السياسة وصناعة الخوف
2018 Jan 23, 2022
دكتوراه دولة في العلوم السياسية
الفترات التي يسودها القلق الاجتماعي تزداد فيها النزعة العامة إلى الخضوع للسلطة، كما يزداد عدد الأشخاص الجاهزين للتخلي عن حرياتهم في مقابل الشعور بالأمن الذي توفره السلطة الحاكمة.
الفترات التاريخية التي تتكاثر فيها التهديدات (كما في ثلاثينات القرن الماضي على سبيل المثال) تزداد التطلعات بين الناس إلى شخصية أوتوقراطية قوية في رأس السلطة، وذلك على عكس الفترات التاريخية التي تندر فيها التهديدات (عشرينات القرن العشرين على سبيل المثال ). وهكذا لم يكن من قبيل المصادفة أن ينتخب هتلر في ألمانيا وموسوليني في إيطاليا في الثلاثينات عشية الحرب العالمية الثانية والتي كان هتلر أحد أبرز مفجريها وقادة عملياتها العسكرية التي أودت بحياة عشرات الملايين من البشر.
مجال علم النفس الاجتماعي، أثبتت الدراسات بأن التهديدات سبب للأوتوقراطية في المجتمع وبأن الكنائس المتطرفة في الولايات المتحدة تشهد انتساب المزيد من المؤمنين إليها في الفترات التي تكثر فيها التهديدات، في حين أن الكنائس المعتدلة يزداد الانتماء إليها في الفترات التاريخية التي تندر فيها التهديدات.
إشاعة المعلومات حول المخاطر التي تتهدد البلاد يمكن لها أن تصب في مصلحتهم. هناك كتاب تكلموا صراحة عما سموه «صناعة الخوف» من الجريمة بمعنى أن إشاعة الخوف من الجريمة بأنواعها (المافيا، فقدان الأمن، الإرهاب، الخ.) يجعل الناس يتطلّعون إلى من يقدم لهم الوعود ببسط الأمن والاستقرار وحماية أرواحهم وممتلكاتهم ولو كان حاكماً سلطوياً مستبداً أو حتى دكتاتوراً.
11 سبتمبر 2001، فتحت المجال لكثير من الدراسات والأبحاث حول هذا الموضوع وبرهنت بأنه بعد هذا التاريخ احتلت المسألة الأمنية رأس قائمة الأولويات عند الأمريكيين ولو على حساب الحرية والديمقراطية والرفاه الاجتماعي.
زاد بوضوح دعم الرأي العام للرئيس بوش الابن وللقوانين التي أصدرها في سياق مكافحة الإرهاب والتي تحد كثيراً من الحريات العامة. وقد تبين بأن ردود الفعل النابعة من الخوف تشكل تهديداً للاستقرار الاجتماعي أكثر من التفجيرات نفسها.
التوجه بموضوعية إلى الرأي العام لعرض التهديدات من دون تهويل ومبالغة، يحمل مخاطر كثيرة على شعبية هؤلاء السياسيين. وكما يلاحظ الأستاذ في جامعة زيوريخ برونو فري، المتخصص بالإرهاب فإن سياسة الردع القائمة على القوة يُنظر إليها على أنها من علامات الشجاعة والقوة والشرف، الأمر الذي يدفع الديماجوجيين إلى اللجوء إليها.
في مجال «إدارة الرعب»، أما في المضمار الاجتماعي- السياسي، فإن نتائج الدراسات تشي بأن لحظات التفكير بالموت، تزيد المشاعر القومية لدى الإنسان وتجعله أكثر عدائية حيال الغرباء والأجانب. والأشخاص الذين لديهم نزعة نحو السياسات الأوتوقراطية، عندما يفكرون بموتهم أو يخشونه، فإنهم يعانون من عدم استقرار أو أمن عاطفي، الأمر الذي يجعلهم فرائس سهلة للديماجوجيا السياسية.
بحسب الباحثين النفسيين في مجال السياسة والخوف، فإن «الخوف هو عدو الحرية». كل فترة تولد هواجسها ومخاوفها: اليوم الإرهاب وبالأمس كانت أمطار الأسيد وسباق التسلح أو أيضاً الانفجار السكاني والجوع الذي من الممكن أن ينتج عنه (في سبعينات القرن الماضي انتشر هذا النوع من الدراسات والتوقعات في العالم ورافقه فوبيا من الانفجار السكاني في العالم الثالث) مع ما يرافق ذلك من علاجات رهيبة يقدمها الخبراء.
صناعة الخوف واستغلاله، الخوف من المهاجرين أو الإرهاب أو البطالة أو الفقر أو التغيرات المناخية الخ.. ويتسابق المرشحون على تقديم الحلول لهذه الآفات وهم يدركون تماماً بأنهم إنما يبيعون الهواء. «إسرائيل» بلد بحاله لم تكن أواصره الاجتماعية المتنابذة لتتلاحم لولا الخوف، الخوف من الفلسطينيين والعرب والمستقبل والمجهول، «صناعة الخوف» امتهنها كل حكام هذا البلد الغريب، وبفضل الخوف يستمر نتنياهو والفريق المتطرف في السلطة منذ سنوات طويلة وإلى سنوات أخرى عديدة على الأرجح. وفي دول كثيرة، في آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية والعالمين العربي والإسلامي، يستمر أوتوقراطيون مستبدون في السلطة بفضل امتهانهم صناعة الخوف، الخوف من الحرب أو عدم الاستقرار والفوضى وغيرها.
*
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق