Oct 3, 2019 Apr 7, 2021
د قراءة التاريخ الكنسي أيام كانت توزع صكوك الغفران في أروبا، لما كانت في ظلمات بعضها فوق بعض.
لكن أن يطلق «رجل دين» على أحد من المسلمين مهما بلغ في علوم الشريعة من تعمق فهذا هو المستغرب!! حيث لم يثبت في التاريخ أن أحدا من العلماء الجهابذة من لقب بهذا الاسم أو امتهن مهنة على هذه الشاكلة.
بالخلفاء الراشدين، ثم الستة الباقين من المبشرين بالجنة، ثم الذين شهدوا بدرا، ثم أصحاب بيعة الرضوان… على علو مكانتهم وسبقهم في الإسلام، لم يثن عليهم القرآن إلا بلفظ الصحبة… وفي هذه أيضا ما فيها من الدلالات.
ثم بعدهم التابعين، فالأئمة المجتهدون إلى الآن في تاريخ الإسلام كله، لم يوصف أحد بهذا الوصف. فأقصى ما وصف به علماء الإسلام أن يقال في حقهم: (الإمام كذا… أو شيخ الإسلام كابن تيمية.. أو حجة الإسلام.. كالغزالي… وغيرهم..).
أما أن يسمى رجل أعطى رأيه في ظاهرة معينة كغيره من الباحثين المتخصصين «رجل دين»، -فقط لأنه استشهد بآيات قرآنية وأحاديث نبوية قد يتفق أو يختلف معه باقي العلماء، أو ينكرون ما ذهب إليه من استنباط- فهذا ما لا يستسيغه أحد من الغيورين،
أهو البحث عن الجديد من المصطلحات؟ أم نفض الغبار عن القديم منها؟ أم هو تشبيه الإسلام بدين الكنيسة؟ أم هي لغة الإعلام؟ والإعلام من حقه أن يتحدث بأي اللغات شاء!!
ه علماء يخطئون ويصيبون في اجتهاداتهم، وفي فهمهم لنصوص الوحي «وكل يؤخذ من كلامه ويرد إلا صاحب هذا القبر -أي رسول الله صلى الله عليه وسلم- كما قال الإمام مالك رحمه الله… »!!
الفرق بين العالم ورجل الدين
ما السبيل إلى دين دون رجال دين وإسلام دون إسلاميين
المتشددون من رجال الدين يفسدون على الناس حياتهم، ويحولونها إلى جحيم من المحرمات من خلال تصرفهم كوسطاء بين الله وخلقه، في حين أن بهجة الحياة، وحتى روحانية الدين، تكمن في أن نعيشها دون وصاية ودون أن نحمّل أي سلطة دنيوية أعباء علاقتنا مع الله في نمط تفكير بدائي يربط بين الديني والسياسي، ويخلط في تقديره للمسؤوليات الحاكمية عندما يقرنها بالمقدس.
الإسلام في عمقه الروحي وبعده الوجودي لا يحتاج إلى كهنة.
الإسلام هو نحن المسلمون لنعيش ونتعارف ونحب ونطمح، لنكون أفضل ونحتمل العبء البشري في السراء والضراء، وليس لنفجر أنفسنا ولا لنكفر الناس، ولا لنتجادل هل الله موجود أم لا، أو ننزلق إلى ما يسميه الدواعش “الاستبدال” أي كيف يستبدل الله البشر بغيرهم من المؤمنين إذا رفضوا تطبيق الشريعة؟ وكأن الإسلام منفصل عن المسلمين وليس هويتهم ولغتهم وأعيادهم.
الإسلام ليس أحزابا سياسية، ولا مؤسسة كهنوت ترهب عقولنا. إننا لا نحتاج لكل ذلك، ويحق لكل إنسان أن يعيش، ويحق له أن يضل ثم يحق له بعد ذلك أن يتوب وأن يزكي روحه بالإسلام دون تعقيد وضغوط وإرهاب.
النص القرآني الوجداني الجميل يسري منذ 1500 سنة في جسد آبائك وأجدادك. إنه حكاية طويلة ذات معنى، غير أن هذا المعنى بطبيعته “شخصي” أي أنه تجربة روحية متروكة لكل إنسان. كل شيء تاريخي في النهاية حتى الإيمان، ويتغير مع كل زمن بما يناسبه.
إن تأديب الكهنة والمرتزقة الذين جعلوا من الدين مهنة هو عملية موفقة حقا، وتحرير للمسلم وللإسلام وهدم للأصنام. فلنتحرر من فكرة تأكيد الإسلام لأن “النبأ العظيم” لا يحتاج إلى تأكيد، ولندخل العالم بسلام فالحياة جميلة حقا بلا رجال دين.
نحن لا نحتاج إلى رجل دين بعمامته ولحيته ليُبشرنا بالإلحاد. فهذا أيضا خطأ ويلوث الإيمان والإلحاد معا. نحن نحتاج الإسلام دون عمامة. أما الإلحاد فنجده متدفقا عند ألبير كامو ونيتشه وماركس، نجده حيويا على شكل قلق لدى المتنبي، وعلى شكل شكوك لدى المعري ولكننا أيضا في ساعة الفقدان وفي لحظة غامضة نريد أن نسمع القرآن الكريم فقط وأن نقف ونصلي. هذا هو وجودنا الحر كبشر دون عمامة ولا وصاية ولا رجال دين.
إن رجل الدين هو الإرهاب وتشويه الإسلام، أما الإسلام فهو أنت وأنا، هو تاريخنا ولغتنا وثقافتنا، هو التفاعل الحي بين الثقافة والإنسان في التاريخ والجغرافيا.
البعض يظن بأنني أدافع عن الدين بينما الحقيقة هي أنني أدافع عن الثقافة، فإذا كان الدين سيختفي يوما من الأيام فإن ذلك سيكون بشكل طبيعي دون ممارسة العنف والقمع. ونحن هنا في زماننا هذا لا نريد القضاء على الدين، ولا نريد للدين أن يقضي علينا أيضا. إن إعلان الحرب على الدين سيكون بمثابة إعلان حرب على الناس، بينما إعلان الحرب على رجال الدين هو بمثابة مكافحة للإرهاب والتطرف ولطبقة طفيلية مضادة للثقافة.
سعود القحطاني المستشار برتبة وزير في الديوان الملكي كتب مقالا مهما بعنوان “الدولة الوطنية والشرعية الأيديولوجية” نشرته صحيفة الرياض السعودية. ودون لف ودوران هو يقول إن السعودية تعاني من الحُبّ القاتل. المسلمون يريدون الانتماء إليها ويخلطون بينها وبين الكعبة والنبي والصحابة.
السعودية دولة وكل من فيها من شيعة وسنة وإسماعيليين هم مواطنون سعوديون مصلحتهم وقيمتهم بنظر المملكة أولا وقبل كل شخص غريب مهما كان دينه ومذهبه. يعني “إن أكرمكم عند الله أتقاكم” عند الله وليس عند السعودية. التقوى ليست في حسبان الدولة، المهم الجنسية والانتماء الوطني.
يقول القحطاني إن السعودية تعاني من ضعف الثقافة الوطنية بسبب “إن هذه أمتكم أمة واحدة” يعني السعودي يخلط بين الأمة الدينية التي هي روحانية خيالية وبين الأمة الحقيقية التي هي الشعب السعودي والمواطنة. الرجل يقول نصا في مقاله “الحل بتقديري يكمن في الاعتراف بأن مفهوم الأمة، أيا كانت هذه الأمة، لم يعد صالحا في وقتنا الحالي”.
ويضيف أن السعودية استفادت من الأيديولوجيا الوهابية في مرحلة التأسيس لكن اليوم هذه الأيديولوجيا غير مفيدة وعبء على البلاد “الأيديولوجيا وإن كانت عاملا مهما في التأسيس، غير أنها كانت في أحوال أخرى سببا للضعف وتكالب الأعداء والتفتت والتفكك في نهاية المطاف، كما كان الوضع في الدولة السعودية الأولى مثلا”.
لولايات المتحدة نفسها تقول إن رجل الدين السعودي يتمتع بنفوذ غير طبيعي فالناس تنظر إليه كمواطن في دولة النبي محمد، ويحدثنا من مهبط الوحي والأرض المقدسة. هذا الوزن الزائد لرجل الدين السعودي “حصرا” يشكل خطرا على النظام العالمي، وعلى السعودية كدولة مواطنة أيضا. لهذا تقوم السعودية اليوم بإعادة رجل الدين إلى حجمه.
المملكة تقول للمسلمين لا تمجدونا بل مجدوا دولكم، لا تتبعوا مشايخنا بل اتبعوا مشايخكم، لا تطلبوا من قادتنا بل اطلبوا من قادتكم. المملكة تهتم بالسعوديين والسعودية أولا كما يهتم دونالد ترامب بالأميركيين فقط “أميركا أولا”.
وتريد المملكة ألا يحصروها في كونها “دولة إسلامية” وأن تكون دولة حديثة، تريد أن يفهم الجميع بأن قبلة المسلمين هي الكعبة وليست السعودية. السعودية دولة مثلها مثل كل الدول تطمح إلى الموازنة في المعاني المقدسة التي تثقلها وتحملها فوق طاقتها.
فإذا السوق الحرة والعولمة والقيم الليبرالية والانفتاح وتمثال الحرية والمهاجرون وحقوق الإنسان أشياء تضر بمصالح أميركا، فلا ضرر من إلغاء النموذج ورفع شعار “أميركا أولا” وبناء جدران حول الولايات المتحدة.
المهم في هذه الورقة هو هل الإسلام يحتاج إلى رجال دين؟ ما فائدة هذه الطبقة؟ رجال دين يجتمعون بحجة التقريب بين المذاهب، ورجال دين يجتمعون بحجة القضاء على التطرف. الحكومات العربية رأت في النهاية أنه لا توجد مشكلة لا في الناس ولا في الإسلام، بل المشكلة -كل المشكلة- بوجود رجال دين يتمتعون بشهرة وسلطات وثروات.
عن العلماء والشيوخ والفقهاء
ليس في الإسلام كهنوت ولا طبقة من رجال الدين ولا رهبان
ليس هناك من دور يقوم به رجل الدين الإسلامي لا يستطيع المسلم العادي (أو المُسلمة) أن يقوم به. مميز عني بماذا
منصب رجل الدين بدعة من بدع السلطات السياسيّة التي حكمت باسم الإسلام. والخلفاء الأمويّون والعبّاسيّون ومن تلاهم، عرفوا كيف يستفيدون من تلك الفئة من الناس
يحظى رجال الدين _ بهالة من التقديس والتبجيل تحميهم من النقد ومن الملاحقة القضائيّة ومن مجرّد السؤال
رجال الدين مُنزّهون بعرفهم هم، وبعرف من يحميهم في قصر السلطان حتى لو أتوا موبقات يحرّمونها على العامّة، حتى لو خالفوا الشريعة فيما يدّعون تطبيق الحدود ضد مخالفيها من العامّة. القوانين في بلدان المسلمين تحمي رجال الدين من أي إساءة، وفي لبنان يحتمي رجال الدين من كل الأديان خلف سور من تنظيمات وتقاليد من مخلّفات القرون الوسطى عن سيادة الكهنوت. فرجل الدين هو الوصيّ على الأخلاق العامّة وعلى ما يُسمّى (قمعاً) «الفضيلة». وعلاقة رجال الدين بالدولة (وهي تبعيّة) في الدول الإسلاميّة تجعل من المُفتي ومن باقي رجال الدين جزءاً من مؤسّسة الحكم غير الخاضعة للمساءلة أو المحاسبة أو الحكم الشعبي التمثيلي. وقوانين حظر التعرّض «للرموز الدينيّة» قوانين سارية لا قدرة للعامّة على معارضتها.
ولكن لسيادة رجال الدين في المجتمع (لأن دورهم في الدولة غير سيادي بسبب خنوعهم أمام السلطان) أسباب أخرى. تتحمّل الأحزاب اليساريّة بمجملها مسؤوليّة الانكفاء عن نقد المؤسّسة الدينيّة لأنها هي كانت مؤهّلة لأداء هذا الدور. لم يمرّ العالم العربي بما مرّت به المكسيك أو الثورة الفرنسيّة من تحجيم لسلطة الإكليروس. صحيح أن الأحزاب الشيوعيّة العربيّة تمنّعت بسبب جبن سياسي أو سوء تقدير استراتيجي، عن تشكيل نقد للدين على غرار الأحزاب الشيوعيّة في بلدان أخرى من العالم (مثل الهند وأميركا اللاتينيّة، كذلك إن ولادة ظاهرة «فقه التحرير» في الكنيسة تعود لانتشار فكر اليسار ذاته).
ولكن لسيادة رجال الدين في المجتمع (لأن دورهم في الدولة غير سيادي بسبب خنوعهم أمام السلطان) أسباب أخرى. تتحمّل الأحزاب اليساريّة بمجملها مسؤوليّة الانكفاء عن نقد المؤسّسة الدينيّة لأنها هي كانت مؤهّلة لأداء هذا الدور. لم يمرّ العالم العربي بما مرّت به المكسيك أو الثورة الفرنسيّة من تحجيم لسلطة الإكليروس. صحيح أن الأحزاب الشيوعيّة العربيّة تمنّعت بسبب جبن سياسي أو سوء تقدير استراتيجي، عن تشكيل نقد للدين على غرار الأحزاب الشيوعيّة في بلدان أخرى من العالم (مثل الهند وأميركا اللاتينيّة، كذلك إن ولادة ظاهرة «فقه التحرير» في الكنيسة تعود لانتشار فكر اليسار ذاته).
لكن الأحزاب اليساريّة العربيّة لم تكتف بعدم إنتاج فكر نظري وسياسي في نقد الدين، بل هي لم تتعرّض بالنقد للمؤسّسة الدينيّة. الحزب الشيوعي اللبناني، مثلاً، عمد إلى التملّق للمؤسّسة الدينيّة
تحاشى الشيوعيّون العرب نقد الدين ونقد المؤسّسة الدينيّة، وتحاشوا أيضاً الدفع قدماً بمبادئ العلمانيّة
الإهمال لنقد الفكر الديني أسهم في الصعود التدريجي عبر السنوات للحركات الدينيّة والطائفيّة.
لم أكنّ أجلّ العلماء منذ طفولتي ولم أرَ فيهم ما يستحقّ التبجيل. كنت أسمع عن قصص فساد أخلاقي ومالي في أوساطهم، وأسمع أيضاً عن لفلفات ملفّات فضائحهم (كما تفعل الكنيسة الكاثوليكيّة حول العالم في لفلفة فضائح الاعتداء على أطفال من قبل القساوسة).
وفي الستينيات والسبعينيات، (أو قبل ذلك في العراق)، وقف العلماء سنّة وشيعة ضد الصعود اليساري والشيوعي
تحدّثت مؤسّسة الأزهر وانفتحت وزال الحديث عن الخلاف المذهبي، واعترف الأزهر وإن متأخرّاً بالشيعة الاثني عشريّة كمذهب إسلامي
العلماء والشيوخ والفقهاء إحدى أدوات التسلّط السياسي والاجتماعي باسم الفضائل وباسم السماء. إنهم يشكّلون أخطر ظاهرة في التسلّط العربي لأنهم يحتمون بالمناعة الإلهية التي تحظر وتمنع وتكبت وتحدّد وتجزر وتحدّ وتقرّع وتصيح وتأمر وتنهى. لكن هؤلاء رجال سياسة وإن التحوا وإن تعمّموا. صحيح هناك أفراد بينهم دعموا مقاومة إسرائيل وهناك بينهم من نشر قيم التسامح والحريّة الفرديّة، لكن هؤلاء قلّة وقد تعرّضوا للحرم والقمع والتهميش، كما حصل مع المطران حدّاد. لكن المؤسّسة الدينيّة، مثل مؤسّسة الأزهر، هي مؤسّسة فاسدة استعصت على الإصلاح. شيوخ الأزهر جنحوا لمقاومة إسرائيل في سنوات عبد الناصر، وعادوا وجنحوا نحو السلام مع العدوّ الإسرائيلي لأنهم استفاقوا حسب زعمهم على آية قرآنيّة فسّرها فقهاء السادات بأنها تحضّ على الاستسلام للعدوّ.
*
في نقد الحاجة إلى شيوخ الدين؟
الطلب على الفتوى فرصة لتعزيز سلطة الفقيه، حتى ولو كان سيمارسها بالكثير من الشطط طالما لا يحاسبه القانون.
الملاحظ أن الأسئلة التي يتلقاها الفقيه تبقى هي نفس الأسئلة تقريبا، تتكرر عاما بعد عام، وجيلا بعد جيل، بل الأدهى أن الغالبية العظمى من الأسئلة التي طُرحت قبل ألف عام هي نفسها التي لا تزال تُطرح إلى غاية اليوم، سواء في مجال العبادات أو في مجال المعاملات.
الناظر إلى تاريخ الفتاوى يكاد يشعر بأن الزمان متوقف، فالأسئلة هي نفسها، والأجوبة هي نفسها، سواء في آداب الجنس، أو أنواع الطلاق، أو مبطلات الصوم، أو الفنون الجميلة، أو العلاقة مع غير المسلم، أو غير ذلك. بل قد نجد نفس الشخص أحياناً يكرر نفس السؤال على أكثر من شيخ واحد، أو حتى أنه قد يكرر نفس السؤال على نفس الشيخ في أوقات مختلفة. تكرار نفس الأسئلة يعني أن ثمة في مستوى اللاوعي أزمة ثقة في الأجوبة المقترحة.
محصلة القول إننا بقدر ما نميل إلى تعظيم شيوخ الدين في مستوى الوعي فإننا في مستوى اللاوعي لا نمنحهم إلا القليل من الثقة. وبكل تأكيد ثمة سبب لذلك.
لا يقتصر السبب على كثرة الفتاوى المستغربة والمستهجنة، من قبيل فتاوى إرضاع الكبير، أو مضاجعة الزوجة الميتة، أو نكاح الجن، أو نحو ذلك، لكن السبب الأساسي لعدم ثقة المسلم في الشيخ الذي يعظمه كامن في عدم ثقة المسلم في نفسه أولا. فإنه قد يكون مريضا لا يقدر على الصيام، أو يعلم أن الصوم يشكل خطرا على حياته، ومع ذلك لا يثق في نفسه، بل يريد شيخا يتحمل بدلا عنه مسؤولية القرار. ثم إنه لم يعد يكتفي بفتوى الشيخ بل يطلب من الطبيب أن يلعب دور الشيخ مباشرة بحيث ينتظر منه “فتوى” بدل “رأي طبي”، فلا يريد أن يسمع فقط عبارة “إن الصوم قد يكون مضرا لك”، وإنما يريد أن يسمع عبارة “يجب عليك /أو يجوز لك أن تفطر رمضان”.
عموما هناك ثلاث خدائع أساسية في بنية “الرأي الشرعي” لدى الفقهاء:
أولا، حين يُسأل الشيخ عن رأي الشرع في هذه المسألة أو تلك، فالمؤكد أننا سنحصل على رأي الشيخ في آخر المطاف، وليس رأي الشرع؛ فلا وجود لشيء اسمه رأي الشرع. ولذلك يحسن أن يكون السؤال على هذه الطريقة: ما هو رأي الشيخ فيما يظنه رأي الشرع في هذه المسألة أو تلك؟
ثانيا، حين يصدر الشيخ فتوى فهو يجيب عن حالة خاصة هي حالة السائل بالذات. ولا يمكن أن تصير الفتوى حكما عاما يشمل الآخرين غير السائل. لأن الأمر لا يتعلق بالقانون وإنما بالفتوى. الخلط بين الفتوى والقانون خديعة أخرى. وفي كل الأحوال يجب أن تكون الفتوى خاضعة للقانون وليس العكس.
ثالثا، وظيفة الفقيه الذي يصدر الفتوى أن يقدم للسائل المتدين جوابا دينيا يسهل حياته بدل أن يعقدها. لذلك، يجب عليه أن يحترم القانون أولاً. وثانيا، عليه أن يحترم حقائق العلم سواء تعلق الأمر بالعلوم الطبيعية أو بالعلوم الإنسانية. وثالثا، عليه أن يحترم خصوصيات الذات السائلة من حيث رغباتها وقدراتها، حتى لا يُسبب للمسلمين الحزن، والاكتئاب، والشعور بالذنب، والكراهية، والغضب، وما إلى ذلك من غرائز الانحطاط الإنساني التي يساهم فيها الكثير من الفقهاء، وبئس ما يفعلون.
دور الفقهاء يجب أن يتغيّر جذريا، بحيث لا يجب أن يعملوا من أجل شقاء الإنسان، بل من أجل سعادته -لم لا؟- وهذا المراد نراه ممكنا، لكن الكلام فيه مقام آخر.
*
رجال الدين والإعلام.. علاقة ثلاثية الأبعاد
في الحقيقة يمكن تحديد علاقة الغالبية العظمى من رجال الدين بالإعلام في ثلاث مراحل، أو ثلاثة وجوه لحقيقة واحدة، هي: أولا: مرحلة الرفض والتكفير والتبديع؛ فلم تظهر وسيلة إعلامية على مر تاريخ وسائل الإعلام، إلا وأنكرها الغالب الأعم من رجال الدين، خصوصاً أولئك الذين يدعون القدسية، والمرجعية، والتمسك بما كان عليه السلف. ناصب هؤلاء الإعلام العداء، وكفروا وفسقوا وبدعوا كل من عمل فيه، أو تعامل معه، أو استفاد منه. حدث هذا مع الطباعة والصحافة والإذاعة والتلفزيون، والإنترنت، وجميع الوسائل.
ثالثاً: مرحلة كشف المستور، وفيها كان انتقام آلة الإعلام من الذين حاربوها، ثم استغلوها بصورة انتهازية، فكان الانتقام الأشد والأقسى، فقد استدرج الإعلام هؤلاء من خلال غريزة عشق الشهرة، والنجومية، والتعلق بالأضواء، فأخرج كل ما في نفوسهم، وللأسف كان السيئ فيها أكثر من الصالح، والمفسد أكثر من المصلح، وكانت الفتنة أكثر من الإصلاح، والعنف والتدمير أكثر من الطمأنينة والسلام.
فقد نسي هؤلاء أن نفاذية وتأثير الدعوات الدينية تحتاج قدراً من الرصانة، والغموض، والاقتصاد في القول، والبعد عن الظهور، والخفاء، معظم الأديان والمذاهب تلجأ للخفاء، والغموض حتى تظل شعلة الشغف والعطش مشتعلة، وحتى يظل أمر الدين في النفوس فيه من القداسة الشيء الكثير، لأنه بدون تلك القداسة لا يكون ديناً، بل يكون فلسفة، أو قانونا، أو مجرد أيديولوجيا سياسية.
ولعل ما نشاهده اليوم في ثورة شباب العراق ولبنان على كل الرموز الدينية والطائفية، وعدم إصغاء الشباب لحيل المرجعية الدينية التي تحاول استدراجهم للوقوع في مصيدة الأحزاب السياسية التي خلطت الدين بالفساد بالانتهازية السياسية، كل ذلك هو نتيجة لمرحلة السقوط التي كشف فيها الإعلام مستور رجال الدين.
دكتاتورية رجل الدين أشد فتكا من أي دكتاتورية لأنه يمنح استبداده وتحكمه برقاب الناس بُعدا إلهيا.
*
وجدي غنيم Apr 7, 2021
نظرية الحلوى المغلفة لرجال الدين لا تستثني المومياوات المحنطة
سخرية واسعة اجتاحت مواقع التواصل الاجتماعي في مصر عقب مقطع فيديو نشره الإخواني الهارب إلى تركيا وجدي غنيم تساءل فيه “كيف يتم نقل مومياء شعرها باين؟”.
رجل الدين المصري وجدي غنيم هاجم فيه موكب نقل المومياوات الملكية، مدعيا بأن ملوك الفراعنة كفار، متسائلا “كيف يتم نقل مومياء شعرها باين؟”، سخرية واسعة
يوتيوب التي يتابعها أكثر من 400 ألف متابع مقطع فيديو بعنوان “تحريم تكريم جثث الفراعنة الكفار” شاهده 38 ألف مشاهد، وعطل كعادته ميزة التعليقات على الفيديو.
غنيم “طاقة كوميدية مهدرة”. ورغم أن رجل الدين دائما ما يثير بتصريحاته الشاذة وفتواه المتطرفة، إذ يصفه البعض بـ”سليط اللسان” و”آلة تكفير متنقلة”، إلا أن مقاطع الفيديو التي ينشرها تثير سخرية واسعة ويصفها البعض بأنها “مضحكة”.
نقل مومياء بشعرها.. ما يذيعه وجدي غنيم عن الفراعنة وتاريخهم يمثل قناعات لدى كثير من الإسلاميين. وحاليا تهيمن هذه التوجهات على طرق التثقيف في ما تبقى من الإخوان المسلمين، بمجموعاتها المختلفة، بحيث لا تقتصر فقط على تقديم قراءات عشوائية للتاريخ لكنها تسمح بمناقشة وسريان أفكار التكفير باستسهال يعكس قبولا. لله الأمر.
يا عم الشيخ لو عارفين أن واحد زيك عينو هتزوغ علي مومياء محنطة من الآلاف السنين كنا غطينا شعرها.
يتصدر خطاب “الحلوى المكشوفة” و”السلعة الرخيصة” واجهة الجدل كلما دار نقاش حول موضوع الحجاب. ويعقد أنصار الحجاب والنقاب مقارنة مفادها أن “المرأة المحجبة والمنقبة مثل الحلوى غير المكشوفة والمرأة غير المحجبة مثل الحلوى المكشوفة يتجمع حولها الذباب”.
غنيم الهارب من تنفيذ حكم بالإعدام الصادر عن محكمة جنايات القاهرة في إبريل 2017، يعيش في تركيا. وتساءل مغرد:
وجدي غنيم ساب كل حاجة ومسك في أننا بننقل المومياوات وشعرها مكشوف… غالبا هايطلع فتوى بجواز نكاح المومياوات…
تمثل المرأة، ولو كانت مومياء، هاجسا كبيرا في الفكر والخطاب الديني الإسلامي، حيث يشكّل جسدها رهانا لافتا لدى فئات اجتماعية واسعة، ويرى الإسلاميون الذين ينفذون غزوات على مواقع التواصل أن “الحجاب عنوان الهوية الإسلامية والعربية”.
يعترف رجال الدين المتربحون من الدين أملا في سلطة أو مال أو وجاهة اجتماعية بأنهم ليسوا مطالبين بمخاطبة النخب والمثقفين، فقط يتوجهون إلى العامة. ويبدو أن العامة أفاقت من غيبوبتها خاصة النساء اللاتي تتوجه إليهن 90 في المئة من فتاوى رجال الدين.
*
رجال الدين أقوى من القوانين
ليس ارتداء الحجاب إجباريا في معظم الدول الإسلامية ولكن القوانين الرجعية وسلطة رجال الدين تفرض قيودا صارمة على لباس المرأة تماشيا مع التفسير المتشدد للشريعة الإسلامية.
*
رجال الدين المسلمون لا يقفون عادة مع شعوبهم. هذا شيء نادر إن حصل. وكل ما لدينا منه سجلات محدودة من الماضي. هم يقفون مع الطغاة، خوفا منهم أو طمعا. فيقدموا لطغيانهم التبريرات والمعاذير، ويتوسلون الرضوخ لهم وفقا لنظرية “حاكمٌ ظلوم خيرٌ من فتنة تدوم”، فيظل الحاكم والفتنة تدوم! وهي نظرية لا يوجد لها أثر في القرآن الكريم، ولا في السنة، إلا وفق تأويل على تأويل، يجمع الكذب والافتراء بسوء التفسير.
لبنان تحت سلطة تجار المخدرات الشيعة، وتجار الفساد المسيحيين، وتجار الخنوع السُنة، وتجار العجز الدروز، ما عادت السياسة تكفي لمواجهته، بل صار أمرا لزاما على الدين. لكي يبقى دينا. فلا يتحول إلى نفاق.
رجل الدين الذي لا يسمع صوت الأنين، ليس له دين. والذي يتردد في أن يقول كلمة الحق في وجه الظالمين بريءٌ منه الدين.
الأزمة ليست أزمة اقتصادية. ولا هي أزمة سياسية. إنها أزمة نظام لم يعد مناسبا لكل وجه من وجوه الحياة،
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق