إعلان الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي الذي ترك الباب مفتوحا للتدخل العسكري في ليبيا.
تريد القاهرة أن ترفع الغطاء عن حكومة الوفاق ودور العناصر الأجنبية التي تقاتل معها، وتثبت أن تركيا تعمل بمساعدة جماعات غير ليبية وغير شرعية، وجاءت لتغزو وتحتل وتمعن في تفكيك الروابط الاجتماعية للدولة، بينما مصر تستند على عناصر وطنية تنتمي إلى القبائل المعروفة بالولاء للوطن والإخلاص له، وعندما تقوم بالتنسيق والتعاون مع مصر فهي تدافع عن مصالح وطنها أولا.
هناك مسؤولين كبارا في مصر ينحدرون من ليبيا والعكس صحيح، ناهيك عن التمازج الثقافي، والدور الذي قامت به القاهرة في تأسيس نواة للجيش الليبي منذ عقود، وهو الواقع الذي لا ينكره الكثير من القيادات الوطنية، التي تشربت بالعسكرية المصرية، وجعلتها قريبة من أركانها في الشرق والغرب.
لدى العدد الكبير من القبائل الليبية توصيفات دقيقة للأزمة، ومعلومات موثقة عن الجرائم التي ارتكبت وأين ومتى ومن خططوا ومن نفذوا ولماذا؟ وتجر السلسلة معها ملفات تصل إلى درجة أن هناك قوائم تتضمن أسماء من أقدموا على التصفيات والمجازر الجماعية والفردية في مناطق مختلفة، انتظارا ليوم يتعين فيه الحساب، وفقا للأعراف، فالمسألة دقيقة وعميقة، ويصعب مرورها، وإن كان يلفها الصمت الآن فهذا لأسباب تكتيكية، وهي من الجرائم التي لن تسقط بالتقادم.
الحفاظ على الدولة الوطنية أولوية قصوى
تتعرض الدولة الوطنية في منطقتنا إلى حرب حقيقية، تقودها تيارات دينية إخوانية، أو منبثقة عن فكر الإخوان، استطاعت خلال عقود متتالية أن ترتبط بمصالح الدول الغربية، وأن تتحرك وفق أجنداتها.
نية الولايات المتحدة تنفيذ مشروع تم إعداده في العام 2004، وهو نشر الديمقراطية بالعالم العربي، والبدء بتشكيل ما يعرف بـ”الشرق الأوسط الجديد”، عبر نشر “الفوضى الخلاقة”، وكان المشروع يستهدف منطقة واسعة تضم كامل البلدان العربية إضافة إلى تركيا، إسرائيل، إيران، أفغانستان وباكستان، بدعوى تشجيع الإصلاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي.
زعمت رايس أن مشروع الشرق الأوسط الكبير “حلّ سحريّ لعلاج أزمات المنطقة المزمنة”، وتم تكليف الإخوان وزعيمهم رجب طيب أردوغان، وممولهم القطري منذ العام 2006، بالاستعداد لتنفيذ المشروع، وتم الدفع بحزام من الليبراليين، واليساريين الثوريين، والانتهازيين السياسيين، والناشطين الحقوقيين، والإعلاميين، والإرهابيين المحترفين لدعم الإخوان في ذلك، ليكون الهدف هو ضرب الدولة الوطنية من الداخل، والتشكيك في مفهومها وجدواها وتاريخها ورمزيتها.
لم تمر الدولة الوطنية في منطقتنا العربية بتحديات كالتي تعرفها حاليا، وهي تحديات تتعلق بالمخاطر التي تستهدف وجودها وليس فقط حدودها، وباتت تواجه مستقبلها ككل في ظل مستجدات الواقع المفروض عليها منذ سنوات، لعبت فيه أطراف محلية ودولية دورا كبيرا ضمن خطة تعددت مسمياتها، لكنها تصب في إعادة تشكيل ملامح المنطقة العربية بالشكل الذي يحقق أهداف الإسلام السياسي في التمكن والسيطرة، وأهداف إسرائيل في التوسع بالضم، وضمان إقامة دولتها اليهودية في محيط إسلاموي، بشق سني تديره تركيا، وآخر شيعي تديره إيران.
ما نراه حاليا من تدخل عسكري تركي سافر تنفذه في العراق وسوريا وليبيا، ومحاولاتها التمدد المسلح نحو اليمن، واختراقها الناعم للمجتمعات العربية عبر الإعلام والدراما والسلع الرخيصة والشعارات السياسية المرتبطة بوهم الخلافة، التي يصدقها الكثير من العرب. والتغلغل في بعض الحكومات من خلال حركات إخوانية لا تخفي تبعيتها لنظام أردوغان، يضع الدول التي لا تزال قادرة على تحصين نفسها أمام واجب المزيد من الانتباه لأية محاولات لاختراقها.
المشروع الإخواني الأردوغاني يمثّل خطرا حقيقيا على الجميع، وهو يعتمد بالأساس على صناعة الوهم، وترويج الأكاذيب، وتزييف الوقائع لتشكيل رأي عام عادة ما يتكون من السذج، والبسطاء، والمهووسين دينيا، والمهزومين عاطفيا، والمأزومين نفسيا، والمهمشين اجتماعيا، والفاشلين اقتصاديا، والمراهقين فكريا وثقافيا، وكذلك من الانتهازيين الذين باتوا يشكلون طابورا خامسا، يصب في مصلحة أي مشروع يرونه الأقرب إلى فرض أجنداته.
إن الدولة الوطنية، وسيادتها، وأمنها، واستقرارها، ووحدة مجتمعها، تمثل الأولوية الأولى اليوم قبل الحديث عن أي شيء آخر، حتى الشعارات الديمقراطية لا تمثل أية أهمية أمام سلامة الدولة والمجتمع، وما نراه اليوم في دول عدة خير دليل على ذلك، حيث أن الإطاحة بالأنظمة السابقة لم تجلب لشعوبها غير المزيد من الشقاء، والمعاناة، والتدخلات الخارجية. وتحولت السلطة والثروة إلى غنيمة بين أيدي قوى الإسلام السياسي، وتابعيها من الباحثين عن فرص التمتع بمميزات الحكم، ولو في صفوفه الأخيرة.
على الدول التي لا زالت تمسك بمقاليد أمورها، أن تنتبه إلى مواقع الإنترنت، ووسائل التواصل الاجتماعي، وما تنفثه من سموم الحقد والكراهية والإساءة للرموز الوطنية، والاستهانة بالقيم الاجتماعية، ومن التلاعب بالخبر والرقم والمعلومة والصورة والمعطيات الشخصية، ومن محاولات توجيه الولاءات إلى غير مواقعها، وتجييش الرأي العام لدعم أصحاب المشاريع الإقليمية المعادية للعرب، وتزييف الخطاب الديني لخدمة تلك المشاريع، تحت شعارات رنانة تدغدغ عواطف العامّة.
أصبحت مواقع التواصل الاجتماعي منذ سنوات أداة تخريب للدول التي أطلقت لها العنان دون رقابة، والتي عجزت بعد ذلك على لجمها، حتى أن حكوماتها باتت تقضي أغلب وقتها في الرد على الأخبار الكاذبة، بما تمثله من خطر على السلم الأهلي، والاستقرار السياسي والاجتماعي، ومن تأثير سلبي على الانتخابات، وعلى الواقع الاقتصادي، وحتى على السلامة النفسية للمجتمعات.
كذلك الأمر بالنسبة لمنظمات المجتمع المدني، خاصة المرتبطة بالخارج، والتي تحولت إلى استثمار فاسد، يشترك فيه الناشط المحلي والداعم الأجنبي، تحت شعارات الديمقراطية، والنزاهة، وحرية التعبير، وحقوق الإنسان، ومكافحة الفساد وغيرها.
وغالبا ما تستفيد من ذلك الأطراف الداخلية الأكثر استعدادا لخدمة القوى الخارجية على حساب انتمائها الوطني، والتي تتحرك وفق أجندات ترسم لها بعناية، بما فيها تلك التي تضعها أجهزة المخابرات لرصد الرأي العام، والتأثير في توجهاته، وتمرير المشاريع التي بات أغلبها يصب في دائرة مشروع الإسلام السياسي، بدعاماته الغربية الباحثة عن فرصة لإعادة تشكيل ملامح المنطقة.
تتعرض الدولة الوطنية في منطقتنا إلى حرب حقيقية، تقودها تيارات دينية إخوانية، أو منبثقة عن فكر الإخوان، استطاعت خلال عقود متتالية أن ترتبط بمصالح الدول الغربية، وأن تتحرك وفق أجنداتها، ضد المشاريع الوطنية والقومية واليسارية وقضايا التحرر الوطني واستقلالية القرار، وأن تتعاقد مع اللوبيات المؤثرة في القرار الأميركي، كاللوبي اليهودي، الذي سبق أن استضاف من خلال “إيباك” رموز الجماعة، ومنحهم صكوك الاعتراف، وقلائد الريادة، كما فعل مع أردوغان التركي، والغنوشي التونسي.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق