الجمعة، 6 أغسطس 2021

فالمعادلة لديهم هي أن مجتمعاً جاهلاً يدوم خيرٌ لهم من وعي يقلب مصائرهم ويُبعدهم عن التحكّم بالرقاب والبلاد.

تنسحب المآسي المتتالية على هيكل المعرفة ومن ينتجها بوجه عام، إذ تخنقه مظاهر الترهّل والتسليع والتسطيح والتبعية العمياء في كلّ شيء حتى باتت المعرفة تستولد مشوّهة بشكل تافه ومبتذَل وتستنسخ من المنتديات وبعض المواقع التواصلية ومن أفواه البعض المستغرق في الجهل إلى أذنيه حتى باتوا خطرا فعلياً على أنفسهم ومجتمعاتهم.

 ألم يكن محمد «ص» يهوى الجلوس مع الفقراء يناضل ليل نهار ليرفع الظلم عنهم، تدمى قدماه ويُرمى بالحجارة، يخرج إلى الأسواق ينادي في الأزقة: «أيها الناس الفقر هو الكفر».

ألم يخرج أبو ذر الغفاري مطالباً حينها بحقوق الناس والفقراء؟ ألم يخرج علي «ع» مطالباً بالحقوق والعدل؟ إن رجل الدين لا بدّ أن يكون من الناس وللناس، ويجاهد بكلّ الطرق ليكون في قلب المطالبات بحقوقهم المهضومة لا أن يجلس في برجه العاجي متفرّجاً!

فلماذا لا تُجعل المساجد والكنائس أماكن للاعتصامات ورفع الصوت ضد الوضع القائم؟ فإذا لم تكن أماكن ومنابر من أجل إحقاق الحق ورفع الظلم فما قيمتها؟ بيوت الله لا تُبنى وتتمرّد عملياً على الله وعباده.

قوة ضغط حرّة في وجه فاسدين لا ينبغي السكوت عنهم، فهذا الحرام بعينه.

الإقطاع الديني والسياسي لا يزال موجوداً بلباس جديد قد تغيّر نوعاً ما،

محمد مشى في الأسواق وكان يجالس كل الناس ويجلس حيث ينتهي به المجلس تواضعاً والتصاقاً بالناس، لدرجة أنه لم يُعرف في المجلس حتى قيل: «أيّكم محمد؟». والأمر نفسه مع السيد المسيح الذي ساح في البلاد ملتصقاً بالناس مواسياً لهم ومُحذّراً من العلماء الكذبة المعتاشين على الدين المتنصّلين من مسؤولياتهم، حيث يقول: «إنّ شرّ النّاس لرجلٌ عالم، آثر دنياه على علمه، فأحبَّها وطلبها وجهد عليها، ولو استطاع أن يجعل الناس في حيرة لفعل، وماذا ينفع الأعمى نور الشّمس وهو لا يبصرها، كذلك لا ينفع العالم علمه إذا هو لم يعمل به، فتحفَّظوا من العلماء الكذبة الّذين يخالف قولهم فعلهم».
كي لا يُقال بأني متحامل، فإنّ هناك كثيراً من رجال دين وكهنوت وطلاب علم وعلماء يعملون ويجاهدون وقد لا يجدون قوت يومهم، وهم أناس مخلصون، لكن اللعنة تلاحقهم لأنهم غير محسوبين على هذه الجهة أو تلك.

لطالما كانت الحوزات العلميّة في مراحل تاريخيّة معيّنة تشكّل مركز ثقل اجتماعي وضغط سياسي في إيران والعراق، حاولت التأثير في مجريات الأحداث السياسية رافضة كلّ أشكال التسلّط والظلم، ولكنها كانت تنطلق كرد فعل محكوم بفتاوى هذا المرجع أو المجتهد أو ذاك، وتجد لها صدى شعبياً، فيما المطلوب تنظيم وتنسيق وآليات عمل مؤسساتية فاعلة ومواكبة لتحديات الواقع، يشرف على ذلك رجال مخلصون، ثقاة، بعيدون عن التعلّق بالدنيا لا يُثقلون الحياة بالأزمات، ولا تزيد أنانياتهم من العفونة السياسية والثقافية البغيضة.

فما نرجوه حركة حوزوية ودينية عامة إسلامية ومسيحية متحرّرة وأكثر إلتصاقاً وإحساساً بهموم الناس.

الحاجة ضرورية إلى حركة شعبية جدّية تؤسس لاسترجاع الحقوق عبر الضغط ورفع الصوت في الفضاءات الحرة لا فضاءات زعامات وجهات، حركة تتعرّف بوعي إلى حدود قوتها الذاتية، وفي الوقت عينه تتعرّف إلى مكامن الضعف والخلل في الأسلوب والعمل والحركة وعدم التغاضي عن ذلك.

من جهة الناس فقد اعتادوا الخنوع والخضوع واستسلموا لهذا الواقع المتشظّي وفقدوا وجهتهم وتخلّوا عن مسؤولياتهم، وبدل أن يكونوا الفاعلين والمؤثّرين في صنع الأحداث باتوا أرقاماً وأحجاماً يُتلاعب بمصائرهم ووجودهم.

ما يُثبت مسيرة تضحيات المجاهدين والشرفاء والناس البسطاء في أيّ مجتمع هو ما يحفظ ثمارها مزيداً من تحقيق الحرية والعدالة الاجتماعية والمساواة ونبذ الظلم ورفع الحرمان، وإلا نكون كبالون كبير وجميل منتفخ من أية نكزة ينفجر وهذا ما لا نتمنّاه.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق