تقييد المرأة وتحريم مظاهر الحداثة يزيدان من نسب الطلاق والتناقضات في المجتمعات الإسلامية.
بسبب رغبة هؤلاء السلفيين في تحويل ذويهم إلى مُتدينين وفق مفهومهم الخاص عن التّدين، ما دفع الكثيرين إلى تبني أفكار عدائية تجاه الدين ووصل الأمر إلى حد الإلحاد.
أضحت موجات التدين المفاجئة محل ريبة وقلق لدى الكثير من الأسر، وتحمل في طياتها انعكاسات غير معتادة على كيان الأسرة في المجتمعات العربية المعاصرة.
وساهم تحول بعض الأفراد العاديين إلى ما يُسمى بالالتزام الديني في نسخته السلفية في خلخلة العلاقات العائلية، بسبب رغبة السلفي في تحويل ذويه إلى مُتدينين وفق مفهومه عن التّدين.
ومن هنا يعدّ تحوّل أي فرد من أفراد الأسرة إلى التدين السلفي بسماته الظاهرة، وتقديم صورة عامة للناس، أمرا شديد الوطأة على أفراد عائلته، فصاحب القناعة السلفية يصطدم في الكثير من الأحيان برغبة البعض من أفراد العائلة بممارسة حرياتهم الشخصية وفق منظورهم الخاص، ويرفضون أي قيود تحد من حقوقهم الشخصية.
يعد تحول أرباب العائلات من الأزواج هو الأكثر تأثيرا على المحيط الاجتماعي، نظرا لما يُمثله موقع الأب من شعور بالسلطوية والمسؤولية الأخلاقية تجاه باقي أفراد الأسرة.
العديد من الأسر تأثرت بالاتجاه العقائدي المتزمت للسلفيين الذين يتبنون أفكارا متشددة، ولا يسمحون لأفراد عائلاتهم بالتعبير عن وجهات النظر المخالفة لهم
وتقول السيدة التي رفضت ذكر اسمها، إن زوجها يحاول إجبارها على التخلي عن العمل، ثم تطور الأمر إلى مطالبته لها بارتداء النقاب، مُكررا في العديد من المناسبات “أن الفتن التي تكبل الحياة المعاصرة تجعل بقاء النساء في بيوتهن أمرا واجبا”.
بعد مجادلات ومناقشات مستفيضة، اختارت الزوجة في النهاية الرضوخ لإلحاح زوجها، وكان من نتائج ذلك تأثر دخل الأسرة بشكل كبير وفقدان الكثير من الجوانب الترفيهية التي كان يحظى بها الأبناء، فضلا عن مرورها بفترات اكتئاب نتيجة انقطاعها المفاجئ عن محيط العمل واللقاء بزميلات وزملاء العمل.
مع ذلك لم يكتف الزوج بمنع زوجته من العمل، بل أصر على قطع دروس الموسيقى التي كانت ابنته تتلقاها على مدار عدة سنوات رغم براعتها في العزف، متعللا بحرمة الموسيقى والغناء في الدين الإسلامي.
كما ألزم باقي أفراد الأسرة بعدم مشاهدة الأفلام السينمائية والمسلسلات على منصات إلكترونية، فشعر ت الأسرة بالضيق والتململ من تعميم آراء وأفكار التدين السلفي، مع أنهم نشأوا وتربوا جميعا في بيئة لم تشهد في البداية إجبارا على أي أمر.
في بعض العائلات قد يرفض الأبناء فكرة إرضاء الأب، ويصل الأمر إلى حد الصدام العنيف معه، فالأبناء يرون أن تدين الوالد وانتهاجه للطابع الإسلامي المتشدد، يجافي ما سبق وغرسه فيهم من قيم أخلاقية وتصورات منفتحة على الإبداع والانفتاح.
ما يدفع البعض أحيانا إلى تبني أفكار عدائية تجاه الدين ذاته، نظرا للقيود التي يفرضها عليهم طوق التحريم الجديد الذي يفرض عليهم الكثير من القيود ويحرمهم من التطلع نحو مظاهر الحياة العصرية من حولهم، ما يدفع عددا من الشباب إلى النفور العام من المعتقدات الدينية، وربما يصل بهم الأمر إلى الإلحاد.
أوضح محمد إبراهيم الباحث المتخصص في التراث الديني لـ”العرب”، أن الكثير من حالات الإلحاد في المجتمعات العربية تنشأ في أسر تعاني من تفكك أسري، وتناقضات فكرية واسعة بين أفرادها.
يؤكد بعض الخبراء والمتابعين، أن أفراد جماعات الإخوان والسلفيين وغيرهما، لا يتزوجون في الغالب إلا من أمثالهم ممن يحملون الأفكار ذاتها، ما يجعلهم يتجنبون أي مشكلة عارضة تؤثر على كيان الأسرة، لأنهم بالفعل من البداية متفقون على طريقهم وتصورهم عن المرأة وتحريمهم للموسيقى، أو تجنبهم للفنون الجميلة أو غيرها من التوجهات المناقضة للحداثة والمدنية.
القمع المقدس
وفسر حسن حماد أستاذ الفلسفة وعلم الجمال في كلية الآداب بجامعة الزقازيق شمال القاهرة، ذلك بأنه من النادر وجود سلفي أو إخواني يقترن بامرأة لا توافقه أفكاره وتصوراته الدينية، وبالطبع يتشرب الأبناء الأفكار ذاتها.
محو شخصية المرأة وإحالتها إلى متاع، حيث تجبر على طاعة زوجها طاعة عمياء دون تفكير أو تدبر، بل تتحول تلك الطاعة إلى كونها جزءا من العبادة نفسها، وفي المجمل لا تتحرج النساء في ذلك المحيط الاجتماعي من الظهور بشكل ذليل ومزر، ويتصورن أنهن بذلك يرضين الله، وهو ما يمكن تسميته بـ”القمع المقدس”.
إننا بحاجة إلى تكرار أن تلك القروسطية ليست هي الإسلام، إنما هي صناعة رجال دين منغلقين يعادون التطور والحياة”.
قطع الطريق أمام تيارات السلفية ودعاياتهم المعروضة باعتبارها الدين الصحيح في كل مكان، وعدم السماح لهم بحرية الحركة وسط مجتمعات غير متعلمة، تعاني من الفقر والحرمان.
من الضروري التأكيد على مدنية الحياة الثقافية والسياسة والاجتماعية في المجتمعات العربية وعدم التورط في المزايدة على المتظاهرين بالتدين.
أدى شيوع الظاهرة وتكرارها إلى تحولها لسمة ثابتة في الكثير من الأعمال الدرامية والفنية الحديثة المعنية بظاهرة التطرف.
الفن والثقافة وحدهما لن يوقفا شلال التسلفن المستشري في ظل غياب الأجهزة الحكومية والمؤسسات عن الطبقات الأدنى اجتماعيا، ما ينبه إلى ضرورة الالتفات للأمر والتعامل معه باهتمام كبير.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق