يجرد إخوان مصر من سلاح المظلومية
ووثقت الحلقة لحظات مخيفة عاشتها مصر في يوم فض اعتصام رابعة في 14 أغسطس من عام 2013، وقد شهدت الموقعة أعمال عنف وتبادلا لإطلاق النار أدى إلى سقوط آلاف الضحايا بين قتيل وجريح. وأظهرت بعض لقطات الفيديو إطلاق عناصر تنظيم الإخوان النار على أفراد الشرطة المصرية.
استعاد مصريون على مواقع التواصل ذكريات الخوف والقلق من تحول البلاد إلى ساحة للحرب الأهلية لولا تدخل القوات المسلحة وجهاز الشرطة.
وفككت الحلقة المظلومية الإخوانية التي ظلت الجماعة ترددها طوال السنوات الماضية. وأكد مغردون “أهمية كشف زيف رواية جماعة الإخوان، أو أي جماعة أخرى تحمل الفكر المتطرف”، وأوضحوا “ضرورة مواجهتهم ومحاربة فكرهم وكشف أكاذيبهم أمام الجميع”. وأشاد مغردون بـ”الدراما الوطنية” التي “تسجل وتكتب جزءا من التاريخ الحديث والمعاصر”.
المسلسل “وثق أحداثا مثيرة في إطار المواجهة الفكرية مع تيارات الإسلام السياسي”.
وانبرى إعلاميون وسياسيون إخوان ومواقع إلكترونية لوصف المسلسل بـ”المهزلة”، واستخدموا عبارة “إلى مزبلة التاريخ” ونشر بعضهم صورا مما قالوا إنه مذبحة، في محاولة لرفع هاشتاغ مذبحة رابعة إلى الترند وهو ما لم ينجحوا فيه في ظل الإشادات الواسعة من المصريين بالحلقة التي أسقطت مظلومية الإخوان.
*
مجزرة فض "رابعة": 7 سنوات من التزوير والخوف من الحساب
اعتمدت السردية في مسلسل "الاختيار 2" بشكل أساسي على التحريات الأمنية وأقوال الضباط وأمناء الشرطة
يرسم المسلسلان صورة نقية بلا شوائب ولا سلبيات لأجهزة الشرطة والجيش والمخابرات، مقابل تشويه المعارضين من الإسلاميين واليساريين والحقوقيين.
اللافت في السردية التي قدمها مسلسل "الاختيار 2" لفض الاعتصام أنها تجاوزت تلك التي بذل النظام جهداً كبيراً طوال السنوات السبع الماضية لرسمها وبلورتها، في أحكام قضائية نهائية، اعتمدت بشكل أساسي على التحريات الأمنية وأقوال الضباط وأمناء الشرطة، دون الأخذ بأقوال الضحايا أو المتظاهرين في الأحداث المختلفة التي اندلعت عقب مذبحة الفض. وكان النظام يطمح منذ البداية إلى كتابة سردية جديدة للمذبحة، شأن السرديات القضائية الأخرى التي كتبت لأحداث ما بعد ثورة يناير، والتي أضفت عليها أوصاف المؤامرات.
الإعلاميين الموالين للأمن الوطني، لبث الأكاذيب في عقول المتابعين وشيطنة الإسلاميين ومعارضي الانقلاب،
الأجهزة القضائية المصرية لم تبد اهتماماً يذكر خلال النظر في قضية الاعتصام بمقتل المواطنين، فلا محاكمة أو مساءلة للمسؤولين عن الفض، مقابل اتهامات قانونية هشة للمعتصمين، كتنظيم اعتصامات دون تصريح وتعطيل الطرق والمواصلات. وزعمت النيابة، أمام المحكمة في عام 2018،
الأعمال الفنية، عن خطة ممنهجة لتزييف التاريخ، فحسب، بل يعكس أيضاً الخوف الدفين من تحمل النظام وقياداته وزر المذبحة سياسياً وجنائياً في المستقبل، خاصة بعدما حسم خياراته بعدم سلوك طريق العدالة الانتقالية، لتضمنها عنصري المحاسبة والمصالحة، وفي ظل استمرار محاولات تحريك دعاوى ضد قيادات الدولة آنذاك في الخارج. ولم تكف في هذا السياق التبعية المطلقة للنيابة العامة والسلطة القضائية للنظام، ليأمن قادة السلطة الحاكمة وقت فض الاعتصام من خوف دفين من أي محاسبة مستقبلية، أو إجراءات قضائية دولية من شأنها تعريض شخصيات نافذة للخطر، كالسيسي نفسه، أو وزير الداخلية آنذاك محمد إبراهيم، أو رئيس الوزراء آنذاك حازم الببلاوي، أو رئيس الجمهورية المؤقت السابق عدلي منصور، أو رئيس الأركان آنذاك ووزير الدفاع السابق صدقي صبحي، وكذلك رؤساء وقادة الفرق الشرطية والعسكرية التي شاركت في عملية الفض.
ده استثناء مش بيتعمل عشان حق المواطن في المشاهدة لا سمح الله..ده مخصوص عشان تاخدوا الجرعة الوطنية الكاملة للمذبحة
*
"ليس عملًا فنيًا، بل هو جريمة ضد الإنسانية يقوم بها النظام المصري.
"لا تقترب من الواقع المعاش"، كما أشار البعض إلى التناقض بين صورة مصر في الدراما الرمضانية وصورتها المغايرة تماما في الإعلانات.
قرار إعلان حرب على ما تبقى من مجتمع مصري يعافر ليكون متماسكًا وموحدًا، بمواجهة تحريض رسمي لم يتوقف على مدار ثماني سنوات على الاحتراب المجتمعي".
أهم أسباب عرض مسلسل الاختيار-2، هو إعادة خلق العدو الأزلي للنظام، وهو جماعة الإخوان ... لصرف الانتباه وتغييب الشعب عن العدو الحقيقي الذي يقف النظام عاجزا تماما عن التعامل معه، وهو إثيوبيا ومشروعها سد النهضة".
"المسلسل سيعمل على ترسيخ الانقسام المجتمعي وترسيخ السلطوية القائمة".
"فزع الإخوان رهيب، وحملتهم على المسلسل جنونية، الاختيار-2 يهدم بنايتهم الموهومة، ويعرى كذبتهم المفضوحة، ويفضح روايتهم المكذوبة .. ويَقضُّ مضاجعهم".
مصر لا هي التي في الدراما، ولا هي التي في الإعلانات والكومباوندات والمنتجعات .. مصر حالة وسط بين رذيلتين".
"زحمة الإعلانات المزعجة"، وتشير إلى حالة "الاستسهال والاستخفاف بالمواطنة والمواطن" في الدراما المقدمة خلال شهر رمضان.
أغلب ما يقدم في دراما رمضان "لا يقترب من الواقع المعاش في أي بلد عربي أو أنه الواقع الذى 'يبهر ' بمعالجات كلها خارجية لا تتماشى مع ما يعيشه ناسنا".
"البرامج الرمضانية الباهظة التكلفة في مجملها تعتمد على التسطيح إن لم نقل التسفيه والإفراط في الإغراءات المالية".
"تكرّر الاستفزاز السنوي المعتاد، بالمبالغة في تصوير الرفاهة والرقي الذي تتمتع به المنتجعات السكنية وتجسيدهما".
"هكذا يجد المصريون أنفسهم بين إعلانات ترويجية مُوجَّهة إلى طبقة لا يعرفونها".
*
Apr 19, 2021
دائماً ما كان التاريخ، وقائعه وحقائقه وسردياته، محل خلاف ونزاع. وكثيراً ما كتب التاريخ بناء على تحيزات دينية أو مذهبية أو إيديولوجية أو عرقية أو سياسية. كذلك، لا يخفى على المتخصّصين أن المُتَغَلِّبَ حريصٌ على أن تقدّم الأحداث ضمن إطار سرديته ومصالحه واشتراطاته. ومن ثمَّ، فإن أجزاء واسعة من التاريخ بين أيدينا اليوم لا تخلو من تشويه وتلاعب وتزييف وتزوير، قد يصل إلى حدَّ الافتعال والاختلاق. ولا تقف الأمور عند هذا الحد، إذ إن العبث بحقائق التاريخ لا يقتصر على لحظة تدوينها، بل إنها قد تكون بأثر رجعي، ضمن نسقية تسمّى "إعادة كتابة التاريخ". وحسب أستاذة التاريخ البريطانية، شارلوت ليديا رايلي، فإن بعض المؤرخين لا يساورهم قلق من عمليات إعادة كتابة التاريخ، ذلك أنهم مقتنعون أن هذا هو الدور المناط بهم. لذلك فإنها تدعو إلى التيقظ في مواجهة مثل هذه الجهود، ومحاولات "تبييض" صفحات سوداء في تاريخنا، أو حتى "محوها".
وتزعم السردية الانقلابية، ومؤيدوها، إن الاعتصامين كانا مسلّحين، وإن المعتصمين هم من بدأوا بإطلاق النار على رجال الأمن الذين حاولوا فضَّ اعتصامهم سلميا. في حين يؤكد من شاركوا في الاعتصامين أنهما كانا بالفعل سلميين، وأنه لم تكن هناك أسلحة فيهما.
المفارقة البغيضة في هذا السياق أن الاعتصامين كانا محلّ تغطية إعلامية، مصرية وعربية ودولية، واسعة من ساحتي الحدث مباشرة. بمعنى أن يومياتهما وحوادثهما ونشاطاتهما موثقة، صوتاً وصورة، دقيقة بدقيقة، بشكل لا يرقى إليه شك. ومع ذلك، لا يجد النظام العسكري في مصر، ولا أبالسته من المتواطئين معه في مساعي التزييف، ذرّة خجل تردعهم عن محاولة إعادة كتابة تاريخ ما زال نابضاً بالحياة، عايشه أغلبنا، وشهوده أحياء. وكانت منظمات حقوقية دولية معتبرة، مثل منظمة العفو الدولية، وهيومان رايتس ووتش، وصفت المذبحتين بأنهما ترقيان إلى جرائم ضد الإنسانية. ما يحدث هنا ليس عبثاً، بل هي محاولة خبيثة، ولكن واعية، من نظام العسكر، لإعادة كتابة الماضي مرّات ومرّات، حتى يتسنّى له صناعة سردية زائفة، تصبح مع الوقت هي السائدة، وتمثل الحقيقة المطلقة. إنها محاولة لغسل وعي الأجيال القادمة وتنميطه. وهي محاولةٌ للعبث بوعي الجيل الذي عايش الجريمة وتخليط الحقائق عليه.
في روايته "1984"، ينبه الصحافي والروائي الإنكليزي الشهير المعادي للاستبداد، جورج أوريل، إلى المقاربة السابقة التي تلجأ إليها الأنظمة الاستبدادية. حسبه، تدرك تلك الأنظمة أن "من يتحكّم بالماضي يتحكّم بالمستقبل، ومن يتحكّم بالحاضر يتحكّم بالماضي". إذن، هي مقاربة تروم التحريف والتزييف في أفق إحكام القبضة على الذاكرة والحقيقة والتاريخ والحاضر والمستقبل، وبالتالي توفير قدرةٍ أكبر على التحكّم بالناس ووعيهم. تنقل أستاذة التاريخ البريطانية، رايلي، السابق الإشارة إليها، عن المؤرّخ الألماني، ليوبولد فون رانك، أن دراسة التاريخ لا تنحصر في اكتشاف "كيف حدث ذلك بالفعل"، ولكنها تشمل، أيضاً، كيف نفكّر بالماضي وطبيعة علاقتنا به. وبهذا، إذا كان الماضي ميتاً، فإن التاريخ حيٌ، وهو قائم في الحاضر، كما تلاحظ رايلي محقة.
مصر اليوم تحت حكم عبد الفتاح السيسي من أسوأ إلى أسوأ، ليس فقط على صعيد الحريات والديمقراطية وحقوق الإنسان، ويكفي أن تتابع الأخبار اليومية لترى حجم الفاجعة هناك، من تصادم قطارات إلى سقوط مبانٍ سكنية إلى جنوح باخرة في قناة السويس إلى وقوف مصر على أعتاب أزمة مائية قاتلة جرّاء مضي إثيوبيا في بناء سد النهضة على منابع النيل. دع عنك طبعاً الفساد والقمع والفقر والتفريط في حقوق مصر السيادية على أراضيها وشطآنها وثرواتها، واستمرار التردّي الاقتصادي والفشل في التصدّي لجائحة كورونا.. إلخ. أمام ذلك كله، ماذا تبقى في ترسانة النظام من أعذار وحجج حول وعود بمستقبل وردي أجمل؟ لا شيء. ومن ثمَّ، لا حل أمام هذا النظام إلا بالعودة إلى السرديات التاريخية للعبث فيها، وتحميل بعض لاعبي الأمس كامل المسؤولية عن سيرورة الأزمة اليوم. إنها، كما نبه أوريل من قبل، محاولة من نظام العسكر وأبالسته للتحكّم بالحاضر والمستقبل عبر التحكم في الماضي.
*
بيتر ميمي
مام اتهامات الفشل كان يتمسك بأن يكون شخصية ملهمة لكل شاب يمكن أن يستسلم أمام الفشل والإحباط والتحجج بالظروف، فهو الذي درس بكلية الطب جامعة القاهرة، والتحق بالعمل طبيبا في مستشفى قصر العيني، وبعدها تم تعيينه معيدا بمعهد الكبد، لكن أحلامه في الإخراج كانت تراوده طوال الوقت.
رغم أن العمل بمهنة الطب حلم أغلب الشباب والأسر في مصر، لكنه اتخذ قرارا باعتزاله مبكرا، والتحق بمعهد السينما، ليدرس الإخراج والتأليف وكل ما يرتبط بمهنة الفن، وهذه كانت مجازفة، لكنه تمسك باستكمال الطريق، ثم تخرّج وبدأ بصناعة بعض الأفلام القصيرة، وبعدها قدم أفلاما دون المستوى.
لم يكن يستطيع الإنفاق على الإخراج، حتى شركات الإنتاج كانت تخشى التعاون معه ولم تساعده بميزانيات معقولة، وخرجت بعض أعماله الفنية رديئة وفقيرة في البداية، فاضطر إلى الاعتماد على بعض أصدقائه للحصول على المال والوقوف على قدميه والتمسك بتحقيق حلمه.
في الثالث من يوليو 2017 كتب على صفحته في فيسبوك “صديقي الفاشل، أنت أكيد مشوفتش إحباط وفشل أكتر من اللي أنا شفته في حياتي، بعد ما ضيعت سبع سنوات في كلية طب وأصبحت معيدا في معهد الكبد قدمت استقالتي عشان أعمل ثلاثة أفلام أفشل من بعض، وأكتر واحد في الدنيا اتشتم بس مكنتش مظلومْ، الأفلام دي فعلا كانت فيها مشاكل”.
أربع سنوات فقط كانت فاصلة بين المكانة التي يحتلها ميمي حاليا وحديثه عن محاولات إحباطه وقتل روحه المعنوية بالتشكيك في قدراته، ما يعكس أنه ليس من المخرجين الذين حققوا شهرة واسعة بالصدفة أو العلاقات والوساطات المنتشرة في الوسط الفني، بل لأنه كان موهوبا وواعدا لكنه لم يجد الفرصة.
أثبت المخرج الثلاثيني أن الموهبة وحدها تفرض نفسها وتحطم كل القيود، فلا هي بالسن ولا يسهل شراؤها، لذلك صار كبيرا في وقت قياسي يترقب الجمهور أعماله، ويحلم أي فنان بالعمل تحت قيادته لإدراكه جيدا أنه سيظهر في أبهى صورة، ومهما كان تمثيله تقليديا فإن بيتر ميمي سيجعله في قمة تألقه.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق