والحال نفسها بالنسبة للتيارين، العلماني والإسلامي: يرى الأول أن طريق الخلاص والخروج من المأزق يكمن باستبعاد الدين وتجاهل دوره، والآخر (الإسلامي) عموماً، في صبغته الإحيائية أو الحركية، غلّب الجانب العاطفي والتحشيدي والدعوي على حساب الاجتهاد والتجديد والإصلاح الديني.
في مواجهة هذه التيارات جميعاً وُلدت نخب واتجاهات إصلاحية، بخلفية إسلامية، تمتلك المنهجية الشمولية التي تتجاوز الانقسامات، وتقدّم رؤىً إصلاحية ووطنية ودينية وثقافية، يمكن أن تكون مشروعاً للجميع والوطن وللقواسم المشتركة، لا تجد فيها تناقضاً بين الدساتير والقوانين الوضعية مع الشريعة الإسلامية، ولا بين متطلبات النهضة القومية والوطنية والإنسانية. لديها تجربة ثرية مع التراث الإسلامي، وفي الوقت نفسه، اطلاع على الحضارات
على أهل العلم والفكر والثقافة. وفي الأثناء، تخوض معارك إصلاحية في مجال مواجهة الاستبداد والدفاع عن حقوق الشعوب بالحرية والكرامة الإنسانية، تؤمن بالهوية لكن بوصفها إطاراً جامعاً عاماً منفتحاً على جميع الشرائح الاجتماعية والثقافية والسياسية. والثقافات، محسوبة
هل أبالغ في توصيف هذا الاتجاه الإصلاحي الوطني – الإسلامي، أو في تعريفه؟ من يشكّك في ذلك ما عليه إلا العودة إلى ما كتبه الأكاديمي والباحث الأميركي، ريموند ويليام بيكر، "إسلام بلا خوف: مصر والإسلاميون الجدد"، وهو كتاب مهم، تمت ترجمته إلى العربية بواسطة المركز العلمي للدراسات السياسية (عمّان)، في العام 2008. يتحدّث عن مدرسة فكرية إسلامية وسطية في مصر، تتشكّل من إنتلجنسيا مثقفة متكاملة، خلال العقود الماضية، مثل أحمد كمال أبو المجد (المفكر الإسلامي)، طارق البشري ومحمد سليم العوا (مفكران وقانونيان)، محمد الغزالي (المفكر والفقيه)، يوسف القرضاوي (العالم)، والصحافي فهمي هويدي.
هذه المدرسة التي أعلنت عن نفسها بصورة جلية بما سماه المؤلف "مانفيستو" في العام 1991، عبر كتاب ألّفه حينها أحمد كمال أبو المجد، متحدثاً عن رؤيتهم في قضايا ومجالات عديدة بعنوان "رؤية إسلامية جديدة"، وهي رؤية كانت تلك المجموعة قد أعدّتها قبل ذلك
بعشرة أعوام،
لكنّها لم تر النور إلا في 1991، ثم قدّمها جماهيرياً أبو المجد بعد ذلك في العام 1992، بالتزامن مع المناظرة الشهيرة بين الشيخ محمد الغزالي وفرج فودة في معرض القاهرة للكتاب.
"الجيل المفقود" من الشباب التائه، بحثاً عن هويته وعن أفق، ليقع لاحقاً في براثن الخطاب التكفيري المتطرّف!
النخب المميّزة، التي وقعت ضحية الصراعات قبل الربيع العربي وبعده، ودفعت الثمن مرتين. فضلاً عن أنّ محمد العوا خاض الانتخابات الرئاسية، ووقف الإسلاميون ضده. ومع ما رافق ذلك من خطاب عدائي وقاس لإفشاله في الانتخابات، فقد واجه أيضاً حملة من خصوم الإسلاميين بوصفه من المرجعيات الفكرية للتيار الإسلامي، وهي الحال نفسها مع البشري وعلماء إصلاحيين آخرين في دول عربية وإسلامية، وقعوا بين سندان الاستبداد والتخوين من جهة وإقصاء الإسلاميين من جهةٍ أخرى.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق