Nov 15, 2020
البرجوازية الصغيرة تضم جميع المراتب التي تملك رأس مال صغيرا أو قطعة صغيرة من الأرض أو مهارة معينة أو مستوى من الثقافة، بحيث تستطيع أن تعيش من عملها- في الإطار التاريخي الموصوف- فتستثمر وسيلةَ عملها المالية أو الفنية أو الثقافية دون أن تكون بحاجة إلى بيع قوة عملها ودون أن تشتري قوة عمل الآخرين إلا أحيانا، في نطاق ثانوي.
رغم ذلك فإن نزعتين متناقضتين تتجاذبان البرجوازية الصغيرة. فهي، بوصفها طبقة تملك امتيازا صغيرا- بالقياس على الطبقات المُعْدَمَة- تستطيع أن تتطلع إلى استغلال الآخرين (أي أن لديها مضمرات رأسمالية)، إلا أنها تقترب من الطبقات المُعْدَمَة، بوصفها طبقة نشيطة تعيش من عملها الخاص الذي هو، إلى ذلك، عمل فردي، مفتت، معرض دائما للتأثر بضغوط القوى الطبقية المُسَيْطِرَة التي لا تملك البرجوازية الصغيرة قدرة على رد أذاها.
*
هل ثمة برجوازية طفيلية وبرجوازية لا طفيلية
الطبقات الحاكمة المستغلة كلها طبقات طفيلية لانها تعيش على انتاج الطبقات التي تستغلها. وعلى هذا الاساس تكون البرجوازية كلها طفيلية ولا تنقسم الى برجوازية طفيلية واخرى غير طفيلية. ان هذا التقسيم الى برجوازية طفيلية واخرى لاطفيلية هو تحريف للماركسية لان الماركسية لا تقدر دور الطبقات الحاكمة بكونها طفيلية او غير طفيلية وانما تقدر دور الطبقات الحاكمة حسب دورها في علاقات الانتاج التي تمثلها بالنسبة لقوى الانتاج في اللحظة المعينة.
قوى الانتاج قوى متطورة دائمة التطور لا يتوقف تطورها طالما بقي المجتمع الانساني قائما. بدأ هذا التطور عند انفصال المجتمع الانساني عن المجتمع الحيواني ولم يتوقف عن تطوره في جميع ظروف المجتمع التي نشأت خلال تاريخه الطويل ولن يتوقف عن تطوره ما دام المجتمع قائما على الارض. وعلاقات الانتاج هي نتاج لهذا التطور ومقياس دور الطبقات الحاكمة المستغلة يقاس بمقدار ما تقرره سياسات هذه الطبقات الحاكمة المستغلة. فاذا كانت سياسات الطبقات الحاكمة تنسجم مع تطور قوى الانتاج وتسانده تكون علاقات الانتاج في هذه الحالة تقدمية مفيدة للمجتمع واذا كانت سياسات الطبقات الحاكمة المستغلة معيقة ومعارضة للتطور وتعمل على ايقاف تطوره او تحول تطوره للاضرار بقوى الانتاج تكون الطبقات الحاكمة المستغلة رجعية ومعيقة لتطور قوى الانتاج والمجتمع كله.
الطبقات الحاكمة المستغلة هي دائما طبقات طفيلية تستغل الطبقات الكادحة التي تمثل تطور قوى الانتاج ولكن علاقاتها بالنسبة لتطور قوى الانتاج تكون منسجمة ومنظمة ومساندة ومسرعة لتطور قوى الانتاج لفترة زمنية ثم تصبح علاقاتها بالنسبة لتطور قوى الانتاج معيقة ومثبطة ومعادية احيانا اخرى.
، علاقات انتاج الصراع المشترك. فصراع الانسان المشترك ضد الطبيعة يشكل قوى الانتاج وعلاقات توزيع ما يحصلون عليه هو علاقات الانتاج.
علاقات الانتاج انئذ بالضرورة علاقات مشاعية. لذلك اطلق على هذه الفترة من حياة المجتمع الانساني فترة المشاعية البدائية. الجماعة تنتج ما تستطيع انتاجه ويجري توزيع الانتاج الشحيح بالتساوي بين منتجيه. مشاعية حتمتها شحة الانتاج فهي مشاعية بدائية.
التخصص في العمل البيتي في الزراعة وتربية الحيوانات بينما بقي قسم من الجماعة يمارس الصيد وتخصص بعض الناس في عمليات صهر المعادن وصناعة ما تحتاجه الجماعة من ادوات في عملها كصناعة المنجل او السهام او الرماح وغيرها. وجرى توزيع العمل بين المرأة والرجل. في هذه الاوضاع تطور الانتاج بحيث اصبح في مقدور الجماعة ان تخصص بعض انتاجها لاشخاص غير عاملين مباشرة في الانتاج. فعلى سبيل المثال كان بمستطاع الجماعة ان توفر حاجات الكاهن الذي كان لا يعمل مباشرة في الانتاج بل كان يعكف على تعلم ظروف الزراعة واوقات البذار وظروف تحسين الزرع فيرى المجتمع من واجبه توفير ما يحتاجه من طعام وكساء.
ادى تطور الانتاج الى ظهور علاقات انتاجية جديدة غير علاقات الانتاج المشاعية. فظهر مثلا النظام العائلي الابوي واعتبار شيخ العائلة او العشيرة وحكيمها مشرفا على توزيع الانتاج وفقا للعلاقات الجديدة وظهرت بالضرورة امكانية تحول بعض الانتاج الى ملكية خاصة يحوز عليها شيخ الجماعة.
تطور قوى الانتاج ادى الى حتمية تحول المجتمع من مجتمع مشاعي لا طبقي الى مجتمع طبقي، مجتمع عبودي. اذا تساءلنا عما اذا كانت طبقة اسياد العبيد هي طبقة طفيلية ام لا طفيلية فان الجواب هو انها اسوأ طبقة طفيلية في التاريخ. الا ان الماركسية لا تقدر دور اية طبقة حاكمة من حيث كونها طفيلية ام لاطفيلية. ان طبيعة اية طبقة حاكمة مستغلة يحددها كون دورها في علاقات الانتاج التي تمثلها هي علاقات مفيدة ومناسبة لقوى الانتاج وتساعد على تطورها.
تحولا من مجتمع المشاعية البدائية اللاطبقي الى مجتمع عبودي طبقي فان التاريخ يشهد على ان هذا التحول كان تحولا مفيدا ومساعدا على تطور قوى الانتاج اي كان تطورا تقدميا بالنسبة للمجتمع.
التاريخ يعلمنا ان طبقة اسياد العبيد قامت بالابقاء على حياة الملايين من اسرى المعارك وانقاذهم من الموت. وقامت طبقة اسياد العبيد بعد التحول بتنظيم قوى الانتاج العبودي وبدفعه الى التطور. وقامت بتطوير وسائل الانتاج وتطوير علوم ذلك العصر. يشهد على ذلك تقدم علم الطب الى درجة توصل علم الطب الى طب التحنيط وتطوير علم الهندسة الى درجة اقامة وبناء هذه المعالم التى ما زالت قائمة الى ايامنا وما زلنا نكتشف المزيد منها. ونظمت عمل ملايين العبيد الذين كانوا هم اداة الانتاج الرئيسة بحيث ان ما نفخر به اليوم بانه عجائب الدنيا جرى انتاجها بعمل هذه الملايين من العبيد. كل ذلك امكن انجازه لان علاقات الانتاج العبودية كانت في بداياتها منسجمة مع قوى الانتاج الاجتماعي انسجاما تاما.
عند الانتقال من المجتمع المشاعي البدائي الى المجتمع العبودي لم تكن ثمة في المجتمع طبقة منظمة في دولة تقاوم التحول فجرى التحول الى المجتمع العبودي تحولا سلسا بسيطا وسلميا. اما عند نشوء علاقات الانتاج الجديدة، العلاقات الاقطاعية، فلم يحصل التغير بسلاسة كما جرى في التحول الاول.
محصلة اتجاه المجتمع الحتمي كان القضاء على علاقات الانتاج العبودية وتحولها الى علاقات الانتاج الاقطاعية.
التحول من المجتمع المشاعي البدائي الى مجتمع العبودية تحولا مفيدا ومساعدا لتطور قوى الانتاج وكان تحول المجتمع العبودي الى مجتمع اقطاعي مفيدا ومطورا لقوى الانتاج فقد كان التحول من المجتمع الاقطاعي الى المجتمع الراسمالي مفيدا ومنسجما ومطورا لقوى الانتاج. كانت علاقات الانتاج الراسمالية مطورة ومسرعة لتطور قوى الانتاج.
عدا التحول الاول من المشاعية البدائية الى المجتمع العبودي الذي جرى بدون الحاجة الى ثورة اذ لم تكن في المشاعية البدائية دولة ترى من مصالحها مقاومة التحول ولديها القوى اللازمة لمقاومة التحول جرى التحول من المجتمع العبودي الى المجتمع الاقطاعي عن طريق ثورات العبيد وجرى تحول المجتمع الاقطاعي الى المجتمع الراسمالي عن طريق الثورات على الطبقة الحاكمة من قبل القوى التي تمثل علاقات الانتاج الجديدة.
في كل ثورة من هذه الثورات نشأت طبقتان متناقضتان، طبقة تشكل قوى الانتاج الجديدة وطبقة تمثل علاقات الانتاج الجديدة. وكان الانسجام بين علاقات الانتاج الجديدة وقوى الانتاج الجديدة انسجاما مؤقتا لان قوى الانتاج بطبيعتها قوى دائمة التطور بينما علاقات الانتاج بطبيعتها وبالقوى التي تساندها تميل الجمود وعدم التطور.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق