السبت، 26 ديسمبر 2020

الإنسان هو الحل

 أقلام النخب، بل والعامة في البلاد العربية منذ عقود، وهو لماذا لم تستطع شعوبُنا الانعتاق من ربقة التخلف والفتن والمعاناة على مدى عقود، في حين استطاعت أمم في شرق الأرض وغربها أن تحقّق قفزاتٍ شبهَ إعجازية نحو الاستقرار والتقدم والرفاهية؟ كان التعلل بأنَّ الاستعمار الغربي هو من يتحمَّل ما عانيناه وما زلنا من تخلف طال أمده. لكن لم تكن البلاد العربية هي المنطقة الوحيدة التي تعرضت للاستعمار، فقد عانت منه أممٌ أخرى في آسيا وأفريقيا وغيرهما، وهناك شعوب نهضت وتقدمت بعد حصولها على الاستقلال، بل إنَّ الدول العربية ذاتها، بينها من حقَّق تقدماً نوعياً واخترق جدار ما يسمى العالم الثالث.

 النصف الأول من القرن الماضي، انتهجت أغلب بلدان العالم سياستين اقتصاديتين، اشتراكية ورأسمالية، وكل سياسة كان لها تجليات اجتماعية وثقافية بصفة عامة وترتب على كل منهما نجاحات وعثرات اختلفت من بلد إلى آخر. البلاد العربية لم تكن بعيدة عن كل ذلك. بعد انهيار الاتحاد السوفياتي ومعه الكتلة الشيوعية، شهد العالم موجة تقييم للمسارين وكانت الخلاصة العامة هي أنَّ المسار الرأسمالي كان له مردود أكثر إيجابية وخاصةً من الناحية الاقتصادية من المسار الاشتراكي، ولكن كان لكل منهما هنات وعثرات. الاختلاف في النظم السياسية لا يلغي وحدة الإنسانية عامة في مسيرتها الطويلة نحو التقدم الذي يحقق حياة أفضل للإنسان. كانت أوروبا السبَّاقة في دخول عصر النهضة، ومنه إلى عصر التنوير الذي توج بالثورة الصناعية التي جعل منها الإنسان الآلة درعاً حديدياً له، جسدت ما أبدعه عقل العلماء من اختراعات. لقد شارك كل البشر من أمم مختلفة في تحقيق تلك القفزة الكبيرة.

النهضة لم تكن وليدة عقول أوروبية فقط، بل ساهم فيها مفكرون وفلاسفة من كل أنحاء الدنيا عبر عقود طويلة وكذلك الاختراعات العلمية في كل المجالات. الفارق الأساسي بين من أنجز في مجتمعه التقدم وبين آخر رافقته العثرات، كان غياب التناغم السلوكي بين منظومتي الحياة والقوة الأخلاقية التي تحكم حركية المسارات الاجتماعية العامة في كل جوانبها. روافد نهر الحياة تنبع من موروث ومن إبداع متجدد تقتضيه مستجدات الواقع. الاقتصادات الزراعية والرعوية وغيرهما، أنتجت حزماً من القيم شكلت مسار حياة هذه المجتمعات مثلما أبدع العصر الصناعي منظومة قيمه وأخلاقه. لقد أسست الصناعة لمجتمع جديد بإنسان جديد. قامت كيانات سياسية ومهنية، أحزاب ونقابات وشرعت قوانين غير مسبوقة من أجل تحقيق العدالة بين الجميع. مهن جديدة صار لها وجود أساسي في الحياة، الطب والهندسة والمحاماة أساتذة الجامعات المحترفون والعلماء الذين يتفرغون لتطوير العلوم في كل المجالات. كل ذلك أنتج قيماً اجتماعية


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق