الاثنين، 14 فبراير 2022

مقدمة في البديهيات والمسلمات في علم الرياضيات

Sep 9, 2019

كلَّ تعريفٍ لمصطلحٍ ما يحتاج أساسًا إلى غيره من المعاني والمصطلحات الأخرى التي تَحتاج بذاتها أيضًا إلى شرحٍ وتفسير، وهكذا تسير التعريفات وتتتابع إلى ما لا نهاية.


ولما كان الأمرُ كذلك في كل أنواعِ العلوم، كان التراجعُ والتسليمُ ببعض المصطلحات الأساسيَّة أمرًا ضروريًّا حتميًّا.

وعلى هذا النحو سارت الأمورُ في الرياضيَّات؛ حيث اصطلح الرياضيون على مفاهيمَ أساسيةٍ كانت بمثابة الأصول التي تُبنى عليها مختلف المعارف الرياضية الأخرى، ثم جعلوا مجموعةً من القضايا الرئيسيَّة وسلَّموا بقبولها دون إقامة حجَّة أو برهان على صدقها أو مشروعيتها، وتسمَّى هذه القضايا بالبديهيَّات وبالمسلَّمات.

وعلى ضوء ذلك، لا يقع قبولُ أي مسألةٍ رياضيَّة أخرى - لاحقة - إلا إذا قامت على هذه المسلَّمات أو البديهيَّات، فإذا حصل ذلك، كانت هذه النظريات محل تصديق وعمل، وإلا فلا عبرة بها؛ وتسمَّى هذه العملية التي تُقرر بها القضايا بالبرهان، كما تُسمَّى عمليةُ إقامة قضيَّة على قضيَّةٍ أخرى بالاشتقاقِ أو الاستنباط، وتُسمَّى القضيَّةُ التي تُشتق أو تُستنبط بالنتيجة.


في تعريف البديهيَّات ( axiome ) والمسلَّمات ( postulat ):
يقوم الاستدلالُ الرياضي على العقل المجردِ - في أغلب أحيانه - ويستند في ذلك إلى جملة من المبادئ العقلية؛ من أبرزها البديهيات والمسلَّمات، وهي قضايا أوليَّة نستند إليها للبرهنة على قضايا أخرى، فهي أساس الاستدلال، ولا تحتاج إلى استدلال آخر.


فالبديهيات (axiome) تُعبر عن أشياء صحيحة بالبديهة، ونقوم بالتسليم على صحتها دون نقاش، أما المسلَّمات (postulat)، فهي أيضًا أشياء نسلِّم بصحتها بالسليقة، دون إقامة البرهان على صحتها؛ بيد أنَّ الفارق بينهما أنَّ الشكوك التي تحومُ حول المسلَّمات مبررةٌ أكثرَ من التي قد تقوم حول البديهيات؛ بمعنى أن التشكيك في المسلَّمات أسهل من التشكيك في البديهيَّات.

والبديهيَّات تؤخذ بشكل أساسي على أنها صحيحة ولا تحتاج إلى إثبات، وهي تعتبر بديهية الصحة في بعض نظريات المعرفة - الأبستمولوجيات - فالبديهيات تمثِّل حقائق ذاتية الصحَّة تستند إليها بقيَّة المعارف.

كذلك فإنَّ البديهيَّة موجودةٌ أساسًا في نسيج العقل، أما المسلَّمة فهي من إنتاج العقل؛ فهو الذي ابتدعها بُغيةَ استعمالها وإدخالها في سلسلةٍ من المسائل والقضايا.



والأولى تكون عامَّة، أما الثانية فهي خاصة، فلكلِّ علمٍ مسلَّماته، بل قد تتعدَّد المسلمات في علم واحد؛ كما هو الحال في مجال الهندسة.

من جهةٍ أخرى؛ فإنَّ البديهيات تعتبر بمثابة المبادئ العقلية الأوليَّة، وبالتالي فهي سابقة على المسلَّمة التي لا ينبغي أن تتنافى معها، لكن البديهية ليست كافية لتأسيس علمٍ ما؛ ولذلك فإن المسلَّمة مكملة لها باعتبارها قضايا أوليَّة في العلم.


في التمييز بين البديهيَّات والمسلَّمات:
إن شدَّة التشابه والتداخل التعريفي بين البديهيَّة والمسلَّمة جعل كثيرًا من العلماء لا يميِّزون بينهما في العصر الحديث، فانقسموا على ضوء ذلك إلى مدرستين:
1 - المدرسة الإقليدية أو الكلاسيكية: حيث يذهب أنصارها إلى التمييز بين البديهيات والمسلَّمات، معتبرين في ذلك أنَّ البديهيات قضايا عامَّة يفرض صدقها، ولا يمكن مناقشتها ولا رفضها، فهي قضايا عامَّة تحمل الصدق؛ مثل بديهية: "الكل أكبر من الجزء"، فالضرورة التي تتميَّز بها البديهيات لا تتمتَّع بها المسلَّمات؛ لأنها فكرة خاصَّة، سلَّم بها الباحث الرياضي لأجل بناء برهانه، فهي أقل درجة عن البديهية.

2 - أما أنصار المدرسة المعاصرة أو اللاإقليدية، فيعتبرون أنَّ التمييز بين البديهيات والمسلَّمات أمر ثانوي لا جدوى منه، وبالتالي تقبل هذه البديهيَّات والمسلَّمات بنفس الدرجة كمقدمات افتراضيَّة لبناء البرهان الرياضي.


++++++++++++++++++++++

الورقات في فضل تعلم الرياضيات

 الشافعي:

من نظر في الفقه نبُل مقدارُه، ومن تعلَّم اللغة رَقَّ طبعه
ومن لم يَصُنْ نفسَه لم ينفعْه علمُه


الرياضيات مَلِكةُ العلومِ وفاتنتها، وأساس المعرفة وخادمتها، بها يُقاس تفوُّقُ الأمم في شتى المجالات، وبها تُصْنع الهممُ والحضارات، بها شُيِّدت المدنُ والأسوارُ القديمة، وبُنيت في العراق القصورُ العظيمة، وبفضلِها بُعثَتْ الصواريخ والأقمار

 أهميَّة علم الحساب والهندسة والإحصاء
تعلُّم لغة العصر، وإتقان فنونِها
إن من يسأل عن جدوى الرياضيات في حياتنا ومدى أهميَّتها في معاملاتنا - لَهو كالسائل عن أهميَّة الحروف في كلامنا وخطابِنا.

فليست الرياضياتُ مجردَ أرقام وأعدادٍ وأشكال هندسية، بل هي عالمٌ مستقلٌّ له قوانينُه وأسراره، فلئِن كانت الموسيقا - كما قال إدوار هاريو - عبارة عن رياضيات مسموعةٍ، فإن الرياضيات عبارةٌ عن موسيقا صامتة، أو هي كما قال بونو مندلبروت: لغةٌ وُجِدتْ كي تسحرَ العقولَ بقدر ما وجدت لكي تقول.


الرياضيات وعلم الطب:
لقد أثبتَتِ البحوث العلمية نجاعةَ الرياضيات في إيجاد حلول لبعض الأمراضِ العصرية؛ كالأورام السرطانية، قالت ناتاليا كوماروفا - أستاذة الرياضيات بجامعة كاليفورنيا -:
"إن النظريَّة الرياضيَّة يمكنها أن تساعدَ على فهمٍ أفضلَ للسرطان، فعندما نعلمُ جيدًا ما يفعلُه السرطانُ؛ سيُتاح لنا أن نجد سبلًا لمكافحته".

وقد تمكَّن بعضُ الباحثين من تطوير نموذجٍ رياضي يُساعِدُ على تحديد سلوك الأورام السرطانيَّة التي تصيب الإنسان، والتنبُّؤ بحالتها المستقبليَّة خلال الفترة الزمنيَّة القادمة؛ مما يساعد على تحديد نوع العلاجِ الأمثل لكلِّ مرحلة، وكان الدكتور أندرسون المختصُّ بعلوم الرياضيات قد عمل على تطوير نموذجٍ رياضيٍّ يمكِّن من تحديد نشاط الخلايا السرطانيَّة على نحو مشابهٍ لما يقومُ به راصدو الطقس في توقُّعهم للحالة الجويَّة عمومًا.

ومن جهة أخرى - إخواني - يرتكز عملُ الأطبَّاء على الرياضيات خاصةً في مجال التقنيات الطبيَّة وصناعة الأدوية؛ ذلك أن هذا العلمَ يساعد على حسابِ تأثير الأدوية أو العلاج في الجسمِ، بحيث يمكنُ تعديل المكوِّنات لتحقيقِ نتائج أفضلَ.

وبفضل الرياضيات أمكن إنتاج أجهزةِ كمبيوتر لإجراء العمليَّات الجراحيَّة، والمساعدة في الوصول إلى أعضاءٍ في الجسم دون حاجة إلى عمل فتحاتٍ كبيرة في الجسم، من أجل الوصول إلى العضو المحتاج إلى العمليَّة.

الرياضيات والمنطق:

فكما جُعِلتْ بعض الأسس لضبط اللغة والكلام (النحو)، وجُعِلت أسس أخرى لضبط قواعدِ الخطِّ والكتابة الصحيحة، فإن علم الرياضيات ومن ورائه علمُ المنطق يَضعُ الأسسَ العامة للتفكير القويم.

فالمنطقُ يُصوِّب الفكرَ في مجالات محددة - لا في كل شيء - وخاصة في مجال الاستدلال على الأشياء والبراهين.

ولما كان الخطأُ في المجال اللغوي تتبعُه نتائجُ وخيمة، تأتي عن سوء فهم وتقدير للخطاب الموجَّه، والتي تكون لعدم فهم وضبط القواعد اللُّغويَّة - كان للخطأ الفكريِّ والمنهجيِّ نتائجُ أكثرُ خطورة وسلبية على المجتمعات والأفراد، وكان للرياضيات وعلم المنطقِ على حد سواء دور هامٌّ في تقليص هذا الخطرِ.


الرياضيات والاتصالات:
إذا تحدَّثنا عن عالم الاتِّصالات، فإننا نجد أنفسَنا أمام قاعدة بيانيَّة ضخمة لا تُحصَى ولا تُعدُّ، وبفضل نظرية الاحتمالات الرياضيَّة يمكننا ضبطُ التردُّدات في مناطق الاتِّصال بالهاتف الجوَّال وغيره، وتسهيل المعاملات الإلكترونيَّة وتشفيرها خاصة الماليةَ منها، وكذلك فإن الرياضيات تُساعِدُ على تحسين سرعةِ الاتِّصال عبر الإنترنت، وزيادة فاعليَّاتها.

الرياضيات وعلم الاقتصاد الحديث:
نظرًا لتطوُّر النشاط الاقتصادي، ولتشعُّب المعاملات الماليَّة في عصر العولمة؛ أصبح علم الاقتصاد بحاجةٍ ماسَّة إلى لغة دقيقة؛ تُترجِمُ النظريَّات الاقتصادية المعاصرة، وتُساعدُ على فهمها؛لذلك مثَّلت الرياضيات عمادَ الاقتصاديِّين ومرجعَهم في إنشاء النماذج الإحصائيَّة، التي تساعدُهم على تحليل قواعد البيانات، ودراسة العَلاقات بين مختلف المتغيِّرات الاقتصاديَّة.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق