Nov 6, 2019
أدى تغير سلوكيات المصريين وتبدل أخلاقهم.. في السنوات القليلة الماضية.. إلى شيوع حالة من الإحباط واللامبالاة والاضطراب النفسى والرغبة في الانعزال والانطواء لدى غالبية أفراد المجتمع.. لا أحد يطيق أحدا.. الكل يشكو من الكل.. وكل من يشكو يرى أنه على حق وعلى صواب وأنه المظلوم.. والمشكو في حقه على باطل وهو المخطئ والظالم.. تشوهت الشخصية المصرية وتغيرت ولم تعد تلك الشخصية المتسامحة المتصالحة مع نفسها.. المحبة للخير وللغير.. المسارعة لمد يد العون لمن يستنجد بها أو يحتاج مساعدتها.. المتدينة باعتدال.. المنفتحة على مختلف الثقافات.
قد يتعدى عليك باللفظ أو بالضرب.. بعدما كان من قبل.. يعتذر ويبدى أسفه في أدب.. وأيضا.. ازدادت حالات التحرش والبلطجة والسرقات بالإكراه والنصب والاحتيال.. نتيجة «الأنمالية» أى أن كل شخص يقول «وأنا مالى».. بعد أن كانت شهامة المصريين هى المعهودة في هذه المواقف.. يهبون لنصرة المظلوم والدفاع عنه واسترجاع حقه.
وفى الأسرة الواحدة.. ضعفت الروابط الأسرية.. وغلبت الأنانية عليهم.. وضاعت الحقوق بينهم.. وأصبحت المشكلات بينهم.. أكثر مما هى بينهم وبين الأغراب.. وغابت المعاملة الحسنة والإيثار وصلة الرحم.. كما تراخت قبضة الآباء عن أبنائهم وغابت رقابتهم عليهم.. فساءت أخلاقهم وفسدت تربيتهم.
وطبقة العمال والفنيين والمهنيين.. الذين رفعوا أجورهم.. ولا يتقنون عملهم.. والتجار الذين زاد غشهم وجشعهم.. مما أدى إلى زيادة الأسعار والغلاء الفاحش بدون مبرر.. الفلاح والمنتج يرفعان الأسعار على تاجر الجملة.. وتاجر الجملة يرفع الأسعار على تجار التجزئة.. وتجار التجزئة يرفعون الأسعار على المواطن.. والمواطن يئن تحت ضغط قلة دخله وضعف قوته الشرائية.. وإذا سألت عن السبب.. يقولون.. البنزين زاد.. الدولار ارتفع.. الصنف شاحح.. مع أن البنزين والدولار والصنف ليسوا سببا للزيادة في كل مرة.
وفى العموم زادت الشائعات والمعلومات المغلوطة ووجدت من يصدقها ويساعد في انتشارها.. والفهلوة التى أصبحت سمة لمعظم تعاملاتنا.. وعدم احترام كبار السن ورفع الصوت والتطاول عليهم.. وانتشار الألفاظ الخارجة البذيئة والنابية التى تخدش الحياء والذوق العام وعدم الالتزام بالقوانين.. والتسول بطرق فجة.. والبلطجة في الشوارع.. وانتشار تجارة المخدرات.. وغيرها من المظاهر والظواهر السلبية التى لم يكن لها وجود من قبل.. أو التى كانت موجودة ولكنها لم تكن بمثل هذا الظهور والسفور.
لقد مرت مصر بأزمات وصعاب وشدائد.. أشد وأقوى مما نمر به الآن.. ونجحت في التعامل مع كل ما مر بها وتغلبت عليه.. ولم تتغير هويتها.. ولم تتبدل شخصية المصرى الشهم المتمسك بمبادئه وقيمه.. المحافظ على عاداته وتقاليده.. رغم التنوع الدينى والعرقى والثقافى والاجتماعي.. حيث اندمجت قيم وعادات أبناء المدينة والريف والبادية.. وتعايش المسلمون بجانب المسيحيين وأصحاب الديانات والمذاهب الأخرى.. لا وجود لكلمة أغلبية وأقلية أو طائفة أو مذهب أو عرق.
نحن في حاجة إلى استعادة هويتنا وشخصيتنا المصرية الأصيلة.. وإحياء عاداتنا وتقاليدنا.. وإيقاظ مبادئنا وقيمنا.. وتوريثها لأبنائنا.. لينقلوها لأحفادنا.. وتظل متوارثة بينهم إلى أن تقوم الساعة.
*
صرت فى كل مرة تشرق فيها شمس هذه الأرض الحلوة أردد أننى «أحبها وأعشق سماءها».. أجيال توقفت عن التعامل بمنطق «أمى أو أبى»، اللذين أحبهما (رغم) عيوبهما!
وتتعامل مع فكرة حبها كعلاقة ناضجة بين وطن ومواطن! لا نثقل عليها بأكثر من ذلك ولا نرضى لها بأقل من ذلك!
المصريون الآن فى حالة تخبط فى تحديد الهوية.. الغالبية، باستثناءات ضعيفة جدًا، لا يعرف ماذا يريد تحديدًا.. يريد كل شىء فى نفس الوقت.. يريد إنجازات لا يشارك فى تحقيقها.. يريد الكذب والشرف! يريد سلطة بلا محاسبة! يريد خدمة بلا قانون! يريد مكاسب دون جهد!
كيف نتعجب ممن سرقوا ما صار متاحًا لهم! ونحن لم نهيئ «معيارًا عامًا للسلوك» يصبح مَن يخالفه تحت سلطة القانون أو
تحت سلطة المجتمع، الذى يرفض بشدة هذا السلوك الفردى؟!
الطبيعى أن تكون الفكرة البديهية بشأن السلوك اللائق معروفة لدى الجميع.. لكن الواقع أكثر إيلامًا، هناك حالة من التشوه السلوكى تجتاح مجتمعنا بشكل مرعب، تجَوّلْ فى المناطق الشعبية تحديدًا، والتى كانت حتى وقت قريب مصنع الشهامة والأصول والأخلاق والترابط.. ترَ واقعًا (مرعبًا) لا يمكن حتى أن تتصور أنه يحدث.. لكنه حادث بالفعل، وسيتزايد قوة وانتشارًا.. فلم يعد هناك هذا «المعيار العام» للسلوك! للصواب والخطأ! الحقيقة أن الدولة فى سابق عهدها اعتمدت تمامًا على المؤسسات الدينية فى ضبط معيار الصواب والخطأ لدى الناس!! وخاب رجاؤها لأنه وبكل صراحة.. حتى المؤسسات الدينية متخبطة فى هويتها ورسالتها، تتشابك سياسيًا واجتماعيًا وغاب عنها الدور الأصلى فى تهذيب أرواح الناس، والذى بالطبيعة يهذب سلوكهم شيئًا فشيئًا.. فنرى صورة متدينين غاية فى الفظاظة والقسوة! غاية فى التشدد والعنف!! وللأسف غاية فى الفساد!
مصر فى طريقها للتحول إلى دولة مؤسسات- حتى وإن لم تبلغ ذلك بعد- وفى هذا الطريق يجب على تلك المؤسسة العظمى أن تعلن بوضوح عن هويتها: مَن نحن «هويتنا»؟ ما رؤيتنا؟ ما مهمتنا؟؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق