الثلاثاء، 31 مايو 2022

الفراغ او العدم

اللا شيء 

 وفي الإجمال نلاحظ أن ما يعلمه الانسان لا يقارن مع (اللا شيء) الذي يجهله ولم يكتشفه حتى الآن.. حتى التشريعات السماوية تخبرنا بأن الأصل في (جميع الأشياء) الإباحة باستثناء المحرم بنص صريح؛ فجميع الأشربة في الإسلام حلال ماعدا الخمر، وجميع اللحوم مباحة ماعدا الخنزير، وجميع الأشياء طاهرة ماعدا التي ورد نص بنجاستها.

أما أعظم مراتب (اللا شيء) في نظري فهو انجذاب العقل البشري لفراغات الأفكار والأسئلة المعلقة وشغفه الدائم بالانتقال من خانة اللا شيء إلى (شيء) يمكن فهمه ولمسه والتأكد من وجوده.. وهذا الاستفزاز الذهني هو ما دعاني قبل سنوات لكتابة مقال - ليس عن أعظم الاكتشافات العلمية - بل عن أعظم مانجهله ولم نكتشفه بعد..

*

فراغ غير فارغ، أي أنه ليس عدمًا أو فوضى

تخيّل الفراغَ حالةً ماديّة ذات مزايا رقمية كمّية، هي صفر طاقة، وصفر دفع، وصفر شحنة كهربائية. والصفر هنا لا يعني الموات، كونه حالة تتّبع القوانينَ الفيزيائية حيث توجد تقلّبات أو تذبذبات كمّية.
لقد وقع الانفجار الكوني الهائل مجانا، بشكل عجائبي، في جزءٍ من الثانية يصعب احتسابها لسرعتها، وقد سمّاها تونيللي "اليوم الأول"، تلاها في "اليوم الثاني" انبلاجُ كونٍ طفلٍ، مثالي، متجانس، بسيط وأنيق، كان من الممكن أن يبقى ثابتا،


عمر الكون ومعضلة الزمن *****************

Mar 3, 2019 Oct 10, 2021 Feb 9, 2022

عندما نتوهم أن الحاضر هو واقع حقيقي مستمر و لا ندرك أنه يتحول إلى ماضي خلال
 ثواني ويتجه نحو المستقبل باستمرار دون توقف ، ولا ندرك أن ذلك يحدث على الصعيد النفسي أو السيكولوجي والشعوري فهذا يؤشر إلى حالة من غياب الإدراك والفهم أو الوعي الصحيح

فلو دار المرء بسرعة حول نفسه وتوقف فجأة فسوف يشعر بدوخان ويتكون لديه انطباع أو شعور بأن العالم يدور من حوله ولكن ما تراه عينيه خاطيء فحركة العالم حول الجسم وهم بصري سببه دوران السائل في الأذن الداخلية ويمكن تطبيق ذلك على حالة إدراك التدفق الزمني.

فالذكريات الجديدة تضيف معلومة للمعلومة المخزونة عن طريق التراكم المعرفي والمعلوماتي ويزيد من مستوى الأنثروبي في الدماغ حينئذ نشعر بأننا ندرك هذا الاتجاه الأحادي كما لو إنه تدفق للزمن ومرور للوقت

الإلكترون الذي يصطدم بذرة يمكنه أن يقفز إلى أي موضع أوأي اتجاه، ومن المستحيل التنبوء بمكانه مسبقاً، و لا معرفة مآل هذا الحدث إلا من خلال الإحتمالية. فاللاحتمية الكمومية أو الكوانتية توحي بأنه في أية حالة كمومية أو كوانتية خاصة يوجد عدد لا محدود من الأزمنة المستقبلية البديلة أو عدة "واقعات " كامنة قد يصل عددها إلى اللانهاية. فالميكانيك الكمومي أو الكوانتي يزودنا بالاحتمالات المتعلقة بكل حل ممكن الحدوث وبكل مخرج قابل للمشاهدة والرصد لكنه لايشير على الإطلاق لأي مستقل ممكن سيصبح عليه الواقع . ولكن عندما يقوم مراقب بشري بعمل قياس وحساب فسوف يخرج بنتيجة واحدة فقط. فالإلكترون المعرض للقياس والحساب سوف يتجه باتجاه واحد معلوم بعد قفزته . ففعل القياس والمشاهدة أو الرصد سوف يفرز واقعاً واحداً من بين عدد لامتناهي من الواقعات الممكنة. فبالنسبة للمراقب ، يغدو الممكن واقعاً والمستقبل المفتوح يغدو ماضياً ثابتاً مما ينطبق تماماً على ما نعرفه على أنه مرور أو تدفق الزمن . بعض العلماء الكلاسيكيين يعترض على هذه الفرضية لكن البعض الآخر ، ممن يعتقدون بصحة نظرية العوالم والأكوان المتعددة، يتقبلون هذا التفسير. ففعل الرصد والمراقبة ووعي المراقب الذي يقوم بعملية الحساب والرصد يدفع الواقع إلى الانشطار ويدفع الطبيعة لكي تقرر. وقد أعرب بعض الباحثين مثل روجيه بينروز ، الأستاذ في جامعة أوكسفورد، عن اعتقاده بأن الانطباع أو الشعور بمرور الزمن يمكن أن يكون مرتبطاً بالسيرورة الكمومية أو الكوانتية التي تحدث داخل الدماغ فهي مصدر مثل هذا الشعور.

لم يعثر العلماء لحد الآن على عضو عضوي داخل دماغ الإنسان يكون مختصاً بالزمن كما هو الحال مع القشرة البصرية في الدماغ المسؤولة عن الرؤية . ويمكن في المستقبل القريب أن يتوصل العلماء إلى حقيقة عمل ووظائف السيرورات الدماغية المسؤولة عن إدراكنا لمرور الوقت وجريان الزمن على المستوى الشعوري . حينئذ يمكن التفكير بصنع دواء لوقف هذا الإدراك . أما إذا تمكن العلم من إثبات عبثية مفهوم مرور و أو تدفق الزمن فلن يقلقنا بعد ذلك قلقنا وخشيتنا من المستقبل وألا ناسف على ما حصل لنا في الماضي و لا الخوف من الموت أو الولادة. و لا الانتظار أو الحنين حيث سيكونان من بين المفردات البشرية.

هناك أيضاً ما يدعى بحالة نفاذ الصبر ، فلم يعد المرء يحتمل الانتظار أمام شباك التذاكر أو المعاملات الإدارية و لا الوقت الذي يحتاجه الكومبيوتر للانطلاق والعمل أو تنفيذ أمر أو عندما يكون الباص أو الميترو أو القطار متأخراً ، حتى أن البعض تشكل لديه نفور مرضي من الدخول إلى الإدارات الحكومية لإنجاز معاملاته خاصة في بلدان العالم الثالث حيث طوابير الانتظار طويلة ولاتطاق ، وهذا يشير إلى تسارع إيقاع الحياة والعمل والتواصل الآني بين الناس عن طريق الانترنت ووسائل الاتصال الاجتماعي لقد انتهى البريد العادي والرسائل التي كان ينتظرها العشاق بفارغ الصبر . من هنا يتساءل علماء الأعصاب عن تداعيات وانعكاسات مثل هذه التغييرات على نمط الحياة وعلى دماغ الإنسان. ومحاولة معرفة آليات العمليات العصبية والدماغية عندما نصل إلى مرحلة نفاذ الصبر وعدم تحمل الانتظار. ماهو الانتظار في الدماغ؟ إن مفهوم الاندفاع قد يساعدنا في فهم عدم تقبل وتحمل الانتظار فالاندفاع هو نزعة التنفيذ بسرعة وفوراً حتى بدون تفكير أو تأمل أو تروي وعدم مراعاة ما يمكن أن يترتب على هذا التسرع والاندفاع من نتائج وتبعات أو تداعيات على المدى القريب أو المتوسط أو البعيد، لأنه ترجمة نفسية لعدم تحمل مرور الزمن ببطء على الصعيد السيكولوجي المحض .

 النسبية العامة لآينشتين. فهذه النظرية قالت بإمكانية السفر نحو المستقبل ولم تمنع إمكانية العودة إلى الماضي لكن ذلك يبدو مستحيلاً في الوقت الحاضر
رواية آلة الزمن

سنة 1905 نظريته في النسبية الخاصة التي زعزعت أركان مفهوم المكان والزمان الذي ورثناه من غاليله ونيوتن ، ومن فهمنا لهذه النظرية بدا ممكناً السفر عبر الزمن، وعلى وجه التحديد الذهاب نحو المستقبل... فالزمن هو نفسه بالنسبة للجميع حسب المفهوم الغاليلي في حين أنه، في نظرية آينشتين مرتبط بالمادة المقاسة أو المحسوبة من قبل مراقبين يكونان في حالة حركة ، وسرعة تلك الحركة، ما يعني أن الزمن ليس مطلقاً وثابتاً بل نسبي . ولقد اثبت العلماء لاحقاً صحة هذا المبدأ الآينشتيني :" تباطؤ الزمن مع السرعة" ،فكلما كان الجسم المتحرك سريعاً في حركته تباطأ الزمن بالنسبة له عما هو عليه في المكان الساكن ، وهو المبدأ الذي عرف فيما بعد بمفارقة التوأمين. ويمكن لمس الفارق الزمني وتأثيرات " الرحلة نحو المستقبل" فقط في حالة السرعة العالية جداً وقطع مسافات بعيدة جداً ، أي المسافات مابين المجرية وبسرعة تقرب من سرعة الضوء دون أن تبلغها بالطبع لأنه لايوجد شيء في الكون يمكنه أن يسري بسرعة أكبر من سرعة الضوء حسب آينشتين.

 رائد الفضاء الأرضي سافر نحو مستقبل الأرض. والمسالة ليست سوى مسألة وقت وإمكانيات تكنولوجية كما يقول أستاذ الفيزياء في جامعة برينستون، ريشار غوت . أما السفر نحو ماضي الأرض فهذا مستحيل مهما كانت الإمكانيات ومهما بذلنا من جهد ووقت فبوسع الزمن أن يتقلص أو يتمدد ولكن لايمكن أن ينعكس أو يرتد كما تنص النسبية الخاصة الآينشتينية ، إلا أن النسبية العامة الآينشتينية قالت بإمكانية ذلك نظرياً بعدما أدخل عامل الثقالة أو الجاذبية الكونية وتأثيرها على نسيج الزمكان . فمعادلات النسبية العامة تسمح بعدة حلول تتوافق كل واحدة منها مع حالة مختلفة عن الأخرى لذلك يكون الجواب معقداً على سؤال كيف يمكن أن نسافر عبر الزمن إلى الماضي ، البعض من تلك الحلول تصف أكوان متعددة موازية يكون السفر فيها نحو الماضي ممكناً فيجب أولاً الخروج من كوننا المرئي والذهاب إلى كون آخر ، عبر ثقوب دودية ، ومن ثم العودة إلى كوننا المرئي( إن كان ذلك ممكناً وهو ما لم يثبت حتى نظرياً ) عندها يمكن أن تكون العودة نحو حقبة زمنية من ماضي الكون المرئي، والعلماء يجهلون كل شيء تقريباً عن هذه الفرضية العلمية والمسألة مفتوحة للدراسة والبحث فهناك طريقة ما للذهاب إلى الماضي من الناحية النظرية ولكن هناك استحالة من الناحية العملية إلا إذا تقبلنا فكرة تعدد الأكوان وتفاعلها فيما بينها فهناك مفارقة من يسبق من؟ فلو غادر أحدنا نحو ماضيه وقتل جده أو والده قبل ولادته فكيف يكون قد ولد وسافر ليقتل جده أو والده بنفسه؟ فالكون المرئي بقوانينه الجوهرية المعروفة يمنع حصول مثل هذا الخرق ، خاصة وإننا لانعرف شيئاً كثيراً حتى عن كوننا المرئي نفسه فمابالك عن الأكوان الأخرى الموازية وعن طبيعة وحقيقة وماهية كوننا وباقي الأكوان خارج نطاق نظامنا الشمسي ومجرتنا؟ درس آينشتين في نسبيته الخاصة ما ينطوي على مثل هذا التساؤل ،

 مابين النجوم ــ الذي أخرجه كريستوفر نولان سنة 2014 حيث تم خلق مدخل ثلاثي الأبعاد داخل نفق رباعي الأبعاد في الزمكان ، كما هي حالة الترحال على مديات جميع المنحنيات والتحدبات الزمكانية المغلقة ، فإن المرور من خلال ثقب دودي من شأنه أن يتشابه مع كافة الدروب التي تتكون عبر الزمكان فمهما عمل المسافر عبر الثقب الدودي فإن زمنه يمر ويتدفق نحو الأمام ،

عندما نتحدث عن الكون هنا فنحن نقصد حصراً الكون المرئي أو المنظور والمرصود الذي نعيش فيه ونعرفه وليس الكون العظيم المطلق اللامتناهي الذي يضم عدد لامتناهي من الأكوان ، سواء المتوازية أو المتداخلة أو المتعايشة جنباً إلى جنب كالتوائم. ولكل كون منها زمنه الخاص ، وقوانينه الخاصة، وثوابته الخاصة، المختلفة كلياً عن بعضها أو المتشابهة في البعض الآخر منها. أما الزمن فهو بالتأكيد الزمن المندمج مع المكان في نسيج واحد هو الزمكان في كوننا المرئي على وجه التحديد، وهو ليس زمن واحد بل عدة أزمان وليس متجانس وثابت بل مضطرب ومتغير ومرتبط بالحركة والسرعة والاتجاه والهندسة المكانية. ولكن هل هناك حقاً " مرور للزمن؟" وهل هناك حقاً " إتجاه محدد للزمن؟ " لا يوجد في علم الفيزياء مفهوم إسمه مرور أو تدفق الزمن، فالعلماء يقولون إنه "على إفتراض وجود الزمن حقاً " فهو لن يمر أو لا يتدفق. فبعض الفلاسفة يعتقد أن مجرد التفكير بأمر يتعلق بمرور الزمن شيء عبثي ومبني على فكرة زائفة وخاطئة، فكيف أمكن لجانب أولي بسيط وبديهي لمفهومنا عن العالم الفيزيائي أن يكون خاطئاً على هذا النحو؟ هل للزمن خصائص مميزة له وميزة مفتاحية لم يشخصها العلم بعد؟

 فكل لحظة من الحاضر تتحول إلى ماضي وكل لحظة من الحاضر تصبو لأن تغدو مستقبلاً حاضراً في الواقع. ، أي أن مفهوم " الآن " الذي نعيه، ينزلق باستمرار وعلى الدوام نحو المستقبل ويحول أحداث المستقبل غير المؤكدة إلى واقع حاضر ، ملموس لكنه عابر قبل أن ينزله أو ينقله إلى منزلة الماضي المحفور في صخرة الوجود. 

إن التمييز بين الماضي والحاضر والمستقبل ما هو إلا مجرد وهم متشبث ودائم بعناد في التفكير البشري"" إن هذا الاستنتاج المدهش والغريب لآينشتين مستمد على نحو مباشر من نظريته النسبية التي تنكر أي معنى مطلق وشمولي أو كوني لفكرة اللحظة الحاضرة فهي تقول إن التزامن أمر نسبي . فحدثين يقعان في نفس اللحظة عندما تتم مشاهدتهما أو رصدهما في إطار مرجعية ما، يمكن، إذا ما نظر إليهما من إطار آخر، أن يقعا في وقتين مختلفين. فلو طرحنا سؤال عما يحدث الآن أو في الوقت الحاضر أو في هذه اللحظة، على سطح المريخ ، لن يكون له جواب قطعي. فهناك مسافة كبيرة تفصل بين الأرض والمريخ تصل إلى 20 دقيقة ضوئية ، أي ما يقارب 360 مليون كلم والحال أنه ليس بمستطاع المعلومة أن تنتقل بين الكوكبين بأسرع من هذه المدة الزمنية فلا شيء يمكنه أن ينتقل بأسرع من سرعة الضوء فالمراقب الموجود على سطح الأرض لا يمكنه أن يرصد الحدث على المريخ ويعرفه في نفس الوقت الذي يراه ويرصده مراقب موجود على سطح المريخ أو على القمر التابع لكوكب المريخ الذي هو أقرب بكثير من الأرض للكوكب الأحمر فالمراقب الأرضي يحتاج لعشرين دقيقة لكي يعرف ما يحدث "حالياً " على سطح المريخ بعد وقوع الحدث بعشرين دقيقة عندما يقطع الضوء المسافة بين الكوكبين ويحمل المعلومة للمراقب الأرضي. فالأحداث التي تقع تعتمد كذلك على سرعة المراقب وحركته واتجاهه 

فمفهوم التدفق مرتبط بمفهوم الحركة، فهل الزمن يتحرك فيزيائياً؟ قطعاً كلا. فالحركة تخص الكينونة الفيزيائية مثل السهم الذي ينطلق من القوس ، فهل يمكن تشبيه سهم الزمن بسهم النشاب أو القوس ؟ فنحن نشاهد تغيرات موقعه عبر فترات وقتية زمنية. فبالنسبة إلى ماذا " يتحرك الزمن" لو اعتقدنا أنه ينتقل؟ فالحركات والتنقلات الأخرى مقترنة بسيرورة فيزيائية لجسم أو كينونة فيزيائية أخرى ، فما هي سرعة الزمن بالمقارنة بسرعة الضوء مثلاً، وهل لديه سرعة؟ 

 فتعابير ماضي ومستقبل يمكن أن تطبق على إتجاهات أو إحداثيات زمانية على غرار فوق وتحت التي تطبق على إتجاهات مكانية، فتعابير أو مفاهيم فوق وتحت المجردة بذاتها لاتعني شيئاً إلا إذا قرنت بمكان محدد، كأن نقول فوق الطاولة أو تحت الطاولة مثلاً. هناك الزمن الأرضي الصالح للأرض فقط ويحدد بالثواني والدقائق والساعات والأيام والأسابيع والشهور والسنين، وهو نفسي ، معنوي ، سيكولوجي ، وفزيولوجي،عصبي، وهناك زمن النظام الشمسي حيث تختلف الأيام والأسابيع والشهور والسنين بطولها ومدتها عما هي عليه على الأرض ، وهناك الزمن الكوني المحدد بكوننا المرئي وهو المتداخل والمندمج مع المكان – الفضاء في نسيج الزمكان الآينشتيني، وهناك الزمن المطلق الذي لا نعرف عنه شيئاً الذي يحكم منظومة الأكوان المتعددة اللامتنماهية العدد. وهكذا يبدو لنا نحن البشر أن الزمن مفهوم ذاتي وليس مفهوم موضوعي. 

كانت المسألة الأساسية هي معرفة ما إذا كان الزمن هو خلفية مطلقة وثابتة للأحداث الكونية دون أن تؤثر الأحداث وتعاقبها على الزمن نفسه، باعتباره مستقلاً عنها وكأن له كينونة مستقلة. أو أن الزمن ليس سوى مفهوم ثانوي أو مجرد تعبير لغوي ناجم عن الوعي البشري 
فالزمن في هذه الحالة مفهوم يتعالى على الواقع، ليس له بداية ولا نهاية قابلة للتصور. وهذا الطرح ينتمي للمفهوم الأفلاطوني عن الحقائق الأبدية

الفهم الجديد للزمكان الآينشتيني، الذي حل بديلاً عن المكان والزمن النيوتني ، قلب على عقب موقفنا من الشروط والظروف البدئية الأساسية الأولية للنشأة الكونية، وإمكانية وجود بداية للكون. وبفعل الجمع بين بنية الزمكان والمادة، فإن كل " فرادة" في المحتوى المادي للزمكان( على سبيل المثال، الكثافة اللانهائية للمادة التي تتجلى في المفهوم ألتقليدي للبغ بانغ الانفجار العظيم) تشير إلى أن هذا الزمكان بلغ أوجه. وبات علينا أن نتعاطى مع " فرادات" للزمن والمكان ، بدلاً من " فرادات" في الزمان والمكان . بمعنى أن " الزمكان" الذي اقترحه آينشتين يغطي الكون المرئي برمته، على عكس النظرية النيوتنية عن المكان والزمان المنفصلين والتي تصف وجود الأجسام والأشياء في مشهد ثابت لفضاء أو مكان خارجي . وتبعاً لذلك فإن " فرادات" النسبية العامة تمثل خواص أو خصائص الكون المرئي بمجمله، وليس فقط موقع معين منه ، وفي لحظة زمنية من تاريخه.

ثقل أو كتلة الكون المرئي المرصودة، مع توفر برهان ودليل نظري رياضياتي ورصدي بشأنها، لا تتجاوز الـخمسة بالمائة 5% من محتويات الكون المرئي الآتية من مكونات مادية موجودة في المادة العادية المرئية ـ بروتونات ونيوترونات وإلكترونات في حين ثبت أن 25% بالمائة من المادة هي مظلمة أو سوداْ أو معتمة وإن 70% بالمائة هي طاقة سوداء أو مظلمة أو معتمة ، إلا أن المعضلة تتمثل في غموض طبيعة وماهية هذين المكونين الطاغيين . فهل المادة السوداء أو المظلمة مكونة هي الأخرى من بروتونات ونيوترونات وإلكترونات لكنها لم تنجح في تشكيل المجرات والنجوم والكواكب الباعثة أو العاكسة للضوء على غرار المادة العادية؟ الحسابات النظرية والرياضياتية تؤكد على أنها غير مكونة من نفس العناصر والمكونات المعروفة في المادة العادية ، أي البروتونات والنيوترونات والإلكترونات وغيرها. ولقد رشح العلماء بعض العناصر كالآكسيونات والزينوات والنيوتريونات ولكن لم يعثر عليها لحد الآن في التجارب المختبرية ومصادمات الهدرونات الكبيرة . الأمر الأكيد هو أنه المادة والطاقة المعتمتين أو المظلمتين منتشرة في كافة أرجاء الكون المرئي 

المادة السوداء أو المظلمة (Dark Matter): 
وهو الاسم الذي تمّ إعطاؤه لكمية المادة التي اُكتشف وجودها نتيجة لتحليل منحنيات دوران المجرة، والتي تواصل حتى الآن الإفلات من كل عمليات الكشف. هناك العديد من النظريات التي تحاول شرح طبيعة المادة المظلمة، لكن لم تنجح أي منها في أن تكون مقنعة إلى درجة كافية، و لا يزال السؤال المتعلق بطبيعة هذه المادة أمراً غامضاً.

*****************

السفر عبر الزمن والذهاب للمستقبل

 فهناك في النسبية الخاصة والعامة لآينشتين مبدأ يسمى تباطؤ الزمن مع السرعة، ما يعني أنه كلما تسارع الجسم في حركته واقترب من سرعة الضوء ، كلما تضائل الزمن بالنسبة له فيما يبقى الزمن يجري في إيقاعه العادي بالنسبة للآخرين غير المسافرين بسرعات كبيرة بل يتحركون بالسرعة العادية اليومية .

نظرتنا المألوفة للزمان والمكان خاطئة وعلينا تغييرها كلياً. فالمدة ليست قيمة مطلقة والزمن يمكن أن يتمدد ويتقلص حسب حالة المراقب ، إذا كان ساكناً أو متحركاً ، وبالطبع حسب قيمة سرعة تحركه ولقد سمى آينشتين هذه الحالة بمفارقة التوأم. ولقد أجريت تجارب عملية علمية بساعة ذرية أثبتت صحة هذا المبدأ ، أي تباطؤ الزمن مع السرعة. فلو أخذنا توأمين بنفس العمر ووضعنا أحدهما في مركبة فضائية وتركنا الآخر على الأرض يعيش كباقي الناس. ثم تمر أربعون عاماً على التوأم الباقي على كوكب الأرض، وكان عمره 20 عاماً عند مغادرة شقيقه في المركبة الفضائية فسيكون عمره 60 عاماً عند عودة أخيه في حين أن الشقيق المسافر بسرعة فائقة لا يشيخ أكثر من عام واحد أي سنة مقابل أربعين سن تمر على التوأمين بسبب سرعة السفر 

 هذا إذا كانت السرعة كبيرة لكنها بحدود المعقول وليست قريبة من سرعة الضوء وهي 300000 كلم في الثانية. فلو تمكن شخص أن يعيش على متن سفينة فضائية لمدة ثمانين عاماً خارج كوكب الأرض في سفينة ترحل بسرعة قريبة من سرعة الضوء فإنه عند عودته إلى الأرض ــ إذا كانت ما تزال موجودة بالطبع ــ فسيجد أنه مر عليها 1036 سنة ، أي حوالي مائة مليون مليار المليار أكثر من عمر الكون الحالي وهو 13.85 مليار سنة أي إنه سوف يجد أن الأرض والشمس بل والمجموعة الشمسية برمتها قد انقرضت واختفت وابتلعتها مجرة أخرى هي أندرويدا أي المرأة المتسلسلة. لكننا في حياتنا البسيطة المتواضعة لا نشعر بمثل هذه التغيرات فحياتنا لاشيء مقارنة بأبعاد وقيم وحسابات وقوانين الكون المرئي الذي يحتوي على مائة مليار مجرة مثل مجرتنا درب التبانة وفي كل مجرة بين مائة إلى ثلاث مائة مليار نجم مثل نجمنا الشمس وحوله كواكب وأقمار تدور في نظام شمسي كنظامنا وإن اقرب نجم للأرض يبعد مسافة 4 سنوات ضوئية أي مايقطعه الضوء بسرعته الفائقة لمدة أربع سنوات أرضية . وخلاصة ذلك أننا لايمكن أن نفصل بين الزمان والمكان فهما وجهان لعملة واحدة ويمكن أن يتحول أحدهما للآخر في ظروف معينة فهما نسيج واحد يسميه آينشتين ــ الزمكان ــ فمراقب ما يرصد الزمن من زاوية معينة من الكون المرئي، يجده مراقب آخر من زاوية أخرى وبظروف أخرى على إنه مكان وليس زمان، ولو تمعنا ملياً بهذا المفهوم الجديد لاستوعبنا مدى عمق هذه الثورة العلمية التي بدأت في أوائل القرن العشرين وما زالت مستمرة وترفدنا بالعديد من المنجزات والتطورات والابتكارات العلمية والتكنولوجية التي نلمسها في حياتنا اليومية، كنظام الملاحة الفضائي الجي بي أس والأقمار الصناعية والذكاء الصناعي والهواتف الذكية والقنوات الفضائية الستلايت ، وكانت ترجمة هذا الحدث العلمي المهول قد تمت سينمائياً من خلال الفيلم الملحمي الرائع أنترستلر أي رحلة ما بين النجوم حيث يغادر شخص بحثاً عن أرض مناسبة لسكن البشرية المعرضة للفناء، لبضعة أشهر قليلة تاركاً ابنته المراهقة وعندما يعود يجدها طاعنة في السنة وجدة لعائلة 
كبيرة من الأبناء والأحفاد بينما هو مايزال شاباً يافعاً وما علينا سوى أن نتأمل .

للزمن لايعدو كونه سهم أو اتجاه من الماضي نحو المستقبل مروراً بالحاضر، وبالتالي هو ليس سوى وهم ناجم عن التقلبات والتحولات والحركات التي تملأ العالم المادي، وهو صورة أخرى غير مألوفة للمكان، و لا وجود لما شاع بين الناس للزمن المطلق.

*
عدد النجوم 

فالكون المرئي يعود بالزمن إلى الوراء بنحو 13.8 مليار سنة، وربما يمتد كوننا إلى أبعد من هذا الزمن ولكننا لا نستطيع رؤيته، فضلا عن أن بعض علماء الفلك يعتقدون أننا ربما نعيش في "كون متعدد" حيث سيكون هناك أكوان أخرى مثل كوننا محتواة في نوع من الكيان الأكبر.

إننا حتى لو حصرنا تعريف الكون في الكون "المرئي" الذي يمكننا رؤيته، فإن تقدير عدد النجوم بداخله يتطلب معرفة حجم الكون، والتعقيد الأول الذي يقابلنا هنا هو أن الكون نفسه يتمدد، والتعقيد الثاني هو أن "الزمكان" يمكن أن ينحني.

يوجد ما لا يقل عن تريليونين مجرة في الكون المرصود

باستخدام درب التبانة نموذجا، يمكننا ضرب عدد النجوم في مجرة نموذجية (100 مليار) في عدد المجرات في الكون (2 تريليون)، ومن ثم سنجد أن الجواب على سؤال عدد النجوم في الكون هو رقم مذهل للغاية، إذ يوجد ما يقرب من 200 مليار تريليون نجم في الكون، أو بعبارة أخرى 200 سكستيليون.



الاثنين، 30 مايو 2022

القرية الكونية

 فالعالم، لم يصبح متصلا بعضه بالبعض الآخر بالصورة التي روجت لها أسطورة القرية الكونية. وأفضل الافتراضات تقول إن معرفتنا متفاوتة وليست متساوية. ولنرجع إلى الوراء شيئا ما، فمع ظهور التلفزيون تقلصت مساحة الاتصال الإنساني وانعزل المواطن داخل حدود الدولة التي يعيش فيها. ومع انتشار الفيديو تراجع الاتصال الإنساني أكثر لينحصر المواطن داخل بيته.

مع انتشار الكمبيوتر الشخصي وظهور شبكات الأنترنيت، أصبح الإنسان حبيس غرفته. نعم، إنه يتصل بأقرانه في فرنسا وأمريكا والدار البيضاء والرباط. لكنهم، كلهم، حبيسو الغرف أيضا، أو حبيسو القاعات المخصصة “للأنترنيت” بالأحياء. واليوم، تقتني الأسرة لطفلها وطفلتها لوحات إلكترونية بأثمان ترهق ميزانيتها.

 أصبحت المجتمعات أقل ارتباطا وأكثر عزلة، بعد أن وفرت التكنولوجيا وسائل الاتصال عن بعد مع الأبناك والتسوق الإلكتروني. ووفرت للأطفال الألعاب المشحونة بثقافة العنف. واختفت جلسات الأصدقاء والعائلات. واختفى كل ما يشيع الدفء والتواصل داخل المجتمع.

 خفيف و”مسل” أكثر مما هو ذو قيمة فعلية. ويؤدي الاستعمال المفرط لوسائل التكنولوجيا إلى العزوف عن القراءة والابتعاد عن كل ما يتطلب التركيز.

هذه القنوات التلفزيونية والعديد من الفضائيات وما يسمى بالشبكات الاجتماعية، تسهم بشكل كبير في نشر الثقافة الزائفة، ثقافة العنف والحقد والكراهية بين الأطفال والمراهقين، وحتى بين الأزواج، داخل الوطن الواحد.

 اختصر إعلام صناع العولمة المسافات بين الشعوب. وساهم في الكشف عن خبايا السياسات الداخلية في العديد من دول الجنوب. ودفع بعض الحكومات والأنظمة الذكية إلى رفع سقف الحريات والتعبير والرأي.

لن يغفر لهؤلاء الصناع -مهندسو الليبرالية المتوحشة- استعمالهم لوسائل الإعلام والاتصال المختلفة كأبواق لتبرير الحروب المباشرة والحروب بالوكالة في بقاع متعددة من العالم، ولفبركة العديد من الصور لتزييف الحقائق والوقائع على الأرض. وما يقع في الشرق الأوسط، في أرض فلسطين المغتصبة خاصة، من تقتيل وتدمير للحضارة الفلسطينية وتاريخها وللإنسان الفلسطيني ولحرية الصحافة والصحفيين. وما يقع في العديد من الدول الإفريقية وباقي دول العالم، خير دليل على أن، قانون الغاب، كان وما زال هو أساس العلاقات الدولية.



"الرأسمالية وحدها": ما احتمالات وجود عالم أكثر عدالة؟

May 21, 2020

صعود الرأسمالية إلى الهيمنة العالمية، ويتطرق إلى نماذج مختلفة من الرأسمالية تتنافس على قيادة العالم.

الرأسمالية وحدها: مستقبل النظام الذي يحكم العالم``

لأول مرة في تاريخ البشرية، يهيمن على العالم نظام اقتصادي واحد، ويشرح أسباب هذا التحول التاريخي الحاسم منذ أيام الإقطاع، ثم الشيوعية، ويتفحص أشكال الرأسمالية، متسائلاً: ما هي احتمالات وجود عالم أكثر عدالة الآن بعد أن أصبحت الرأسمالية هي اللعبة الوحيدة في القرية الكونية؟
"الرأسمالية انتصرت لأنها ناجحة. إنها توفر الرخاء وترضي رغبات الإنسان للاستقلال. لكن ذلك يأتي بثمن معنوي يدفعنا إلى اعتبار النجاح المادي هو الهدف النهائي، ولا يقدم أي ضمان للاستقرار".

في الغرب، بحسب المؤلف، فإن الرأسمالية الليبرالية تعيش تحت وطأة اللامساواة والإفراط في تمركز رأس المال. ومن جهة أخرى، يتطرق إلى نموذج الرأسمالية في الصين مثلاً، والتي قد تكون أكثر كفاءة ولكنها أكثر عرضة للفساد، ونموها البطيء يسبب الاضطرابات الاجتماعية.


العدالة

  تنتفي فيه ثقة المجتمع بمنظومة العدالة الرسمية، ويسود انطباعٌ بأن القانون لا ينفذ إلا على الضعفاء والفقراء، لا غرابة أن يقيم الأفراد العدالة كما يروْنها بأنفسهم، ولو كانت على حساب حياة آخرين.



الأم وسلطة الأبوين ونهاية الأسرة . قيم الأسرة المصرية . قتل الاب ********

Aug 7, 2021  Jan 13, 2022

حماية الأسرة والطفولة والأخلاق

أمهات المؤمنين وأسطورة الآلهة الأم

Nov 22, 2019
موت الأم

أوكلت للآلهة الذكور المهمات الأكبر في إدارة الكون، فيما تكفلت الإناث بمهام حيوية وفاعلة أهمها الوالدة والأمومة، وكانت لصيقة الأرض برمزية خصبها وعطائها، ومنها اقتبست الأديان خلق الإنسان من التراب، في إشارة للأرض الأم .

 (مريم التوراتية) وابنها المسيح .
تلك الفكرة عن الأم المقدسة، أنتقلت بدورها الى الإسلام في شخصية فاطمة (أم أبيها) التي كان من شأنها أن تكون المقدسة الأولى في عموم المسلمين من دون منافس، لولا زواجها من زعيم المعارضة وواتر قريش (الإمام علي) الذي رفض حصر الخلافة في قريش ونادى أن تكون في الناس لمن هو أهل لها، كما طالب بالمساواة بين المسلمين، وهذا ما اعتبرته قريش تفريطاً بحقها التاريخي في زعامة العرب الذي جاء الإسلام لتكريسه وإكسابه درجة القطعية المقدسة .

( وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَىٰ وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ المصير) سورة لقمان آية١٤ .

 المعاناة مع ظهور بوادر الرفض للضوابط الاجتماعية عندما تحاول الأم أن تجعل الأبناء يلتزمون بالأوامر الإلهية قبل سن البلوغ .
  وهذه القضية تعقد مهمة الأبوين في التأثير على سلوك الأبناء ؛لان الولد سيكون قد حسم أمره في مسالة سلوكه وشخصيته التي تكونت على منوال التسامح الامومي.

ومن هنا فان فقدان الأب والأم لصفة القدوة تجعل الأولاد يتحررون من سلطة الأمر والنهي التي هي مقدمة لضبط السلوك وتجعل الأبوين متهمين عندما يبدأ أي منهما بتوجيه النصيحة للأبناء.
وبلاء المجتمع بمثل هذه الحالة اكبر من بلاء الأسرة, لكن البلاء يبدأ صغيرا ثم يتوسع فيصبح مشكلة اجتماعية؛ ومن هذا نجد أن مصير المجتمعات التي ليس لها مراجع تلجا إليها في مختلف أحوالها هو الانحراف عن الجادة في مختلف الجوانب الإنسانية.

*

اختصاصيون يؤكدون تراجع سلطة الأبوين في ظل عصر الانفتاح

من صحية الغد الاردنية 
 العولمة أدت إلى تراجع السلطة الأبوية وتآكل الرقابة الأسرية
العولمة وسلطة الوالدين

 تراجع دور الوالدين في الأسرة في ظل الانفتاح الحاصل والتسارع التكنولوجي، عزا آخرون التأثر الحاصل إلى قصور الوالدين أنفسهم في طريقة التعامل مع الأبناء. ودعوا إلى ضرورة الاستفادة من الجوانب الايجابية للعولمة والتقليل من سلبياتها.

اختصاصيون في مجال التربية وعلم الاجتماع أن العولمة أفرزت مفاهيم جديدة على مجتمعاتنا الشرقية وأحدثت خللا في دور الوالدين، إذ يشير الباحث الاجتماعي سرحان إلى أن تراجع سلطة الوالدين ناتج عن التنوع في مصادر التأثير والتلقي على عكس ما كان عليه سابقا.

 وعي الوالدين وإلمامهم بمصادر التأثير وكيفية التعامل معها

” تآكل سلطة الوالدين لأسباب عدة منها “اتساع نطاق الحقوق والحريات وتنوعها بشكل لم يسبق له مثيل في التاريخ الاجتماعي وازدياد تفوق النظام الرأسمالي العالمي الذي فجر الحرية الفردية الى حريات مذهلة وغير عقلانية واتساع نطاق المجتمع الاستهلاكي، فقد اصبح الفرد يشتري السلعة وذلك لبهرجتها او رونقها او تألقها من دون ان يكون بحاجة فعلية لها”.

ومن الاسباب التي ادت إلى تراجع دور الوالدين وسلطتهما، بحسب الشيخلي، “انتشار التكنولوجيا الحديثة المتطورة، وضعف شخصية المعلم وضعف معلوماته واختلال صورته وانعكس ذلك على صورة الأب، وانتشار الاغاني الغربية كأغاني البوب والفيديو كليب، وبما أنها في اللغة الانجليزية فقد لا يفقهها الآباء أو لا يستسيغونها، فثمة فجوة حصلت بين الجيلين في الذوق والاهتمام والتسلية وقضاء الوقت”.

“صعوبة التفاهم بين الآباء والابناء وانعدام الاتفاق بينهما على معايير للتفاهم المشترك وتفكير الأبناء بالاستقلال عن الأسرة في وقت مبكر سواء بالانخراط بالعمل وترك الدراسة أو بالسفر لأغراض العمل والدراسة وتخطيط مستقبل بمعزل عن العلاقة الأسرية وقيمها”.

ولمواجهة آثار العولمة السلبية وللإبقاء على الدور الاجتماعي والتربوي، ينصح سرحان بـ “توجيه الأبناء وتربيتهم تربية سليمة تحافظ على الحد الأدنى المطلوب الذي يكفل بناء شخصيتهم بصورة سليمة، وغرس الرقابة الذاتية عند الأبناء وتمكينهم من التمييز بين ما هو ايجابي وما هو سلبي، والتركيز على أهمية توعية المقبلين على الزواج في كيفية التعامل مع الأبناء وتربيتهم وتطوير مهارات الأبوين المتعلقة بالتعامل مع الأبناء ودعوة المؤسسات المختلفة إلى إيجاد برامج عملية تحاكي روح العصر وتساهم في توجيه الأبناء وتربيتهم ودور القيم الدينية في عملية التربية”.

ويدعو سرحان إلى أهمية تحصين الأبناء تربويا وايجاد عناصر الترفيه الهادفة. ويلفت إلى أن ذلك لن يتحقق إلا بالتعاون الكامل بين مختلف المؤسسات الرسمية والخاصة، “لنستطيع مواجهة الآثار السلبية المترتبة على عصر الانفتاح غير المضبوط”.

*

التربية المتسلطة تدفع الأبناء إلى الاغتراب عن آبائهم

تزداد الفجوة بين الآباء والأبناء مع الأيام رغم تواجدهم المستمر معا، وتتفاقم المشكلة أكثر كلما تقدم الأبناء في السن، وربما تصل أوجها في سن المراهقة خاصة لما تتميّز به هذه السن من إعلان واضح للتمرد على كل شيء ورغبة في التخلص من سيطرة الوالدين والتفرد بشخصية مستقلة بعيدة عن كل التوجيهات والأوامر.

رغم أنه يجمعهم سقف واحد داخل نفس المنزل، ولكنهم يعيشون عيشة الغرباء، هذا هو حال الكثير من الأبناء الذين لا يشعرون بأي انتماء أو ترابط نفسي تجاه آبائهم.

وأوضح المشرفون على الدراسة أن الآباء المسيطرين الذين يتحكمون نفسيا في أطفالهم قد يدمرونهم طوال حياتهم، وبيّنوا أن الضرر النفسي الذي يعاني منه هؤلاء الأطفال في مراحل متقدمة من أعمارهم يتساوى مع الألم النفسي، الذي يشعر به الإنسان بعد وفاة أحد أحبائه المقربين.

وكشفت الدراسة أن المبالغة في عدم السماح للطفل باتخاذ قراراته بنفسه وانتهاك حريته، إضافة إلى عدم تحفيزه على التفكير المستقل في شؤونه، تؤدي إلى إحداث ضرر لا يستهان به في صحته النفسية.

 تحكم الآباء بشكل مبالغ فيه وممارسة ضغوط نفسية على الطفل مرتبط بعدم رضا الإنسان عن حياته عند الكبر واعتلال صحته النفسية، بينما عاش الأشخاص الذين هيأ لهم آباؤهم حياة مليئة بالدفء الأسري وقاموا بتوجيههم وتشجيعهم على اتخاذ قراراتهم بأنفسهم حياة تتسم بالرضا وحالة نفسية أفضل. وأضافت أن الأثر النفسي لتسلط الوالدين من عدمه يستمر مع الإنسان حتى في مراحل متقدمة للغاية من عمره.

 أستاذ علم الاجتماع بجامعة عين شمس في مصر، الدكتورة سامية الجندي، أن شعور الأبناء بالغربة والانعزال عن الوالدين ينطوي على وجود قصور واضح في تربية الابن منذ الطفولة، فهناك كثير من الآباء يزرعون الخوف داخل أبنائهم منذ مرحلة الطفولة بشكل مبالغ فيه سواء باستخدام العنف أو أساليب الترهيب المفزعة، معتقدين أنهم بذلك يقوّمون سلوكهم، ولكنهم لا يعلمون أن ذلك يخلق فجوة كبيرة بينهم وبين أبنائهم تزداد معهم، وقد تصل إلى مشاعر كره حقيقية.

يلجأ بعض الآباء إلى استخدام أسلوب فرض السيطرة على أبنائهم دون أن يتركوا لهم أي مساحة للنقاش أو التعبير عن رأيهم، معتقدين أن آرائهم دائما هي الصحيحة بحكم خبرتهم الكبيرة في الحياة، وبالتالي فهم أعلم بمصلحة أبنائهم أكثر منهم، وهذا النوع من التسلط يتسبب بشكل كبير في ابتعاد الأبناء عن الآباء وربما قد يفعلون كل ما يريدون من ورائهم، الأمر الذي يسهم بشكل كبير في تفكك الترابط الأسري، فلا بد من احترام آراء الأبناء مهما كان سنهم وإعطائهم مساحة أكبر للتعبير عن كل ما يريدون دون خوف أو تهميش.

وأضافت الجندي أن التطور التكنولوجي الذي يشهده العصر الحديث من حيث انتشار الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي له دور كبير في تباعد المسافة بين الأسرة وزيادة التفكك الأسري، فانشغال الأبناء والجلوس لساعات طويلة أمام الإنترنت خلق لهم عالما آخر مختلف عن الحياة التي يعيشونها في المنزل، فهم يتواصلون مع أصدقاء من مختلف الجنسيات ويتبادلون الثقافات بحرية ويجدون في الإنترنت وسيلة يكتفون بها عن كل ما حولهم، الأمر الذي أسهم في التباعد الأسري والشعور بالاغتراب وعدم الرغبة في التفاعل الأسري، وربما قد يصل الأمر إلى انعزالهم حتى عن تناول الطعام معهم وبالتالي القضاء على التقارب والدفء الذي تتميز بها الأسرة العربية.

تقليص العلاقات الحقيقية لصالح العلاقات الافتراضية، وبشكل عام على الرغم من فوائد التواصل عبر الإنترنت للتعرف على ثقافات وأفكار أخرى مختلفة عنا، إلا أن إدمانه يؤثر بشدة على الحالة النفسية وقد يصيب الفرد بالاكتئاب والشعور بالوحدة، إضافة إلى خطورة تلك المواقع في إذابة الحدود الثقافية والجغرافية وما ينتج عنه من غرس لأفكار لا تتناسب مع قيم وعادات وتقاليد المجتمعات العربية خاصة في سن المراهقة، ما يتطلب مراقبة دقيقة لتصرفات الشاب في هذه المرحلة الخطيرة لكن دون تهميش له أو شعوره بالدونية.

وأخيرا أوضحت الجندي أنه يحق للآباء أن يزرعوا في أبنائهم القيم والمثل العليا ويحثوهم على السير على دربهم باعتبارهم قدوة صالحة لهم، ولكن دائما ما يقع الآباء في خطأ أنهم يريدون أبناءهم أن يكونوا نسخة طبق الأصل منهم دون مراعاة لاعتبارات عديدة أهمها اختلاف الأجيال والأزمنة،

*

السيطرة على الأبناء محاولة لتقويم سلوكهم أم تلبية لتوقعات المجتمع

نهاية الأسرة

28 أغسطس 2019
زياد الدريس
في ظل التحولات الجنسية (الجندرية) التي تتسارع في هذا العالم سعياً لصناعة أنماط جديدة من (الأسرة)، تتكاثر الانتقادات التي تبلغ مبلغ الشتيمة أحياناً، للمجتمع الأبوي، باعتباره نمطاً أسرياً ماضوياً ينبغي دفنه وتجاوزه بلا رجعه.
هل (المجتمع الأبوي) سُبّة ومنقصة على الإطلاق، أم أنه شكل من أشكال النظام الأسري، فيه وفيه. وقد عاشت البشرية عليه قروناً مديدة منذ بدء الخلق، واستطاعت أن تستمر في النمو والبناء والمعرفة. وتوارث الإنسان هذه القيم التنموية في ظله جيلاً فجيلاً لآلاف السنين.
وإلى اليوم، فإن جلّ الثقافات في هذا العالم (العربية والهندية والفارسية والصينية والأفريقية والأوراسية واللاتينية) تتبع النظام الأسري "العمودي" القائم على سلطة الأب أو الأبوين. الثقافة الأوروبية (الغربية) وحدها التي تحولت في منتصف القرن الماضي من النظام العمودي للأسرة إلى النظام الأفقي، الذي تتساوى فيه سلطة الأبوين مع الأبناء.
إذا كانت القبيلة والإقليم والطائفة هي من الهويات الصغرى التي (قد) تُضعف المواطنة، فإنه لا يمكن عدّ الأسرة مع الهويات الصغرى، فهي ارتباط فطري يتجاوز مسائل الهويات. وإن كان لا بد من غمسها في التصنيف الهويّاتي، فإن الأسرة جديرة بأن تصطف مع الهويات الكبرى كالدين والقومية والوطن، حيث يحقق الدين للإنسان الاستقرار الروحي، والقومية الاستقرار الاجتماعي والوطن الاستقرار الأمني، وتقوم الأسرة بضمان الاستقرار العاطفي الذي يتناول الإنسان جرعاته كل يوم. لكن هذا الاستقرار العاطفي يتعرض إلى تهديدات عولمية كبرى، أشدّها بلا شك (زواج الشواذ) الذي يتم الترويج له في عالم اليوم بشكل مدروس وفعال، وهو بمثابة إعلان عن موت الأسرة أو نهايتها!
وإذا كنا اتفقنا أن نظام الأسرة العمودي له مساوئ سلطوية أساء استخدامها بعض الآباء مع أبنائهم، بدافع الحب الزائد أو التعنت الفارغ، فهل يخلو النظام الأفقي من مساوئ تمييع السلطة وتقسيمها بين أفراد الأسرة بالتساوي، كأنها كعكة؟! فالسُّلطة إذا تم تقسيمها بالتساوي بين الجميع فإنها لا تعود سُلطة.
هل استطاع النظام الأفقي للأسرة في الغرب أن يحفظ الحقوق ويحقق الرفاه والسعادة لكل أفراد الأسرة، في كل مراحلهم العمرية؟

إذا كان النظام العمودي يتحيز بطبيعته للآباء، فإن النظام الأفقي يتحيز للأبناء. وإنْ يصبح التحيز واقعاً لا محالة فإن وجدان الأبوين، الأقوى من كل وجدان، سيجعل تحيز العمودي له أخف وطأة من تحيز الأفقي للأبناء.
الحديث عن التهديدات التي تحيط بوجودية (الأسرة) لا يعني الامتناع عن مراجعة وتطوير أدبيات الأسرة ومواءمتها مع روح العصر، ولكن دون الانجرار في فخ التهديد الشامل لكيانها.

هل يوجد حل سحري يردع تسلط الآباء ويمنع تمرد الأبناء؟ دعونا نفكر في توليفة اجتماعية تحقق هذا المطلب النموذجي، أو تقترب منه.

لكن لنتذكر أن؛ السُّلطة إذا تفرعنت تحولت إلى تسلّط، وإذا توزعت تحولت إلى سَلَطة! وأن المظهر الأول والحقيقي لـ(نهاية التاريخ) هو نهاية الأسرة!

*

تفكيك السلطة الأبوية شرط قيام المجتمع السياسي الحديث

مفهوم السلطة الأبوية، وكيف تكون هذه السلطة عائقا أمام تشكيل المجتمع المدني الحديث في مفهومه السياسي وبعده الحقوقي. ربما يكون الجواب استباقيا إذا قلنا أن المجتمع السياسي يتأسس غالبا بوصفه انعكاسا للمجتمع "المدني" الذي تشكل الأسرة نواته الأصل. من ثم، فكل إعادة نظر تهدف فعل التأصيل لا بد لها أن تنطلق هذا المنطلق، هكذا تتداخل الأبعاد السياسية بالاجتماعية بالتربوية مشكلة وضعا تساؤليا بامتياز يطال كل المكونات.

إن الحديث عن الديموقراطية لا يستقيم دون العودة والارتكاز إلى فلسفة ترسي أسس حقوق الإنسان، بمعنى طرح السؤال عن مدى إمكان تحققها في مجتمع تحكمه منظومة أخلاقية وقيمية "أبوية" تمحق الفرد وتقصيه من كل فعل سلطة. وهل كان في الإمكان الحديث عن هذه الحقوق دون وضع اعتباري لمكانة المرأة؟ 

وضعية المرأة  شرط الحداثة السياسية:

وضعية المرأة ليس ترفا أو تكلفا إنه ضرورة،
السلطة الأبوية أو الإقصاء "التيولوجي"، سلطة مستمدة من الطبيعة وتحدها الطبيعة:
يرفض لوك التعبير المعتمد بـ"السلطة الأبوية"(1)  لأنه تعبير يتضمن نوعا من الميز العنصري بين الأجناس، الآباء والأمهات. متسائلا باستغراب عن مدى صحة هذه التسمية، كما لو أن الأمهات ليس لهن أي دور في إيجاد الأطفال، من ثم بالنسبة لـ لوك لكليهما نفس الحق  بالتالي  نفس السلطة، وستظهر قيمة هذا الرفض في التوظيف اللاحق لهذا التأسيس، بل يمضي هذا الرفض إلى حد اعتماد تسمية: حق الأباء وحق الأمهات، رافضا الاقتصار على نسبة هذا الحق للأباء فقط.
انطلاقا من هذه الفكرة، يفحص لوك وظائف وحدود السلطة الأبوية التي يستند إليها دعاة النزعة الإطلاقية في تأسيسهم للسلطة الملكية، ممثلين الملك بأب الشعب. إن نزعة لوك الليبرالية تتجاوز المنظور السائد في عصره، لأنه يقطع بشكل جذري مع التصور الأبوي الذي يعطي للأب السلطة العليا على كل أفراد العائلة. فبالنسبة لـه تحتل الأم والزوجة نفس مكانة الأب والزوج. ورغم تقديره لمكانتهم (الأبوين)، فإنه ينفي عنهم كل سلطة في حال تخليهم عن واجب التربية بالضرورة. وانطلاقا من واقعة أن الحرية خاصية الإنسان من جهة كونه مميزا بالعقل، فإن الأطفال يجدون أنفسهم في وضعية ارتباط وتبعية طبيعية تجاه آبائهم ما داموا لم يتمكنوا بعد من تحصيل هذه القدرة، هذه التبعية لا تتضمن البتة حرمانهم من حقوقهم.
*

الحكومة والمجتمع وفتيات تيك توك.. من يفوز بالصراع حول قيم الأسرة المصرية؟


في عام 2018، أصدرت السُّلطة التشريعية في مصر مشروع قانون رقم 175 لسنة 2018 تحت عنوان قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات

ففي منتصف العام الماضي 2020، وتحت ضغط وبلاغات علنية من عدد من المؤثرين على مواقع التواصل، بدأت السُّلطات المصرية إلقاء القبض على عدد من الفتيات المؤثرات على مواقع التواصل، ووجَّهت لهن عددا من التهم أهمها الاعتداء على "قيم الأسرة المصرية" طبقا للمادة الخامسة والعشرين من نص القانون الجديد

وخرجت بدورها العديد من المُنظمات الحقوقية وعدد واسع من الدوائر التقدمية والليبرالية في مصر بحملات وبيانات تُطالِب السُّلطات المصرية والنيابة العامة بالتوقُّف عن فرض تصوُّراتها الأخلاقية الخاصة وغير القانونية عن القيم الأسرية على المجتمع، والانتباه والاضطلاع بمسؤولياتها في حماية المجتمع من التعذيب والاختفاء القسري والقتل خارج إطار القانون الذي تمارسه السلطة التنفيذية بحق المواطنين.

ذريعة فضفاضة مثل انتهاك قيم الأسرة.

أي أسرة مصرية تلك التي تدَّعي السُّلطة المصرية حمايتها؟ وهل هذه القيم معروفة ومُحدَّدة ومُعلَنة ويمكن القياس عليها؟ والأهم من ذلك هل فكرة وجود "قيم الأسرة" بوصفها مفهوما قانونيا يُهدِّد حرية الأفراد والمواطنين أمر جيد أم له تداعيات سيئة وخطيرة على حرية الأفراد؟ بمعنى آخر؛ هل الأولوية لأي نظام سياسي وتشريعي هي صيانة حرية الفرد وأمنه وحقوقه أيًّا كانت خلفيته الثقافية والسياسية باعتبارها أساسا لمبدأ المواطنة أم فرض تصوُّر أخلاقي بعينه عن القيم والأسرة وإجبار الجميع على الانصياع لهذا التصوُّر؟

حملة حقوقية ودعائية تحت وسم "بعد إذن الأسرة المصرية"

قانون القيم الأسرية جزء من النزوع الشمولي الاستبدادي للنظام الحالي. وطبقا لتلك النظرة فهو يُعَدُّ قانونا مكرسا لتجريم الاختلاف وتقييد الحريات العامة والخاصة، وحسب تلك الرؤية، فإن المشكلة الأهم هي تعريف الأسرة بوصفها وحدة قانونية أولية وشخصا اعتباريا له كيان قانوني مستقل، ما يُعَدُّ عوارا تشريعيا فادحا، ويساهم في بناء نظام سياسي واجتماعي مُتزمِّت باسم الأخلاق والقيم التي تملك السُّلطة السياسية حصرا تحديدها وتصنيفها.

يُلخِّص الفيلسوف السياسي الأميركي "فرانسيس فوكوياما" جوهر الفكرة التقدمية الليبرالية بأنها تستند بشكل رئيس إلى مقولة إن الفرد يوجد أساسا في موقع مستقل عن المجتمع، حيث يمتلك الفرد وجودا أصيلا وعقلا مستقلا وفطرة تواقة إلى العدل والسعادة وحسا أخلاقيا سليما يُمَكِّنه من التمتع بحريته وأصالته الوجودية، وإن التعاسة الإنسانية تبدأ من قمع الفرد لصالح كيانات جماعية أعلى، سواء كانت الدولة أو الكنيسة أو المجتمع أو الأسرة. ومن هذه النظرة خرجت الرؤية الحديثة الليبرالية للمواطنة، حيث كل مواطن مستقل وحر أمام جهاز قانوني محايد دون وصاية أخلاقية من أحد. 

يؤكد "تشارلز تايلور"، عالم الاجتماع الكندي، في كتابه "تكوُّن الهوية الحديثة" أن "جزءا مهما من التحوُّل الذاتي الهائل للثقافة الحديثة كان نحو شكل جديد من الجوانية، صرنا نفكر فيه بأنفسنا ككائنات ذوات أعماق داخلية خيِّرة وتحوي إمكانات غير محدودة علينا سبر أغوارها". وبحسب فوكوياما، تأسَّست الحداثة السياسية الليبرالية على هذا الأساس بالذات، حيث بات يُنظر "إلى المجتمع الليبرالي التقدمي ليس فقط على أنه نظام سياسي يحمي بعض الحقوق الفردية، بل ويُشجِّع بشكل فاعل التحقُّق الكامل لكل الإمكانات الداخلية للذات"
يُكمل فوكوياما مؤكِّدا أن المسيرة التقدمية الفردانية لم تقف عند هذا الحد، بل نُظِر إلى كل مؤسسات المجتمع وعلى رأسها مؤسسة الأسرة، خاصة على يد مُنظِّري اليسار الجديد، بوصفها مؤسسات قمعية واستلابية، وأن سعادة الإنسان تعتمد على تحريره من القيود الاجتماعية الاصطناعية أو من أي وسط اجتماعي قمعي عموما.

في بيانها بشأن القانون المصري، أوردت الجبهة المصرية لحقوق الإنسان عبارة شديدة الدلالة، حيث أشارت إلى أنه "لا أحد يعرف ما قيم تلك الأسرة المصرية التي اعتدت عليها النساء التسع، حيث تعامل المُشرِّع على أن المئة مليون مصري عبارة عن جيش عسكري واحد يخضع للمعايير نفسها، ويتبنَّى القيم نفسها، ويلتزم بالعادات نفسها. ونتيجة لذلك استخدمت النيابة العامة مفردات مُبهَمة وغير مُحدَّدة لِتُوسِّع من صلاحيتها في توجيه الاتهام والقبض على مَن لا يخضع لمعاييرها، مُنتهِكة بذلك الحقوق التي يكفلها الدستور من حرية الرأي والتعبير". ويكشف ذلك عن رؤيتين مُتضادتين في التعاطي مع القانون الجديد والمحاكمات والاعتقالات المترتبة عليه، أولاهما الرؤية المحافظة للسلطة السياسية في مصر، التي سنَّت القوانين واعتقلت الفتيات الصغيرات، وثانيهما الرؤية التقدمية والحقوقية المناوئة لها التي تُنادي بسياسة فردانية تماما دون أي مرجعية قانونية سوى حرية وحقوق الفرد نفسه. والسؤال هنا؛ هل كل سياسة عامة تستند إلى قيم الأسرة سياسة قمعية؟ وهل من الممكن أن توجد جماعة سياسية ما دون قيم أسرة فعلا؟

 الحركات الديمقراطية والليبرالية طوَّرت خطاباتها ومؤسساتها على أساس يهدف إلى منع السُّلطة السياسية من العمل بوصفها أبا صارما مُتسلِّطا. من هذا المنظور، بحسب ليكوف، يُمكن أن يُرى الفصل بين السُّلطات والنظام الانتخابي بوصفه محاولة لعزل السياسة عن أخلاقية الأب الصارم القاسي، لكن ما نوع الأب المضاد الذي تحاول الحركة الحقوقية المعاصرة أن تُجسِّده في السياسة؟

في كتابه "السياسة الأخلاقية.. كيف يُفكر الليبراليون والمحافظون في السياسة؟"، يذهب ليكوف إلى أن أخلاقيات الأسرة ليست غائبة أبدا عن السياسة، بل على العكس، أغلب الأيديولوجيات المتصارعة في عالمنا اليوم هي أيديولوجيات قائمة على خطوط أنثروبولوجية نابعة من قيم أسرية أكثر من كونها أيديولوجيات عقلانية. وينطبق هذا على الفكر التقدمي والليبرالي بدرجة انطباقه نفسها على الفكر المحافظ والتقليدي. لقد اعتدنا دوما اهتمام التقدميين بمبادئ النظام القضائي المستقل أو منع المحاكمات العسكرية للمدنيين، أو الحكم المدني للقوات المسلحة، وهذه المفاهيم في جوهرها مفاهيم أخلاقية لا إستراتيجية عقلانية للحكم الكفء فحسب. وقد أتت تلك المفاهيم إلى المجال السياسي بواسطة نسق أخلاقي اجتماعي مختلف، يسميه ليكوف نموذج الأب الراعي أو الأسرة الراعية.

على الأسرة الراعية أن تعتني بالأطفال وتساعدهم على تنمية مهاراتهم واكتشاف ذواتهم، وتسمح لهم باستكشاف المدى العريض للأفكار والخيارات والتجارب التي يطرحها عليهم العالم، لا فرض تصوُّراتها وتجاربها عليهم. 

بهذه الكيفية ينمو الأطفال ليصبحوا على صورة المواطنين التي يريد التقدميون أو الليبراليون أن يكون المجتمع عليها؛ مواطنون يعتنون بأنفسهم، ويتضامنون مع مَن حولهم، ويُقبلون على الحياة، وعليهم في المقابل أن يُطوِّروا إمكانياتهم باستمرار وأن يُسخِّروها في خدمة المجتمع، والأهم أن يُصبحوا خلال كل ذلك عقولا مُبدعة مُستقلة

التقدميون والليبراليون على مستوى العالم، وفي مصر بطبيعة الحال، يطبقون نموذج الأسرة الراعية، فهم يرون أن دور الحكومة الطبيعي هو دور ذلك الأب الراعي. بعبارة أخرى، يكمن دور الحكومة الأصيل في فتح المجال وتوفير الإمكانيات للمواطنين، وخاصة الشباب والمراهقين، لاستكشاف العالم وبناء تجاربهم وخبراتهم الخاصة، وتوفير الفرص الخاصة بتطوير الذات، وعلى السُّلطة القضائية بالأخص حماية المواطنين من عسف السُّلطة التنفيذية والأمنية. أما الدولة التي تفرض على مواطنيها كودا أخلاقيا معينا وتُحاكمهم على تصرفاتهم اليومية على مواقع التواصل أو في حياتهم الخاصة، ولا تحمي النساء من التحرش والتمييز السلبي المُمَنهج ضدهم، بل تُطاردهم وتُشهِّر بهم، فهي دولة رجعية أبوية أو شديدة المحافظة على أقل تقدير.

قتل الاب 

إن الأُمة ليست حرفيا أُسرة، كما أن الحكومة ليست حرفيا والدنا، لكنا نختبر السُّلطة أول مرة في مواجهة آبائنا".

(جورج ليكوف)


 تنطلق الرؤية المحافظة للسياسة من نموذج الأب الصارم أو الأسرة الصارمة، حيث يتحمَّل الأب/الحاكم مسؤولية وضع السياسة الأسرية الشاملة، وهو يُعلِّم الأطفال الصواب من الخطأ من خلال وضع قواعد لسلوكهم وإجبارهم عليها بواسطة الثواب والعقاب، كي يصبحوا أطفالا/مواطنين منضبطين ذاتيا في عالم صعب وخطر ولا سبيل إلى إصلاحه جذريا.

 ترسيخ تلك الحقوق والحريات بدلا من استجدائها من السُّلطة الأبوية المحافظة.

 ترتبط معظم الحركات الديمقراطية والتقدمية بمفهوم "قتل الأب" رمزيا، ومحاولة بناء ذوات سياسية مستقلة عن الهيمنة السلطوية، فإن طلب التمكين من الحقوق، من مؤسسات اتُّهمت دائما بقيامها على الانتهاكات والتنكيل والتأديب، هو طلب متناقض منطقيا ما لم يُعَد بناء هذه المؤسسات ديمقراطيا وسياسيا من جديد؛ بما يجعلها تمنح حقوقا سياسية واجتماعية فعلية، وهو ما يتطلَّب نشأة ذاتية سياسية جديدة، وأُطر عمل أوسع، وخطابات سياسية مختلفة عن استدعاء صورة الأب الراعي في الأيديولوجية الحقوقية المعاصرة.

*

مصر تحرس حدودها السيبرانية بسجن فتيات تيك توك

مصريون يتهمون النيابة العامة بلعب دور تأديبي لمستخدمات التيك توك حيث تدعو الأهل إلى "الانتباه لبناتهن" ما قد يؤدي إلى ممارسة العنف على النساء من قبل الأسر.
انتقد مستخدمو مواقع التواصل الاجتماعي في مصر الحكم القاسي على فتيات تيك توك متسائلين عن سبب “النزعة الانتقامية” في القضاء تجاه النساء المتهمات بـ”التعدي على قيم الأسرة المصرية” ضمن هاشتاغ #بعد_إذن_الأسرة_المصرية.

بعد الحكم المشدد على حنين حسام  قال متعاطفون معها إنها قدمت “كبش فداء لإرضاء المجتمع”.

كانت فين الاخلاق اللي القاضي بيتكلم عنها في قضية اليفرمونت وقضايا تانيه كتير ،طب فين الاخلاق دي برضو في التلفزيون المصري ومحمد رمضان والناس دي هي قيم الاسره المصريه مبتطلعش غير علي البنات بس!!

 “العادات والتقاليد والقيم أقوى من القانون” في مصر. وتضيف “لا بدّ من وقفة للمجتمع، ولا بدّ من إعادة النظر في التشريعات المرتبطة بحداثة السن، لأن هذا الجيل الصغير يعلم كل شيء”.

“هناك ثورة تكنولوجيا وعلى المشرّع أن يلتفت للمستحدثات. هناك أفعال ينطبق عليها التجريم وأخرى تدخل في نطاق الحرية الشخصية”.

*Jun 24, 2021
Jul 23, 2021
الولد والوالد

ورفقة الأب التى لا تعوَّض.. إن كل الآلام النفسية والعذابات التى يمرّ بها الطفل، فى مراحل نموه، سواء لقسوة الأب أو إنكاره له بعد طلاقه من أمه، إلى ذلك الذى يختفى، لا يسأل ولا يرسل مالًا، يطفش، ويتزوج بامرأة أخرى، فى بلد آخر.

لقد أهملانى عاطفيًا وجسديًا، وانشغلا عنى باكتناز الذهب والفضة، وكان أبى شحيح العاطفة والمال، لا يبتسم، ولا ينفق، تعلمت من كل ذلك، أن أكون أبًا مهتمًا بأولادى، وأن أهب لهم الحُب والتعاطف، وأن أمسك بأياديهم وأنطلق معهم نحو البحر، نتأمل السماء والطيور فى رحلاتها.
الأب، فلتجعل نقدك بناءً، وغلِّفه بآرائك ومقترحاتك، ابنك قد يكون خزانة أسرار، ويبدأ فى تجريب المخدرات، وهو مراهق، وقد يقع فى شرك إدمان العادة السرية، والمواقع الإباحية، ويكون فى حاجة إلى يدك لتمدها إليه، فلا تتركه وتطير إلى هناك للحصول على مزيد من المال.

وجودك مهمهناك أبناء يتزوجون لإرضاء آبائهم؛ فيحولون حياة امرأةٍ صغيرة إلى جحيم، وهناك من يخطط لوضع يده على الثروة، قال لى والد: «أولادى معترضون على سفرى لترميم صحتى، لأننى آخذ من إرثهم»، هل تصل الأمور إلى هذا الحد؟ فليراجع كلٌ نفسه فى لحظة صفاء، وبحسن نية وعقل منفتح، فالوتر المشدود له مفتاح، يمكن ضبطه به، ليتمكن كلاكما من العزف على ذلك العود ببراعة، معنى الأبوّة ومعنى البنوّة.
، وكلامك الحلو مهم، وربتتك على كتفه مهمة، ولابد أن تكون فى وقتها، قبل فوات الأوان لكل منكما آراؤه وفلسفته فى الحياة، خاصة إذا شبَّ أمامك يافعًا، ليصبح طولك، تذكر.. إن كِبر ابنك خاويه بمعنى الكلمة، هناك ما يسمى بالوقت الخاص Quality Time، فلتخرجا سويًا إلى مكانٍ مفتوح خارج البيت، تبادله تجربتك فى الحياة وتنصت إليه، وأنت غير منشغل بساعتك.

* Aug 7, 2021

وأكدت زوجته السيدة محمد رمضان أن نجله محمد، 23 سنة طعنه بسكين، إثر نشوب مشادة كلامية بينهما وتطورت لمشاجره وطرده والده من المنزل ورفض ثم استل سكين وطعنه وفر هاربا.

وقال شهود عيان من أهالى نبروه: «إن الأب المجنى عليه متزوج من سيدة أخرى غير زوجته الأولى والدة المتهم وكان الابن دائم الشجار مع والده لهذا السبب وعندما قرر الأب إحضار زوجته الثانية للمنزل وطرد زوجته الأولى رفض الابن وأمام إصرار والده نشبت مشادة بينهما تطورت لقيام الابن بطعن والده بسكين».