الاثنين، 22 يونيو 2020

الفكر الاقتصادي الماركسي

 تضخمت الأورام في جسد النظام الرأسمالي مع أن أعراض الأزمات لا تفارق هيكلية منظومته، ومن أشدها وضوحاً الإفراط في الإنتاج وسلعنة القيم، والإيهام بالحرية من خلال وفرة القنوات الإعلامية، والهدف الأسمى للرأسمالية ليس وجود الإنسان الحر. بقدر ما يريد كائنات مستهلكة، شَخص سمير أمين تناقض هذا الكيان بقوله: "لا يمانع النظام الرأسمالي في أن تشهر بالسيف بيدٍ وتأخذ بيدك الأخرى علبة كوكاكولا." والانتصار الأهم بالنسبة للرأسمالية تحقق عندما بدأتَ حملةً لإقناع الجميع بأنَّ الاشتراكية ما هي إلا وجه آخر من الوهم. 

البعد الإنساني لم يشهد التاريخُ فيلسوفاً قد التف حول أفكاره جماهير عريضة من شتى الجنسيات مثلما صار ذلك لكارل ماركس، حيث اخترقت طروحاته حواجز القومية والإثنية، وأصبح علامة فارقة في مسار تطور الفكر الفلسفي. إذ كشف سر ظاهرة الاستغلال التي رافقت البشرية في سياقات تاريخية مختلفة إلى أن بدت بوجهها المُلطف في مرحلة الرأسمالية. 

 "إن الرأسمالية تحمل بذور فنائها".
 تقديس السلع (commodity fetishism). وهو مفهوم يفسر كثيرا من الظواهر التي نلاحظها في حياتنا اليومية. بحسب ما أورده ماركس، فإن سعر السلعة يحدد من خلال ما تحتويه من قيمة اجتماعية. لتبسيط هذا المفهوم
ما الذي يدفعنا لشراء قوة الصباح من استاربكس ودفع ما يقارب ال dollars 5، في الوقت الذي تباع فيه القهوة في المحل المجاور بما لا يتجاوز الدولارين. وما الذي يدفع شركات الطيران للمبالغة في تسعير تذاكر درجتي ال first and business class، بحيث يمكن أن تتجاوز خمسة أضعاف التذكرة العادية، في حين إن كلفتها الحقيقية لا تتجاوز الضعف.
، نجد أن خليطا من العوامل الاجتماعية هو ما يدفعنا لتقبل أسعار بعض السلع والخدمات رغما عن عدم تناسبها مع القيمة الحقيقية. لقد استطاعت الرأسمالية توظيف هذا المفهوم بصورة مدهشة لبرمجة عقول المستهلكين. إنه لمن المحزن أن البشرية بعد أن استطاعت تجاوز الأنظمة الطبقية الحسية (الإقطاع والعبودية) فإنها عادت وسقطت في فخ الطبقية الذهنية.

 المنافسة بين المنتجين يدفع الأسعار نحو الانخفاض، لكنهم (ومحاولة منهم في زيادة الاًرباح) يقومون بخفض تكاليف الإنتاج. ولأن الرأسمالية الشرسة لا تبالي بمصير العمال وعائلاتهم، فإن التخفيض يشمل فيما يشمل رواتب العمال. وهذا يؤدي بدوره إلى انخفاض القدرة الشرائية في المجتمع. ثم إن الفجوة بين الكم الهائل من الإنتاج ومقدرة المستهلك على الشراء تؤدي إلى ظهور الأزمات الاقتصادية.

لا شك أن فكرة الملكية الجماعية التي دعى إليها ماركس قد أثبتت فشلها، لكن في المقابل أليس من الظلم أن يستغل حفنة من الأثرياء مجهودات الملايين من الفقراء لزيادة ثرواتهم. لقد شهدت البشرية في القرن الحالي معدلات من سوء توزيع الثروة لم تشهدها من قبل. وهذا ما عبر عنه ماركس من مخاوف وأطلق عليه صفة "الجانب المظلم للرأسمالية". دعونا ننظر لهذه الإحصائيات:

 في العام ٢٠١٨، عدد المليارديرات في العالم اقترب من حاجز ال ٢٠٠٠ شخص.
* مجموع ثروات ال ٧٠ الأوائل منهم يفوق مجموع ثروات ٣٠٪ من سكان العالم.
* بحسب أوكسفام؛ فإن ٥٠٪ من مدخرات هؤلاء المليارديرات كفيل بمحاربة الجوع والفقر والمرض في العالم، بينما تضمن لهم ال ٥٠٪ المتبقية حياة مليئة بالبذخ والترف والاستمتاع.
 –
6- لقد كان ماركس محقا عندما تحدث عن جشع الرأسمالية وانتهازيتها، لكن: هل فكر يوما في أن رفاق دربه من الروس والصينيين هم من سيمثل هذه الرأسمالية البشعة؟


كارل ماركس ونظرية قيمة العمل

تغيير العالم وتحسين المجتمع والتنبأ بالمستقبل.
 قيمة الاقتصادية لأي سلعة كانت لها علاقة طردية مع كمية الجهد التي صرفت لإنتاجها. مثلاً، سعر البصل أغلى من سعر الفلفل، لأن زراعة البصل والعناية به حصده أصعب بكثير من زراعة الفلفل. فلذلك يرتفع سعر البصل بسبب كمية الجهد الذي صرفه مزارع البصل عليه مقارنة مع كمية الجهد الذي صرفه مزارع الفلفل.

يؤمن علماء الاقتصاد بأن نظرية قيمة العمل ليست دقيقة بالمعنى العلمي ويتبنون نظريات أخرى مثل نظرية المنفعة الحدية التي تنص على أن قيمة السلع (مادية كانت أم خدمية) تعتمد على انتفاع المستهلك من تلك السلعة أو المتعة التي يمتصه المستهلك منها. نظرية قيمة العمل هي ما زالت باقية ولديها القدرة على تفسير بعض من قيم السلع لكنها تفشل في أحيان أخرى عن التنبؤ بأسعار وقيم بعض المنتوجات المادية والخدمية. 

ماذا عن الطلب؟ ماذا لو لم يفضل السوق هذه السلعة الذي اجتهد العامل في صناعتها؟ كيف يفسر نظرية قيمة العمل قيمة الهابطة للسلعة والتعب المضيع للعامل؟ مثلاً، لو قام النحات ببذل جهد ووقت لنحت صورة لشيء ما من أجل بيعه في السوق، لكن تبين لاحقاً أن لا أحد يرغب في شراء هذا النحت، فالسؤال المطروح هنا هو كيف تفسر نظرية قيمة العمل قيمة الدنيئة لهذا النحت الذي تطلب جهداً ووقتاً عظيماً من قبل النحات من أجل صنعه؟ فلنبقى على مثال النحات ولنجب على هذا الانتقاد من خلال النظر إليه بعين الاقتصادي كارل ماركس. نقول أن ماركس كان يظن بأن هناك معطيين أساسيين لم يكتبهما في كتاباته لأنهما كانا واضحين كفاية له ربما:

1- إذا كان ذلك النحت يتطلب نفس الجهد من جميع الناس كما تطلبه من ذلك النحات، وإذا كان النحات والناس يملكون نفس التقنيات والأدوات للنحت، فإذاً لا بد من أنهم يقدرون ويقيمون ذلك الجهد العظيم الذي بذله النحات لنحت الصورة (على أقل لو علموا أن النحت يتطلب كثير من الجهد والمهارة
2- إذا كان النحات قد أتى من نفس خلفية الاجتماعية والتاريخية لمجتمعه وتربى داخل أسرة اعتيادية تثمن وتقدر ما يثمنه ويقدره الآخرون حولهم، وتبحث عن الجماليات وترغب بالأشياء نفسها، فإذاً الفكرة التي طرأ في ذهن النحات لنحت تلك الصورة لا بد أنها أتت لسبب ما (ربما فكر النحات بأن تلك الصورة المنحوتة قد تلمس جانباً عاطفياً من مجتمعه كما شغل عاطفته واحاسيسه). بمعنى آخر، ظن النحات أن الجميع الناس في مجتمعه سوف يحبون سلعته لأنه أحبه. أي إذا كان الناس مثلي، فلا بد أنهم يحبون نفس الشيء الذي أحبه واقدره واتمتع به.
ماركس لم يفكر بنقطتين مهمتين اخرين هما:
1- لم يتوقع ماركس وجود أفراد أغبياء يصرفون جهداً عظيماً ووقتا طويلاً لعمل سلعة بلا فائدة للإنسان. الأشياء عديمة الفائدة يصنعها أشخاص مجانين ومنعزلين عن المجتمع.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق