بحياتهم فتتغير نظرتهم لأنفسهم من مجرد أناس ينامون ويستيقظون ويأكلون ويشربون ويتكاثرون، إلى مجتمع منتج يسهم في بناء بلده ولا يقبل المساومة عليه.
عندما تجتاح البلاد الحروب وتنزل بها الكوارث يتخلى عنها كل متملق، ويهرب منها كل مسترزق، ويهاجر منها كل مستثمر، ويبقى المواطن صاحب الأرض صابرا صبورا حتى تنكشف الغُمة وقد يفقد نفسه أو أحد أبنائه .. فأين يذهب وهذا وطنه؟ وأين يهرب وذلك قدره؟ وأين يهاجر وهنا مكتسباته؟
إنها المواطنة الحقيقية الصادقة التي تستحق الإكرام وقت السلم والأمان والرفاهية، فالكل سيتخلى عن الوطن وقت الحروب والنوازل - الكل لن يبقى أحد - إلا المواطن يمكث بصدقه وحبه ووفائه. وهذا يقودنا إلى المعنى الحقيقي للتنمية، فقد عرّف بعض الاقتصاديين التنمية بأنها ''زيادة الدخل الحقيقي للفرد''، فالتنمية الحقيقية تركز على الفرد وتجعل منه المحور والمحرك الحقيقي لها.
عندما يزيد دخل الفرد فإنه سيتخلص من الديون فتتغير حياته من مجرد كونه عددا بين هذه الجموع إلى مورد منتج فاعل فستستقر حياته، ويطمئن قلبه، ويزيد ولاؤه، ويكثر خيره، ويضمحل شره، ويتفاخر بانتمائه. عندما نضع ''معدل دخل الفرد'' المقياس الحقيقي للتنمية فإنه يسهل قياس تطور الدولة ورفاهيتها وحضارتها. وأدركت هذه الحقيقة أغلبية دول أوروبا الغربية فاحتكرت تقديم الخدمات الأساسية مباشرة ومجانية وببذخ لمواطنيها، ووصلت يد الدولة الرؤوم إلى عابري السبيل من المهاجرين ومن في حكمهم،
ولا تسمح حتى للقطاع الخاص بأن يعبث بحقوق المواطنين كما نراه في بعض البلدان، ولا يهمها أيطلق عليها القارة العجوز أو الرأسمالية المقيدة أو الاشتراكية أو غيرها من المفاهيم التي أكل عليها الزمان وشرب،
لأنها ترى أن التنمية تقاس بمدى ما تقدمه الدولة لمواطنيها من رفاهية.
بل إن بعض الاقتصاديين يرون أن زيادة دخل الفرد قد تزيد من الناتج القومي للدولة. والآن دعونا نضع المفهوم الحقيقي للتنمية وهو ''زيادة معدل دخل الفرد''، دعونا نضعه تحت المجهر ونفصل فيه أكثر حتى نعرف بالضبط أين نحن وفقا لهذا التعريف. وكي نجيب عن هذا يتعين علينا أولا أن نتعرف على شروط تحقيق التنمية، التي اختصرها الاقتصاديون في نقاط عدة نذكر منها ما يهم الموضوع، وهي:
1 ـ يجب زيادة الإنتاج الذي سيؤدي إلى زيادة الناتج القومي، وهذا يتطلب إعداد موارد بشرية مدربة تدريبا جديا علميا ومهاريا وتقنيا.
2 ـ السعي نحو تحقيق الأمن والاستقرار فكلما زاد الأمن والاستقرار زادت فرص تحقيق التنمية وإمكاناتها.
3 ـ تنمية وعي الشعوب بأهمية المساهمة في التنمية، فالتنمية الحقيقية لا تتعلق بالحكومة فحسب، بل الشعوب أيضا، ولن تتحقق أي تنمية دون أن تكون هناك شراكة حميمية بين الدولة والمواطنين.
4 ـ عندما تتحقق شروط التنمية بالكامل فإن هذا سيزيد من دخل الدولة، وبهذا يجب أن يكون للمواطن نصيب من كل هذا، ويجب أن يزيد دخله بطريقة تراكمية مستمرة وليست موسمية أو لمدة محدودة أو لمعالجة ظاهرة أو لتخميد فتنة قائمة، بل زيادة مستمرة تقيم بين الفترة والأخرى لأنه هو أساس التنمية والمنتج الحقيقي لها
5 ـ وهناك آليات متعددة لزيادة دخل الفرد من ضمنها توافر الخدمات المجانية للفرد وبصورة تليق بآدميته دون تفضل. وبعد هذا العرض النظري لمفهوم التنمية الحقيقية وشروط تحقيقها نريد أن نعرف أين نحن من كل هذا؟ نريد أن نسرح بأفكارنا ونقيم مسيرة التنمية في بلادنا وفقا للمفهوم الحقيقي للتنمية والشروط المرافقة لها، ولن يفيدنا في هذا سوى المواطن نفسه.
+++++++++++++++++
بناء «الكاريزما» في المجموعات الصغيرة .. العائلة مثالا
لابد أن يشعر جميع أفراد الأسرة بـ"كاريزما" الأب، وإذا لم تكن له "كاريزما"، فيمكنه أن يصنعها. فـ"الكاريزما" لا تولد مع الإنسان كما يعتقد البعض، بل يمكن صناعتها، كما أنها ليست حكرا على شخصية بعينها أو ظروف بذاتها، بل تعتمد اعتماد كليا على رغبة الفرد في اكتسابها. وقد بين خبراء الإدارة والقيادة والتربية عدة خطوات لبناء "الكاريزما" في قيادة المجموعات الصغيرة.
الخطوة الأولى: تتمثل في أن على الأب أن يظهر التزامه بأهدافه. فإذا كنت تريد أن يراك أبناؤك كشخصية جذابة مؤثرة لها "كاريزما"، فعليك أن تضع لك أهدافا وتلتزم بتحقيقها، وألا يبقى هذا الالتزام طي الكتمان، بل لابد من إظهاره أمام الأبناء والبنات، ومن ثم الالتزام بها بحماس صادق غير مزيف، يخرج بصدق من أعماق النفس البشرية.
يجب أن يعرف من يريد أن يبني له "كاريزما" بين أبنائه، أن الالتزام بالهدف، وإظهار هذا الالتزام أمامهم لن يجدي، ولن يكون له أثر دون أن يكون هناك حماس داخلي، يشع فيخرج أهمية الهدف لديه إلى الخارج. وهذا الحماس ينبغي أن يكون صادقا، فلا تستطيع أن تظهر أمام النشء حماسا مزيفا، فالتمثيل في موضوع كهذا لا ينطلي عليهم، وسيكتشفون زيف ما تظهره سريعا. يقول روجر أليس المستشار الإعلامي لعدد من منظمات تجارية وكثير من الحملات السياسية، يقول عن "الكاريزما" "إن جوهر الكاريزما هو إظهارك الحماس الذي في داخلك، والتفاني في تنفيذ أفكارك وتحقيق أهدافك".
الخطوة الثانية لبناء "كاريزما" الأب بين أفراد العائلة، هي وضع أحلام عظيمة. الأحلام العظيمة شرط جوهري لبناء "الكاريزما" للقيادات، سواء في المنظمات أو في المجموعات الصغيرة. إذا كنت تريد أن تبني لك "كاريزما" يراها أبناؤك، فيجب أن تظهر لهم عظمة أحلامك، وبعد طموحاتك، وقوة أهدافك. عليك أن تضع لهم أهدافا جسورة، فيها كثير من التحدي. والأهداف الجسورة - كما بينها بوراس في كتابه "البناء من أجل البقاء" - هي أهداف تتسم بالمخاطرة، تجعل الأتباع ينغمسون فيها، فهي تمد أيديها وتجذبهم إلى خضمها، وهي ملموسة ومنشطة ومركزة بصورة شديدة، كما أن الناس يفهمونها بسرعة، ولا يحتاجون سوى إلى قليل من الشرح، أو لا يحتاجون إليه أصلا في فهمها.
الأهداف الجسورة توقد الهمة في قلوب الأبناء، فيعجبون بالأب الذي يضع أهدافا عظيمة حتى إن لم تتحقق. يقول كوهين "ليس هناك من يرغب في العمل بجد، والتضحية من أجل أهداف وضيعة أو صغيرة، فبإمكان أي شخص أن يصل إلى مثل تلك الأهداف بسهولة وتحقيقها، فهي لا تعني شيئا للأتباع، ولا تحقق لهم أي متعة". الفرد في المنظمة أو في العائلة يريد أن يشعر بالتميز وتحقيق الذات، وهذه من ضمن الحاجات التي بينها ماسلو في هرمه، هرم الحاجات. وتحقيق الذات يقع في قمة هرم ماسلو للحاجات، والتميز في نظر الفرد يعني أن يحقق ويحصل على أشياء لا يستطيع الحصول عليها غالبية الناس، فتشعره بالتميز. الأهداف الجسورة والأحلام العظيمة تروي حاجة في نفوس الأبناء، ما ينعكس على شخصية الأب؛ لذا فهي من الأساسيات لبناء شخصيتك كأب يتمتع بـ"كاريزما".
ولكن تحديد أهداف عظيمة وأحلام باهرة لن يكون له معنى إذا لم تكن هناك جدية في تحقيقها ونية صادقة في إنجازها. فلا يكفي وضع هدف أو مجموعة أهداف عظيمة دون السعي إلى تحقيقها، فعمل كهذا لن ينطلي على أفراد الأسرة، وسينتظرون منك كأب توجيه الدفة لتحقيق ما أُعلن من أهداف. يجب أن يعلم الأب أن جميع أفراد الأسرة لن يأخذوا الموضوع بجدية قبل أن يروا أباهم يتجه بحماس نحو الهدف، من خلال القيام بعمل فعلي نحو تحقيقه. تحرك الأب نحو الهدف الجسور يفعل فعل السحر في الأبناء والبنات داخل الأسرة، وستطرب بذلك أفئدتهم، وتشحن نفوسهم وأجسادهم بالحماس؛ لدرجة أنهم إذا كانوا على مقربة منه، فلن يحتاجوا إلى مساعدة الأب، بل سيحققونه ولو خذلهم.
عندما تتحقق معجزة الهدف الجسور، فسيتفاخرون بأبيهم، ويزداد انتماؤهم إلى مجموعتهم الصغيرة، ولسان حالهم يقول: "لقد وهبنا الله أبا ملهما"، وسيتأثرون بشخصيتك، وسينظرون إليك بإعجاب، وهنا ستبني لك "كاريزما" في نظرهم. المشكلة تظهر بعد تحقيق الهدف الجسور، فهم ينتظرون منك هدفا آخر، فقد تعودت نفوسهم على الأمور العليا، وأصبحوا ينظرون إلى عنان السماء، فإذا قاربت على إنجاز الهدف الجسور الذي بين يديك، فليكن في ذهنك هدفا جسورا آخر، وبهذا تصنع لك "كاريزما" وتصنع لهم مجدا.
الغموض في شخصية الأب شرط لبناء الكاريزما
المقال السابق عن خطوتين من خطوات بناء "الكاريزما"، الخطوة الأولى تتمثل في "التزام الأب بأهدافه" والخطوة الثانية "وضع أحلام عظيمة".
وفي هذا المقال سأناقش الخطوة الثالثة وهي "قم بواجبك كأب" والخطوة الرابعة وهي "إحاطة الأب نفسه بشيء من الغموض".
"قم بواجباتك كأب" يعني أن تقوم بما يجب عليك القيام به كممارسة فعالة كعمل قيادي وتربوي في وقت واحد، وهذا لن يتأتى إلا بالتدريب والتمرين.
فالقيادة الأبوية تحتاج إلى تمرين وتدريب مثلها مثل أي عمل آخر، كممارسة الجمباز، أو القراءة السريعة، أو قيادة المركبة، أو أي عمل آخر.
الخطوة الرابعة هي "الغموض"، فشيء من الغموض يعتبر قوة أخرى لبناء "الكاريزما" عندما يحسن الأب توظيفها. ينبغي لكل من تولى عملا قياديا ومنهم رب الأسرة أن يعلم أنه ليس بالضرورة أن كل من يحيط به يجب أن يعرف جميع تصرفاته وسلوكياته، فهناك بعض الأعمال والمهارات والسلوكيات ينبغي أن تكون في طي الكتمان، وأن يحيطها الأب بسرية تامة.
يفترض أن يكون هناك جانب غامض في شخصية الأب لا يطلع عليه أحد، فهذا الغموض سيضفي على شخصيته الشيء الكثير، وسيتمتع بقوة، ويُعجب أبناؤه به، ومن ثم تتكون لديه "كاريزما".
من الضرورة أن يوهم الأب زوجه وأبناءه أنه يؤدي أعمالا يعجز غيره عن القيام بها،
ينبغي أن يجعلهم يتساءلون ويسألون "كيف يستطيع أبونا أن يفعل مثل هذا العمل"؟ يقول وليام كوهين اللواء في القوات الجوية الأمريكية "شيء من
الغموض في نمط الشخصية القيادية ضروري لبناء "الكاريزما" وإضفاء شيء من الهالة والكبرياء عليها".
بخداع البصر وخفة اليد، يقوم هؤلاء باستغلال حركاتهم السريعة لإيهام الحضور أنهم يقومون بأعمال تفوق قدرة الإنسان، مثل أن يحضر فيلا إلى المسرح ويجعله يختفي من أمام الناس فلا يراه أحد، أو أن يتم تقييد رجل بالسلاسل وإلقاؤه في عمق خزان مليء بالماء ويتم غلقه بإحكام، إلا أن الجمهور يفاجأ بخروجه من كل تلك القيود بمفرده. أو أن يقوم أحد الحضور بقطع رجل مستلق على أرضية المسرح نصفين بسيف أو بآلة حادة، ويبقى على قيد الحياة. وهناك حيل أبسط من ذلك، مثل إخفاء أوراق اللعب أو العملات الورقية أو المعدنية، أو أي من هذه الحركات التي تبهرنا جميعا. والمشكلة والانبهار ليس في حجم الحيلة بل في كيفية أدائها، التي تصعب على من يراها أن يعمل مثلها، وهذا سر انبهارنا بها.
مثل هذه الأفعال ترسخ في أذهاننا أن هؤلاء يتمتعون بقدرات تفوق ما لدينا، لأن الحيل التي يقومون بها أحاطتهم بشيء من الغموض، وهذا الغموض كان سر الهالة التي أحاطوا أنفسهم بها. ولهذا لا يمكن لهؤلاء أن يخبرونا بطريقة أدائهم تلك الحيل، لأنهم يدركون أنهم لو فعلوا لفقدوا تلك الهالة التي تحيط بهم. فنحن نعرف بالطبع أنهم ليسوا سحرة، لكن كل ما يفعلونه هو خداع البصر، والسر وراء ما يتمتعون به من "كاريزما" هو أنهم يقومون بعمل لا نستطيع نحن القيام به.
وهذا ما ينبغي أن يعمله الأب إذا أراد أن يبني له "كاريزما"، فليس بالضرورة أن يكشف لأفراد العائلة كل أوراقه، بل عليه أن يحيط نفسه بهالة من الغموض كما يفعل أصحاب العروض الاستعراضية على أرضية المسرح، من أجل إيهامهم أن لديه قدرات ليست لديهم.
مثل هذه الأعمال تبهر من حولك، وهناك كثير وكثير يمكن أن تستشفه من آليات عملك، وليس بالضرورة أن يكون ما تقدمه عملا جوهريا بل قد يكون عملا ثانويا، أو ليس له علاقة بمهام العائلة، لكن من الضرورة أن يترسخ في أذهان أفراد مجموعتك الصغيرة أنك تستطيع القيام بأعمال تفوق قدرة الإنسان العادي. بطبيعة الحال لا تحاول أن تغش أو تكذب أو تسرق مجهود غيرك، فقط أحط نفسك بهالة من الغموض بمجهودك أنت، والأمر سهل، فقط إخفاء آليات الأداء.
كلام كهذا لا يتعارض مع ما ذكرته في المقال السابق، عندما ذكرت أن عليك أن تبلغ أبناءك بكل تفاصيل العمل، والهدف الجسور الذي تنوي تحقيقه وطريقة الوصول إليه، هذا الأمر مختلف تماما. لن يستطيع الأب تحقيق الأهداف العظيمة أو غيرها من الأهداف للأسرة دون مساعدة أبنائه، لذا ينبغي أن يقدر الأبناء عظمة الهدف ويتعرفوا على خطوات تحقيقه، فإن لم يقتنعوا فسيبقى الأب في دوامة لن يستطيع الخروج منها، لذا لا يكفي وضع الهدف، بل توضيح الطريق المؤدي إليه. فالأهداف الجسورة وطريقة الوصول إليها ينبغي أن تكون واضحة وملهمة، أما الغموض الذي نتكلم عنه الآن فهو في إبراز قدرات تفوق قدرات أفراد أسرتك، وتوحي إليهم أنك مختلف عنهم، وكلا الأمرين "الأهداف الجسورة" و"هالة الغموض" يحققان الهدف نفسه، وهو بناء "الكاريزما".
الأحلام العظيمة .. شرط جوهري لبناء «الكاريزما»
ناقشت في سلسلة مقالات سابقة معنى كلمة "كاريزما"؟ وبينت أنها لا تولد مع الإنسان، بل هو من يصنعها إذا رغب فيها، وهي ليست حكرا على شخصية بعينها أو ظروف بذاتها، بل تعتمد اعتمادا كليا على رغبة الفرد في اكتسابها. وقد عرجت على الخطوات السبع لبناء "الكاريزما" التي ذكرها وليام كوهين صاحب كتاب "فن القيادة". ذكر كوهين سبع خطوات تمكن الفرد - أي فرد - من تكوين "الكاريزما"، وهي ما يطلق عليها "خطوات كوين السبع لاكتساب الكاريزما"، وسأكرر هذه الخطوات هنا مرة أخرى لأهميتها، وهي:
1. أظهر التزامك بأهدافك.
2. ارتد ما يتناسب مع دورك.
3. لتكن أحلامك كبيرة.
4. لا تتوقف عن السعي وراء أهدافك.
5. قم بواجباتك.
6. أحط نفسك بهالة من الغموض.
7. اتبع الأسلوب غير المباشر.
وقد ناقشت من قبل في مقالين متتاليين الخطوة الأولى وهي "إظهار الأهداف أمام الناس"، والخطوة الثانية وهي "ارتد ما يتناسب مع دورك كقائد". وفي هذا المقال سأناقش الخطوة الثالثة وهي "لتكن أحلامك كبيرة".
إذا كنت تريد أن تبني لك "كاريزما" فيجب أن تظهر لأتباعك عظمة أحلامك، وبعد طموحات وقوة أهدافك. عليك أن تضع لمن معك أهدافا جسورة فيها كثير من التحدي. والأهداف الجسورة - كما بينها بوراس في كتابه "البناء من أجل البقاء" - هي مشروعات تتسم بالمخاطرة، تجعل العاملين ينغمسون فيها، فهي تمد أيديها وتجذبهم إلى خضمها، وهي ملموسة ومنشطة ومركزة بصورة شديدة، كما أن الناس يفهمونها بسرعة ولا يحتاجون سوى إلى قليل من الشرح أو لا يحتاجون إليه أصلا في فهمها.
الأهداف الجسورة توقد الهمة في قلوب الناس، ويعجب الأتباع بالقائد الذي يضع أهدافا عظيمة. يقول كوهين "ليس هناك من يرغب في العمل بجد والتضحية من أجل أهداف وضيعة أو صغيرة، فبإمكان أي شخص أن يصل إلى مثل تلك الأهداف بسهولة وتحقيقها، فهي لا تعني شيئا للأتباع ولا تحقق لهم أي متعة". الفرد يريد أن يشعر بالتميز وتحقيق الذات، وهذا من ضمن الحاجات التي بينها ماسلو في هرمه، هرم الحاجات. والتميز في نظر الفرد يعني أن يحقق ويحصل على أشياء لا يستطيع الحصول عليها غالبية الناس، فالأهداف الجسورة والأحلام العظيمة تروي حاجة في نفوس الأتباع، ما ينعكس على شخصية القائد، لذا فهي من الأساسيات لبناء الشخصية القيادية "الكاريزما".
دعونا نضرب مثالا لإحدى الشخصيات القيادية التي استخدمت الأهداف الجسورة في بناء "الكاريزما". إنه وليام آلان رئيس شركة بوينج. قام وليام بتحدي الصعاب وتعيين عدة أهداف جسورة متتابعة لأتباعه، آخرها الهدف المتمثل في صناعة الطائرة 747 العملاقة، وهو القرار الذي كاد أن يقضي على الشركة. فقد قرر وليام أن تقوم "بوينج" بصناعة طائرة تقطع المحيط الأطلسي ما بين نيويورك ولندن دون توقف، وقد كان هذا حلما يصعب تحقيقه في ستينيات القرن الماضي. وقد واجه وليام كثيرا من النقد والتخويف من داخل الشركة وخارجها، ومنهم أفراد في مجلس الإدارة. ففي اجتماع مجلس الإدارة الحاسم عام 1965 قال أحد أعضاء مجلس الإدارة "إذا لم ينجح برنامج الـ747، فإن بإمكاننا دائما أن نتراجع"، فرد عليه وليام قائلا "نتراجع! إذا قالت «بوينج» إنها ستصنع طائرة، فإنها ستصنعها حتى إن استنفدت جميع موارد الشركة".
هذه العبارة أوقدت حماس الأتباع، وأشعلت أنفسا، وأوقدت عقولا، والأهم أيضا أن الهدف أصبح واضحا لا غبار عليه، وهو صناعة طائرة 747. وقد ارتفعت شخصية وليام حتى قبل أن يتحقق الهدف الذي يقرب إلى المستحيل، لأن النجاح المنتظر لم يسجله لنفسه، فلم يتحدث ويقول "إذا قال وليام إنه سيصنع طائرة، فإنه سيصنعها"، بل أخذ صيغة الجمع واسم الشركة، فقال "إذا قالت «بوينج» إنها ستصنع طائرة، فإنها ستصنعها".
فهذه العبارة تعني أن تحقق هذا الحلم الأسطوري يحسب لكل من يعمل في "بوينج"، سواء عمل بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، وأصبح الكل يعمل من أجل إنجاز هذا الهدف الأقرب إلى المستحيل، ولا يهم تقاضى مبلغا أم لم يتقاض، حصل على علاوة أم ظل دونها. كيف وصل الأمر إلى هذا الولاء المنقطع النظير لـ "بوينج"؟ إنه الهدف العظيم الذي وضعه وليام آلان وانعكس بالتالي على شخصيته كقائد يتصف بـ "كاريزما".
بطبيعة الحال، لم يسلم الوضع من بعض المرجفين والمحبطين من خارج الشركة أيضا، فأثناء صناعة الطائرة قال أحد زوار الشركة "أتعلم يا آلان أن «بوينج» علقت كثيرا من الآمال وخاطرت بكثير من الأموال من أجل صناعة هذه الطائرة، فماذا ستفعل لو تحطمت أول طائرة منها أثناء إقلاعها".
وقد جاء رد وليام قائلا "من الأفضل أن أتحدث عن شيء أكثر ظرافة من وقوع طائرة تصنعها «بوينج». هل هناك مقولة أبلغ من هذه لبث الثقة في قلوب موظفي ومهندسي "بوينج"، وبرده هذا ألجم كل المحبطين والمرجفين، وكل من يريد أن ينتقص من هذا الهدف الجسور، وكأنه متأكد من تحقيقه رغم استحالة ذلك. وقد تحقق هذا الحلم في عالم الطيران التجاري، وحلقت معه شخصية وليام الآن، وبرقت شخصيته، وبنى له "كاريزما" بوضعه هدفا جسورا آمن به وسعى إلى تحقيقه.
++++++++++++++++++++++++
اللباس والهندام شرط لبناء «الكاريزما»
وذيلت مقال الأسبوع الماضي بمناقشة الخطوة الأولى من خطوات بناء "الكاريزما" ألا وهي "إظهار الأهداف أمام الناس" ومن ثم الالتزام بها بحماس صادق غير مزيف يخرج من أعماق النفس البشرية. في هذا المقال سأناقش الخطوة الثانية وهي "ارتد ما يتناسب مع دورك". قام جون مولوي صاحب كتاب "ارتد ما يجعلك ناجحا" بدراسة تأثير ملابس القائد على بناء الكاريزما. وتوصل إلى نتائج مذهلة وثقها في كتابه.
وضح "مولوي" أن كل مجموعة من مجموعات العمل تتطلب ملابس معينة تختلف عن غيرها، فإذا أردت أن تكون قائدا له "كاريزما" فعليك أن ترتدي ملابس مجموعة المهنة. فعلى سبيل المثال، لن تكون قائدا لديه "كاريزما" إذا كنت تقود فريقا من العمال يعملون في مزرعة مواش وأنت ترتدي بذلة اجتماعات فخمة، منظر كهذا لن يبني لك كاريزما يقبلها أتباعك.
وأكثر من أدرك تأثير اللباس في بناء "الكاريزما" هم العسكريون ومنذ وقت طويل حتى قبل صدور كتاب "ارتد ما يجعلك ناجحا". القادة العسكريون غالبا ما يصممون ملابسهم العسكرية، حيث تخدم الصورة التي يودون أن يراهم الناس عليها. وهناك أمثلة كثيرة لقادة عسكريين بنوا لهم "كاريزما" بناء على نوعية الملابس التي يرتدونها، ومن هؤلاء أسد الله حمزة بن عبدالمطلب ـــ رضي الله عنه ـــ، والمارشال مونتجمري، وأيزنهاور، ونورمان شوارزكوف، وغيرهم كثير.
فلو أخذنا حمزة بن عبدالمطلب ـــ رضي الله عنه ـــ لوجدنا أنه كان يتوسط أرض المعركة ولا يرضى بالأجنحة مرتديا لباس الحرب وعلى صدره ريشة النعام التي تعود الناس رؤيتها تزين صدره فيضرب في الأعداء وكأن المنايا طوع أمره. وقد فسر البعض أن ريشة النعام التي يضعها حمزة على صدره أنها استعراض للشجاعة وعدم مبالاته بالعدو، بينما الفكر العسكري يرى أنه ـــ رضي الله عنه ـــ يريد من هذه الريشة بناء "كاريزما" خاصة به ولو لم يطلق عليها كاريزما في حينه.
كما أن المارشال مونتجمري يقوم بعمل مشابه، حيث كان يلبس بيريه (قبعة عسكرية) خاصة به يثبت عليها شعار الوحدات التي كان يقودها حتى في خضم المعارك الحامية. وعندما كان الجنود يرون رجلا يلبس قبعة عسكرية مثبتة عليها شعارات كانوا يعرفون في التو واللحظة أنه قائدهم، وبهذا عرف كيف يستخدم الهندام وملابسه العسكرية من أجل أن يبني له "كاريزما".
أما أيزنهاور فقد ابتكر الجاكيت العسكري القصير الخاص به ثم انتشر استعمال هذا الجاكيت وارتداه الجيش الأمريكي بأكمله وكانوا يسمونه "آيك جاكيت". وها هو الجنرال "نورمان شوارزكوف" قائد قوات التحالف كان يرتدي الزي العسكري الصحراوي المموه الذي ارتداه خلال فترة قيادته جيوش التحاف في الشرق الأوسط إبان حرب الخليج وظل على هذا بعد عودته للولايات المتحدة بعد الحرب، وقد كان هذا الزي جزءا من سحر وكاريزما شوارزكوف. هذا من الناحية العسكرية، أما من الناحية المدنية فسوف أذكر لكم طريقة أحد الأساتذة الكبار الذي كان يطبق خاصية الهندام والملابس لبناء الكاريزما في مجال عمله في الجامعة. عندما كنت في المرحلة الجامعية الأولى لاحظت أنا ومن معي من الطلاب القدامى أن هناك أستاذا يختلف عن البقية، كنا نهابه وفي الوقت نفسه نحترمه ولا نعصي له أمرا. عندما يتكلم تخرس الأصوات وتتجه إليه العيون ونرى الدرر تتناثر من فمه كأنها تنزل عليه من السماء. ولم يكن تمكنه من المادة العلمية هو أبرز خصائصه، بل استفاد من تأثير الهندام في بناء "الكاريزما". فلم نعهده طوال السنوات العِذاب التي قضيناها في الجامعة يسير دون ربطة عنق ولم نره يوما يرتدي بدلة متردية أو رخيصة الثمن، كما لم نره في لباس واحد في محاضرتين في اليوم نفسه، بل يتعهد نفسه ويراعي لبسه وهندامه فيغير في الألوان والتصاميم والأزياء، وكنا ننتظر بشوق رؤيته لنرى ما الذي سيتغير اليوم في شكل أستاذنا. ولم أكن أعلم أنه يفعل كل ذلك من أجل أن يبني له كاريزما في محيطه وبين طلابه إلا عندما قرأت عن بناء "الكاريزما" في السنوات الأخيرة.
إذا الخطوة الثانية لبناء الكاريزما، وفقا لخطوات كوهين "البس ما يتناسب مع دورك" وبقيت خمس خطوات سأستهل مناقشتها في مقال قادم ــ بإذن الله.
+++++++++++++++++++++++++++++
لإزالة الغموض عن بحوث التسويق
تواجه الساحة العلمية في مجال الأعمال نقصا حادا في المؤلفات العربية في عدة موضوعات منها إدارة العمليات والإدارة المالية بشقيها التمويل والمحاسبة وكذلك التسويق والمبيعات وبحوث التسويق، فالمكتبة العربية شبه خالية من مؤلفات رصينة عدا محاولات متناثرة هنا وهناك لا تضيف إلى المعرفة شيئا مذكورا.
وفي هذا المقال أريد أن ألقي الضوء على ما يخص بحوث التسويق فهناك ثغرات كثيرة في مجال مؤلفات بحوث التسويق منها ـــ على سبيل المثال ـــ التداخل بين بحوث التسويق والبحث العلمي دون مراعاة أن بحوث التسويق تستخدم خطوات البحث العلمي في إيجاد حل لمشكلة تسويقية أي أن بحوث التسويق ما هي سوى خطوات تطبيقية لمراحل البحث العلمي. بعض المؤلفات التي نراها في الساحة تركز على العمق الفلسفي للبحث العلمي وتبتعد عن الخطوات الرئيسة لتطبيق خطوات البحث العلمي في مجال بحوث التسويق. مؤلفات أخرى تركز على الأساليب الإحصائية على حساب المراحل الجوهرية لبحوث التسويق ظنا منهم أن الخبير في بحوث التسويق يجب أن يكون خبيرا في الإحصاء وهذا غير صحيح فالإحصاء رغم أهميته البالغة إلا أن الباحث ليس بالضرورة أن يكون خبيرا إحصائيا فلا تصل أهمية الإحصاء هنا أهمية تحديد المشكلة أو صياغة الفرضيات أو أدبيات الدراسة.
فالأساليب الإحصائية تستخدم لتحليل البيانات الكمية فقط ويمكن للباحث أن يستعين بإحصائي لمساعدته في هذا الجانب، فمن طبيعة بحوث التسويق بل من طبيعة الأبحاث العلمية بشكل عام أن الباحث يمكن أن يستعين بالآخرين في إنجاز بعض متطلبات البحث كجمع البيانات والإحصاء والتدقيق اللغوي. أما أن يكون لغويا وخبيرا إحصائيا وباحثا في آن واحد فهذا غير مقبول في مجال البحث العلمي. المشكلة أن بعض الباحثين في مجال بحوث التسويق وفي مجال البحث العلمي أصبح يركز على الإحصاء على حساب المراحل الجوهرية للبحث التسويقي.
وبما أن لدي قراءات في مجال بحوث التسويق وخبرة متواضعة في تدريس مقرر بحوث التسويق لعدة سنوات في عدة جامعات وإلقاء بعض المحاضرات داخل وخارج الجامعات فقد تكونت لدي فكرة لوضع منهج مبسط يتناول بحوث التسويق أرجو من يجد في نفسه الكفاءة في التأليف أن يستأنس بها لعلها تفيد في إخراج مؤلف يعين أساتذة وطلاب مقرر بحوث التسويق في كليات الأعمال.
مساهمتي المتواضعة للوصول إلى مؤلف رصين لبحوث التسويق تتمثل في إعادة تنظيم الكم الهائل من المعلومات المتناثرة التي تناقش هذا الموضوع خصوصا أن أغلبيتها سرد معلومات دون تسلسل ودون ترابط فتجد الفصل الأول يتطرق لتعريف بحوث التسويق، ثم ينتقل مباشرة إلى التحليل ثم يعود ويقوم توضيح الفرق بين البيانات الأولية والثانوية. ومثل هذه المنهجية تشتت القارئ وتعقد اكتساب المهارات الأساسية لإعداد البحث التسويقي.
كما أنني لم أجد مؤلفا باللغة العربية أو الإنجليزية ـــ أو قد يكون موجودا ولم أطلع عليه ـــ يعطي المرحلة الأخيرة من مراحل بحوث التسويق وهي مرحلة "كتابة التقرير" المرحلة الأخيرة أهمية تذكر، فالساحة شبه خالية تماما من توضيح أهم مرحلة من مراحل بحوث التسويق وهي مرحلة "كتابة التقرير" التي يعانيها كثير من الطلاب والراغبين في فهم منهجية بحوث التسويق.
أرى أن الكتاب المقترح لبحوث التسويق ينبغي أن يتكون من جزءين رئيسين: الأول يهتم بتعريف وتأصيل بحوث التسويق عن طريق ربطه بإدارة الأعمال بناء على استعراض مكونات نظم المعلومات التسويقية.
أما الجزء الثاني فيكون مخصصا لمراحل تصميم وتنفيذ بحوث التسويق من تحديد المشكلة حتى كتابة التقرير. وأرى أن ينقسم إلى خمسة فصول منفصلة ومتصلة في آن واحد. الفصل الأول يتناول مراحل البحث المكتبي من تحديد المشكلة مرورا بأدبيات الدراسة ثم طريقة عرض الفرضيات من حيث تعريفها وأنواعها وطريقة اشتقاقها.
بعد ذلك يتم عرض مراحل البحث الميداني التي تبدأ بتحديد مجتمع الدراسة من حيث الحصر الشامل أو العينات ويفرد لهذا فصلا كاملا. أما الفصل الثالث فأرى أن يخصص لطرق جمع البيانات ليس فقط الكمية بل النوعية أيضا لأن البعض يظن أن جمع البيانات لا يتم إلا بالطرق الكمية فقط، وبعد توضيح طريقة جمع البيانات تكون بذلك جاهزة للتحليل وأساليب التحليل يخصص له فصل كامل.
في الفصل الأخير تتم مناقشة المرحلة النهائية من مرحل تصميم بحوث التسويق وهي مرحلة "كتابة التقرير" التي لم تعط حقها من الاهتمام في الأدبيات كما سبق وبينت. و"كتابة التقرير" تعني عرض جميع ما قام به الباحث من بداية تحديد المشكلة في البحث المكتبي حتى الوصول للنتائج بعد عملية التحليل، حيث يتم توثيق كل هذا على شكل تقرير مكتوب. وبما أن شكل ومحتويات التقرير تختلف حسب نوعية، وأهداف، وموضوع الدراسة، وكمية البيانات إلا أن هناك خطوات مشتركة ينبغي توافرها في كل تقرير مهما كان نوعه أو حجمه، ففي هذا الفصل يتم إيضاح أجزاء التقرير وكيفية كتابته.
مؤلف بهذه المواصفات سيزيل بعض الغموض الذي يكتنف مفهوم بحوث التسويق، وسيستفيد منه أساتذة وطلاب إدارة الأعمال والتسويق في كليات الأعمال ومن يبحث عن المعرفة والباحثون، ورجال الأعمال ومن في حكمهم. وأنا هنا أهيب بالمتخصصين الولوج وسد هذه الثغرات وألا يركزوا كثيرا على المال بل ينظرون إلى الأمر على أنه علم ينتفع به أو صدقة جارية.
+++++++++++++++++
مراعاة القوى الثقافية عند صياغة الأهداف العائلية
هناك عدة أنواع من الخطط كالرسالة والرؤية والأهداف والاستراتيجية وغيرها وهناك من يخلط بين هذه المصطلحات ويستخدمها كمرادفات وهذا غير صحيح فكل مصطلح وإن كان له علاقة بغيره إلا أن له معنى يختلف تماما عن الآخر. وقد سبق وبينا من قبل الرؤية والرسالة والاستراتيجية وكيف يمكن تطبيقها في مجال إدارة المجموعات الصغيرة مثل الأسر والعائلات.
ونريد هنا أن نلقي الضوء على النوع الرابع من الخطط وهي الأهداف. تعرف الأهداف بأنها الأغراض والغايات التي يراد تحقيقها في المستقبل. وقد تكون الأهداف عامة وقد تكون خاصة وقد تكون أهدافا طويلة المدى وقد تكون قصيرة المدى وقد تكون شاملة تهم جميع أفراد العائلة وقد تكون فرعية خاصة تهم فردا واحدا.
وأيا كان نوع الهدف فإنه ينبغي أن توضع الأهداف على شكل هرمي ترتب حسب أهميتها حيث توضع الأهداف الجوهرية في قمة الهرم ثم تتدرج باقي الأهداف حسب درجة أهميتها من قمة الهرم إلى قاعدته. كما ينبغي أن توضع الأهداف بشكل عام ثم يتم التفصيل فيها من أجل وضوحها وسهولة قياسها. فعلى سبيل المثال يمكن لرب الأسرة أن يضع هدفا عاما وشاملا يهم جميع أفراد الأسرة وليكن على سبيل المثال "زيادة دخل الأسرة". هدف كهذا شامل وواسع وفيه غموض ويصعب قياسه لذا ينبغي التفصيل فيه مثل "زيادة دخل الأسرة بمقدار 10 في المائة" ثم جعله أكثر إيضاحا مثل "زيادة دخل الأسرة بمقدار 10 في المائة خلال سنتين". ويستمر في إيضاح الهدف والتفصيل فيه بذكر مصدر زيادة الدخل مثل "زيادة دخل الأسرة بمقدار 10 في المائة خلال سنتين عن طريق عمل إضافي مسائي أو الاستثمار في أصل من الأصول". وهكذا تتدرج صياغة الأهداف من هدف عام إلى أهداف أخرى تفصيلية من أجل سهولة قياسها والتعرف على التقدم في تحقيقها.
فلن يتحقق الهدف ما لم يكن واضحا ومحددا للأب وللأم ولجميع أفراد الأسرة بصفتهم جميعا مسؤولون عن تنفيذه. ويقصد بالوضوح هنا تجنب الغموض من أجل ألا يكون قابلا للتأويل أو التفسير أو يفهم بطريقة مختلفة فهذا سيؤدي إلى تحقيق نتائج غير مرغوب فيها ما يشتت العمل ويضيع الوقت وليس هناك طريقة مثلى لتوضيح الهدف من التفصيل فيه كما بينا في المثال السابق.
كما أن هناك سببا آخر للتفصيل في الهدف وهو جعله قابلا للقياس. عندما يكون الهدف مفصلا فهو بذلك يكون واضحا ومن ثم يسهل قياسه والتأكد من تحقيقه وقياس الانحراف. ولتوضح هذا سنضرب المثال التالي. لنفترض أن الأب وضع 95 في المائة كنسبة مئوية تعتبر كحد أدنى للتحصيل الدراسي للأبناء والبنات يجب تحقيقها خلال الفصل الدراسي. فمن وصل لهذا المعدل أو أكثر فقد حققوا الهدف ولكن قد يكون هناك انحرافات يطلق عليها الانحرافات الإيجابية بمعنى أن الهدف (النسبة المئوية التي تم تحديها مسبقا) أقل من قدرات من تجاوزها لذا ينبغي أن ترفع قليلا في الفصل القادم أما الذين لم يحققوا هذا المعدل فلا يمكن النظر إليه على أنه إخفاق أبدا فهذا انحراف سلبي وله عدة تفسيرات، إما أن هذا الهدف (95 في المائة) أعلى من قدرات هؤلاء الذين لم يصلوا إليه وإما أن هناك ظروفا غير واضحة كانت بمنزلة معوقات تقف أمامهم لتحقيق هذا المعدل فيكونون غير راغبين البتة في التعليم ويرونه مضيعة للوقت لذا يجب معرفتها والتغلب عليها.
كما يفترض أن يكون الهدف مشروعا ومشرفا لا يتنافى مع عادات وقيم ودين المجتمع الذي تعيش فيه الأسرة كما يجب أن يكون متمشيا مع ما تضعه الدولة التي تعيش فيها الأسرة من قوانين وأنظمة. فالعادات والقيم والدين وقوانين ولوائح وأنظمة الدول تعتبر جميعها قوى يصعب تغييرها لذا يجب على الأسر والعائلات أن تتكيف معها وتضع أهدافها وخططها وفقا لهذه القوى فمن يضع لعائلته أهدافا تتعارض مع قيم وعادات الناس وضد لوائح وقوانين الدولة فهو يواجه قوى لا قبل له بها ولن يحقق مبتغاه بل سيزج بنفسه ومن يعول في نفق مظلم يصعب الخروج منه.
العائلة تعيش في بيئة والبيئة ما هي سوى عناصر وقوى لها تأثير في ضمان قدرتها على البقاء والمنافسة وتحقيق الأهداف وبناء علاقات ناجحة والمحافظة عليها. كما أن البيئة تمثل مجموعة من القيود والفرص تحدد وتوجه سلوك الأفراد والجماعات والتكتلات العرقية ومنها الأسر والعائلات.
كما أن هذه القوى تشكل فرصا للعائلة يجب استغلالها وفي الوقت نفسه تفرض عليها تحديات يجب التكيف معها. وتشتمل البيئة على عدة قوى يطلق عليها أحيانا المتغيرات مثل: المتغيرات الاجتماعية، والمتغيرات الثقافية، والمتغيرات التقنية، والمتغيرات السياسية، والمتغيرات القانونية، والمتغيرات الاقتصادية. ولا نريد أن نفصل في هذا من أجل ألا نبتعد عن موضوع المقال.
نعود لموضوع الأهداف ونختم فنقول إن الهدف المراد تحقيقه ينبغي أن يكون منطقيا وواقعيا وممكنا في حدود قدرات وإمكانية العائلة وأفرادها والوقت المحدد لتحقيقه. فالشعارات التي ترفع أحيانا من قبل الأب أو الأم قد يأخذها الأولاد والبنات على أنها أهداف وهي ليست كذلك بل شعارات ومشاعر لتحفيز القدرات لذا ينبغي أن نفرق بين ما هو هدف وما هو شعار. وواقعية الهدف لا تتعارض مع ما يطلق عليه الأهداف الجسورة وموضوع كهذا يحتاج التفصيل فيه لعلنا نناقشه في مناسبة مقبلة ـــ إن شاء الله.
كيف يمارس رب الأسرة وظيفة التخطيط؟
تم تقسيم وظائف المدير ـــ وفقا لمبادئ الأعمال ـــ إلى أربعة أقسام رئيسة وهي: التخطيط، والتنظيم، والتوجيه، والرقابة، وهناك وظيفة أخرى ظهرت بعد دراسة الشركات الرائدة تسمي وظيفة "إعداد القادة" ولو أنها لم تأخذ حقها من الاهتمام إلا أنها وظيفة مهمة تعادل الوظائف الأربع الأخرى. وطالما أننا ناقشنا من قبل إمكانية تطبيق المفاهيم الإدارية في التربية فسنبين هنا كيف يقوم رب الأسرة بتطبيق وظائف المدير عند إدارته لأسرته وتعامله مع أبنائه وسنبدأ بأول وظيفة وهي التخطيط.
التخطيط يعني ببساطة "الاستعداد والخطوات المستقبلية لتحقيق الأهداف". ويعد التخطيط أهم وظيفة يمارسها الإنسان بل هي الوظيفة الجوهرية التي تميزه عن غيره من بقية الكائنات الحية لما ـــ حباه الله ـــ من عقل يفكر به فيستشف المستقبل ويقيس المخاطر ويحدد الفرص. فمن يستخدم عقله بحكمة يفلح في دنياه وآخرته، ومن لم يدرك نعمة العقل ومتعة التفكير وترك أموره يسيرها له غيره فلا فرق بينه وبين بقية الكائنات الحية التي تعيش في عالمنا هذا. وطالما للإنسان عقل فهناك فكر وخطط، ولذا نرى أن التخطيط يلعب دورا حيويا في كل مناهج حياتنا كأفراد وكمجموعات. فنحن كبشر نمارس التفكير والتخطيط كل لحظة تقريبا فنحن في حالة تخطيطية تلقائية منذ استيقاظنا من النوم حتى نعود إلى مضاجعنا ونلقي بأجسادنا المثقلة عليها.
كما أن التخطيط وظيفة أساسية للمنظمات فكل منظمة تبذل وقتا كبيرا في التخطيط من أجل أن تصبح في مأمن من تقلبات السوق والمنافسة والأحداث غير المحسوبة التي قد تظهر لها. فالتخطيط يعتبر من الوظائف الأساسية للمديرين في المنظمات، بل هي الوظيفة الرئيسة الأولى التي من خلالها يتم وضع الأهداف وصنع القرارات والتفكير في المستقبل. وعندما يغيب التخطيط تتم الأعمال بطريقة عشوائية وتصبح القرارات مجرد تصرفات ارتجالية ينتج عنها تبديد للجهود وضياع للوقت.
والسؤال الذي يظهر لنا هو: كيف يقوم رب الأسرة بممارسة وظيفة التخطيط التي يمارسها مديرو الشركات؟ وهنا سنبين كيف يمارس رب الأسرة وظيفة التخطيط من أجل أن يقود أسرته إلى ما تقر به عينه ويحقق لأفراد أسرته ما يصبون إليه؟ فنجاح أي فرد من أفراد الأسرة لا يحسب فقط له وحده، بل إن النصيب الأوفر يعود للأب والأم وللعائلة كمنظومة. إذا أراد رب الأسرة أن يمارس التخطيط، عليه أن يعلم أن المديرين التنفيذيين للشركات يمارسون عدة أمور تخطيطية منها الخطط الزمانية وهي الخطط المترابطة وكل واحدة مكملة للأخرى أي أن كل خطة تتعلق بسابقتها وهي: خطط طويلة الأجل، ومتوسطة وأخرى قصيرة.
فالخطط طويلة الأجل مدتها ما بين ثلاث سنوات إلى عشر سنوات. ونحن نعرف طريقة تطبيقها في المنظمات ولكن كيف تتم ممارستها في إدارة الأسر والعائلات؟ علينا أن ندرك جميعا كآباء ومربين أن هذا النوع من الخطط يعطي رب الأسرة صورة واضحة عن المستقبل الذي تريد العائلة الوصول إليه بمعنى ماذا يريد رب الأسرة من عائلة كمجموعة وكأفراد أن يكونوا بعد عشر سنوات؟ ولنفترض أنه يريد أن يحصل نصف أبنائه على الدكتوراه والنصف الآخر على خبرة في مجال الأعمال. فهذه أهداف طويلة المدى لتحقيقها يحتاج إلى أهداف متوسطة وأخرى صغيرة.
ولكي يصل الأب إلى هذه الأهداف البعيدة يقوم بتقسيمها إلى أهداف أخرى فرعية يطلق عليها خططا متوسطة الأجل مدتها بين سنة إلى ثلاث سنوات. فلتحقيق ما يصبو إليه رب الأسرة (في التخطيط طويل الأجل)، يحتاج على سبيل المثال إلى توفير مصادر أموال أخرى غير الراتب ويحتاج أيضا إلى رفع المستوى الدراسي لبعض الأبناء والبنات (خطط متوسطة). فالسبب لتوفير مصادر دخل إضافية ورفع المعدل الدراسي للأبناء (أهداف متوسطة المدى) من أجل تحقيق الأهداف طويلة المدى وهي حصول نصف أبنائه على درجة الدكتوراه وحصول النصف الآخر على مؤهلات في مجال الأعمال. (أهداف طويلة الأجل).
ولتحقيق دخل إضافي للأسرة ورفع معدلات بعض الأبناء، يأتي دور النوع الثالث من الخطط الزمنية وهي الخطط قصيرة الأجل التي تتعلق بالمستقبل المنظور وهذه تكون مدتها قصيرة لا تتجاوز سنة واحدة. وفي التخطيط قصير الأجل يتحدد الجدول الزمني اليومي والأسبوعي والشهري للعمل وكيفية أدائه أي أن الخطط قصيرة الأجل عبارة عن مهام تشغيلية يقوم بها رب الأسرة أو أي فرد توكل إليه مهمة خلال مدة زمنية قصيرة.
وفي الواقع نجد أن كثيرا من الآباء والأمهات يركزون وينهمكون في الخطط قصيرة الأجل في خضم الأعمال والمشكلات التي يواجهونها يوميا ويغفلون عن النوعين الآخرين (الطويلة والقصيرة) ووضع كهذا لا يطلق عليه تخطيط بل هو عمل تشغيلي يومي فإذا استمر فيه الأب أو الأم فسيرى نفسه بعد حين من الوقت أنه لم يحقق أي هدف لا لنفسه ولا لعائلته لأنه يركز كل مجهوده على إنجاز أعمال تشغيلية يومية قصير الأجل. يجب أن يعلم الأب أن العمل التشغيلي ما هو سوى عمل روتيني هدفه الجوهري تحقيق أهداف طويلة الأجل فإذا لم يوجه هذه المهام التشغيلية لتحقيق الأهداف المتوسطة والطويلة فسيظل يعمل كالآلات دون هدف يحققه أو رسالة يحتفظ بها.
الأساليب الإدارية لبناء أسرة ناجحة
تطرقت من قبل لموضوع تطبيق الأساليب الإدارية في مجال بناء وإدارة المجموعات الصغيرة ومنها الأسر فلم تعد النواحي التربوية كافية للآباء والأمهات لتوجيه الأبناء والبنات فهم يحتاجون إلى صفات وخصائص إدارية وقيادية ورقابية تناسب إدارة مجموعاتهم الصغيرة. فبناء أسرة ناجحة في هذا العصر ـــ عصر المعلومات الذي وصل العالم ببعضه ـــ ليس بالأمر الهين فقد أصبحت هذه مهمة معقدة ومشروعا كبيرا ومتشابكا لظهور عوامل عديدة تؤثر في أفراد الأسرة نعرف بعضها ونجهل كثيرا منها.
الجوانب الإدارية التي تهم الأسرة متوافرة في أدبيات الإدارة والأعمال مثل إتقان وظيفة التخطيط مرورا بالتنظيم فطريقة الحصول على الأموال، فالجانب الإنتاجي حينما ينظر الآباء والأمهات إلى منازلهم بما تحويه من أولاد وبنات وأدوات وكأنها مصنع كمصانع السيارات أو الحاسبات أو الثلاجات كيف تدخل مجموعة من المواد ليس بينها علاقة ويتم تشغيلها بطرق ووسائل متعددة فتنتج سيارة أو طائرة أو "حاسب آلي" أو غير ذلك.
إن تطبيق المفاهيم الإدارية في مجال التربية من قبل الآباء والأمهات لم يكن ذا أهمية تذكر في العصور السابقة. فعلى سبيل المثال كان يتطلب من رب الأسرة في العصر الصناعي أن يلم ببعض أساليب التربية لتوجيه أسرته وتعد هذه كافية إلى حد ما. أما الآن وفي عصر المعلومات لم تعد أساليب التربية كافية لبناء أسرة متألقة، بل يحتاج رب الأسرة إلى الإلمام بمهارات أخرى لعل من أهمها أساليب إدارة الأعمال بما تحويه من تخطيط وتنظيم وحوافز وقيادة ورقابة وغيرها.
وقد تسألني ما علاقة إدارة الأعمال بتربية الأجيال؟ ولماذا على الأب/ الأم أن يأخذ شيئا من أساسيات وأساليب إدارة الأعمال إذا أراد أن يقود أسرته إلى بر الأمان ويضعها في مواقع مشرفة في مجتمعه؟ وأود أن أقول إن الأسرة عبارة عن تجمع بشري مكون من عدة أفراد ولها قائد وهو الأب وهناك مرؤوسون الأولاد والبنات، وقد يلحق بهم في بعض الأسر الخدم والسائقون، وللأسرة علاقات بالبيئة المحيطة. وهذا شكل من أشكال التنظيم يشابه التنظيم في الشركات والمؤسسات فمن المفيد أن يستفيد رب الأسرة من الأساليب الإدارية التي تطبقها الشركات والمؤسسات بعد تكييفها حتى تناسب الأسرة. يستخدم كل هذا بالتوازي مع الأساليب التربوية فقد أصبحت الأساليب الإدارية للأسرة تساوي في الأهمية الأساليب التربوية إن لم تكن أكثر أهمية.
يجب أن نعلم أن الأساليب الإدارية ليست حكرا على المنظمات والمؤسسات والشركات بل هي وقف لكل من أراد الإفادة منها وهي تناسب أي تجمع بشري وطالما الأسرة هي مجموعة من الأفراد يجمعهم هدف مشترك ويؤمنون برسالة واحدة ولهم مرجعية فهذا يعني أن الأساليب الإدارية والقيادية مفيدة للغاية لتوجيه العائلة إلى تحقيق أهدافها بأسلوب علمي مؤصل. وحتى نلم شتات الموضوع سأبين أهمية الأساليب الإدارية في بناء الأسرة الناجحة في عدة نقاط.
أولا: الأساليب الإدارية تساعد كثيرا على تحديد الأولويات وتبين طرائق متعددة للاستثمار ـــ الاستثمار المالي أو في الموارد البشرية ـــ ولها آليات لمواجهة الاحتياجات المتجددة والمواقف الطارئة وكل هذه مواقف تواجهها أي أسرة في عصرنا هذا. كما أن تعقد الحياة ودخول أطراف أخرى يؤثران تأثيرا مباشرا في مسيرة الأسرة، خصوصا هذا التقدم الذي نراه الآن في مجال الاتصالات والتقنية، ما يستدعي الاستعانة بالأساليب الإدارية لدعم ومساندة الأساليب التربوية للوصول إلى حالة من الرضا عن توجه وأداء الأسرة. لقد أدى التطور التقني إلى تغييرات اجتماعية واقتصادية، الأمر الذي فرض على الأسر عبء التخطيط والتنظيم والتوجيه والرقابة للحاق بالركب وإلا ستظل في دائرة التخلف.
ورغم مزايا التقنية وما قدمته للبشرية من تسهيل معايش الناس إلا أنه لم يصاحب هذه الثورة المعلوماتية وفرة في الموارد المالية، بل فرض على الأسر مزيدا من الأموال حتى أصبح هناك شح وندرة في الموارد المالية للأسر، ما قد يتطلب من الأب البحث عن مصادر وقنوات أخرى توفر له ولعائلته موارد مالية كافية، وكل هذه المصادر وكل ما يتعلق بالمال منضوية تحت لواء الإدارة والمال والأعمال. إن تطبيق الأساليب الإدارية في مجال إدارة الأسرة يمكن الأسر من تحقيق أهدافها المالية عن طريق تكييف النماذج المالية التي تستخدم في مجال إدارة الشركات والمنظمات بما يناسب إدارة الأسرة.
كما أن توظيف الأساليب الإدارية في التربية سيؤدي إلى استخراج كل ما لدى الفرد من طاقة باستخدام الحوافز الإيجابية والسلبية وهذا بدوره سيؤدي إلى تحقيق رغبة كل فرد من أفراد الأسرة في تحقيق ذاته بين أقرانه وفي مجتمعه.
لذا أصبح تعلم وممارسة أساليب إدارة الأعمال وإتقان فن تطبيقها في مجال تربية الأولاد والبنات وتوجيه الأسر والعائلات ضرورة ومطلبا ملحا فعلى الأب أن يأخذ ما يحتاج إليه من النظريات والمفاهيم الإدارية ويقوم بالتدرب الكافي عليها من أجل تحقيق أهدافه الشخصية في بناء أسرة ناجحة تقر بها عينه وتحقق أهداف كل فرد من أفراد أسرته.
معوقات دخول «التعليم المالي» إلى المدارس والجامعات
ذكرت من قبل أن مناهج التعليم لن تبقى بهذا الشكل الذي نراه وستتغير يوما ما بما يتناسب والعصر الذي نعيشه وستضاف مواد وستلغى مواد ويدمج البعض الآخر. ومن المواد التي يتوقع أن تضاف في مناهج التعليم "إدارة الأموال الشخصية" أي تعليم الناس كيف يديرون أموالهم.
ولكن أظن هذا التحول في التعليم بل التغيير من الجذور قد يتأخر لعدة أسباب منها أن صناعة التعليم تعتبر ثاني أطول فترة تخلف من بين القطاعات الصناعية. وفجوة التخلف تعني فجوة زمنية بين اقتراح فكرة جديدة ووضعها موضع التنفيذ. فإذا تم اقتراح فكرة اليوم وتم تطبيقها بعد خمس سنوات فإن مدة فجوة التخلف هنا هي خمس سنوات ما بين بزوغ الفكرة ووضعها موضع التنفيذ والاستفادة منها. ولهذا تعد فجوة صناعة التعليم ثاني أطول فجوة تخلف بين القطاعات الصناعية الأخرى التي تقدر بعقود من الزمن.
كما أن فلسفة التعليم التي تحكم العالم تعتبر سببا آخر لتأخر دخول التعليم المالي مؤسسات التعليم. ففلسفة التعليم في جميع الاقتصاديات تقريبا لا تنظر إلى تعليم الناس إدارة المال على أنه مهمة جوهرية وإن كان مهما للدول والحكومات فليس مهما للأفراد.
ونتيجة لهذا ترسخ في أذهان الناس أن المال ومن يهتم به ويعتقد أهميته فهو جشع لا يقيس الحياة إلا بالدرهم والدينار وبهذا فإن المناهج والخطط الدراسية في مؤسسات التعليم بشكل عام صممت منذ العصر الصناعي على احتقار المال وأنه ليس بأهمية أن يكون ضمن خطط التعليم وإكساب الأجيال مهارات التعامل معه.
ونتيجة لفلسفة التعليم هذه أصبحت هناك ندرة المراجع والمصادر فلا توجد مواد تناقش المال من وجهة نظر الأفراد تكون على شكل مقررات دراسية. فلا توجد مراجع تناسب الطلاب والطالبات تهتم بتعليمهم وتثقيفهم أسس الاستثمار والادخار ليس فقط باللغة العربية بل باللغة الإنجليزية ولا أظن أن هذا موجود في اللغات الأخرى. بطبيعة الحال هناك مؤلفات متناثرة هنا وهناك ولكنها لم تصل إلى حد أن تكون منهجا علميا يدرس في مؤسسات التعليم فهي تحتاج إلى تهذيب وتطوير. وأمر كهذا قد يكون متعمدا فلا أظنه أتى بمحض المصادفة لأن رجال الأعمال والشركات في العصر الصناعي بل في هذا العصر أيضا لا يريدون أن يفهم الناس أسرار الحصول على المال.
فلا مانع من أن يتعلم الفرد أسرار الكيمياء، والذرة، وأعقد المعادلات الرياضية، وعلم الكلام، والمنطق، والفلسفة، والقانون أما المال وطريقة جنيه واستثماره وإدارته فهذا محرم عليهم. وهذا ليس مقتصرا على رجال الأعمال في الدول النامية بل في العالم بأسره ويظهر أنها مهمة مشتركة لكل من عرف جني المال أن يخفيه عن البقية من أجل أن يبقى غالبية الناس في عالمنا هذا موظفين (عبيد) لأصحاب الشركات وكبار المستثمرين ينفذون ما يملى عليهم.
ولو افترضنا أن هناك مناهج لتعليم الناشئة إدارة أموالهم الشخصية فهناك عائق آخر ينتظر مؤسسات التعليم وهو الكم الهائل من المواد لدى الطلاب خصوصا طلاب التعليم العام ولا نريد أن نتوسع في هذا فالكل يعرف ما يواجه الطلاب في التعليم العام من كم هائل من المواد الدراسية التي تتوسع كل عام تقريبا.
واذا افترضنا ووجدنا مكانا لمادة التعليم المالي في جدول الطالب اليومي فمن يقوم بنقل معارف المال وأصوله وطريقة كسبه وإنفاقه؟ هل ستبقى مادة نظرية تقرأ على مسامع الطلاب ثم يختبرون فيها كما يحدث لبقية المواد؟ ولو تم إسناد تدريس هذه المادة للمعلمين التقليديين فلن يتمكنوا من أداء المهمة كما يجب لأن فاقد الشيء لا يعطيه فالمعلمون هم في الأصل موظفون لا يعرفون من المال سوى أنه مجرد مبلغ (راتب) يودع في حسابهم نهاية كل شهر ينفقون كل دانق حصلوا عليه، فكيف يسند إليهم تدريس مهارات يفتقدونها؟
ولكي يكون لنا السبق في تعليم الناس إدارة أموالهم الشخصية يجب أن تكون هناك ثورة على الخطط والمناهج فهي لا تحتاج إلى تطوير أو زيادة مادة أو حذف أخرى بل تحتاج إلى تغيير من الجذور. الخطط والمناهج في الجامعات والمقررات في المدارس أصبحت قديمة وعتيقة ولا تفيد الطالب لا في حياته ولا بعد مماته. فالتطوير الذي يحدث مضيعة للوقت وهدر للمال لذا أظن أنه آن الأوان لتغيير خطط وبرامج التعليم من جذورها وأي محاولة للتطوير ستفشل في مهدها والدليل قائم بين أيدينا فكم قامت به وزارة التعليم ومن قبلها وزارة التربية والتعليم ووزارة المعارف من برامج للتطوير كلفت مليارات الريالات دون أن ينعكس على الواقع بشيء يذكر.
كما نريد تهذيب كليات الأعمال في الجامعات من أجل أن تكون قادرة على أداء هذه المهمة فهي الجهة المعنية لتولي مهمة تعليم الناس كيفية إدارة الأموال، وبوضعها الحالي تعتبر عاجزة، بل إن وجودها يعتبر عبئا على التعليم العالي، وقد تحتاج إلى هدم بعضها من أجل إعادة بنائها. كليات الأعمال في مؤسسات التعليم العالي أقسام من الدرجة الثانية، وإسهامها في التنمية إسهام متواضع. لذا يجب قبل البدء في تقرير مواد إدارة الأموال في المدارس أن تطور كليات الأعمال فهي المصدر الوحيد لتغذية المؤسسات التعليمية بالمعلمين الأكفاء في مجال الثقافة المالية.
متى تستثمر في سوق العقار؟
وبما أن لكل نشاط استثماري خصائصه وأصوله فسأعرض في مقالي هذا خصائص نشاط العقار وسيكون تركيزي على ماذا على المستثمر العقاري أن يفعل في مثل هذه الظروف التي تمر بها سوق العقار السعودية؟ هل يقدم ويظل يستثمر؟ أم يحجم ويتوقف؟ أم يحول استثماراته إلى نشاط آخر؟ هناك حقائق عن العقار يتعين التوقف عندها ودراستها بجدية لمن أراد أن يستثمر في نشاط العقار.
أول مبدأ ينبغي أن نعرفه عن الاستثمار في العقار هو الوقت. فهناك أوقات تعتبر مناسبة لدخول سوق العقار وأوقات أخرى تتطلب التريث. لدى خبراء العقار هناك أوقات يكون فيها الاستثمار مربحا وأوقات أخرى لا يجني منها المستثمر سوى الخسارة. السوق لها أبواب افتراضية لا يراها إلا خبراء العقار تفتح تارة وتغلق تارة أخرى، ومهمة المستثمر الناجح تتمثل في التربص بهذه الأبواب وبذل الجهد في معرفة متى تفتح فيقدم ويستثمر بكل ثقة ويعرف وقت إغلاقها فيكفُّ ويبقى يتحين فرصة فتحها مرة أخرى.
السبب الجوهري للخسائر في سوق العقار هو أن المستثمرين المبتدئين لا يعرفون متى تفتح أبواب السوق العقارية ومتى تغلق. عندما يتكبد المستثمر العقاري خسائر فإنه يحكم على هذا النوع من الاستثمار بأنه غير مربح وينقل استثماراته إلى نشاط آخر. المشكلة هنا ليست في نشاط العقار ذاته بل في وقت الاستثمار فالذين يحققون خسائر هم أناس قاموا بالاستثمار عندما كانت الأبواب مغلقة فلو بذلوا جزءا من وقتهم وتعلموا وعرفوا متى تفتح الأبواب فيقدمون ويستثمرون ومتى تغلق فيحجمون ويتوقفون، عندها سيكونون بمنأى عن أي خسارة، ولكن كيف نعرف أن أبواب سوق العقار مفتوحة وكيف نعرف أنها مغلقة؟
ولكي أجيب عن هذا السؤال سأعرض حالة سوق العقار في الولايات المتحدة من عام 1989 إلى عام 2000. في الفترة ما بين 1989 إلى 1994 انخفضت سوق العقار في الولايات المتحدة وانقسم المستثمرون إلى قسمين: قسم أقدم على شراء الوحدات السكنية والمنتجات العقارية بكل أنواعها وأصنافها من دور ووحدات سكنية مستقلة وفنادق وأبراج سكنية، وبما أن السوق منهارة فقد كانت الأسعار زهيدة للغاية وفقدت العقارات كثيرا من قيمتها. الفئة الأخرى وهم الغالبية أحجمت وتوقفت يقينا منها أن قطاع العقار لم يعد جذابا وخرج كثيرون وتوجه بعضهم إلى الاستثمار في الأسهم عندما كانت سوق الأوراق المالية في قمة انتعاشها باعتبارها البديل المناسب للاستثمار.
حتى نعرف من هو الرابح نحتاج إلى أن نكمل القصة. بعد عام 1994 بدأت سوق العقار في الولايات المتحدة في الانتعاش ثم زادت وزادت حتى بلغت ذروتها عام 2000 من الألفية الحالية. فلو طبقنا قاعدة "فتح وإغلاق أبواب سوق العقار" على هذه الحالة التي بين أيدينا لوجدنا أن عام 1995 هو وقت إغلاق أبواب الاستثمار العقاري في أمريكا فمن لم يدخل من قبل فلن يجني سوى الخسارة، أما الذين استثمروا والسوق منهارة وأقدموا والناس محجمون وتقبلوا المخاطرة وغيرهم آمنون فقد حققوا الأرباح.
المستثمرون الذين دخلوا سوق العقار والأبواب مفتوحة (من 1989 إلى 1994) حققوا أرباحا بملايين الدولارات بينما الذين خرجوا في هذه الفترة ضاعت عليهم الفرصة الذهبية بل ارتكبوا خطأ آخر حيث بدأوا يتوافدون إلى السوق عام 1995 عندما رأوا الأموال تتدفق في أيدي المستثمرين ظنا منهم أن هذا وقت ثمين للاستثمار غير مدركين أن الأرباح كانت من نصيب من دخل والأبواب مفتوحة ولكنهم لم يدركوا أن الأبواب قد أوصدت فانتعاش السوق لا يعني أن الاستثمار جذاب بل يعني أن أبواب السوق مغلقة وركوده يعني أن أبوابها مفتوحة.
وهذه قاعدة استثمارية بسيطة "أقدم عندما تنهار السوق تماما وأخرج عندما تبدأ في الصعود" أي بمعنى أدق استثمر عندما تفتح الأبواب (انهيار السوق) وأحجم عندما تغلق (تنتعش) السوق ولكن المهارة تكمن في معرفة متى تفتح الأبواب؟ ومتى تغلق؟
وبما أن مبادئ الاستثمار في العقار في أي بلد في العالم واحدة لم تتغير فلو أردنا أن نسقط حالة سوق العقار في أمريكا إبان التسعينيات من انتعاش سوق العقار ثم ركودها ثم انتعاشها مرة أخرى بما يحدث الآن لسوق العقار في السعودية فيظهر لنا - والله أعلم - أنه طالما هناك هبوط حاد في الأسعار فهذا يعني أن أبواب السوق مفتوحة الآن على مصاريعها فهنيئا لمن لديه المال ويستثمر في العقار ولكنها مسألة وقت لأنها ستنتعش وإذا انتعشت فستغلق الأبواب ويصبح الداخلون بعد ذلك هم الخاسرون. هذا تحليل ومقارنة بين حالتين في بلدين مختلفين، وننتظر تحليلا أعمق من المتخصصين في التمويل العقاري كي يزيدوا الأمر إيضاحا.
أساطير العصر الصناعي تهاوت في عصر المعلومات
بينت في سلسلة مقالات سابقة العصور التي مرت بها البشرية بداية من عصر العبودية، فالعصر الزراعي، ثم العصر الصناعي، فعصر المعلومات العصر الذي نعيشه الآن. عصر العبودية كان ينظر إلى الإنسان على أنه سلعة تباع وتشترى، ثم انتهت فكرة السيد والعبد، وحلت محلها تركيبة مختلفة وهي الملك، والنبلاء، والفلاحون في عصر الإقطاع أو العصر الزراعي. ثم نشأ عصر السوق الحرة وأصبح هناك ادخار واستثمار، ونشأت البنوك، وشركات التمويل. ويطلق على هذه الفترة من 1492 إلى 1989، العصر الصناعي الذي تحرر فيه كل شيء "رأس المال، والأرض، والعمل" عدا الإنسان الذي ما زال عبدا. فقد كان هناك عبد بالشراء في عصر العبودية، وعبد للأرض "أقنان الأرض" في عصر الإقطاع، وعبد للوظيفة في العصر الصناعي.
ومنذ بداية التسعينيات من القرن الماضي إلى الآن دخل العالم من حيث يدري ولا يدري عصرا جديدا مختلفا عن العصور السابقة يطلق عليه "عصر المعلومات". وهذا العصر له خصائص وملامح تختلف عن بقية العصور، منها ما هو ظاهر كالتسوق الرقمي، ومنها ما هو خفي يجهله الناس.
ونريد أن نلقي الضوء على أهم هذه التغيرات التي ظهرت في هذا العصر الذي نعيشه، عصر المعلومات، خصوصا أن كثيرين يرون أنها من المسلمات؛ لأنها حفرت في عقولهم، وترسخت في أذهانهم حينما ورثوها كمعرفة غير موثقة ممن كان قبلهم، وما زالوا يتعاملون معها، ويؤمنون بها كأنها تنزلت عليهم من السماء.
من القناعات البالية التي توارثها الناس من العصر الصناعي امتلاك منزل بمواصفات وجودة عالية؛ ليبقى مقر الأسرة عبر الأجيال. إن مصطلح "بيت العمر" أو "بيت الأجيال" فكرة انتهت وولت مع العصر الصناعي؛ نتيجة سرعة الحياة وتغير تكنولوجيا العصر وسهولة الاتصال بالعالم وكثرة الأسفار، فالعصر الذي نعيشه يناسبه منزل فيه متطلبات الحياة الضرورية دون مبالغات، خصوصا أصحاب الدخول المتوسطة وما دونهم؛ لأن العمر الافتراضي للأدوات المستخدمة في البناء والتشييد قل، ولم تعد ذات جودة عالية كما كانت في العصر الصناعي، ولهذا فالدور والمنازل في عصر المعلومات تحتاج إلى صيانة دورية وتجديد متتابع، وهذا يستنزف مبالغ طائلة من ميزانية الأسرة، وبهذا فأسطورة امتلاك بيت العمر تهاوت ولم يعد لها وجود، رغم أن البعض لا يزال متمسكا بهذه الفكرة.
من القناعات البالية أيضا التي انتهت وما زال الناس متشبثين بها عادة الادخار، التي كانت المصدر الرئيس للثروة إبان العصر الصناعي، ليس للأفراد فحسب، بل حتى للشركات والمنظمات. لقد كان ينادي خبراء المال بتنمية عادة الادخار في العهد الصناعي وهذا منطقي؛ لأن المال يدخر نقودا لها قيمة، أما الآن فقد تغير الأمر، فالأموال التي بين أيدينا ليست نقودا، بل هي أوراق، فعندما تدخر فإنك تدخر أوراقا ليست لها قيمة، تأكل الفائدة جزءا من المال، والتضخم يأكل الجزء الآخر، كما أن للضريبة نصيبا وافرا منه. وموضوع الادخار يقودنا إلى القروض، فقد كان ينادي الاقتصاديون وخبراء المال في العصور السابقة، خصوصا في العصر الصناعي، إلى تجنب القروض والحذر منها؛ لأنها تقود إلى الفقر والعوز. ولكن الأمر اختلف في عصر المعلومات - العصر الذي نعيشه الآن- فالقروض مصدر قوي من مصادر الحصول على الأموال للشركات والأفراد على حد سواء إذا أحسنت إدارتها واستخدامها.
ولم يقتصر التغير الذي حدث في عصر المعلومات على النواحي الاقتصادية للدول والأفراد، بل وصل إلى الاهتمامات والهويات والمتع كذلك. فما كان في السابق قاسيا وشاقا وعذبا أليما أصبح الآن ممتعا ومسليا ومشوقا كالسفر الذي كان في العصر الزراعي والعصر الصناعي شاقا وقاسيا ومكلفا، أما الآن فقد أصبح ممتعا وميسرا وسهلا، ويسعك أن تعبر قارات العالم وتبقى في رحلتك أياما وتصل إلى وجهتك في أقصى الأرض وأنت مكتمل القوى مبتسم المحيا.
هذه بعض التغيرات وبالتأكيد هناك الكثير، ولكن إلى أين سيصل بنا هذا التغيير؟ وماذا سيكون عليه المستقبل المنظور؟ من التوقعات التي ستتغير- والله أعلم - أداة المقايضة فستحل البطاقات الممغنطة محل العملات، وقد تطوف العالم طولا وعرضا دون أن تحمل معك عملة ورقية واحدة، وقد تعود وأنت تجهل عملة البلد الذي عشت فيه أسابيع أو شهورا. كما يتوقع أن تتهاوى شركات عملاقة بقيت مئات السنين وتحل محلها مشروعات فردية متواضعة الأصول قليلة الإمكانات، مهمتها تقريب المنتفعين بعضهم من بعض مثل "بوكنج" و"أوبر" وغيرهما من الوسطاء.
كما أن معيار القوى الذي يحكم العالم سيتغير هو أيضا وستدخله المعرفة بحلة جديدة تؤصل للمصدر القوي للعصر وهو المال والثراء. وبهذا سيتغير ميزان القوى، فالنبوءات تقول إن القوة العظمى التي ستحكم العالم عام 2050 هي الصين تليها الهند ثم الولايات المتحدة ثم إندونيسيا، حسب تقرير صحيفة الإندبندنت البريطانية ونقلتها "العربية نت". كما أن بريطانيا التي تريد هذه الأيام الخروج من الاتحاد الأوروبي ستهبط إلى المركز العاشر بعد أن كانت تحتل المركز الخامس بين الكبار منذ عام 2016.
وأريد أن أختم فأقول إننا يجب أن ندرك مثل هذه التغيرات حتى لا يسبقنا العالم إليها ثم نكيف حياتنا معها ونعيد حاسباتنا ونعيد تقييم قناعاتنا لتتفق مع متطلبات عصر المعلومات.
هل عناصر الترويج أدوات إقناع أم إغراء؟
رغم كثرة تعاريف الترويج وتعدد المؤلفات حول الموضوع إلا أنها جميعها ترى أن الترويج عملية اتصال، فكلما أتقنت الشركة مهارة الاتصال بالعميل أدت وظيفة الترويج بفاعلية عالية، وهذا يعني أنها أقرب ما تكون إلى الفن منها إلى العلم، وبهذا فالترويج خليط من مجموعة من العناصر. كما أن الترويج يهتم بالتعامل مع سلوك المستهلك أكثر من تعامله مع الحاجات والرغبات الملموسة، فهو عنصر إقناعي موجه للتأثير في السلوك الشرائي، حيث تتمثل المهمة الجوهرية للترويج في التغلب على مشكلة جهل المستهلك ببعض المعلومات، فيبين له المعلومات بطريقة إيحائية أن يتصرف بطريقة معينة يرضى عنها البائع، وهذا نهج إغرائي أقرب من كونه إقناعيا. وكي تصل الشركات وتؤدي وظيفة الترويج بكفاءة فإنها تستخدم عدة أدوات يطلق عليها عناصر المزيج الترويجي. وتختلف أدبيات التسويق عند تصنيف عناصر المزيج الترويجي التي يطلق عليها أحيانا مزيج اتصالات التسويق، فالبعض يصنفها إلى أربعة أقسام رئيسة هي: ترويج المبيعات، والتسويق المباشر، والعلاقات العامة، والبيع الشخصي. ولا يرى مؤيدو هذا التصنيف أن الإعلان إحدى أدوات الترويج لأنه "أي الإعلان" من الأهمية بمكان حيث يعد أحد مكونات المزيج التسويقي وليس أداة من أدوات الترويج. ويرى آخرون أن المزيج الترويجي يشمل الوظائف الأربع السابقة إضافة إلى الإعلان والدعاية. آخرون يرون أن العلاقات العامة يجب ألا تكون إحدى أدوات الترويج، بل هي وظيفة أساسية منفصلة تعادل في أهميتها بقية وظائف المنشأة كالتسويق أو الإدارة المالية. إلا أن غالبية أدبيات التسويق الحديثة صنفت عناصر المزيج الترويجي إلى خمسة أقسام رئيسة هي: الإعلان، وتنشيط المبيعات، والعلاقات العامة، والبيع الشخصي، والتسويق المباشر.
وفي هذا المقال سأقوم بتوضيح كيف أن هذه العناصر جميعها مهمتها إغرائية وليست إقناعية، وسأبدأ بأول عناصر المزيج الترويجي وهو الإعلان، حيث كان الإعلان يعد في السابق إدارة رئيسة من إدارة المنظمة بسبب أهميته وعدم ظهور الأدوات الأخرى، إلا أنه مع تطور الفكر التسويقي أصبح الإعلان إحدى أدوات الترويج. وأيما كان الوضع فإن وظيفة الإعلان لم تتغير الذي اختلف فقط هو تصنيفه، فبدل أن كان إدارة مستقلة مثله مثل إدارة التسويق وإدارة العمليات أصبح أحد مكونات المزيج الترويجي. لكن ما الإعلان؟ وكيف يختلف عن بقية أدوات الترويج؟ وما أبرز وسائله؟
يعرف الإعلان بأنه وسيلة من وسائل ترويج السلع والخدمات هدفه إقناع المستهلك بأهميتها ودفعه إلى شرائها تقوم به جهة متخصصة مقابل أجر. هذا هو التعريف النظري أما ما يمارس بالفعل فهو يستخدم طرق الإغراء بكل أنواعها وأشكالها، فالوسائل الإعلانية التي تنهجها الشركات عند تبني الإعلان كي تقوم بالاتصال بالعملاء كثيرة ومتعددة منها الإعلان عن طريق الوسائل المرئية مثل التلفزيون والسينما، الإعلان عن طريق الوسائل المقروءة كالصحف، والمجلات، وإعلانات الطرق، والإعلان في الوسائل المسموعة كالإذاعة، والإعلان في الوسائل المباشرة البريد العادي، والبريد الإلكتروني، والإنترنت.
أما العنصر الثاني فهو البيع الشخصي، الذي تتجلى أهميته في مدى مقدرة رجل البيع على إتمام مهمة الإقناع، لكنها مهمة إغرائية محضة. فكلما كان رجل البيع قادرا على إقناع المستهلكين بشراء السلعة والعودة مرة أخرى أدى مهمة البيع بفاعلية عالية. ورغم أن مهارة البيع الشخصي تعتمد اعتمادا كبيرا على الفن إلا أن رجل البيع يحتاج إلى قدر كاف من القواعد المعرفية عن السوق، والعملاء، وطريقة تفكيرهم إضافة إلى مهارات سلوكية. وإذا أراد رجل البيع أن ينجز عمله بفاعلية فعليه أن يكون في عمل مستمر وفي حركة لا تهدأ. فالسوق تتغير ورغبات المستهلكين تتبدل، فإذا لم يستطع متابعتها بكل دقة فقد يفوت على الشركة فرصا تسويقية كان من الممكن استثمارها وتحقيق عوائد جيدة. وتمر وظيفة رجل البيع لإقناع المستهلك بالشراء بعدة خطوات هي: البحث عن العميل، وإجراء الاتصالات، وإتمام عملية البيع، ثم تقديم خدمات ما بعد البيع. ومن أهم أنشطة رجال البيع تقديم معلومات عن السلعة، والرد على استفسارات العملاء، حل مشكلات العملاء، تقديم خدمات ما قبل إتمام عملية البيع مثل توضيح مزايا السلعة وكيفية استخدامها، توضيح الخدمات التي يمكن الحصول عليها بعد الشراء كالضمان والصيانة وغيرهما.
العنصر الثالث من عناصر المزيج الترويجي هو تنشيط المبيعات الذي يطلق عليه أحيانا "ترويج المبيعات". وتنشيط المبيعات عبارة عن حوافز قصيرة المدى تشجع المستهلكين على شراء منتج معين أو خدمة معينة. ويتم ترويج المبيعات بدون التدخل المباشر من قبل رجال البيع. فتنشيط المبيعات يتكون من أنشطة تسويقية ــ بخلاف البيع الشخصي والإعلان ــ هدفها استمالة السلوك الشرائي ورفع الكفاية التوزيعية للسلع والخدمات". ويختلف تنشيط المبيعات عن الإعلان في أن تنشيط المبيعات يتطلب أن تمتلك المنظمات الوسائل الخاصة بتنشيط مبيعاتها في حين أن الإعلان يتعين على المنظمات أن تستعين بمنظمة أخرى تكون مملوكة للغير. كما أن أثر تنشيط المبيعات يمتد إلى فترة قصيرة بخلاف الإعلان والبيع الشخصي اللذين قد يمتد أثرهما إلى فترات طويلة. ورغم أن الآليات تختلف إلا أن الهدف واحد، هو إغراء المستهلك بشراء السلعة تحت مسمى الإقناع.
بقيت لنا العلاقات العامة والتسويق المباشر وكيف يختلفان ويتشابهان مع بقية عناصر المزيج الترويجي، وكيف يقومان بإغراء المستهلك بالشراء، لعلنا نبين ذلك في مناسبة مقبلة.. إن شاء الله.
اخر مقال في موقع الاقتصادي 2017 مبدأ الثواب والعقاب
+++++++++++++++++++
مصفوقة انسوف Dec 21, 2019
اختراق السوق تنويع المنتج منتج جديد
*Aug 19, 2021
عمليات الإنتاج والاستهلاك وتوزيع السلع والخدمات، بهدف تلبية احتياجات أولئك السكان الذين يعيشون ويعملون داخل الاقتصاد (النظام الاقتصادي)، وهو دور بالغ الأهمية لتحقيق أقصى استفادة من عوامل الإنتاج والموارد.
يتشكل الاقتصاد من عدة أسواق مختلفة، دورها الأساسي الجمع بين المشترين والبائعين، وتستخدم أسواق الاقتصاد كآليات لإدارة الموارد النادرة في الاقتصاد،
الاقتصاد يتكون من المستهلكين الذين يشكلون أحد أهم أطراف النظام وهم من يشترون المنتجات والخدمات ويساهمون بشكل غير مباشر في تحديد الأسعار واحتياجات السوق.
كما يتكون النظام الاقتصادي على الجانب الآخر، من الشركات التي توظف المستهلكين أنفسهم كموظفين لديها وتنتج السلع، وذلك إلى جانب الحكومة التي تلعب أدوارا مختلفة حيث تشتري المنتجات وتوظف العمالة وتفرض الضرائب. تفاعل كل هذه الأطراف معا يخلق الاقتصاد.
ويسمح الاقتصاد الفعال بتحرك أسهل للعمالة، أي أنه يجعل
عملية التوظيف أيسر، كما يجعل عملية الحصول على الخدمات أسهل للمستهلكين بما ذلك الأفراد والشركات. وهذه الفعالية تجعل تطوير الاقتصاد أكثر سهولة، وبالتالي يتعاظم حجمه، ويترتب على ذلك خلق وظائف أكثر فتقل البطالة ويزداد دخل وإنفاق السكان.
بالتالي يرتفع الطلب وتزيد الشركات من إنتاجها، في دائرة تحفز النمو الاقتصادي، وهذا النشاط المتسارع يعزز إيرادات الدولة من الضرائب وعائدات التصدير، وبالتالي تمتلك الحكومة موارد أكبر لتحسين رفاهية المواطن.
هناك علاقة كبيرة ومباشرة بين تحقيق هذه الفعالية وامتلاك خدمات لوجستية فعالة، إذ يلعب النقل والخدمات اللوجستية الجيدة دورا مهما في تخصيص الموارد النادرة بسهولة (والتي تعد المهمة الأساسية للنظام الاقتصادي).
*
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق