فالتشيؤ كظاهرة هو ظاهرة النظام الرأسمالي، وهذا النظام هو الذي يتحمل مسئولية ظهور ونمو التشيؤ، فقد بات من الشائع في الأدبيات الاجتماعية الغربية النظر إلى طبيعة العلاقات الإنسانية على أنها مجرد صورة مجسدة لحركة السلع المادية في الأسواق
من اقتصاد السوق إلى مجتمع السوق
يرى هوبز أن عمل الرجل سلعة قابلة للتبادل من أجل المنفعة كأي شيء آخر، فهو يتصور أن السوق يحدد قيمة كل شيء وأن مجتمع السوق هو المجتمع الذي يتنافس فيه كل عضو مع الآخرين من أجل الحصول على السلطة، فالكل يسعى أو يتطلع إلى أخذ سلطات الآخرين ويتجنب نقلها منه إليهم، ولا يتم ذلك من خلال القوة الغاشمة ولكن من خلال العمل السوقي الذي يحدد قيمة كل شخص، فقيم كل الأشياء بما فيها الكائنات البشرية تتحدد بواسطة السوق
باتت الأسواق من وجهة نظر الفيلسوف الأمريكي مايكل ساندل تلعب دوراً كبيراً في الحياة الاجتماعية، فلم يعد أمر البيع والشراء مقصوراً فقط على السلع المادية ولكنه امتد إلى مجالات من الحياة هي بالطبيعة غير سوقية أو لا تُشترى بالمال، فيقول:
المذهب الرأسمالي الكلاسيكي ظل مسيطراً على الحياة الاقتصادية منذ الربع الأخير من القرن 18، حيث كتب آدم سميث -الذي يعد رائد الاقتصاد الليبرالي- كتابه المعروف «ثروة الأمم» عام 1776، وحتى الثلث الأول من القرن العشرين حينما ظهر ما يسمى في تاريخ الفكر الاقتصادي بـالكساد العالمي الكبير عام 1929، والذي أدى إلى انهيار المذهب الاقتصادي التقليدي، مما ترتب عليه حدوث ثورة على الأساليب التقليدية في علم الاقتصاد. وكان أول من أحدث هذه الثورة هو الاقتصادي البريطاني جون مينارد كينز عام 1936، وهو الذي وضع كتابه المعروف باسم «النظرية العامة في البطالة وسعر الفائدة والنقود»، كما ظهرت بعد ذلك مدارس تنافس هذا المذهب ومنها المدرسة التاريخية، وهي التي أقرّت بتدخل الدول في النشاط الاقتصادي، وكذلك مدرسة الحماية الاقتصادية، وقد رفض هؤلاء الاقتصاديون التسليم بانسجام المصالح الخاصة مع المصالح العامة وأقرّوا تدخل الدولة لحماية الضعفاء.
وبالتالي، فهناك جدل قائم بين أنصار السوق الحرة ومن ينادون بضرورة أن يكون الاقتصاد محكوماً من قبل الدولة، حيث يرى الفريق الثاني أنه يجب على الدولة أن تتدخل في تحديد المجالات التي يكون للاقتصاد فيها دور والمجالات التي لا ينتمي لها، فيرون مثلاً أن الرأسمالي حر في أن يشتري ما يشاء ويتصرف كيفما يشاء، أما الضعيف اقتصادياً فهو مُكره على فعل معين لكي يحصل على المال بسبب ظروف ناتجة عن عدم المساواة، وبالتالي يجب على الدولة أن تتدخل لتحمي الشخص الضعيف وتحقق الرفاه العام.
أما أنصار السوق الحرة، أمثال «فريدريش فون هايك»، فنجده يُصرّح في كتابه «الطريق إلى العبودية»، بأنه إذا تدخلت الدولة وبسطت يدها على القوى السوقية، فإن ما نحبه وما لا نحبه لن يتحدد بناءً على رأينا نحن بل على رأي شخص آخر، وبالتالي فإن السلطة ستسيطر على ما نستهلكه وكأنها تخبرنا بشكل مباشر كيف ننفق دخلنا ويقول:
انعدام المساواة وتآكل المجتمع المحلي، مما كان له أكبر الأثر أيضاً في إضعاف إحساسنا بالتضامن ورغبتنا في التضحية من أجل الصالح العام،
السؤال المتعلق بالأسواق ليس سؤالاً اقتصادياً، ولكنه سؤال عن الكيفية التي نريد العيش بها معاً. هل نريد مجتمعاً كل شيء فيه للبيع؟ أم أن هناك خيرات مدنية وأخلاقية والتي لا تُشرِّفها الأسواق ولا يمكن للمال شراؤها؟
ويتصور ساندل أنه ليس هناك علاقة بالضرورة بين تعظيم المنفعة العامة أو الثروة الاقتصادية وإيجاد ديمقراطية مزدهرة، فالأول لا يضمن الثاني، ويرى أن السبيل الوحيد إلى إقامة ديمقراطية مزدهرة هو إيجاد سبيل للتفكير الجمعي في القضايا الكبرى، بما فيها القضايا المتعلقة بالعدالة والمنفعة العامة والتفكير المشترك في هذه القضايا، بحيث يُقرّر المواطنون كيف ينبغي لهم أن يصيغوا القوى الحاكمة لحياتهم. ولذلك يسعى ساندل إلى نقاش قوي حول سبل تمكين الديمقراطية من فرض يدها على الاقتصاد، فيصبح اقتصاداً وطنياً ذات مؤسسات وطنية كبرى.
++++++++++++++++++
تعتبر النزعة الإنسانية اتجاها فكريا ظهرت معالمه في إيطاليا عصر النهضة، في النصف الثاني من القرن الرابع عشر الميلادي، والعودة للوراء للفكر اليوناني مع الحركة السفسطائية نعثر على أفكار واضحة في الرفع من قيمة الإنسان، كما في تعريف الإنسان كأسمى الموجودات عندما قال بروتاغوراس "إن الإنسان مقياس كل شيء"، مقياس القول والفعل والمرجع الصائب في الخطاب الذي يتميز بالنسبية والمنفعة.
وفي عصر النهضة أصبح الإنسان سيد ذاته والمقرر لأفعاله،
وفي عصر النهضة أصبح الإنسان سيد ذاته والمقرر لأفعاله،
تحرير الإنسان من الخوف وجعله كائنا فوق كل الأشياء
ضد أخلاق الخنوع والتقاعس والشفقة، وضد استسلام الإنسان للقيود المكبلة للفعل والحرية.
عصر النهضة وهاجس تثقيف الإنسان وتنويره وتحريره من سلطة الكنيسة ورجالها،
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق