يعتبر الناتج المحلي الإجمالي مؤشرا اقتصاديا مهما للغاية منذ عشرات السنين، لكنه يعاني من ثغرات كبيرة في قياس تطور اقتصادات دول العالم ومدى رفاهية شعوبها.
الناتج المحلي الإجمالي الذي أصبح يحظى بنوع من "القداسة" كمؤشر اقتصادي عالمي، ويتكرر بشكل مستمر في الخطابات السياسية والنشرات الإخبارية وتقارير المؤسسات المتخصصة، يحتاج اليوم إلى مراجعة شاملة تراعي تلك الجوانب المهملة، ولا سيما المتعلقة بجودة حياة الناس وسعادتهم.
مفهوم الناتج المحلي الإجمالي الذي ظهر قبل 8 عقود في ظروف اقتصادية مختلفة جذريا عما نعيشه اليوم، مفيدا في قياس اقتصاد صناعي مثل الاقتصاد الأميركي، فإنه ليس بالضرورة مقياسا مناسبا لفهم اقتصادات البلدان النامية.
إجمالي القيمة النقدية لجميع السلع والخدمات المنتجة في بلد ما خلال فترة معينة، وعادة ما تمتد هذه الفترة لسنة واحدة، وتتمثل الطريقة الأكثر استخداما لحساب الناتج المحلي الإجمالي في: جمع قيمة الاستهلاك الخاص والاستثمار والإنفاق العام والفرق بين الصادرات والواردات.
وتوجد مؤشرات أخرى مستمدة من الناتج المحلي الإجمالي، مثل الناتج المحلي الإجمالي الاسمي، والناتج المحلي الإجمالي الحقيقي، وهذه المؤشرات الفرعية التي تقدم معطيات أكثر دقة، تثير بدورها إشكاليات إضافية حول الناتج المحلي الإجمالي.
وتعود بدايات ظهور المصطلح إلى عام 1934 في الولايات المتحدة، حين اقترح الخبير في المكتب الوطني للبحوث الاقتصادية سيمون كوزنتس صيغة الدخل القومي لاحتساب خسائر أزمة 1929.
وأصبح الناتج المحلي الإجمالي مؤشرا عالميا موحدا بعد مؤتمر بريتون وودز عام 1944. ومع ذلك، بقيت الولايات المتحدة تعتمد على مؤشر الناتج القومي الإجمالي إلى عام 1991.
من إشكاليات مفهوم الناتج المحلي الإجمالي أنه لا يأخذ بعين الاعتبار إلا الأشياء ذات القيمة النقدية
رفاهية الفرد
ومن أبرز الإشكاليات التي يطرحها مفهوم الناتج المحلي الإجمالي، هو أنه لا يأخذ بعين الاعتبار إلا الأشياء التي لها قيمة نقدية، أي ما يمكن شراؤه أو بيعه، وهو يهمل في المقابل أشياء مهمة في حياة البشر مثل الصحة والاستقرار المهني والمساواة والثقة في المؤسسات الرسمية.
ومن هنا تأتي معظم مشاكل الناتج المحلي الإجمالي، والذي يركز على الإنتاج والاستهلاك بغض النظر عن تكلفته الاجتماعية والبيئية، وجودة ما يتم إنتاجه أو طريقة توزيع الثروة.
والمفارقة أن الناتج المحلي الإجمالي ينخفض كلما كان الناس أكثر تضامنا وسخاء، فإذا قام شخص بقص شعره أو إصلاح سيارته بنفسه، أو قدّم خدمة من هذا النوع لأحد معارفه، فمن المفترض أنه يحرم بلاده من تحقيق معدل نمو أعلى.
بإدراج بعض الأنشطة غير القانونية في الناتج المحلي الإجمالي.
ويشير هذا إلى الأنشطة التي لم يقع تسجيلها لأنها تتم سرا لتجنب دفع الضرائب أو لأنها منتجات الاستهلاك الذاتي، وتكمن المشكلة في صعوبة معرفة حجمها الفعلي الذي غالبا ما يستهان به، كما يوجد في العالم أعمال غير رسمية أكثر من الرسمية، ويقدر أنها تمثل 10% على الأقل من الناتج المحلي الإجمالي، ويمكن أن تصل إلى 30% في المناطق النامية.
من إشكاليات مفهوم الناتج المحلي الإجمالي أنه لا يأخذ بعين الاعتبار إلا الأشياء ذات القيمة النقدية (رويترز)
مؤشرات بديلة
وبالنظر إلى المشاكل التي يطرحها الناتج المحلي الإجمالي، تم اقتراح العديد من المؤشرات البديلة على مدى العقود الماضية لتحليل الحالة الاقتصادية للبلد، أشهرها هو مؤشر الأمم المتحدة للتنمية البشرية، حيث يركز على 3 جوانب مختلفة هي: الحياة الطويلة والصحية، والمعرفة، ونوعية الحياة الكريمة، مع مراعاة نصيب الفرد من الناتج القومي الإجمالي.
وذهبت مملكة بوتان لأبعد من ذلك، حيث أخذت أيضا السعادة والاستدامة بعين الاعتبار في مؤشر سعادتها الوطنية الإجمالية، ويضيف المؤشر 30 مؤشرا آخر، بما في ذلك الرفاهية النفسية، والحكم الرشيد، والتنوع، والمرونة البيئية والثقافية، أو صحة المجتمع وحيويته.
وعلى الرغم من أن بوتان شكلت سابقة تاريخية، فإن مؤشر السعادة القومية الإجمالية لا يخلو من المشاكل، لأنه يقوم على أخلاقيات بوذية قوية، ويرسي رؤية متجانسة ذات اتجاه واحد لمفهوم السعادة.
الأمر سيان بالنسبة لمؤشر الرفاهية الكندي الذي أنشئ عام 2011، ويتكون من 8 مجالات: حيوية المجتمع، واستخدام الوقت، والبيئة، والثقافة والترفيه، والمشاركة الديمقراطية، والتعليم، وصحة السكان، ومستوى المعيشة.
على عكس بوتان، تمت استشارة الكنديين سابقا لبناء المؤشر على اعتباراتهم، كما أطلقت نيوزيلندا لأول مرة في عام 2019 ميزانية الرفاهية التي توجه استثمارات الدولة نحو رعاية الصحة العقلية، ودعم مجتمعات الشعوب الأصلية، وضمان رفاه الطفل، وزيادة الإنتاجية الوطنية، والتحرك نحو اقتصاد مستدام، والحفاظ على الخدمات الاجتماعية.
مؤشر الأمم المتحدة للتنمية البشرية يركز على 3 جوانب مختلفة: الحياة الطويلة والصحية، والمعرفة، ونوعية الحياة الكريمة (رويترز)
مع استمرار نمو الناتج المحلي الإجمالي للولايات المتحدة، ازداد التفاوت الاقتصادي ومعدل الانتحار، كما زاد مستوى التوتر والقلق والغضب لدى الأميركيين بشكل كبير في العقد الماضي، ولكن إذا اقتصرت التحليلات على الناتج المحلي الإجمالي وحده، فسيبدو أن كل شيء يسير على ما يرام.
وليست هذه الأدوات سوى بعض من العديد من الأدوات التي اقترحت في السنوات الأخيرة للتغلب على قيود الناتج المحلي الإجمالي. ورغم أن جميعها فيها مشاكل، فإن لديها أيضا شيئا واحدا مشتركا يتمثل في وضع الرفاهية الاجتماعية والاقتصادية والبيئية في المقدمة.
*
May 23, 2019
مصطلحات اقتصادية من قناة العربية
يطلق عليه اختصاراً GDP، وهو الأداة الأكثر استخداماً في قياس حجم اقتصاد بلد ما.
والناتج الإجمالي Gross Domestic Product عبارة عن القيمة السوقية لكل السلع والخدمات النهائية محلياً (داخل دولة ما)، أي يتم إنتاجها داخل الدولة خلال فترة زمنية محددة، يمكن القول إنها أيضاً كل ما ينتج من قبل الأفراد والشركات داخل الدولة.
ويساعد على قياس مؤشر لمستوى معيشة الفرد داخل الدولة، وبشكل آخر يعتبر الناتج المحلى مقياساً لأداء الاقتصاد، فكلما زاد معدل الناتج المحلي الإجمالي زاد حجم الاقتصاد الكلي، وبالتالي يزيد حجم الدخل الكلي، وفي النهاية يقابله زيادة الدخل الذي يحصل عليه الفرد.
يتم قياس الناتج المحلي الإجمالي عادة على أساس فصلي أو سنوي، كما تقوم البنوك المركزية وغيرها من المؤسسات المعنية برفع أو خفض توقعاتها للنمو استناداً إلى العوامل السائدة في الاقتصاد.
ويتم قياس الناتج المحلي بثلاث طرق، هي طريقة الناتج، طريقة الدخل، وطريقة الإنفاق.
الناتج المحليّ أو "GDP" هو مؤشر اقتصادي يُظهر القيمة الإجمالية للسلع والخدمات، التي تمّ إنتاجها داخل الحدود الجغرافية لدولة معيّنة، خلال فترة زمنية محدّدة عادة خلال 12 شهراً.
لا يدل الناتج المحلّي على مستوى غنى أو رفاهية الدولة أو أفرادها، فقد يكون الناتج المحلي ضخما في ظل وجود عدد سكان كبير جدا، وبالتالي يكون متوسط دخل الأفراد متدنياً.
في المقابل، قد يكون مستوى الإنتاج في دولة معيّنة عاليا، في حين تسبب المصانع والمعامل ووسائل النقل تلوثا بيئيا خطراً.
يقاس الناتج المحلّي من خلال الدخل أو من خلال الإنتاج أو الإنفاق.
في الخيار الأول، يتم جمع كل المداخيل، أي أجور الموظفين في قطاعي العام والخاص، وأرباح الشركات الخاصة، وإيرادات الدولة من الضرائب والرسوم.
أمّا طريقة احتساب الناتج المحلي من خلال الإنفاق، فيتم جمع إجمالي استهلاك الأسر والشركات، واستثمارات القطاع الخاص، إضافة للاستثمارات الحكومية، والفرق بين الصادرات والواردات.
في حين قياس الناتج المحلّي من خلال الإنتاج، يُلجأ لجمع القيم المضافة من كل الأنشطة الإنتاجية.
ويمكن التمييز بين الناتج المحلّي الاسمي والناتج المحلّي الحقيقي، حيث يتم احتساب الناتج المحلّي الاسمي وفقاً للأسعار الجارية الحالية في المدّة الزمنية المعنية.
أمّا الناتج المحلّي الحقيقي فيتم احتسابه من خلال تعديل الناتج المحلّي الاسمي، من خلال معادلات حسابية تحيّد أثر الأسعار المتغيرة (التضخم)، وذلك بهدف ضمان نظرة أدق لحجم الإنتاج.
+++++++++++++++++
ما الناتج المحلي الإجمالي للدول وما دوره وهل يعكس مستوى سعادة السكان؟
وهي تعني مجموع البضائع والخدمات التي تم إنتاجها داخل هذا البلد في فترة زمنية محددة، تكون في العادة ثلاثة أشهر أو عاما كاملا. هذا المجموع يتم التعبير عنه بالقيمة المالية، ولذلك فإنه عند الحديث عن إجمالي الناتج المحلي يكون ذلك باعتماد العملة، مثل اليورو أو الدولار.
ويعد إجمالي الناتج المحلي واحدا من أهم الأرقام عند دراسة الاقتصاد الكلي، وهو واحد من التخصصات الاقتصادية التي تهتم بدراسة المؤشرات الكبرى، ويدخل هذا المعيار ضمن المحاسبة العامة للدول، وهو ما يجعله ضروريا لفهم الاقتصاد والعلاقات الاقتصادية بين الدول.
ويذكر الكاتب أن تقدير إجمالي الناتج المحلي ليس بالمهمة السهلة، وهنالك العديد من المقاربات المستخدمة لقياس عدد العمليات التجارية التي تمت، وخصم الرسوم والضرائب والإعانات والدعم من هذا المبلغ الإجمالي، كما أن تعديلات التضخم المالي يجب أخذها في الحسبان حتى تكون النتيجة أقرب ما يمكن للواقع.
هل يمكن تفسير كل شيء بإجمالي الناتج المحلي؟
إجمالي الناتج المحلي يعطينا فكرة عامة عن النمو الاقتصادي لأحد البلدان، وهذا النمو عادة ما يصحبه تزايد في فرص التوظيف وازدياد الثروة، ولكن هذا المعيار لا يخبرنا ما إذا كان النمو مستداما أم مؤقتا، وما إذا كان سيسبب ضررا اقتصاديا على المدى المتوسط أو الطويل.
وعلى سبيل المثال، إذا كانت الأنشطة التجارية الموازية وغير النظامية تمثل جزءا كبيرا من إجمالي الناتج المحلي، فإن المؤسسات المالية لن تتمكن من السيطرة على الدورة الاقتصادية وتأمين السير الصحيح لعجلة الاقتصاد، وتغطية النفقات الحكومية.
إجمالي الناتج المحلي هو مؤشر مادي بحت، ولا يمكّننا من قياس جودة الحياة في بلد معين، أو مدى سعادة وراحة السكان، كما أن هذا المؤشر لا يأخذ في الحسبان المعيار البيئي والتبعات السلبية للنشاط الاقتصادي التي ستكلف أموالا طائلة في المستقبل.
واجهت بعض الدول اتهامات بأنها تكذب أو تتلاعب بأرقام إجمالي الناتج المحلي، حتى تقدم صورة مغلوطة حول واقعها الاقتصادي، وذلك لخداع الدائنين ورجال الأعمال حتى لا يفكروا في سحب أموالهم.
وكل الدول تقريبا واجهت في بعض الفترات شبهة تزييف الأرقام، حتى الولايات المتحدة والصين، إضافة إلى الأرجنتين والعديد من الدول الآسيوية. أما في الاتحاد الأوروبي، فإن من المعروف أن حساب إجمالي الناتج المحلي يخضع لرقابة دقيقة من المكتب الأوروبي للإحصاء، لتقديم أرقام موثوقة.
ما البدائل عن إجمالي الناتج المحلي؟
رغم نقاط ضعف هذا المعيار، فإن إجمالي الناتج المحلي يبقى ضروريا لفهم الأداء الاقتصادي لمختلف الدول، وحتى العالم بشكل عام.
بعض البدائل التي تم اقتراحها، مثل إجمالي الناتج المحلي الأخضر الذي يقوم بخصم كلفة الضرر البيئي الذي يسببه استغلال الموارد الطبيعية. ولكن الحل الأسهل هو النظر لأنواع مختلفة من الأرقام والإحصاءات، للحصول على فكرة عامة وأكثر موثوقية، وهذه الأرقام هي:
- مؤشر التنمية البشرية الذي يقيس إجمالي الناتج المحلي للفرد، ومستوى التعليم لدى السكان وأمل الحياة عند الولادة.
-مؤشر جيني الذي يقيس الفرق بين الأثرياء والفقراء في بلد معين، ويقدم رقما يتراوح بين صفر ومئة، وكلما اقترب الرقم من الصفر فهذا يعني الاقتراب من المساواة، وكلما اقترب الرقم من المئة فهذا يعكس التفاوت الاجتماعي.
ويحذر الكاتب من الخلط بين مفهومي الناتج القومي الإجمالي الذي يقيس مجموع البضائع والخدمات التي أنتجها ذلك البلد (حتى خارج حدوده)، وإجمالي الناتج المحلي الذي يمثل قياس السلع والخدمات التي أنتجت داخل حدود البلد.
*