في العراق وسوريا وليبيا يتمدد الأتراك دون حسيب أو رقيب. الأمم المتحدة ومجلس الأمن هادئان تماماً إزاء عبث أردوغان في الدول الثلاث. فيما تصمت الولايات المتحدة وكأن شيئا لم يكن. أما الروس فهم يمارسون التنسيق مع السلطان في نوع من الانتهازية الواضحة لصالح الحفاظ على مصالحهم على سواحل البحر المتوسط.
بالنسبة للأوروبيين فهم عالقون بين تركيا الشريكة في حلف الناتو، والمشروع الجديد للإمبراطورية العثمانية الذي بات يهدد مصالحهم. لم يعد الأمر يرتبط فقط بمشاريع اقتصادية وثروات باطنية في البر والبحر. وإنما بات الوجود التركي يمثل تهديداً للأمن الأوروبي على الحدود الجنوبية للقارة العجوز المطلة على البحر المتوسط.
أمام هذه المعطيات تفضل فئات في المنطقة توصيف واقع الحال اليوم، بأنه صراع قديم جديد بين الأوروبيين والأميركيين والأتراك والروس على دول العالم العربي. لا يختلف كثيرا عن ذاك الذي دار بينهم بداية القرن الماضي. ولذلك من الأفضل أن ننأى بأنفسنا عما يجري ونتجنب الاصطفاف إلى أي من هذه الدول ضد الجبهة الأخرى.
برأي هؤلاء “الزاهدين”، هذا الصراع بين مجموعة الدول الاستعمارية القديمة للمنطقة، يهدف إلى إعادة رسم الخرائط التي وضعت حدود الدول العربية كما نعرفها اليوم. يقولون إننا لم نشارك في اتفاقيات “سايكس بيكو” قبل مئة عام، ولن نكون الآن طرفاً في صياغة الخرائط الجديدة التي يريدها المستعمرون القديمون الجديدون للمنطقة.
رجب طيب أردوغان يتكلم بلسان المرشد العام لجماعة الإخوان. فأنصار السلطان من العرب هم أعضاء الجماعة، أو موظفون في بلاط الدول التي يديرها ويحكمها الإخوان.
قبل أشهر قليلة فقط كان العثمانيون العرب يصورون الحديث عن مطامع السلطان في المنطقة وكأنه ضرب من ضروب التهويل أو شكل من أشكال العداء غير المبرر للدولة التركية. أما اليوم، وبينما يفاوض أردوغان العالم على إقامة دائمة لقواته في سوريا وليبيا والعراق، تحوّل خطاب هؤلاء من التكذيب إلى التبشير بـ”الفاتح” لعصر جديد تقود فيه تركيا العالم الإسلامي، وتحمي شعوب المنطقة ومصالحها من الأطماع الأجنبية.
هم فقط يريدون هيمنة الإسلام السياسي على المنطقة لتتحول إلى مصنع عملاق للموارد المالية والبشرية التي يحتاجونها لنشر ثقافة الإقصاء والتطرف التي يغرقون فيها، وتنضح بها أدبياتهم وخطاباتهم وأدواتهم الفكرية والسياسية.
حيثما يحلون يحل معهم الخراب. ولم تصاحبهم أي تجربة تثبت عكس ذلك. أمثلة كثيرة في مصر والسودان وتونس وسوريا وغيرها. ولأن مشاريعهم المباشرة في كل مكان ما عدا قطر، تضعضعت وتهدمت. اصطفوا وراء الأطماع الأردوغانية في المنطقة وراحوا يغذونها بالمال والسلاح والكلمة والمرتزقة، لعلهم يعوضون خسائرهم من خلالها.
ما يزيد بشاعة هذا المخطط هو أن الإخوان لا يتحملون كلفة الاحتلال العثماني لدولهم. من يتحملها ويدفع ثمنها مالاً ودماً، هم أبناء البلاد الذين يظنون أن تركيا تساندهم من أجل ذلك التغيير الذي ينشدونه لأوطانهم. ولكن عندما تنتهي الحرب ويهدأ غبار المعركة يجدون أنفسهم عبيداً لاحتلال لا يقل سوءاً عن الواقع الذي ثاروا ضده.
شعوبية إخوانية جديدة أساسها تفضيل الأتراك على العرب
التشكيك في هوية العرب وانتمائهم وتشويه صورتهم الثقافية وحضارتهم عبر حصرهم في جغرافيا بعينها، مقابل تلميع صورة الشعوب والأمم الأخرى وخاصة الفرس والأتراك من خلال الدعاية المباشرة وغير المباشرة.
هدف السيطرة على النفسية العامة للناس الذي يحاول نزع التأثير العرقي الإيجابي واستبداله بالتركيز على الجانب الديني.
من خلال وسائل الإعلام الموجهة، ومواقع التواصل الاجتماعي،
لتبرير الاحتلال العثماني لدول المنطقة، وتصويره على أنه تحرير كما فعل التونسي راشد الغنوشي والليبي علي الصلابي، وتلميع صورة الغزاة الأتراك، من باب فسح المجال للتدخل التركي في صورته الجديدة التي يشكلها أردوغان.
الإسلاميون خاصة الإخوان يكفرون الأيديولوجية القومية من منطلقاتها السياسية طالما أنها لا تخدم أهدافهم
يتزعم الإخوان حملات العداء ضد العرب وخاصة في دول كالسعودية والإمارات والبحرين والأردن، إضافة إلى مصر، كونها تمثل حلفا معاديا لمشروع الإسلام السياسي وللدور الأردوغاني الذي يتبنوه ويدافعون عنه، سواء في سوريا أو العراق أو ليبيا أو غيرها
وقد لعب الإسلام السياسي على وتر الشعوبية لضرب مقومات الهوية القومية، وجعل الدين وحدة العمل المشترك بين الناس لاعتماده في السيطرة عليهم، وقد كان الصفويون من أول من سعى إلى ذلك في بدايات القرن السادس عشر، وهو ما تحدث عنه المفكر الإيراني علي شريعتي، عندما قال إن الحركة الصفوية “وبغية ترسيخ أفكارها وأهدافها في ضمائر الناس وعجنها مع عقائدهم وإيمانهم، عمدت إلى إضفاء طابع ديني على عناصر حركتها وجرّها إلى داخل بيت النبي، إمعانا في التضليل”.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق