منذ القرن التاسع عشر، كان يُعتقد أنّ العلم سيحلّ محلّ الخرافات بشكل نهائي، وأن تُزيح التكنولوجيا السحر، وأن يُطيح الطبّ بالصلوات، وأن تكون للسياسة الأسبقيّة على المسيحانيّة، الخ. لقد بدا أنّ كل شيء يلعب ضدّ الدين، وهو ما كانت الوقائع تُؤيّده: ففي معظم البلدان الغربيّة، كنّا نشهد باستمرار انخفاض المشاركة الدينيّة وتفاقم علمنة الدول. وباختصار، فإنّ الدين لم يستطع مقاومة الحداثة، حتّى أنّ معظم المختصّين تبنّوا نظريّة “الدَّنْيَوَة“، وهو أمر نادر الحدوث في العلوم الإنسانيّة.
أشكال التديّن: صحوة الإسلام وازدهار الحركة الإنجيليّة البروتستانتيّة في جميع أنحاء العالم، وتجدّد المسيحيّة وانتشار أنماط تديّن جديدة في أوروبّا الشرقيّة، وعودة ظهور الأديان في الصين، وتكاثر الكنائس في أفريقيا، وظهور الشامانيّة الجديدة بين الهنود الحمر… وفي كلّ مكان، من آسيا، وأفريقيا، وأمريكا اللاتينيّة أو الشماليّة وصولاً إلى أوروبّا، تكاثرت النِّحَل والحركات الدينيّة الجديدة. وفي حين كانت الكنيسة الكاثوليكيّة تجهد في البحث عمّن يتولّى المناصب الكهنوتيّة، على الأقلّ في أوروبّا العجوز، ظهر في كلّ مكان معلّمون روحيّون ومبشّرون وقساوسة… وبدأ مقاولو الخلاص الديني يجنون الثروات في جميع بقاع الأرض.
فكرة أنّنا نعيش في عالم معلمن خاطئة. عالم اليوم متديّن بشدّة كما كان دائمًا
بيتر لودفيغ بيرغر (Peter Ludwig Berger) علم اجتماع الأديان
بيتر لودفيغ بيرغر في كتاب “إعادة السحر إلى العالم” ([1]) بجمع ثلّة من المتخصّصين لدراسة التجدّد الديني، من التأثير السياسي للحركة الإنجيليّة البروتستانتيّة وصولاً إلى ديناميّات الإسلام، ومن الأهميّة المتزايدة للدبلوماسيّة البابويّة منذ يوحنّا بولس الثاني (المنتخب في عام 1978) إلى انتشار الأديان في الصين، وذلك على خلفية هذا السؤال: لماذا عاد الله؟
مكانة الدين في الولايات المتّحدة، وانتشار الإسلام الراديكالي
تجدّد الإسلام بعد الفشل الواضح للبدائل الماركسيّة والقوميّة، وكان من أبرز مكوّناته الأصوليّة الإسلاميّة التي قدّمت نفسها دينًا سياسيًّا، لتحلّ محلّ الأيديولوجيّات القوميّة العربيّة أو الماركسيّة كشكل من أشكال التعبئة السياسيّة. وكان لها أنبياؤها، وعقائدها، ووعدها المهدوي بقرب تأسيس المجتمع المؤمن الذي يتجاوز الحدود التي فرضتها الإمبرياليّة الغربيّة “الشيطانيّة“. وفي الوقت نفسه، أعادت الإنجيلية الأمريكية إحياء “الدين المدني” – وهو مفهوم يجعل الأمّة الأمريكيّة الوعاء الجامع، والتجسيد التوافقي للأديان الكبرى التي تمارس في الولايات المتّحدة – في شكل “علاج” اجتماعي يهدف إلى مداواة المجتمع والأفراد من اضطرابات الحداثة: الشذوذ والفردانيّة والمادّية…
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق