May 2, 2022
التوازن بين العلوم الثلاثة الطبيعية والإنسانية والاجتماعية/الاقتصادية
العلوم الطبيعية مرجعياتها الكبرى لقوى السوق والخيارات المنبثقة منه
المعارف الإنسانية
والاجتماعية والاقتصادية
التي تزداد انصياعاً للسلطة وتكاد تفقد وظيفتها في ضبط برامج العلوم البحتة وتحديد أولوياتها، وفي التفاعل المضبوط بين العلم التطبيقي والعولمة الذين ساهما في الانبثاق المدوّي لمجتمع الاستهلاك.
التوازن أيضاً بين العلوم النظرية والعلوم التطبيقية
فشل العلوم الاجتماعية والإنسانية في المساعدة على تحقيق التكيّف الاجتماعي مع الموجات التكنولوجية المتواترة انتقل الولاء إليها بدلاً من المؤسّسات والمعاهد الأكاديميّة والجامعية الأمّ، ويزداد إلى جانبها خضوع أجندات البحث العلمي ومواضيعه لمتطلبات الصراع والحروب والمشاريع العسكرية.
طريق العلم إلى الاقتصاد السياسي لتمويل الأبحاث، أو إلى سوسيولوجيا العلم التي تعكسها الانقسامات غير المبرّرة في مجتمع البحث العلمي والمنافسة غير النزيهة بين باحثيه. وقد ظهر واضحاً بدلالة الجائحة وغيرها من الكوارث، أنّ قوانين السوق لا تصلح لحلّ مشكلة الإنتاج العلمي على المدى الطويل لانحيازها إلى تلبية الحاجات المباشرة، وضعف قدرتها على التقاط الطلب الاجتماعي والتعامل الاستباقي مع الكوارث.
المدارس الفكرية الغربية ذات الاتجاهات المختلفة على تسخير هذه العلوم لمصلحة تفسيرات أُحادية الجانب، ولخدمة أشكال معيّنة من السلطة الاجتماعية والسياسية والثقافية، ولدعم مشاريع عالمية للتسلّط والهيمنة.
العلاقة جدلية بين السلطة والمعرفة
التاريخ السياسي العالمي، إذ لا يمكن إغفال دورها في الثورتَين الفرنسية في نهاية القرن الثامن عشر والبلشفية في بداية القرن العشرين، وكذلك دور «الروحانية السياسية» والإسلام خصوصاً في انتصار الثورة الإسلامية الإيرانية التي عبّرت عن توق دول الجنوب إلى التحرّر من هيمنة الشمال انطلاقاً من قيمه الذاتية وتصوّراته الخاصة للعالم.
كيف أثّرت أفكار كينز مثلاً في إسباغ المشروعية العلمية على تدخّل الدولة في العديد من الاقتصادات الرأسمالية، وكيف استفادت الدول الغربية من أفكار فريدمان وهايك وغيرهما في تعميم الوصفة النيوليبرالية المتمثّلة في بنود إجماع واشنطن، فضلاً عن نظريّات التنمية التي فرضت نفسها على الدول والمؤسّسات العالمية في الربع الثالث من القرن الماضي.
وفي المقابل استغلّت السلطات المختلفة العلوم الاجتماعية والإنسانية في فرض هيمنتها الإيديولوجية على مجتمعاتها، وكانت في أحيان كثيرة السلاح الأمضى في فرض التغيير السياسي بالعنف والقوة والإكراه. كما كانت وسيلة لفهم المجتمعات المستهدفة وتفكيكها وإعادة إنتاجها.
مصالح الدول والفئات النافذة والطبقات المسيطرة أقوى من المناهج في تشكيل النماذج الإرشادية العلمية
بؤرة الأزمة هي في هيمنة الاستقطابات الفكرية ما بين المادية والمثالية تارة، والفردانية والجماعية تارة أخرى، أو بين مذهب العدالة ومذهب الحرية في حالات أخرى. ففي التطبيق كان الجماعاتيون مثلاً يقدّمون العدالة على الحرية، لكن في نهاية المطاف كان الانتقاص من الحريّة يرتدّ سلباً على العدالة، أمّا الفردانيون فاكتفوا بالحرية السلبية من دون الإيجابية، ما أدّى إلى زيادة التفاوت وعدم المساواة، وحرمان فئات واسعة من البشر من القدرات اللازمة لممارسة الحريات المسموحة لها.
لم تفلح علوم الإنسان بفروعها المتعدّدة في أن تكون القُطب الموازن لتطبيقات العلوم البحتة والدقيقة، التي ألقي حبلها على الغارب في إنتاج أدوات القتل والتدمير، وفي توسيع اقتصاديات التسلية والترفيه على نحو مضرّ ومبالغ به، ولم تمنع الحداثة والعقلانية نشوء الفاشيات والديكتاتوريات المادية العنيفة التي قتلت عشرات ملايين الأشخاص في حربين عالميتين وملايين أخرى في حروب إقليمية. وتمكنت الليبرالية الجديدة في فرض نفسها بوصفها «النظرية الصحيحة» من دون منازع، فاتسعت التباينات الاجتماعية والمعيشية على المستوى العالمي، وانتشر الفقر والجوع والظلم الاقتصادي.
- الأول: وهم الحتمية التاريخية التي تمثّلها قوانين ومسارات لا يمكن مقاومتها.
- الثاني: وهم العقلانية والرشد المطلقَين عند البشر، واللذين يفضيان إلى الفردانية وإلى أشكال أخرى من الحتميّة الاجتماعيّة والاقتصاديّة والسلوكيّة.
- الثالث: وهم انفصال السلطة عن المجتمع ما يخلي ساحتَها من تهمة التلاعب بالمعرفة في سبيل فرض الانضباط في الداخل ونشر الهيمنة في الخارج.
- الرابع: وهم التقدم الإنساني المطّرد والبنّاء من خلال مراكمة المعارف أو تسلسل الوقائع، أو بما تؤدي إليه الصيرورات الثورية.
- الخامس: وهم الهويّات المختزلة في بُعد واحد ما يجعلها أساساً للصراع وللمقاربات التحريفية عن الإنسان والمجتمع والدولة.
ويمكن أن نضيف إلى ذلك وهماً سادساً، ما لم يكن خطراً داهماً، هو الحتمية التكنولوجية التي تصنع التاريخ، وتجعل الأشياء متشابهة أكثر فأكثر.
التغيير والترقّي يجب أن يكونا بأيدي البشر وبإرادتهم لا رغماً عنهم أو استجابة لعوامل ماديّة أعلى منهم. فالإنسان أقوى من «القوانين» الاجتماعيّة والحتميّات التاريخيّة والمعادلاتِ الرياضيّة، ومن المنزلقات التي تتسبب بها التقنية، بل إنه سبب وجودها ومصدر قوّتها واستمرارها. فالصيرورات التاريخيّة ليست قدراً لا يُرَد، والمعادلات الرياضية ليست قوانين في الاقتصاد والاجتماع لا تُخرَق، والتصورات البشرية للصواب والخطأ ليست خالدةً وعصيّة على التطور، والتكنولوجيا ليست مستقلّة بأي حال عن ميول الناس البشر وتوجهاتها.
إنّ رحلة الخروج من الأزمة تبدأ بإعطاء قيمة متساوية للعلوم وثقافاتها المتعددة، وتحقيق التكامل وتفعيل الضبط المتبادل في ما بينها، وانتزاع زمام القيادة من يد التكنولوجيا المحكومة لمجتمع الاستهلاك أو المنشئة له. وبذلك تصبح الجادّة التي تسير عليها العلوم نحو المستقبل أكثر رحابة، ولديها ما يكفي من السعة لاستيعاب جميع المسارات الممكنة والضرورية.
ولا نعود مضطرين، والحال هذه، إلى المفاضلة مثلاً بين تطوير تكنولوجيا الاتصالات والمواصلات، أو زيادة جهوزيتنا لمواجهة الجوائح، أو إقامة أنظمة مبكرة لرصد الكوارث والمعالجة الاستباقية لها، كما لا نكون ملزمين مثلاً بتطوير دراسات الاقتصاد الجزئي ذات الطابع الرياضي، على حساب أبحاث التنمية التي تعطّل نموّها تقريباً في الربع الثالث من القرن الماضي. ولا يكون نجاح برامج غزو الفضاء والوصول إلى عمق الأفلاك السماوية متزامناً بالضرورة مع انهيار مفاجئ لأبحاث الحرب ضد مرض السرطان، كما حصل في سبعينيات القرن الماضي.
إنّ أبرز ما يخلص إليه هذا الكتاب، هو أن حضور السوق بات مقرِّراً في رسم مصائر البشر، مع أن غطاءها الإيديولوجي المتمثّل في العولمة والليبرالية الجديدة آخذ بالذبول.
«العلم الجديد» ذو النزعة النفعيّة، علاقة استغلال وتبعيّة واستخدام.
الرغبات لم تعد نابعة من التوق الذاتي لتعظيم الإشباع من خلال الاستهلاك، بقدر ما غدت استجابة لنداء خارجي تطلقه باستمرار الشركات الكبرى والرساميل العابرة للحدود.
لقد عجزت العلوم الإنسانية عن كبح جماح التكنولوجيا
قوانين السوق لا تصلح لحلّ مشكلة الإنتاج العلمي على المدى الطويل لانحيازها إلى تلبية الحاجات المباشرة وضعف قدرتها على التقاط الطلب الاجتماعي والتعامل الاستباقي مع الكوارث
في عالم الأشياء هذا، تتحقّق الحريّة مثلاً من خلال إطلاق إرادة الفرد من كل ما يقيّدها، سعياً وراء تلبية حاجاته وإطفاء رغباته وشهواته، ضمن حدود تنتهي عندما يماثلها من رغبات وحاجات عند الآخرين، أمّا القيود الأخرى المستمدّة من نظرة المجتمع لنفسه وتصوراته عن القِيَم والمبادئ العليا الجديرة بالاتباع، فيجري تجاوزها وإنكارها أو نزعها بلا هوادة. وعلى عكس ذلك، يُنظر إلى الحريّة في المنطق الجماعاتي المتقاطع مع الفهم الديني، بأنها عمليّة تعلّم وتأهيل مستمرَين هدفها تأهيل الأفراد للتكيّف مع مبادئ المجتمع وتجسيد منظوره للخير العام.
ويحفل العالم في القرن الأخير بأمثلة عن العواقب الخطيرة لإعلاء شأن الإرادة الفردية التي تحرّكها الحاجات والرغبات على الإرادة الجماعية المدفوعة بالقيم الجماعية والمصالح العامة وعوامل الانتماء.
كتاب «العلم والعولمة: قراءة في الأزمة من منظور اقتصادي ومعرفي»
السلوك الجبري الذي تفرضه قوى الإنتاج، وإلى روح القطيع التي تحكم سلوك مجتمع الاستهلاك
التنازع بين الخيار الفردي والخيار الجماعي. إذ يميل الأفراد إلى الاستفادة القصوى من الانفتاح الثقافي والإعلامي الذي تُتيحه العولمة، بمعزل عن انعكاس ذلك على هويّة المجتمع وثقافته وتراثه.
النوع الثاني هو التجاذب بين تحرير الأسواق والتدخّل الحكومي. وهذا أيضاً يرتبط بالمفاضلة بين الحرية الفردية والمصلحة العامة. فالسوق الخالية من القيود هي انعكاس لعدد كبير من الخيارات الفردية، فيما يعبّر التدخل الحكومي عن التفضيلات الجماعية المفترض أن تُحدّد بوسائل سياسية كالانتخابات.
يمكن للأسواق الحرّة أن تُسهم في وضع سلّم الحاجات: ما الذي ينبغي إنتاجه وكيف؟ لكنها لا تقدر على التعامل مع انعكاساتها الخارجية السلبية التي لا يلتقطها تلقائيّاً نظام التسعير، كالإضرار بالبيئة والتوزيع المجحف للأصول والثروات واستفحال الفقر وتقنين بعض السلع الأساسية كالمياه والكهرباء وضعف تأدية الخدمات الحيوية مثل جمع النفايات. ويشمل إخفاق الأسواق على نحو خاص، الفشل في تقديم علاج فعّال لبعض الأمراض المستعصية في البلدان قليلة النمو. تسمح الأسواق الحرة مثلاً برفع أسعار الأدوية مع أنه يتسبّب في موت مئات آلاف الأشخاص سنوياً.
نوع ثالث من التجاذب يتمثّل في التعارض بين المستويين المحلي وما فوق المحلي صندوق النقد الدولي في معظم أنحاء الدول النامية على أنه رمز لاستبداد بيروقراطي مناقض للديموقراطية.
والماركات المئة الأهم في الترتيب العالمي، والتي هي بمثابة «عُملة اجتماعية» Social Currency، تحصل على قيمتها من خلال خلق صِلات شعورية قويّة مع الزبائن على اختلاف ثقافاتهم. وهذا بالتأكيد لا يتوافق مع الفرضية الشائعة التي تُفيد بأنّ تقدّم العولمة الاقتصادية يؤدّي إلى تراجع التحدّي الذي تفرضه الثقافات المحلية.
جدل الحداثة وما بعدها
أوجدت العولمة سيلاً من السلع والمنتجات والخدمات الجديدة التي ترتبط بحاجات غامضة وغير مؤكدة.
«السيولة الثقافية» على انتشار قيم الاستهلاك العبثي التي تجذب الجماهير إلى مزيد من الشراء.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق