الجمعة، 25 فبراير 2022

لا أحد يكترث بما تفعل.. لماذا تعد مخاوفنا من آراء الآخرين مجرّد مبالغة؟ القلق الاجتماعي ******

Nov 28, 2021

  حكمة أصيلة: "إن كنتُ لَم أدعُ شخصًا ما إلى منزلي بالأساس، فلماذا سأسمحَ له بالتغلغل في أفكاري!"، لكنَّه كلامٌ يسهل قوله ويصعبُ تطبيقه. فتحتْ وسائل التواصل الاجتماعي المجال لما يدور في رؤوسنا، حتى إن في وسع أي عابرٍ متسللٍ التجوُّل فيها. إن كتبت تغريدة تُفصح فيها عن رأيكَ في شخصيةٍ مشهورة، فمحتملٌ أن تصل إلى هاتفه في يديه بينما هو جالسٌ على أريكته في منزله.

ا كتبَ الفيلسوف الروماني الرواقي "ماركوس أوريليوس" من ألفي عامٍ تقريبا: "إننا نحبُّ أنفسنا أكثر من محبتنا للآخرين، لكننا نهتم بآرائهم أكثر من آرائنا"، سواءً أكانوا أصدقاءً أم غرباءً أم أعداء. عبارة امي كلي علي مزاجك والبس علي مزاج الناس

 سنفهمُ أن مخاوفنا من آراء الناس مبالغٌ فيها، وأنها أتفه من أن تُثير غضبنا إلا فيما ندر، لكن كثيرون منا انغمسوا في هذه العادة السيئة لوقتٍ طويلٍ، لذا نحنُ بحاجةٍ إلى أن نخطو خطواتٍ مدروسة لنغيِّر وجهات نظرنا حولها.

الاهتمام بآراء الآخر أمرٌ مفهومٌ ومنطقيٌ إلى حدٍ ما، يؤكد الفيلسوف ريتشارد فولي في كتابه (الثقة الفكرية في نفسك وفي الآخرين) أنكَ تثقُ في آرائك الخاصة، وآرائك متشبعةٌ بأشباهك من الناس وتشكَّلتْ من خلالهم، لذا فأنتَ تثقُ في آرائهم كذلك، شئت أم أبيت. وبناءً على ذلك، إن قال أحد زملائك في العمل إن "لعبة الحبَّار مسلسلٌ رائع"، فمن المحتمل أن رأيك عن المسلسل سيزداد بالإيجاب، قليلا على الأقل.

نجاة الإنسان طوال تاريخ الإنسانية على انضمامه إلى عشائر وقبائل متآصرة، وقبل التشكلات العصرية للحضارة، مثل أنظمة الشرطة أو محلات البقالة، كان الإقصاء من المجموعة يعني موتًا محتمًا من البرد أو الجوع أو بين أسنان الضواري. قد يُفسر هذا بسهولةٍ لِم شعورنا بالرعاية يشمل استحسان الآخرين، وكذلك يشرح سبب تطور أدمغتنا لتُنشِّطَ نفس الركائز العصبية  حين نشعرُ بألمٍ جسدي أو حين نواجه رفضا من المجتمع.

لسوء الحظ، تكيَّفت غريزة الرغبة في رضا الآخرين بشكلٍ مؤسفٍ مع الحياة العصرية.

تُشير الأبحاث إلى أنّ الانشغال بآراء الآخرين يُبقي نظام التثبيط نَشِطًا، مُعرقلًا قدرة الإنسان على التصرّف وعلى الإنجاز"

  • أولا: ذكِّر نفسك أن لا أحد يهتم، فعلًا
لديهم آراء عنَّا أقل بكثيرٍ مما نتصور، سواء كانت إيجابية أم سلبية. تظهر الأبحاث أننا نبالغُ دوما في تقدير تفكير الآخرين فينا أو في إخفاقاتنا، ما يؤدي إلى كبت أصواتنا بلا مبررٍ وعيش حياةٍ أسوأ. ربما يكون لمتابعيك أو جيرانك آراء مزدرية عنك في حالة فكروا في أمرك، لكن الأرجح هو أنكَ لست على بالهم تمامًا. في المرة القادمة التي يخالجك شعورٌ بالخجلٍ من نفسك أو أن تكون واعيًا بشدةٍ لتصرفاتك، تذكَّر أن تفكيرك مُنصَبٌّ على ذاتك، ولك أن تفترض بكل طمأنينةٍ أن كل من حولك يفعل مثلك بالضبط بدرجاتٍ متفاوتة.

  • ثانيا: تمرَّد على شعورك بالمهانة
 الخوف من المهانة يقف متربصًا خلف الاهتمام المفرط بآراء الآخرين، علينا أن نواجه هذا الشعور مباشرة بدل تجنّبه. يُفيدنا القليل منه أحيانًا ويحذرنا في مواقف بعينها، حين نقول كلامًا مؤذيًا لشخصٍ ما نكايةً به أو لأن صبرنا قد نفد مثلًا. لكنه في العادة شعور يتولَّد من مواقف سخيفة لا ذنب لكَ بها، مثل أن تشعر بالخجل أو المهانة من نفسك حين سها عليكَ إغلاق سحَّاب بنطالك.

تحررتُ من خوفي عمَّا قد يحدثُ إن فعلتُ صدفة شيئًا محرجًا للغاية في المحاضرة. وبعد واقعة السحَّاب المفتوح، عجزتُ عن تصوِّر أي شيءٍ يفوقها سوءا، ونتيجةُ هذا أنني كنتُ هادئًا، ومرَّ الفصل الدراسي رائعًا. بالطبع لن أوصيكَ بأن تسير في الأرجاء بسحَّابٍ مفتوح عن عمد، لكن اطرح سؤالا على نفسك: "ما الذي أُخفيه لدرجة أنني أشعر بشيءٍ من الحَرج بسببه؟"، احسم أمركَ على ألَّا تُخفيه بعد الآن، وأن تقضي على شعور المهانة العقيم الذي يُقيدك.

  • ثالثا: لا تحكم على الآخرين
 أن تحكمَ على الآخرين وتُدينهم هو اعترافٌ وإقرارٌ بأنه من الطبيعي أن يُلقي الناس أحكامهم على بعضهم، ما يعني أنه قبول ضمني بأحكام الآخرين عليكَ شخصيًا.

 العزوف عن إلقاء الأحكام على الآخرين وأن تذكِّر نفسك -حين تقعُ في هذا بالخطأ- أنه من المحتمل أن حكمكَ خاطئ.

فقط تكتفي بمراقبة محيطك. استبدل قولك: "المطر شنيعٌ اليوم"، بأن تقُول: "إنها تمطر". بدلًا من قول: "ذاك الرجل الذي قطعَ عليَّ الطريق أحمق"، قل: "كان الرجل حتمًا في عجلةٍ من أمره". سيكونُ أمرًا صعبًا، لكنه مريحٌ بشكلٍ غريب، ستزيحُ عن نفسكَ عبء نقد كل شيء، وبهذا سيهدأ قلقكَ من نقدِ الآخرين لكَ. قالَ "لَو تسو" في كتاب "الطاو والفضيلة" أن "اهتَمَّ باستحسان الناس، وستكون أسيرهم". كان بلا شكٍ يقصد بقوله هذا تحذيرًا جديًا، لكن مع مرور السنين، توصلتُ لفهم قوله على أنه وعدٌ وفرصة.

سجن استحسان الآخرين هو سجنٌ شيدتُ أسواره بنفسي، أنا من حافظ عليه وحرسه، وقادني هذا إلى أن أكمل قول لَو تسو الأصلي بأن "تجاهل ظنون الآخرين وسيُفتحَ باب السجن على مصراعيه". إن كنتَ حبيسا في سجن النقد والأحكام ومشاعر المهانة والخجل، تذكَّر أنكَ وحدكَ مَن بحوزته مفاتيح حريتك.
*

"مخاوف لا أساس لها"، كتب سينيكا:

"إن الأشياء التي تخيفنا أكثر من تلك التي لها القدرة على سحقنا، فنحن عادة ما نعاني في الخيال أكثر من الواقع

منعنا القلق من عيش الحياة لأقصاها. وينهي الرسالة مقتبسا لأبيقور:
"الأحمق هو من يتأهب للحياة دائما".



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق