الناس يُظهِرون ردود أفعال عاطفية عند موت شخص واحد أكبر بكثير من ردود أفعالهم عند موت أعداد أكبر، وإن اشتركت ظروف وفاتهم.
بالتالي تراجع الشعور بالرغبة في الانخراط لتقديم المساعدة. تُفسِّر هذه النتيجة -بحسب سلوفيك- سر برود مشاعر الناس تجاه المآسي الجماعية الكبرى، مثل الإبادة الجماعية أو ضحايا الكوارث والمجاعات، أو زيادة أعداد المصابين بفيروس كورونا، أو حتى التحرك لمواجهة أزمة عالمية مثل الاحتباس الحراري.
"التخدير النفسي" (Psychic Numbing)، وتعني باختصار أنه كلما زادت الأرقام، تسرَّب الخدر إلى انفعالات الأشخاص واهتمامهم وتعاطفهم مع مصائب الآخرين، وقلَّ اهتمامهم بتقديم المساعدة.
المدهش أن أكثرية التبرعات ذهبت لدعم الطفل الوحيد، وأن نسبة التبرعات تناقصت بنحو ملحوظ بالنسبة للطفلين. وعندما أُضيفت صورة أخرى تضم 8 أطفال في حاجة إلى المساعدة، تناقصت نسبة المساعدات أكثر، بل وتناقص أيضا الشعور الإيجابي من المشاركين تجاه معاناة الأطفال.
حيلة نفسية دفاعية تُتيح للجهاز العصبي للفرد تلقي الأخبار المأساوية بردود فعل منضبطة، والتأقلم معها بسرعة. ومع ذلك، فالأمر لا يخلو من أنانية أيضا، بحسب وصف سلوفيك، الذي قال إن أحد الأسباب الأساسية لتراجع الاهتمام بمآسي الآخرين الجماعية هو شعورنا بأن أي جهد سوف نبذله لتقديم المساعدة سيكون بلا طائل، وأن مساعدتنا في هذه الحالة -إذا قدَّمناها- لن تُشعرنا بالرضا الذاتي نفسه الذي نشعر به عقب مساعدة شخص محدد بعينه.
دائما ما يكون التركيز على استعراض حالة واحدة تُجسِّد المعاناة لضمان ترك تأثير أكبر على المشاهد، بدلا من تشتيت عواطفه وتركيزه مع أكثر من نموذج.
في النهاية، ورغم كثرة الكوارث والمآسي التي تدور حولنا، والأخبار التي نقرؤها يوميا عن معاناة الملايين، فإن عقولنا تظل مُجهَّزة للتعامل مع الحكايات الفردية والتأثُّر بها، في حين أنها غير قادرة على التفاعل بالقدر نفسه مع الكوارث الجماعية، ولا تتعامل معها سوى باعتبارها أرقاما. تذكَّر مدى التأثر الذي كنت تشعر به أثناء مشاهدتك لفيلم "تيتانيك"، وحزنك على غرق بطل الفيلم، في الوقت الذي لم تشعر بالتأثُّر إزاء غرق مئات الركاب الآخرين الذين كانوا على متن السفينة، فقط لأن عدسة الكاميرا لم تُسلِّط أضواءها على حكاياتهم.
"سيكولوجية التبرُّع" تعتمد على التركيز على حالة واحدة فقط تؤدي بكل فرد من الجمهور إلى رسم تشابهات بين الحالة المعروضة أمامه وبين حياته الشخصية، مما يدفعهم إلى تقديم المساعدة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق