اعتاد نظام عبد الفتاح السيسي أن يعلّق جميع اخفاقاته على طرف ثالث، وغالباً ما يكون هذا الطرف هو جماعة الاخوان المسلمين. وتعدّ أزمة الأطباء مؤخراً فصلاً جديداً من هذا المسلس المتكرر.
إذا اخترعت كذبة كبيرة وظللت ترددها بإخلاص، فسيصدقها الناس في النهاية
فيلم التوازن 2002
الجماعة الإرهابية، أهل الشر، السبب هو جماعة الإخوان المسلمين".
وسائل الإعلام عندما تتبنى رأياً أو اتجاهاً بعينه خلال مدة زمنية محددة، فإن عامة الشعب سوف يتحرك في الاتجاه الذي تدعمه وسائل الإعلام، وبالتالي يتكون الرأي العام بما يتسق مع الأفكار التي تدعمها وسائل الإعلام.
وتتضمن دوامة الصمت أن الأفراد المعارضين لما يُقال في وسائل الإعلام، يتخذون مع الوقت موقف الصمت تجنباً للاضطهاد وخوفاً من الحصار المجتمعي والبطش الأمني، مما يزيد حالة التأييد الوهمي أو قلة الاعتراضات على ما تتبناه الدولة السلطوية من خلال وسائل إعلامها.
ففي مصر، أصبحت جماعة الإخوان المسلمين هي حقل التجارب والمشجب الذي يعلّق عليه النظام العسكري المصري كل إخفاقاته.
تضحيات أعضاء الأطقم الطبية من أطباء وصيادلة وتمريض وعمال
اتهم الإعلام المصري الأطباء المطالبين بتوفير وسائل الحماية الشخصية لهم في مواجهة كورونا بأنهم مدفوعون من جماعة الإخوان المسلمين.
الصحفي المقرب من النظام دندراوي الهواري في صحيفة "اليوم السابع"، من أن مرشد الإخوان المسلمين محمد بديع هو طبيب بيطري، وقيادات الجماعة جلهم من الأطباء مثل محمد البلتاجي، وعصام العريان، وبالتالي فإن أي طبيب محتجّ أو يهدّد بالاستقالة ما هو إلا خلية إخوانية تريد تدمير مصر وتحريض الأطباء ضد النظام.
لاحقاً أثبتت النقابة العامة لأطباء مصر زيف وعبث هذا الاتهام حين أرسلت بخطاب احتجاج رسمي إلى رئاسة الوزراء المصرية تشكو إليها ضعف الإمكانيات، واحتجاج الأطباء، مما استدعى اجتماعاً عاجلاً بين رئيس الحكومة مصطفى مدبولي ونقيب الأطباء في مصر الدكتور حسين خيري.
كوميديا اتهامات النظام المصري لجماعة الإخوان المسلمين لم تنقطع، إذ قال أحد المسؤولين في وزارة الصحة المصرية في عام 2019 إن الزيادة السكانية في مصر سببها الرئيسي هو جماعة الإخوان المسلمين لتشجيعهم على الإنجاب وعدم تنظيم الأسرة وربطه بأحكام الدين الإسلامي فترة حكمهم.
إن عبد الفتاح السيسي نفسه لا يتوقف عن الحديث والإشارة إلى مجموعات وجماعات تتربص بمصر والمصريين، تشكك في الإنجازات وتنشر الروح التشاؤمية بين المصريين لإسقاط ما يسميه السيسي "هيبة الدولة المصرية"
السؤال الذي لا ينتبه السيسي لإجابته هو: كيف لجماعة مقهورة مطاردة، ويقبع قيادات الصف الأول والثاني وربما الثالث والرابع من تنظيمها في السجون فضلاً عن المطاردات والتصفيات التي تلاحق منتسبيها، كيف لتلك الجماعة التي تتلقى ضربات وضربات على مدار سنوات سبع عجاف لها أن تقوم بكل هذه الأعمال، وإن كانت جماعة الإخوان المسلمين بهذا القدر من القوة والانتشار والنجاعة فلماذا لا تعود للحكم مرة أخرى إذاً؟
"مصر شعبها مع مَن غلب" مقولة قالها الحجاج بن يوسف الثقفي يوماً ما، وكوني مواطناً مصرياً أقول إنها مقولة صحيحة لدرجة كبيرة، فالشعب المصري دائماً ما ينبهر بالحاكم القوى الذي يحكم ولو كان جباراً ظالماً، ويتجرأ على الحاكم الضعيف الذي يحكم ولو كان متواضعاً بسيطاً.
هذا ما فعله الإعلام المصري بالرئيس الراحل محمد مرسي حين سخّروا قنواتهم للسخرية منه والتقليل من شأنه ليل نهار، فأصبح ضعيفاً في عيون قطاع كبير من الشعب المصري. الأمر الآن يسير بصورة عكسية مع السيسي، فإعلامه يضخّم قوة الإخوان المسلمين، ويتحدث عن تحركاتهم في الداخل والخارج من أجل أن يظهر السيسي بمظهر الرجل القوي القادر على تحدي وقمع هذه القوة الكبرى. ولكن إلى أي مدى سوف يستمر الشعب المصري في تصديقه هذه المسرحة قبل أن ينتفض على كل هذه الأكاذيب؟ هذا ما سوف تجيب عنه الأيام المقبلة.
إن دوامة الصمت يبدو أنها لن تدوم طويلاً في مصر، فمواقع التواصل الاجتماعي تعجّ بآلاف المنشورات التي تنتقد السيسي وإدارته في أزمة كورونا، وأصبح من مؤيديه من يسخر من بياناته الرسمية حين يتهم الإخوان المسلمين بأي تهمة جديدة، وإن أزمة الأطباء والقطاع الصحي المهترئ في مواجهة أزمة كورونا من السوء بحيث لا يمكن تحميلها لجماعة هنا أو هناك. إنه عجز واضح للنظام، وهذا ما بات الجميع تقريباً مقتنعاً به.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق