Mar 31, 2019
معضلة الش إيبقور تصور وجود إله يجمع بين العلم
والقدرة و الرحمة .. لا يمكن لهذا الإله إلا أن يكون إلها شريرا، فإذا كان يملك العلم (المطلق) بوجود الشر وعنده القدرة (المطلقة) فى منع هذا الشر ولم يفعل فهو إله ليس رحيما، وإذا كان رحيما ويعلم بهذا الشر فحتما ليس لديه القدره على درء هذا الشر، أو أنه كامل القدرة والرحمة فلابد أنه لا يملك العلم بالشر الموجود بالعالم.
إذا طبقنا معضلة الشر لإبيقور فى ظل فلسفة سبينوزا فى وحدة الوجود والتى تتفق بالمناسبة فى هذه النقطة بالتحديد (الصفات) مع وجهة نظر المؤمنين بالأديان أن الله ليس كمثله شئ وهو الأول و الأخر والبداية والنهاية، ، فنحن حتما أمام إله شرير، يرى ويعلم بالشر الموجود بالعالم ولا يمنعه برغم قدرته (المطلقة) فى منعه بحكم أنه خالق الوجود نفسه، المرض، الحروب، الكوارث الطبيعية وقتل الأبرياء كلها شرور يعلمها الإله ولا يتدخل فى منعها رغم قدرته على ذلك فكيف يتصور إلا أن يكون إلها شريرا ؟!
ولحل هذه المعضلة يقدم المؤمنون بالأديان ثلاثة أجوبة للخروج من هذا المأزق..
1- الخير أصل الأشياء والشر هو الإستثناء
فالصحة هى الأصل والمرض هو الإستثناء، الحياة هى الأساس والقتل هو العارض، وبالمثل فى كل الشرور الموجودة بالعالم، ولا يمكن تعميم الإستثناء على القاعده.
2- الشر نسبى وليس مطلق
الشر فى تصورك قد يكون خير فى مواقف وظروف أخرى، القتل شر لكن عندما يكون للقصاص من القاتل فهو تطبيق للعدل، السم الذى تراه شرا هو ضرورى لكائنات أخرى مثل العقرب كى يبقي علي قيد الحياة.
3- الشرور هى التى تحدث التوازن البيئى وتحفظ إستمرار الكون
الزلازل بما تسببه من خسائر بشرية ومادية هى لازمة للحفاظ على الضغط المناسب لكوكب الأرض وتحقق الإستقرار للقشرة الأرضية كما أن البراكين تساعد فى إستخراج المعادن النفيسة وغاز ثانى أكسيد الكربون الذى يحافظ على حرارة الغلاف الجوى.
ولمناقشة هذه الإجابات والتبريرات على وجود الشر سنجدها فى المجمل تدعم أن خالق هذا الكون ليس حكيما ولا عظيما بالقدر الكافى لخلق كون يستطيع أن يستمر دون الحاجة لكل هذه الشرور، إذا كانت الطريقة الوحيدة لحفظ الضغط والتوازن لكوكب الأرض هو الزلازل والبراكين يروح ضحيتها المئات بل والالاف ويشرد بسببها الملايين فهذه ليست حكمة، إذا كان إستمرار وجود كائن حى مرهون بحياة إنسان يقول أنه كرمه وفضله على جميع خلقه فهذه ليست عظمة خالق، عندما يسمح بالشر حتى ولو كان جزءا، عندما يقبل بظلم إنسان ولو لساعه واحده فهو خالق ناقص العداله بقدر الظلم الموجود بالعالم.
إذا أراد المؤمن حل معضلة الشر سيصطدم بمعضلة أخرى ألا وهى حكمة وعظمة وإبداع هذا الإله، فإذا خلق هذا الكون بهذا السيناريو وتلك النواميس عن قصد وعن عمد تنتفى عنه كل صفات العظمة والإبداع ويصبح خالق فاسد بقدر الفساد الموجود بالعالم.
إذا رفضنا هذا الطرح وفى ظل الإيمان بوجود الخالق فنحن أمام إحتمالين ربما لا ثالث لهما:-
- أن الله تنتفى عنه كل الصفات ويصبح قوة أوجدت الكون وأنفصلت عنه.
- أن الله كلى الصفات، مراقب للكون أختار (طواعية) أن لا يتدخل لأسباب لا يعلمها إلا هو.
"يجب علينا أن نتساءل هل الإنسان هو أحد خطايا الله أم أن الله هو أحد خطايا
الإنسان." فريدرك نيتشه
*
إله سبينوزا
لا يمكن للتفكير الفلسفي في الإله إلا أن يكون تفكيرًا في الإنسان أيضًا، وبما هو كذلك؛ فلا بد أن ينأى عن التصورات الدينية المنغلقة التي تحصر هذه "العلة الأولى" للكون في قوالب ضيّقة، تُفرغها من جوهرها وروحها، وتختزلها في صيغ بشرية جامدة غير جديرة بالإنسان نفسه فما بالك بالإله.
يلتقي الفلاسفة مع المتصوفة في وسم الإله بالخير والجمال، وجعله رمزًا للحياة والفرح. وهذا ما يجعل منه إلهَ حُبٍّ؛ خلق النّاس بالحب وللحب. ولذلك، فهو مُنَزّهٌ عن جميع الصور النمطية التي تصوره "شخصًا" حاقدًا، يتربّص بخلقه ممن لم تسعفهم الظروف للوصول إليه، فيتوعدهم بالعذاب والعقاب، في حين يَعِد غيرهم بالجزاء والثواب.
إن السمة الأساس لفكرة الإله هي الخلق والإبداع؛ فهو الخالق، والأصل الأصيل للوجود، وعلته الضرورية التي لا تحتاج لعلة. إنه علة ذاته causa sui، بلغة سبينوزا، وواجب الوجود حسب توصيف ابن سينا. لكنه أيضًا خلاق ومبدع بتعبير برغسون، وفكرته خلاقة في حد ذاتها؛ أي إنها ليس قارة ومتكلسة؛ وإنما تتطور، وتخلق ذاتها، وتخلق معها الإنسان والوجود. ومن خلال هذا الطابع المبدع لفكرة الإله، فلا يمكنه إلا أن يكون كونيًّا وعالميًّا، يوجد حيثما وُلّيَت الأبصار والأرواح، بل يكون حيثما كان هناك كونٌ وكائنٌ. الإله كل شيء، وفي كل شيء ضربٌ من الألوهية.
الإيمان بالدين ليس بالضرورة إيمانًا بالإله، والإيمان بالإله لا يعني، إلزامًا، التقيد بواجبات وإكراهات الدين
ما معنى أن الإله هو كل شيء؟
يعني هذا القولُ تخليص فكرة الإله من قيود التصورات المتزمتة، ومن قبضة المذاهب المتطرفة. فهو إله الإنسان والإنسانية؛ إله الناس. وكل إنسان قادر على التوصل إليه والاتصال به بفطرته النقية والخالصة، دونما حاجة إلى إملاءات خارجية، بل إنه لا إله إلا ما يدركه قلب الإنسان البسيط والحر، غير المُغرض، والذي لا يرجو من وراء ذلك أدنى منفعة أو مصلحة.
الإله هو الحياة، وهو الوجود السعيد والحرّ والجميل، وهو الإيمان بالإنسان. كثيرًا ما يكون الإله بريئًا من الدين، وغير معني بِجُلّ تعاليمه. الإيمان بالدين ليس بالضرورة إيمانًا بالإله، والإيمان بالإله لا يعني، إلزامًا، التقيد بواجبات وإكراهات الدين. لذلك، فكل الأوصاف القبيحة واللاإنسانية، التي نُسبت للمتدينين، ولا زالت تلاحقهم إلى اليوم، من عنف وإرهاب وتطرف، لا شك في أنها تعني الدين وحده، والإله بريء منها تمامًا. وليس غريبًا أن يصرح معظم الملاحدة، على مر التاريخ، أن مشكلتهم مع الأديان وليس مع الإله الذي تتحدث جميع الملل والنحل باسمه، وتنسب إليه ما لم يقل به.
لا تقتضي فكرة "الإله" وجود عبيد له وإنما تستدعي، حسب ما يليق به بوصفه إلهًا، وجودَ ذوات حرة
يكاد سؤال وجود الإله أن يكون أعظم الأسئلة على الإطلاق، فما من إنسان نجا منه، أو استطاع أن يغض طرفه عنه. لكن لا بد وأن نتساءل أيضًا: هل كل إنسان جديرٌ بأن يدرك الإله؟ إنه ليس بعيدًا، لكن بقدر قربه بقدر الحجب التي تحول دون ملامسته. إنه الكائن الكلي القدرة والإرادة، الحر حرية مطلقة، والخالق لكائنات حرة. ومن ثم لا معنى للإيمان به إيمانَ العبيد. إن جوهر الإيمان هو الحرية، وكل إيمان ليس حرًّا سيستحيل، لا محال، إلى نفاق وتظاهر.
لا تقتضي فكرة "الإله" وجود عبيد له. وإنما تستدعي، حسب ما يليق به بوصفه إلهًا، وجودَ ذوات حرة. هانس جوناس عندما أكد أن الإله يَحُدُّ من قدرته لأنه يحترم حريتنا، إذ بدون هذه الحرية لن يستقيم أي معنى للإيمان به، وستغدو الحياة مجرد معركة يعرف هو مسبقًا من سيظفر بها. وهذا أيضًا هو ما كان يدعو إليه سبينوزا عندما جعله من الإله محايثًا، وقال إنه هو الطبيعة؛ فهو بذلك يفتح للإنسان آفاقًا من الحرية والحب والدرجات القصوى من السعادة، لم يعد معها الإله رمزًا للتجبر والتسلط. فبما أنه هو الطبيعة، والإنسان من قلب الطبيعة أيضًا؛ فلا تباعد بين الاثنين، ولا حائل يحول دون حب الناس لإله قريب منه يرى نفسه فيه، ويراه في كل شيء، ويأبى أن يحدثه عنه المتحدثون. بهذا المعنى، تدرك النفس أن الإله هو علة فرحها. أو لنقل، فرديناند ألكيي أن التفكير في كائن باعتباره هو علة فرح النفس، يعني حب هذا الكائن. «لا أحد يمكنه أن يكره الإله.» فكيف يتحدد الإله بالنسبة إلى سبينوزا
قبل الخوض في مسألة معرفة ما إذا كانت السبينوزية إلحادًا، لنبدأ، بسرعة، بالخطوط العريضة لهذه الأنطولوجيا التي ليست لاهوتًا على الإطلاق، ولكنها كانت دائمًا فلسفة للطبيعة.
أعني بالإله جوهرًا يتألف من عدد غير محدود من الصفات، حيث تعبر كل واحدة منها عن ماهية أزلية ولامتناهية، ويوجد وجودًا ضروريًّا.
إن الصفات هي التمظهرات المتعددة، أو المظاهر المتعددة واللامتناهية للجوهر. إنها إذن هي الجوهر وتشمل مجموع الواقع؛ أي الطبيعة. من دون شك أن الطبيعة تضم أشياء متناهية ومحدودة، إلا أن هذه "الأحوال" ليست، هي نفسها، إلا تعبيرات عن الصفات، وخصوصًا صفات الامتداد والفكر.
تتداخل هذه المفاهيم المختلفة (الجوهر، الصفات والأحوال) فيما بينها بِشكلٍ لنقل عنه أنه أفقي، وليس تبعًا لتراتبية عمودية ستنطلق من المادة إلى الروح ثم إلى الإله. فنظرًا لكونه يؤسس لوحدة الواقع، فقد قطع سبينوزا مع المذاهب الأنطولوجية التقليدية، التي كانت تميّز بين مستويات موضوعية للوجود. وعلى عكس ذلك، فالوجود بالنسبة إليه هو، في الآن ذاته، عبارة عن مادة وروح، مادام أن الجوهر هو، في الوقت عينه، مجموع الصفات.
ماهية الإله الذي هو أيضًا ماهية الطبيعة.
الإله، بمعنى الطبيعة"، "الإله أو الطبيعة".
إن لهذه الواحدية الأنطولوجية نتائج مهمة وهائلة.
أولًا، على المستوى الديني واللاهوتي: لم يعد الإله، بالنسبة إلى سبينوزا، قاضيًّا، ولا سلطانًا، ولا أبًا؛ فهو يرفض أية نزعة متمركزة حول الإنسان. إن الدين التقليدي، دين الكتب المقدسة، لا يشكل تعاليم مذهبية حقيقية حول طبيعة الإله، وإنما هو عبارة عن حثٍّ أخلاقيٍّ على العدالة والإحسان (إن هذا، من جهة أخرى، هو ما يجعل المسيح جديرًا بالإعجاب، دون أن يكون تجسيدًا للانهائي). على العموم، يقول سبينوزا في كتابه "رسالة في اللاهوت والسياسة" بأن «المراسيم الإلهية» الشهيرة ليست سوى «قوانين الطبيعة».
علاوة على رفضه سلطة رجال الدين على المستوى الديني والأنطولوجي، إن سبينوزا يرفضها أيضًا حتى على المستوى الأخلاقي.
فكما أنه لا وجود لإله خالق، فكذلك لا وجود لإملاءات أخلاقية تُفرَض من فوق؛ فالمعاني والقيم مرتبطة بالتعاريف التي ينسبها إليها الناس، ومن ثم تعلقها ببنيات أجسادهم، ومخيلتهم ودماغهم
*
عن سبينوزا ومذهب وحدة الوجود والفلسفة.
توقف عن الصلاة وعن ضرب صدرك ، فما أريده أن تفعل هو أن تخرج إلى العالم ، وأن تتمتع بالحياة . أريدك أن تتمتع وتغني وتعمل . أريدك أن تستمتع بكل ما قمت به من أجلك " ليس هناك خالق يتحدث عن نفسه . وهذا يعني أن الخالق منفصل عن المخلوق ، أي أن هناك طرفين. خالق ومخلوق ، وقرأت بعض الأبحاث التي تدافع عن سبينوزا والفهم الخاطئ عند البشر لمذهبه في وحدة الوجود ، فالله غير متحد بالوجود عند سبينوزا ، بل هو من خلقه ، وعند ابن عربي الوجود تجل للذات الإلهية لكنه ليس الله ، فابن عربي نزه الله عن الوجود ، وشجب الحلول الذي اعتقد به بعض المتصوفة ، حتى ابن عربي نفسه لم يتحد بالذات الإلهية ،واعتبر نفسه خاتم الولاية المحمدية وأحد حملة العرش الإلهي، عدا أنه ركن من أركان الحجر الأسود.( بذلك نزع مذهبه)
ثمة مسائل أخرى في مذهب وحدة الوجود ، فلم يقل لنا سبينوزا ولا المتصوفة ما هي الغاية من الوجود وبالتالي ما هي الغاية من خلق الإنسان ، بل إن بعضهم كما قرأت عن سبينوزا ، أنه لا يرى غاية للوجود ولا يرى غاية من خلق الانسان ، وهذا يعني أن الوجود عبثي كما يرى الفلاسفة الماديون ، ليعش الانسان كما يريد ، إنها وجودية سارتر وغيره ، فأين خصوصية التصوف ؟
منذ أن أدرك الانسان وجوده وهو يفكر في الغاية من الوجود ومن القائم به وماهي الغاية من وجوده كإنسان .. لذلك نشأت المعتقدات التي رأت أن الغاية من الوجود هي القدرة على الخلق ، وأن الغاية من المخلوقات والإنسان في مقدمتها هي خدمة الآلهة وعبادتها وإطاعتها وتنفيذ شرائعها، ولا أظن ان العقل البشري تخلى عن هذه الأسئلة حتى يومنا ، وإن أي فكر حديث يجب أن يقدم للوعي البشري ما يغني وعيه في هذه المسائل الجوهرية ، حتى لو كان الأمر مجرد اجتهاد ، وليس حقائق مطلقة ، لكنه يستند إلى المنطق والعلم ليقول ما هو أقرب إلى الحقيقة . لذلك قلنا : الخالق أو القائم بالخلق : طاقة خالقة عقلانية تسري في الكون والكائنات وتتجسد فيهما .. وفصلنا في ذلك كثيرا .. وأجبنا عن كل ما طرح من تساؤلات من قبل القراء
*
إله سبينوزا هو إله مغاير تماماً: إنه لم يخلق العالَم (الكون، أو الطبيعة، التي وُجدت منذ الأزل)؛ إنه ليس خارجاً عنه، وبالتالي فهو محايث له كلياً؛ ليس له صفات أو وظائف تحاكي البشر أو تتدخل في شؤونهم. إن هذا الإله الكوني المحدد من طرف سبينوزا، في بداية كتابه المعنون بـ«الإيتيقا» هو بمثابة «جوهر» لكل ما هو موجود.
«ميلاد الآلهة» حسبه، «يتصرف البشر على الدوام وفقاً لغاية معينة، بمعنى وفقاً لنفعية ما يرغبون فيه؛ ما ينجم عنه أنهم لا يسعون أبداً إلا إلى العلل الغائية للأشياء فور إتمامها، فلمجرد معرفتهم بها تطمئن نفوسهم، لأنه لن يبقى لديهم حينئذ أي داع إلى الشك». بمعنى آخر، يسعى البشر على الدوام إلى البحث عن «لمَ» الكامنة وراء الأشياء، يسعون باستمرار إلى إعطاء معنى للعالَم، للظواهر الطبيعية ولوجودهم. فمن شأن التفسير بالعلة الغائية أنْ يُطمئنهم: توجد الأشياء بطريقة ما لتَؤول إلى هدف معين.
كون الآلهة تُسخر كل شيء لصالح البشر لكي يرتبطوا بها ويتشرفوا بتمجيدها، ما أدى بكل واحد من سائر البشر، وفقاً لطبيعته الخاصة، إلى ابتكار وسائل متعددة لعبادة الإله، حتى يحبه أكثر من غيره ويُسخر الطبيعة برمتها من أجل تلبية رغبته العمياء وشراهته اللا محدودة.
فهم الأسباب الغائية لكل الأشياء وتفسيرها
ثلاثة أعمال خاصة بالتاريخ المقارن للأديان، تلك المسألة المرتبطة بميلاد الشعور الديني هذا، فضلاً عن تحليل سبينوزا الذي يبدو لي صائباً جداً، أو بعبارات موجزة، من شأن المعارف التاريخية والأركيولوجية الراهنة أنْ تعلمنا أن الدين الأولي والعالمي للبشرية هو ضرب من ضروب الروحانية: اعتبر الإنسان العاقل أن الطبيعة برمتها كانت مسكونة بالقوى والأرواح. يتعلق الأمر هنا بشخصية نسميها اليوم بـ»العراف» التي كانت بتفويض من القبيلة تحمل على عاتقها، عبر حالة من الوعي المعدل، مسؤولية نسج علاقة مع هذه القوى والأرواح، بغية استرضائها ومحاورتها، لاسيما قبل الصيد أو لطب شفاء مريض. في العصر النيوليتي، أيْ قبل ما يناهز اثنتي عشرة ألف سنة، باشر البشر في الاستيطان. إذ حلت الفلاحة وتدجين الحيوانات تدريجياً محل الصيد وجني الثمار. امتنع الإنسان عن اعتبار الطبيعة مسكونة ومبتهجة بالأرواح، مع استبداله هذه الأخيرة بآلهة الحاضرة، التي كان يعبدها لكي تحميه من أعدائه وتساعده على تلبية حاجياته الضرورية للعيش (من مطر للغلة، وخصوبة للماشية، إلخ).
الإمبراطوريات الكبرى وتطور سيرورة العقلنة، انتقلنا من معتقدات تعددية (ثمة آلهة متعددة، متساوية من حيث القيمة وذات وظائف متنوعة) إلى معتقدات واحدية(تقول بتفوق إله واحد على باقي الآلهة، مثل أمون في مصر، أو زيوس في يونان(وصولاً إلى معتقدات توحيدية) مثل أتون في مصر، ويهوه لدى العبريين، وأهورا مَزدا في بلاد فارس: لم يعد ثمة في نهاية المطاف أكثر من إله واحد ومتفرد، «الذي صنع الإنسان في صورته ومثاله» سفر التكوين)، الذي يسهر على العناية به ويستجيب لحاجياته في مقابل عبادته وطاعة أوامره.
من وجهة نظر فلسفية، ودون أنْ يأخذ بأي برهنة تاريخية أو أنثروبولوجية، تمكن سبينوزا من معرفة أصل الأديان التاريخية الكبرى: المبدأ الغائي (كل شيء خُلق في الطبيعة من أجل مصلحة الإنسان (والمبدأ النفعي) أهبُ شيئاً ما إلى الإله ليمنحني رعايته). حسبه يتعلق الأمر بخرافة ترمي إلى طمأنة الكائن البشري.
*
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق