Mar 3, 2019
د. جواد بشارة
السماء تبدو مظلمة ومعتمة رغم ما تحتويه من مليارات النجوم والمجرات والسدم والكوازارات. ومنذ عقود طويلة يسعى علماء الفيزياء والفلك والكونيات إلى فهم مم يتكون الفضاء العميق الكائن بين النجوم والمجرات ولماذا هو مظلم وأسود أو معتم ، والأغرب من كل ذلك هو أن كل ما هو موجود ومرئي في الكون المنظور لا يشكل سوى 5% من محتويات الكون والباقي، أي الــ 95% ليست سوى مادة سوداء أو مظلمة وطاقة سوداء أو معتمة أو مظلمة والتي يجهلون كل شيء عنهما تقريباً فلا أحد يعرف طبيعة وماهية وخصائص هذين المكونين فهما لايصدران أي نوع من الإشعاعات وبالتالي مايزالان مجهولين، رغم مايمتلكه العلماء من تكنولوجيا حديثة ومتطورة وكمبيوترات عملاقة وتلسكوبات متقدمة جداً فضائية وأرضية وأدوات رصد وقياس ونظريات معاصرة. بين الفينة والأخرى تظهر أفكار وفرضيات جديدة للإيقاع بتلك المادة اللغزية الغريبة المسماة المادة السوداء أو المظلمة. أو نظرية جديدة تتطلب إعادة النظر ومراجعة ضرورية لوسائل الحساب والرصد والتقصي. إلا أن المهمة عسيرة فليس لدى العلماء سوى أجهزة وأدوات تقيس وترصد كل ما يصدر ضوءاً أو إشعاعاً سواء من نوع الطيف الضوئي المرئي أو الأشعة الحمراء أو فوق البنفسجية أو أشعة إكس . والحال أن هناك تقديرات تقول أن نسبة المادة السوداء أو المظلمة الغامضة تقدر بــ 25%، والتي بدونها تفقد المجرات نجومها وتتمزق ركامات السدم وعناقيد المجرات وتتشتت ولن يعد بوسعنا معرفة أو دراسة وشرح وتفسير البنية الهندسية والتركيبة الهيكيلية للكون المرئي .
هناك 68% من الطاقة السوداء أو المعتمة أو المظلمة التي تتسبب بتمدد الكون المرئي وتوسعه وتشوه الزمكان فيه وتباعد بين المجرات والسدم والتي يجب أخذها بالحسيان عندما نريد حساب أو قياس المسافات في الكون المرئي. هذا هو الواقع المعروف للطبيعة والكون المرئي ، إلا إذا كان هناك واقع آخر مجهول وخفي مختلف تماماً نجهله في الوقت الحاضر. بعض العلماء والباحثين قدموا نظريات افتراضية ونماذج كونية مبنية على مبدأ الاستغناء عن هذين المكونين الغامضين فنحن نسبح فيما يمكن أن نسميه اللامتناهي في السواد والظلمة الكالحة والمعتمة التي تطغي على الكون المرئي برمته.
برغم كل ذلك فإن نسبتها لا تتعدى الــ 5%، من كمية المادة الواجب توفرها في الكون ففي أي شكل أو هيئة توجد الــ 95% الباقية وكيف نعمل لكي نرصدها ؟ كان ذلك هو هاجس العلماء إبان سنوات الثمانينات من القرن الماضي.
فالعلماء يؤمنون بموضوعية وحيادية الطبيعة وقد شيدت العلوم على حجر أساس يتمثل بقانون السبب والنتيجة أو التأثير والمعروف فلسفياً بالعلة والمعلول ، حيث ينبغي على التجارب العملية والمختبرية والرصدية أن تثبت صحة التنبؤات والتوقعات والفرضيات النظرية. والحال إن هناك بعض المصادفات الرقمية تبدو شديدة التخصصية ولا تتماشى بالضرورة مع إحساسنا بالمتقبل والمحتمل ، أي فكرة إن ما يتم إنجازه وتحققه ليس فيها ما هو غير محتمل على نحو خاص. إن هذا التشخيص يحث على إتخاذ وجهة من التفكير تحطم القوالب الجامدة والسيرورة المتشددة ، وهو ما يعرف بالمبدأ الأنثروبي ، أي إن الأشياء تحققت بموجب ظهورنا على مسرح الوجود وفق مشيئة عليا.
من الناحية الإحصائية، لم يعد مستحيلاً، بل ممكناً جداً، وجود أكوان أخرى على غرار كوننا المرئي تضم حيوات وحضارات، ما يعني انهيار الذريعة الأنثروبية، وهذا يعطي فكرة جلية عن تفاهة وجودنا وعدم أهميته مقارنة بما هو موجود ، حتى في نطاق كوننا المرئي وحده، فما بالك بالنسبة إلى عدد لامتناهي من الأكوان؟ الكوسمولوجيا المعاصرة تصيب الدارس بالدوار وتقوده إلى الجنون. فنحن بالكاد بدأنا نعرف القليل جداً عن كوننا المرئي فكيف يمكننا تصور وإدراك الكون الكلي ؟ وحتى تكون هناك إمكانية عادية وبديهية لظهور الحياة يتوجب علينا تقبل فرضية تعدد الأكوان المختلفة والمتشابهة . فالرؤية السابقة للكون تفترض وجود خالق وتصميم عظيم مسبق أدى إلى خلق الكون ، إلا أن نظرية تعدد الأكوان تلقي بنا في خضم فوضى عقلية وإدراكية عملاقة وهائلة un gigantesque chaos، الأمر الذي يدفعنا للتساؤل هل هناك فائدة أو جدوى من الاعتقاد بوجود إله خالق؟ وما هو هذا الإله وما هي ماهيته وصفاته ؟ وللتهرب من هذا المأزق الفكري صرح آينشتين بأنه يؤمن بإله سبينوزا وهو إله يغمر الكون المرئي برمته وقد وضع له قوانينه وثوابته وحركته وسيرورته مرة وإلى الأبد ولم يعد يتدخل في شؤونه ، حيث تحدد وتقرر كل شيء انطلاقاً من لحظة بدئية تأسيسية ، ولكن في حالة وجود عدد لامتناهي من الأكوان فهل لكل كون إله خاص به على غرار إله سبينوزا؟ وهل هناك إله فائق أو مطلق " الله الواحد الأحد" كما تقول النصوص الدينية الذي يتسامى ويتعالى على كافة " الآلهة الكونية الأخرى؟" هذه مشكلة ثيولوجية بامتياز لا يرغب العلم الخوض فيها في الوقت الحاضر نظراً لنقص أدواته البحثية وأجهزته التقنية والتكنولوجية اللازمة للرد على ما يصدر عن هذه الرؤية من تساؤلات .
كيف
يعقل للوجود الاكبر الضارب في اعماق اللا نهاية الزمنية ازليا ان يصل و... ينتهي
بعد رحلة لا نهائية !!.. الي لحظة انفجار فقاعات كونية هنا وهناك ؟
*
تعريف مبسط حول الطاقة المظلمة، يقول البروفيسور ميكو كاكو Michio Kaku، إن الطاقة المظلمة هي عبارة عن كتلة ضخمة في الكون تمتلك جاذبية هائلة لكنها غير مرئية، لأنها لا تتفاعل مع الضوء والقوى الكهرومغناطيسية التي تملأ الفضاء، وتتحكم هذه الطاقة بشكل أساسي في تمدد وتوسع الكون، بل وتسيطر المادة المظلمة على الكون كله.
وقد توصل العلماء إلى أن الكون يتركب من نحو 73 % من ما يعرف بالطاقة المظلمة، و23 % من المادة المظلمة، و4 % فقط من الذرات، وأن الطاقة المظلمة هي التي تتحكم في مصير ونهاية الكون بصورة أو بأخرى.
غامضة وتعد سر الكون الأعظم على الإطلاق.
أول توقع صحيح لسلوك المادة المظلمة، التي تمسك المجرات ببعضها، حيث تدور المجرات بسرعة كبيرة لدرجة أن القوانين الأساسية للفيزياء تشير إلى أنها يجب أن تمزق نفسها وأن المادة المظلمة هي ما يعتقد أنه يبقيها مع بعضها مترابطة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق