الجمعة، 16 أبريل 2021

هايدغر

هايدغر من الوجود إلى العدم

فلسفة هايدغر شديدة التعقيد والتَّشعب، وهي قائمة على ثلاثة أركان : القلق ، الاغتراب ، الموت. ويمكن تبسيطها على النَّحو التالي : إِنها فلسفة تقوم على فكرتين مركزيتين : الوجود ( حياة الإنسان ) والعدم ( الموت ) وضمن هذه الثنائية ، على الإنسان أن يشعر بالقلق تجاه مصيره ، لأن نهايته الحتمية هي الموت. وهذا يعني أن القلق الوجودي المسيطر على الإنسان هو الذي كشف معنى العدم ( الموت ).

 سبب القلق هو الخوف على الوجود من العدم، وبعبارة أخرى، الخوف على الحياة من الموت، وهكذا يتكرس القلقُ الوجودي كجرس إنذار ، وأداة كاشفة لماهية العدم والفناء ، ومبدأ لإزالة القناع عن وجه الإنسان ، وتعريته ، وتأكيد ذاته .

 القلق الوجودي في فلسفة هايدغر، مؤشر واضح على أن الحياة لا معنى لها، ولكن الإنسان صاحب الحضور المركزي في هذا العالَم هو الذي يُعطي الحياةَ معناها، ويَمنح الشرعية والمعقولية للوجود، وبالتالي فالإنسان يصنع نفْسه بنفْسه ويصنع عالَمه المحيط به، ولا يمكن للإنسان أن يجد نفْسَه إلا إذا كان حراً.

هكذا تتجذر الحرية كمبدأ أساسي من مبادئ الفلسفة الوجودية. وعلى الجهة المقابلة، يبرز مفهوم الوجود الوهمي، حيث يعاني الإنسان من الاغتراب فيتقمص الآخرين ولا يجد نفْسَه، وهذه المرحلة تُمثِّل نوعاً من عدم الوجود.

الفلسفةُ الوجودية تُشدِّد على أهمية القلق لخلاص الإنسان وتخليصه من أزماته، لذلك فهي تقف ضد الأشخاص الذين يرفضون تحمل مسؤولية القلق الوجودي، ولا يريدون تأكيد ذواتهم ولا يَطمحون إلى اكتشاف مواهبهم ولا يَتركون بصمة في حياتهم، وهؤلاء _ وفق المنظور الوجودي _ يَغرقون في نظام استهلاكي روتيني مغلق، ويَبحثون عن الراحة والرفاهية بعيداً عن الأسئلة الوجودية والقضايا المصيرية.

الفلسفة الوجودية تعتبر الهروب من مسؤولية القلق هو نهاية الإنسان، وبما أن الإنسان محكوم _ منذ ولادته _ بالموت ، فعليه أن يكتشف تفاصيل حياته بنفْسه، ويستغل كل لحظة زمنية ، ولا يُضيِّع وقته في الأمور غير المفيدة، وهذا لا يتحقق إلا بالبحث عن معنى الوجود والماهية الحقيقية للأشياء، والتفتيش عن الوجوه لا الأقنعة .

 أهم إنجازات هايدغر يتجلى في إِبعاد الفلسفة الغربية عن الأسئلة اللاهوتية والغَيبية ( الميتافيزيقية )، والتركيز على الأسئلة الوجودية ومعنى الكَينونة،

لقد تركَ هايدغر أعمالاً فكرية كثيرة، وتميَّز بتأثيره الهائل على المدارس الفلسفية في القرن العشرين، كالوجودية والتفكيكية وما بعد الحداثة، ورغم كل الانتقادات التي وُجِّهت لهذا الفيلسوف إلا أنه بقي في قلب المشهد الفلسفي العالمي ولم يَقدر أحد على تحييده أو إقصائه.

*


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق