هذه "الطرفة" تكثيفٌ بليغٌ لسياسة "دبّر حالك" التي تهيمن على مجمل بلادنا العربية، فـ"تدبير الحال" هنا هو بمثابة قانون اللاقانون، حيث يستخدم المسؤول قدراته في "التدبير" لجمع ما يستطيع من مال، اغتناما لفرصة المسؤولية، وهي سياسةٌ مقرّة ومتسامحٌ معها على أعلى مستوى، بل أصبحت "ثيمة" ساخرة تؤشّر على مدى "سيولة" الدولة العربية المعاصرة، وهلامية القوانين.
إحدى أبشع مظاهر سياسة "دبّر حالك" الأكثر إيلاما، حين يتصل مسؤول كبير بوزيره شاكيا له من ثقل العبء الواقع على كاهله، فيقول له الوزير: دبّر حالك
"أفلا يتدبّرون القرآن" (82، النساء)، أي يتأملون معانيه ويتبصّرون ما فيه. أما "دبّر حالك" فلها شأن آخر، فهي عبارة تسمعها حين تتعقد الأمور، أو بالأحرى حين يتم تعقيد الأمور في وجهك. وفي حال استسلمت لها، وأيقنت أنه ليس ثمّة من تدبير، فستكون خسرت كثيرا. أما إذا أنعمت النظر وبدأت بتدبير الأمر، حسبما تقتضيه الحكمة، والبحث عن مخارج وخيارات، فستجد أن هناك جدوى فعلا، وأن لكل معضلة حلا، ولكل تعقيد تدبيرا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق