Feb 4, 2021
سؤالين أساسيين، أولا: هل هناك منافس جدي يمكن أن يحل مكانه كعملة احتياطية عالمية؟ ثانيا: ألن يكون وجود الدولار مفيدا إذا انفجرت فقاعة الأصول والائتمان على مستوى عالمي؟
يعتقد الكاتب أن الإجابة عن هذين السؤالين تفضي إلى القول إن الدولار لا يبدو على وشك فقدان مكانته كعملة أولى عالميا على المدى القريب
المتشائمون بشأن وضع الدولار إلى أن سياسة التيسير النقدي الاستثنائية -التي انتهجتها الولايات المتحدة في أعقاب جائحة كورونا- هي السبب الرئيسي وراء توقعاتهم بأزمة قادمة للدولار.
عجز في الميزانية أو ارتفاع مستوى الدين العام أعلى مما تشهده اليوم، ولم يسبق للاحتياطي الفدرالي أن أبقى أسعار الفائدة منخفضة بمثل هذا المستوى، أو زاد من ميزانيته بالسرعة التي يعتمدها حاليا.
والأمر المزعج من هذا المنظور أنه من غير المتوقع أن تتغير هذه السياسات على المدى القريب، إذ إن إدارة الرئيس جو بايدن تعتزم تمرير مجموعة كبيرة من الحوافز الجديدة لإنعاش الاقتصاد، كما أن الاحتياطي الفدرالي أكد مرارا أنه يعتزم إبقاء أسعار الفائدة في مستوياتها المنخفضة الحالية، ومواصلة توسيع ميزانيته العمومية لأجل غير مسمى.
ويعتقد متداولو الدولار بأنه -من خلال خفض مستوى الادخار في الولايات المتحدة- سيؤدي العجز الكبير في الميزانية إلى اتساع الدين الخارجي، كما أن أسعار الفائدة المنخفضة للغاية لا تحفز المستثمرين الأجانب على الاحتفاظ بالعملة الأميركية، وهو ما يشير إلى أزمة قريبة للدولار من وجهة نظر المتداولين.
هذا الاستنتاج يتغاضى عن نقطة أساسية وهي أن انخفاض سعر الدولار عالميا يحدث عندما يفقد قيمته مقارنة بالعملات الرئيسية الأخرى حول العالم.
يعيش اليورو (المنافس الرئيسي للدولار) أزمة حقيقية بسبب حالة الركود الاقتصادي التي تعيشها أوروبا، ويبدو الاتحاد الأوروبي على أعتاب أزمة ديون جديدة قد تشكل تهديدا وجوديا لعملته.
سمعة الاقتصاد الأميركي كملاذ استثماري آمن، فعندما تبدأ الحكومات العالمية باعتماد سياسات تضييق اقتصادية، سيبدأ المستثمرون العالميون بالبحث مجددا عن الملاذ الآمن الذي توفّره لهم سندات الخزينة الأميركية.
وليس الدولار هو ما يجدر بالأميركيين أن يقلقوا بشأنه، بل العجز الكبير في الميزانية ومستويات الدين المتزايدة التي قد تشكل عبئا ثقيلا على أبنائهم وأحفادهم مستقبلا.
*
ورقة الدولار الخضراء تكاد تنقطع أنفاسها من تواصل مطاردتها من عدد كبير من الأفراد والمؤسسات والشركات والدول.
يطاردون بلا توقف وبأقصى سرعة ممكنة وبشكل شرعي وقانوني، وبشكل لا شرعي ولا قانوني، وحتى المرضى والمقعدين يطاردونها ويطاردون من تملكها وينافقون له ويتملقون.
ولا أستبعد وجود من يركع أو يسجد أو يصرف بعض أنواع العبادات له، والملاحظ أن ورقة الدولار الخضراء حتى لو رُكِّب لها محرك نفاث بسرعة تفوق سرعة الصوت سيدركها المطاردون ولكنها لا تستقر طويلاً حتى في أيدي البخلاء.
مزورو العملات يعتبرون تزوير الدولار تحدياً وقدرتهم على تزويره إنتصاراً، وأحد أهم أهداف رجال السياسة هو الدولار وتوليده وتجميعه وتكثيره، ويمكن أن يعلنوا الحرب أو يبتزوا غيرهم في سبيل الدولار.
يُخيل إلي أن إبليس لعنه الله يرقص مبتهجاً على معزوفات الدولار وأنغام أجزائه ومضاعفاته، وأحياناً يرتدي الدولار أو يضع الدولار عمامة لرأسه اللعين، ولا أتصور أن إبليس ينتعل الدولار، لأن له عند إبليس قدراً ومكانة حيث أنه سبب من أسباب القتل والجرائم المتعلقة بالمخدرات والتحايل والنصب، وسبب سلسلة طويلة من الجرائم الأخرى.
الدولار ليس فقط العملة الرئيسة في سوق النفط ولكنه أيضاً أهم عملة في سوق الكورونا، وبورصة بيع وشراء الذمم والكرامات وهي سوق نشطة وحجمها كبير.
ومن أنشطته بيع الكلمة وشراء المواقف وتسويق الأكاذيب وتمرير المغالطات وتشويه وشيطنة الشرفاء، وغير ذلك.
الدولار مفتاح للأبواب ولكن ليس كل الأبواب، وفتنته تضرب بلا هوادة وتحتل عقول رجال المحاسبة والاقتصاد، فالمحاسب يتفنن في إظهاره في القوائم المالية والميزانيات بسعادة بالغة وأجواء احتفالية، ويقيس النجاح والفشل به، ويبتهج ويحزن إن زادت كميته أو نقصت، ورجال الاقتصاد يستنفرون اللغة ويحشدون الكلمات، سوف ويعتقدون أن الناس إن هزوا رؤوسهم يفهمونهم، عندما يقذفون المصطلحات الاقتصادية في أعين وأسماع الناس، فالناس لا يفهمون من الاقتصاديين أن الدولار وسيلة لتحسين نوعية الحياة، ويحصل مالكه على تعليم أرقى وعناية صحية أفضل، بل يفهمون بأن الدولار محور الكون وهدف وغاية في حد ذاته.
الدولار أحياناً يفقد الإنسان صوابه ويفعل في رأسه فعل المسكرات والمخدرات ويخلُّ بإتزانه ويتصور بأنه بدولاره يستطيع شراء أي شيء ويتكبر ويتعالى ويتغطرس وربما قَبّل قدم من يعطيه دولاراً بلا مقابل.
لا أتصور الحزن الذي سيعم العالم إن مات الدولار، ولكن إن مات الدولار ستشرق شمس يوم جديد مختلف بكل الأبعاد والمقاييس.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق