Sep 26, 2020 Jul 23, 2021 Feb 9, 2022
الرأسمالية نوعًا من أنواع الثقافة “الثقافة الجماهيرية”؛ لتحقيق مآرب وأغراض متنوعة لها من خلال وسائل إعلامية متعددة، منها الخاص الذي يملكه الأفراد أو العام الذي تملكه الدول، ولا تستقر وتنتعش سلطة رأس المال، أو تتوطد أركان دولة، إلا وهي في حاجة إلى أيديولوجيا، أو عقيدة، أو ثقافة تؤسس بها لشرعيتها، وضمان ديمومتها، وقبول الناس لها، وما يجعل سلطة ما تتخذ من ثقافة أو عقيدة غطاء لها، مدى ما تقدمه تلك العقيدة أو الثقافة لها من مقومات الرسوخ والثبات
وتتبدى الرأسمالية: نظام اقتصادي ذو فلسفة اجتماعية وسياسية تقوم على أساس تنمية الملكية الفردية والمحافظة عليها، متوسعًا في مفهوم الحرية، تقوم أيضًا على أساس إشباع حاجات الإنسان الضرورية والكمالية.
سيطرة الرأسمالية على اقتصاد السوق بتحرير سعر السلعة، تحت شعار: دعه يعمل دعه يمر، ودمج الشركات حتى سميت الشركات العابرة للقارات، ثم منذ بداية القرن الواحد والعشرين بدأت الدول تتجه إلى الموازنة بين الملكية العامة والخاصة، خاصة بعد الأزمات الاقتصادية الطاحنة التي أقلقت أقوى الاقتصاديات في العالم.
وتتنوع أشكال الرأسمالية ما بين رأسمالية الدولة، وفيها تحرص الدول على ملكية إنتاج سلع استراتيجية رئيسية، وبعض المشاريع والمؤسسات المحورية بالمجتمع، ورأسمالية الأفراد ومؤسساتهم، وتبقى كل المؤسسات أيا كانت شخصياتها الاعتبارية، وانتماءاتها المجتمعية: عامة أو خاصة، حكومية أو أهلية، ومهما تنوعت نشاطاتها زراعية أو تجارية أو صناعية أو خدمية، و ارتبطت أهدافها بتحقيق الربح المالي أو لم ترتبط ، وقدمت خدماتها كمؤسسة خدمية غير هادفة للربح أو رابحة، يظل هدف الجميع تشكيل وعي وهوية وتوجه الجماهير، فالجميع أصبح تابعا لثقافة الاستهلاك وإعادة الإنتاج السريع.
المثقف والسلطة
المثقف هو الإنسان الذي يملك رؤية الحقائق على طبيعتها، وهو غالبا انشقاقي،
المفترض أنه قادر أن يقول الحقيقة في وجه السلطة
ليس من هَمّ المثقف ولا دوره إرضاء من يمثلون السلطة بأنواعها: سياسية، رأسمالية، دينية، أو سلطة الجموع غير الواعية أحيانا، أو سلطة العقلية الاستعمارية التي تنخدع بأساليب الإمبريالية الأخطبوطية، كل هذا ليس من أدواره، بل على النقيض عليه أن يساهم في خلخلة الراسخ وإقلاق المستقر الذي يحمل دوما جوانب نقصه، وضرورة فلترته على الدوام.
ولا يمكن أن تحمل رؤى المثقف الحقيقي حياة ومصداقية إلا إذا كانت تتضمن فيما تتضمن مدى مفتوحا؛ يجددها ويطور محاورها، من خلال بحث دءوب، لا يقدسها أو يقع في بريق إنجازها متصورا أنها هكذا أصبحت على الوجه الأكمل، كما ليس من أدواره على الإطلاق التبرير لأية سلطة، ويبقى التغيير دائما هو الحقيقة المؤكدة في الحياة. وهو ما يؤمن به المثقف المستقل الحر.
فمن سمات المثقف الأساسية أنه شخص لا يمكن استيعابه، وأن جوهر وجوده تمثيل كل الفئات والطبقات من الناس، وخاصة تلك الطبقات التي لا تجد من يدافع عن وجودها بدرجة لائقة بالحياة الإنسانية.
الثقافة فعل فردي في جوهره
عادة ما تتبدي ثقافة النخبة من خلال أفراد المثقفين، وللطبيعة الخاصة التي تميز المثقف والتي سبق وأشرت إليها عادة ما يأتي جهده منفردا، وصادما لجموع المتلقين، فاضحا لأية سلطة، وكاشفا لنواقصها وفسادها، وجوانب الخلل بها، أي أن المثقف لا ينخرط في الغالب ضمن الجموع متباينة التوجهات، ويجابه عادة بالاستنكار لدى عموم متلقيه، كما يلاقي الجديد – الذي يحمل اختلافا- حربا عادةً؛ لعدم اعتياديته. لكن يحدث أنه قد يتجمع في بعض الفترات أو المراحل الزمنية تيار يضم جهد أفراد من مثقفيه، كُلٍّ في مجاله، وبجهدهم مجتمعا ورؤاهم يصنعون ما يشبه حركة أو تيارا أو مدرسة، يسهم مجملها في تغيير مسار نهضة الدول.
فحين تتبدي حركة مجموعة ظواهر غير منسق فيما بينها في أوائل القرن العشرين، عصر النهضة المصرية الحديثة، فيكتب علي عبد الرازق” الإسلام وأصول الحكم”، ويحطم فيه أسطورة حتمية حكم الدولة الإسلامية والخلافة، ويحارب طه حسين أيقونات أدبية وتاريخية لم تخضع للفحص العلمي الدقيق، من خلال كتابه “في الشعر الجاهلي”، وينفي عبدالله عنان المؤرخ انفصال السلطات التشريعية والقضائية والتنفيذية في التاريخ الإسلامي، في كتابه “عن القضاء في العالم العربي”، ويتوصل إلى أن جميع السلطات كانت تحت حذاء السلطان، ويجدد الشيخ محمد عبده الرأي الفقهي في كثير من المسائل الخلافية التي تخص تعليم المرأة وبعض النظرات في الفن، ويكتب قاسم أمين مجموعة مؤلفاته حول المرأة وتعليمها وتحررها، يمكن هنا مع ظواهر أخرى مصاحبة: تعليمية، وفنية، وعلمية، أن نقول: إن هناك حركة ثقافية غير تابعة لسلطة رأسمالية الدولة، أو الأفراد بمؤسساتهم، أو سلطة الاستعمار، أو سلطة دينية متمثلة في الأزهر، أو أية تيارات وجماعات متأسلمة، المعتدل منها أو المتطرف، الثقافة في تلك المرحلة اجتهاد أفراد في مجالات شتى حتى علوها لتشكل تيارًا يحمل المجتمع لرؤية مختلفة في الحياة .. ونستكمل
أماني فؤاد لسه سمعها في حديث العرب
أماني فؤاد: المثقف الحر عملة نادرة عربياً
اعتبرت أن انحيازها للمرأة لا ينفصل عن قيم التنوير
لا تكف الدكتورة أماني فؤاد، أستاذة النقد الأدبي الحديث، في كتاباتها المتنوعة عن إعلانها التمرد على كل ما يكبل حرية الإنسان في نشدانه العدل وحقه في الحياة، تقف في صف المرأة ضد التعسف والقهر، وترى أن ذلك انحياز للإنسانية، كما تنحاز لقيم الحداثة والتنوير والتجريب في مقارباتها النقدية المتميزة، واستجلاء علاقة الإبداع بالمجتمع، وهو ما ظهر جلياً في مؤلفاتها ومنها «المرأة... ميراث من القهر»، «في نقد تراث أبي حيان التوحيدي ونقده»، «المجاوزة في تيار الحداثة بمصر بعد السبعينات»... هنا حوار معها عن عالمها النقدي، بمناسبة صدور كتابها الجديد «قضايا التنوير... الخصوصية المصرية».
نعاني كمجتمعات عربية من أزمة النخبة من دون أي مبالغة، ونادراً ما نجد المثقف الذي يستطيع الاستغناء عن ضرورات الحياة بسبب مواقفه، أو وقوفه على يسار أي سلطة، حيث السياق الحياتي العام لا يشجعه ولا يدعمه، فإن لم يكن هناك إرهاب الخطاب الديني المتطرف، هناك القيود على حرية التعبير، وأقسى من هذه الجهات أحياناً سلطة المجتمع التي تقمع المثقف، وهي رغم عدم وضوحها في شكل مؤسسي محدد، فإنها شديدة القسوة في آثارها على المثقف والمبدع.
يحتاج المثقف لقوة فولاذية ليتناسى كل متطلبات الحياة حوله، لينتصر لقناعاته ورؤاه في الوجود، كل مثقف تراوده رغبة الحياة الكريمة في ظل ظروف اقتصادية شديدة الصعوبة وضغوط بلا نهاية، يراوده حلم التمتع بالمناصب وما تهبه من سلطة، يحلم بانتشار رؤاه على نطاق إعلامي واسع. لكن هناك دائماً قلة لا يتنازلون عن رسالتهم التي يهبون حياتهم لها، ويترفعون عن كل شيء من أجل مبدأ ما.
- لا يمكن لأي سلطة أن تصنع مثقفاً أصيلاً ومتحرراً، حيث إن المثقف ينبغي أن يكون خارج حاضنة أي سلطة، وبينه وبينها مسافة.
تهميش السلطة للمثقف وتصويره أنه خارج سياق الواقع، وفي أبراجه العالية العاجية، أو متحرراً في تناوله للحياة، يؤثر على مصداقيته أمام الطبقات العريضة، ومن صفات هذا النموذج الذي يصدرونه للمثقف يترسخ فعل استبعاده، أو السخرية من مقولاته، والتشكيك فيها. المعادلة الوحيدة لحضور المثقف في مشهد سياقنا العام في العالم العربي أن تأتي سلطة سياسية وتؤمن بالثقافة وبمقولات المثقف وتثق فيه، أو تحتاجه، وهي معادلة شديدة الصعوبة حيث لا يستمر الرضا بينهما كثيراً. يحتاج الفكر والإبداع وحرية الرأي لقوة تؤمن بها وتدعمها لتنمو وتسير على أرض الواقع. وهذا ما يحدث في المجتمعات الديمقراطية، حيث تدعم الأغلبية المثقف وتهبه قوة التأثير.
أشعر أن العمل، والقراءة والكتابة الدورية للمقالات والتدريس في الأكاديمية يلتهم الوقت كله، حتى أنني أُحرم أحياناً من أشياء أفضلها كالسينما، أو الجلوس أمام البحر للتأمل، لذا أفضل أن أشترك فقط في مناقشة ما أشعر بقيمته وتميزه من أعمال، وأعتذر عن كثير من الفعاليات.
لماذا بقينا أسرى لثقافة القشور والفهم السطحي المتسلف للدين ولم نتجه بقوة للعلم القائم على التجريب، لكنك لم تطرحي إجابة؟
افتقارنا للحريات نتيجة للحكم المطلق الذي توالى على منطقتنا، ولسطوة السلطة الدينية التي تحارب كل صاحب اجتهاد أو رؤية مغايرة لموروثهم، وتقف في مواجهة كل إبداع يخرج عن رؤاهم منخفضة الأسقف للغاية. كما أن حياة المثقفين وأصحاب الفكر والمبدعين صعبة، فبجانب متطلبات الحياة، يواجهون التضييق والقمع من جهات مختلفة، سواء سياسية أو دينية أو مجتمعية، أيضاً نحن مجتمعات لا تتمتع بنظم تعليم تتمكن من استنفار كل قوانا على الإبداع والتفكير خارج القولبة والمحفوظ والمكرر، وترسيخ مفهوم السمع والطاعة.
مثقفي التنوير أنفسهم «يصمهم» تيار الإسلام السياسي بـ«العلمانية» بعد تشويه مفهومها وربطه بمعاداة الدين.
تنويراً حقيقياً لا بد أن يتم فصل الدين عن الدولة، الدين علاقة خاصة بين الفرد وربه، دولة المواطنة لا دين لها إلا بحكم عدد أديان مواطنيها، على الدولة فقط أن تكفل حرية كل طائفة في ممارسة شعائرها. ربط السياسة وشؤون الدول المتغيرة بالدين يصيب السياسة والدين كليهما بالاحتقانات والنزاعات.
نشر أنوار العقل وتأملاته وبحوثه وتجاربه التي تشتغل على مختلف مناحي الحياة العامة وقضاياها؛ لتكوين وعي جمعي يحترم الحريات، ويُقدر حقوق الإنسان خاصة حقوق المرأة، يؤمن بقبول الآخر والتفاعل معه وعدم الاستعلاء عليه، يرفض التعصب والعنف الطائفي، يؤمن بالديمقراطية والمواطنة، يحترم العقل وحقائق العلم، يواجه الخرافات والجهل والتواكل، يؤصل للقيم الإنسانية السامية، ويحتفي بالإبداع الحقيقي في كل المجالات، ويدرك قيمة الفنون الجمالية وتأثيرها على ترقية الإنسان وتهذيب غرائزه.
«القراءة الوسطية» للتراث
لا يوجد ما يسمى قراءة وسطية، حيث يفرض المنطق والتناول العقلي للقضايا قدراً من الوضوح والاتساق مع ما نتناول، والوصول به لأوضح صورة مجردة، تكشف الهيكل الأساسي للأشياء، ومع اعتذاري عن هذا الوصف لكن من يختار الوسطية يحمل قدراً لا بأس به من الجبن، حيث يترك لذاته مساحة الانسحاب عند أي مواجهة.
قيم الحداثة تظل مجرد شعارات ما لم تمنح المرأة حقوقها، أليس ذلك انحيازا لجنسك كامرأة؟
- إطلاقاً ليس انحيازاً سوى للإنسانية التي تشكل المرأة نصفها، بل النصف الأكثر تأثيراً في التكوين الإنساني بصفة عامة، المرأة هي الأم التي عادة ما تتولى تنشئة الطفل في أعوامه الأولى التي تؤثر في حياته كلها فيما بعد. ولا يقل هذا المحور عن الانحياز للعلم والعدل وحقوق الإنسان التي اجتمعت عليها كل الحضارات المتطورة والمتقدمة... ألا تلاحظين معي أن أغلب الحاصلات على نوبل لهذا العام عالمات في الكيمياء والسياسة ومبدعات في الأدب.
مازلنا في مجتمعاتنا نتحدث في مساحات غادرها الإنسان المتطور منذ قرنين أو ثلاثة وهو ما لا يشكل أي إضافة لنا، بل يشكل عواراً في طريقة رؤيتنا للأمور، فالمرأة ليست عورة ولا ناقصة عقل ودين، كما أنها على الطرف الآخر ليست سلعة ومن غير الوارد أن تتعرض لكل العنف الذي تتعرض له.
دراساتك النقدية الأدبية تركزين على كبار الأدباء مثل نجيب محفوظ، وإبراهيم عبد المجيد، بينما تتراجع رؤيتك النقدية إزاء الكتاب والشعراء الشباب، وهم في احتياج لإلقاء الضوء على تجاربهم ومغامراتهم في الكتابة... كيف تفسرين ذلك؟
أنني أجد متعة كبرى في التعرف على العوالم الجديدة التي لم تكتشف بعد قدراتها، ولقد ضم كتاب «الرواية وتحرير المجتمع» سبع عشرة دراسة نقدية موسعة لروايات متميزة معظمها للشباب، وكانت قيمة النص الأدبية وتمثيله للظاهرة النقدية التي أتحدث حولها هي الفيصل، وكنت أتناول في هذا الكتاب أشكال الكتابة الروائية الجديدة للشباب وأسئلتها المهيمنة.
*
Apr 8, 2022
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق