كتابه "العلم المرح" يقول نيتشه: "خلف سطح الحياة الحديثة المغلفة بالعلم والعقلانية تكمن قوى دافعة بربرية لا أثر فيها للرحمة". وتشير هذه العبارة إلى تصور نيتشه لإنسان العصر الحديث وما بعده، ذلك الإنسان الذي لا يملُّ ولا يكل عن إظهار تحضره في كافة السياقات، لكن خلف قناع هذا التحضر يوجد ذلك القاتل بشكل أو بآخر؛ توجد تلك القوى الهمجية التي صرح بها قبله الفيلسوف الإنجليزي توماس هوبز، في عبارته الخالدة "الإنسان ذئب للإنسان". وفقاً لنيتشه ليس ثمة تعاطف أو شفقة في عالم الإنسان، وإن كان فإنه لا يظهر إلا مع ما ينتمي إليه فقط (كانت هذه الفكرة أساس النقد العنيف الذي وجهه بعض المفكرين للمركزية الأوروبية). يؤكد نيتشه أن الإنسان لديه ذلك الاستعداد الفطري في طبيعته للإجرام والعنف، فقط باسم الحضارة يخفي كمية العنف التي بداخله.
هذه الفكرة أجاد بيل عرضها سينمائياً من خلال فيلمه المحمل بالدلالات والإشارات، التي تُنذِرُ بخطر انفجار هذا العنف في أي لحظة. قدم بيل في "Us" عالمين يعيشان بالتوازي؛ يمثل الأول البشر الذين يحيون فوق الأرض حياة طبيعية، والثانى هم مجموعة القرناء بملابسهم الحمراء، الذين يخرجون من تحت الأرض ويقومون بثورة لقتل البشر والاستيلاء على أماكنهم والتمتع بها، بعد أن عاشوا معزولين تحت الأرض يأكلون الأرانب النيئة، مجبرين على الالتزام بقواعد وضعتها مجموعة مجهولة من البشر تلزمهم بتقليد البشر الأصليين على الأرض، والتزاوج مع من يختارهم البشر، بل وإنجاب قرناء مشابهين تماماً لأبنائهم.
يتضمن الفيلم نقداً حاداً لمفهوم الطبقات الاجتماعية وكيفية ترسخها من خلال نشر بعض الأكاذيب التي تؤكد على أن الأفضلية في الأساس بيولوجية أو معرفية أو ثقافية، في حين أن التمييز في الحقيقة هو تمييز يتعلق بالمظاهر والقدرات المادية. هذا الانقسام الحاد بين الطبقات، كما يقول بيل، قابلٌ للانفجار في أي وقت، ولا حل له سوى ترسيخ فكرة العيش المشترك.
*
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق